«لبنان بلا عنوان»... أعمال فنية تتحدث عن جماليات وطن مأزوم

معرض تنظمه «أرت سكوبس» و«غاليري جانيت راضي للفن التشكيلي» في لندن

لوحة للفنانة ماري حداد (أرت سكوبس)
لوحة للفنانة ماري حداد (أرت سكوبس)
TT
20

«لبنان بلا عنوان»... أعمال فنية تتحدث عن جماليات وطن مأزوم

لوحة للفنانة ماري حداد (أرت سكوبس)
لوحة للفنانة ماري حداد (أرت سكوبس)

تشهد صالة المؤسسة الفنية «كرومويل بليس» في العاصمة البريطانية لندن حدثاً فنياً استثنائياً يأخذ الجمهور في رحلةٍ إلى عالم الفن اللبناني المدهش. يستضيف المعرض لأول مرة في تاريخه 33 فناناً لبنانياً موهوباً، يحملون معهم أحلامهم وتأملاتهم، ليرووا قصص بلدهم الصغير ويعكسوا جمالياته من خلال لوحاتهم وأعمالهم الفنية المميزة.

بعيداً عن الأخبار التقليدية التي تُظهر لبنان فقط في سياق الأزمات والصراعات، يسعى هؤلاء الفنانون اللبنانيون إلى تقديم وجهٍ جديد ومذهل لوطنهم الجريح. يحملون اسم «لبنان بلا عنوان» ليعبروا عن حرية إبداعهم وتعابيرهم الفنية التي لا تعرف حدوداً. تعاونت مؤسستان فنيتان بارزتان في المنطقة؛ «جانيت راضي فاين أرت» ومؤسسة «أرت سكوبس»، لإحياء هذا المعرض الفني الذي يهدف إلى إبراز الثروة الفنية والثقافية التي يحتضنها لبنان.

تأتي أعمال الفنانين اللبنانيين المشاركين في المعرض بأشكال وأساليب فنية متنوعة ومبتكرة. تزين جدران صالة «كرومويل بليس» وتأسر قلوب الزوار. وهذا المعرض الفريد يُعد الأكبر من نوعه.

كان لـ«الشرق الأوسط» حديث مع مي مامارباشي، الشريكة المؤسسة في «أرت سكوبس» حيث أشارت إلى أن إنشاء المنصة كان فكرة ابنتها ريا التي أرادت من خلالها أن تجمع وتعرض أعمال الفنانين العرب بلا استثناء. وبمساعدة والدتها، بدأت في تحقيق هذا الهدف. مع مرور الوقت وجهودهما المستمرة، نجحت المؤسسة في النمو وتوسيع نطاقها خارج لبنان. وبعد إعادة افتتاح متحف سرسق، رأت مامارباشي أنه من المهم أن يتعرف العالم على جانب آخر من لبنان، وكان المعرض الذي تنظمه المؤسسة أول وأكبر فعالية من هذا النوع، تجمع عدداً كبيراً من الفنانين اللبنانيين خارج لبنان.

وتؤكد مي مامارباشي أيضاً على دور جانيت راضي (غاليري جانيت راضي للفن التشكيلي في لندن) الداعمة للمؤسسة، من خلال التعاون معها، الذي شكل أحد العوامل الرئيسية في نجاح المعرض، وتحقيقه لهذه الخطوة الهامة في رحلتها إلى بريطانيا.

بدورها، تحدثت الابنة ريا مامارباشي صاحبة الفكرة ومنفذتها لـ«الشرق الأوسط»، عن الخطوات التي قادتها ووالدتها إلى تحقيق هذا الهدف، فأوضحت أن النواة كانت منصة إلكترونية أنشأتاها عام 2015 في بيروت، وبعد 7 سنوات من العمل المثابر، قررتا الانتقال إلى فضاء أوسع خارج حدود لبنان لنشر أعمال الفنانين اللبنانيين وتعريف العالم بمواهبهم. وتوقعت ريا أن يستقطب المعرض الحالي زواراً من جميع الجنسيات العربية والأجنبية لما يضمه من أعمال فنية لأسماء لبنانية معروفة في عالم الفن والتشكيل.

تنتقل «الشرق الأوسط» لأخذ كلمة من جانيت راضي، الفنانة المتخصصة في الفن المعاصر والمشاركة في تنظيم المعرض، تتحدث فيها عن أهمية لبنان كمركز فني راسخ في الشرق الأوسط. معبرة عن سعادتها بتنظيم معرض بارز بالتعاون مع «أرت سكوبس»، المنصة الرائدة في عرض وبيع الأعمال الفنية في لبنان والشرق الأوسط وحول العالم.

راضي حائزة على درجة الماجستير في تاريخ الفن الإسلامي من جامعة «ملبورن» في أستراليا، وعلى درجة البكالوريوس من كلية «الدراسات الشرقية والأفريقية» في جامعة لندن. إلى جانب معرفتها الواسعة بتاريخ الفن، وتتميز بخبرتها المتعمقة في السوق الفنية الدولية.

يعكس شغف جانيت بالفن العالمي قدرتها على بناء مهاراتها المتنوعة في هذا المجال. فهي تقضي وقتاً في دور المزادات الريادية والمعارض التجارية الكبرى، حيث تواصل تعلمها وتطوير نفسها. وهي تمثل نموذجاً يلهم الآخرين في مجال الفن المعاصر، إذ تجمع بين الموهبة الإبداعية والمعرفة الأكاديمية العميقة لتحقيق تأثير مستدام في عالم الفن.

لوحة من عمل الفنان ويلي عرقتنجي (أرت سكوبس)
لوحة من عمل الفنان ويلي عرقتنجي (أرت سكوبس)

في صالة أعمال مشاهير فناني لبنان، توجد تحف فنية لعدد من المعروفين. ويتضمن المعرض لوحة قدّمها ويلي عرقتنجي بعنوان «الغراب والثعلب» تصور الحكايات الخرافية للكاتب الفرنسي جان دو لافونتين.

لوحة للفنانة الراحلة لور غريب (أرت سكوبس)
لوحة للفنانة الراحلة لور غريب (أرت سكوبس)

الفنانة والصحافية الراحلة لور غريب كان لها أيضاً عمل عبارة عن قطعة تحمل تفاصيل دقيقة بالحبر الصيني على قماش القنب.

ويقدم الفنان اللبناني أسادور بيزديكيان لوحة زيتية صغيرة على قماش القنب.

قطعة خزفية مصنوعة يدوياً للفنانة زينة عاصي (أرت سكوبس)
قطعة خزفية مصنوعة يدوياً للفنانة زينة عاصي (أرت سكوبس)

ومن بين الأعمال الأخرى المميزة، هناك قطعة خزفية مصنوعة يدوياً للفنانة زينة عاصي، الحائزة على جوائز متعددة. بالإضافة إلى لوحة أكريليك على الخشب للفنانة أوغيت كالان، المعروفة بتصويرها الحسي لشكل المرأة. ومشاركات أخرى لكل من ألفريد بصبوص، وهيلين الخال، وناديا صيقلي.

لوحة من عمل الفنانة لانا خياط (أرت سكوبس)
لوحة من عمل الفنانة لانا خياط (أرت سكوبس)

وفي كلمة مع «الشرق الأوسط»، تخبر الفنانة لانا خياط اللبنانية المتنقلة بين الإمارات وإسبانيا، عن جمال الفن الأندلسي والحياة البرية التي تستوحي لوحاتها المولودة من حواراتها اليومية مع كل ما خُلق من جمال وألوان لم تمسه يد إنسان. جماليات صافية وحوارات عميقة تنطلق من روح امرأة عشقت الفن منذ نعومة أظافرها مع عائلة تضم مواهب فنية فريدة، تعود جذورها إلى جدها الأكبر محمد سليمان خياط، الذي ساهم في إنشاء الغرف العجمية السورية التقليدية وترميمها.

تقول: «قد تكون شخصيتي الانطوائية ساعدت في تحديد هويتي الفنية، وفي كل محادثة لي مع الطبيعة تولد لوحة فنية».

وتضيف خياط: «بسيطة رسائل لوحاتي، أن يشعر المشاهد لها أنه في الطبيعة، وعندما أبدأ الرسم لا أعرف أين ستأخذني تأملاتي».



10 آلاف ساعة صنعت من هيلين غارنر كاتبة

دوايت غارنر
دوايت غارنر
TT
20

10 آلاف ساعة صنعت من هيلين غارنر كاتبة

دوايت غارنر
دوايت غارنر

لطالما حظيت روايات الكاتبة الأسترالية هيلين غارنر بتقدير كبير من الأشخاص الذين أثق بذوقهم. ومع ذلك، عندما كنت أبدأ بقراءة رواياتها كنت أرتد عنها مثل مركبة فضائية أخطأت في العودة إلى الغلاف الجوي للأرض. لا بد أن يكون لكل قارئ كاتب أو اثنان من هذا القبيل، كاتب أو اثنان يشعر بأنه يجب أن يُعجب بهما لكنهما لا يكونان كذلك أبداً. بدت أعمال غارنر، في قراءاتي الموجزة ركيكةً، ركيكة وتفتقر إلى الصقل.

والآن يأتي كتاب «كيف تُنهي قصة»، وهو كتاب بوزن ثقيل للغاية يجمع 3 مجلدات من مذكراتها اليومية من 1978 إلى 1998، بدءاً من منتصف الثلاثينات من عمرها. يقع هذا الكتاب في أكثر من 800 صفحة، وهو يضم كثيراً من مذكرات غارنر اليومية (دون صلة مباشرة). كدتُ أضع هذا الكتاب جانباً أيضاً لأنه يبدأ بداية مرتجلة ومترددة.

نقاد الكتب، مثل العاملين في مجال النشر، يبحثون دائماً عن عذر للتوقف عن القراءة. لكن بعد فترة من الوقت بدأتُ في الانسجام مع صوتها. وبحلول ربع الطريق، كنتُ غارقاً بين يديها تماماً. ويا لخطئي الفادح!

هذا الكتاب موجه إلى الانطوائيين، الحذرين والمتشائمين، غير المتيقنين من مظهرهم أو ذوقهم أو موهبتهم أو مكانتهم الطبقية. تمتلك غارنر صوتاً مثالياً للتعبير عن مخاضات القلق والضيق في وقت متأخر من الليل، بعضها أكثر هزلية من البعض الآخر. أسلوبها في النثر واضح وصادق ومقتصد؛ إما أن تقبله أو ترفضه، على الطريقة الأسترالية.

وهي في سردها من النوع الذي قد يُخطئ الناس في اعتبارها أحد العاملين في مهرجانات الكتاب. يتوجَّه الناس إليها على نحو مفاجئ ويسألونها: «ما الخطب؟» (وهذا أمر أكرهه بصورة خاصة أيضاً). وهي تخشى على آداب المائدة. يقول لها المصورون أشياء مثل: «إن هيئة وجهك ليست هي الأفضل».

إذا سبق لك أن نظرت إلى صورة فوتوغرافية لنفسك وشعرت بالذهول من قبح مظهرك، حسناً، إن غارنر هي صاحبة السبق في هذه التجربة:

* لقد عرضت عليّ بعض الصور التي التقطها لي العام الماضي وصُدمت من قبح مظهري: بشرة مرقطة، ووجه مجعد، وقَصة شعر قبيحة، وتعابير داكنة. أعني أنني صُدمت للغاية. وذعرت من احتمال أن أكون بمفردي الآن لبقية حياتي.

يمتد إحساسها بعدم الجدارة إلى كتاباتها الخاصة. تقول: «أنا مجرد حرفية ذات مستوى متوسط». و«الحزن ليست كلمة قوية للغاية لما يشعر به المرء أمام ضعفه وتواضعه». إنها تحارب مستويات من «متلازمة المحتال» من الدرجة الفائقة للغاية.

احتفظ الكُتّاب بمذكرات لأسباب لا تُعد ولا تُحصى. تمنت آناييس نين أن تتذوق الحياة مرتين. وكانت باتريشيا هايسميث تتوق إلى توضيح «الأمور التي قد تهاجم ذهني وتحتل مُخيلتي». كما أرادت آن فرنك أن تستمر في الحياة بعد موتها. وشعرت شيلا هيتي بأنها إذا لم تنظر إلى حياتها من كثب فإنها تتخلى عن مهمة بالغة الأهمية.

تلك هي غرائز غارنر أيضاً. لكنها تقول أيضاً وبكل افتتان: «لماذا أكتب هذه الأشياء؟ جزئياً من أجل متعة رؤية القلم الذهبي يتدحرج على الورق كما كان يفعل عندما كنت في العاشرة من عمري». كانت هذه الكتابة تخدم غرضاً أكثر جدية. إذ قالت غارنر ذات مرة لمجلة «باريس ريفيو»: «المذكرات اليومية هي الطريقة التي حوَّلتُ بها نفسي إلى كاتبة - تلك هي الـ10 آلاف ساعة خاصتي».

تتألق تفاصيل حياتها اليومية دوماً في هذا الكتاب - النباتات المزروعة في الأصص التي تنمو إلى جانبها، ورحلات التسوق («كيمارت، ومنبع كل الخير»)، وحفلات العشاء، وغسل ملابسها الخاصة في دلو، وإزالة فضلات الكلب، وإصلاح التنورة، والذهاب إلى السينما، والاحتفاظ بنسخة من كتاب «الفردوس المفقود» في الحمام الخارجي. تعيش أحياناً في شقق صغيرة في المدينة، وأحياناً أخرى في منزل ريفي حيث ترى الكوالا، والكنغر، والنسور، والكوكابورا.

هذا هو تقريرها عن إحدى وجبات تناول العشاء في الخارج: «في منزل الهيبيز لتناول العشاء، وجدت في شريحة الكيشي التي أتناولها عنصرين غريبين: عود ثقاب مستعمل وشعر. أخفيتهما تحت ورقة الخس وواصلنا الحديث».

حديثها الأدبي يتسم بالحماسة والبراعة: «تظل العاطفية تتطلع من فوق كتفها لترى كيف تتقبل الأمر. لكن (الانفعال)، على الرغم من ذلك، لا يهتم سواء كان أحد ينظر إليه أم لا».

إنها تقيّم منطقة الانفجار حول بعض الأمور المملة. عن عشاء مع أكاديميين، تكتب قائلة: «أعفوني من افتراض كبار السن الهادئ بأن أي شيء يقولونه مهما كان مملاً أو بطيئاً أو رتيباً يستحق أن يُقرأ وسوف يحظى بجمهور».

لا يحتاج هذا الكتاب إلى جرعة من الدراما، ولكن الجرعة تأتي لا محالة. بعد زيجتين فاشلتين، تدخل غارنر في علاقة مع كاتب صعب المراس ومتزوج، تدعوه باسم «ڨي». (إنه الروائي موراي بايل). وفي نهاية الأمر يتزوجان، وتزاحم احتياجاته احتياجاتها فتغلبها. ثم تشرع في الشعور وكأنها دخيلة في شقتها الخاصة. فهو الذي تحق له الكتابة هناك، بينما يجب عليها الذهاب إلى مكان آخر للعمل. إنه يغار من أي نجاح تحرزه بنفسها. فأيهما هو المضيف وأيهما الطفيلي؟

يبدأ الزوج علاقة غرامية مع امرأة أخرى، وهي رسامة، ويراوغ ويكذب. تتظاهر غارنر، لأشهُر، بأنها لا تلاحظ ذلك. وتتشبث به لفترة أطول مما تتصور. ويصبح الأمر مروعاً. فعلاقتهما صارت الوعاء الذي تتكسر فيه عظامها حتى تستحيل إلى عجينة. وتكتب فتقول: «للمرة الأولى، بدأت أفهم نفسية النساء اللاتي يبقين مع رجال يضربونهن باستمرار».

العمل هو خلاصها وجسرها إلى العالم. خطتي هي أن أعود إلى كتبها الأخرى، وأن أخوض فيها هذه المرة لما هو أبعد من حجم كاحلي.

*خدمة «نيويورك تايمز»