الذكاء الاصطناعي عربياً... دول واعدة وفرص كبيرة

توقعات بإسهامه بـ320 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول 2030

TT

الذكاء الاصطناعي عربياً... دول واعدة وفرص كبيرة

جانب من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض العام الماضي (الشرق الأوسط)
جانب من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض العام الماضي (الشرق الأوسط)

وسط سباق عالمي متسارع في مجال الذكاء الصناعي، تُظهر محاولات عربية متنوعة رغبة واضحة في اللحاق بموقع متقدم ضمن تلك المنافسات، وهو ما تَوافق مع توقعات لمؤسسات عدة بإسهام القطاع بنحو 320 مليار دولار في الناتج المحلي لدول الشرق الأوسط بحلول عام 2030، فضلاً عن إشارة خبراء إلى فرص واعدة متمثلة في الطبيعة الديمغرافية لسكان المنطقة ذات الطابع الشاب، ما يعني أن هناك مزيداً من الفرص لجمهور أوسع من المستخدمين والمستفيدين من تطبيقات الذكاء الصناعي المتنوعة. وتبرز كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والمغرب كدول واعدة في المجال.

وتوقع تقرير لـ«المنتدى الاقتصادي الدولي» أُعلن في أبريل (نيسان) الماضي، أن «تحقق منطقة الشرق الأوسط مكاسب اقتصادية تصل إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030 من خلال الاعتماد على الذكاء الصناعي»، وهو الرقم نفسه الذي جاء سابقاً في تقرير توقعته شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، في عام 2018، وهي شبكة خدمات مهنية متعددة الجنسيات تتخذ من لندن مقراً لها.

ويمثل هذا الرقم، وفق تقرير «برايس ووترهاوس كوبرز»، 2 في المائة من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الصناعي في عام 2030، حيث من المتوقع أن يسهم القطاع بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول ذلك العام.

استراتيجيات وطنية

ووفق تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي، فإن «الكثير من بلدان الشرق الأوسط حققت قفزات في اتجاه حصد فوائد الذكاء الصناعي»، حيث أطلقت المملكة العربية السعودية «استراتيجية وطنية للبيانات والذكاء الصناعي» تتضمن خطة طموحة لتدريب ما يصل إلى 20 ألف متخصص بحلول عام 2030. فيما شكّلت إمارة دبي بدولة الإمارات لجنة مخصصة في يوليو (تموز) من عام 2022 للاستثمار في الذكاء الصناعي والاقتصاد الرقمي والميتافيرس. بينما تتولى البحرين تسخير الذكاء الصناعي لحساب أشجار النخيل فيها ولتحديد الإنتاج الزراعي بشكل أكثر كفاءة.

ومع هذه التطورات، يتوقع التقرير أن «يسهم الذكاء الصناعي بنحو 46 مليار دولار، أو 8.2 في المائة، في الناتج المحلي الإجمالي، في اقتصاديات البحرين والكويت وعمان وقطر بحلول نهاية العقد.

جانب من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض العام الماضي (الشرق الأوسط)

وتأتي تحركات الدول العربية في ملف الذكاء الصناعي معبِّرةً عن هذه الأرقام من خلال «استراتيجيات وطنية تم إعدادها، ووزارات متخصصة»، وهو ما يراه مصطفى العطار، الباحث في مجال الذكاء الصناعي بـ«جامعة النيل» الأهلية بمصر، كاشفاً عن «حقيقة إدراكها لضرورة التنويع الاقتصادي».

ويقول العطار لـ«الشرق الأوسط»: «في إطار استعداد الدول العربية المنتجة للنفط لمرحلة ما بعد النفط، فإنها عمدت منذ فترة إلى تنويع اقتصادياتها، وتراهن بشكل كبير على الذكاء الصناعي».

وحدد العطار 3 أسباب لانطلاقة الدول العربية نحو قطاع الذكاء الصناعي، أولها أن «البيانات هي نفط القرن الحادي والعشرين بما لها من قيمة في كل المجالات، وفي الدول ذات التعداد السكاني الكبير، مثل الدول العربية، تكون البيانات ذات قيمة أكبر؛ فمثلاً: في المجال الطبي قد تكون هناك حاجة لمعرفة لماذا يكون دواء فعالاً مع أشخاص وغير فعال مع آخرين، وهذه المعلومة لا تستطيع معرفتها من دون عدد كبير من البيانات».

والسبب الثاني، الذي يشير إليه العطار، هو أن «الصناعات ستسعى خلال السنوات المقبلة للطاقة المتجددة لكي تكون صديقة للمناخ، وبالتالي لا بد من البحث عن استثمارات أخرى تتماشى مع تحول الصناعات إلى اللون الأخضر».

ووفق العطار، فإن السبب الثالث لانطلاقة الدول العربية نحو القطاع هو «الطبيعة الديمغرافية لتلك الدول، والتي توصف بأنها (فتية ديمغرافياً)، حيث يمثل الأطفال والشباب نحو نصف السكان، وهذا يعني أنهم يستخدمون الهاتف المحمول بكثافة، وهو المصدر الرئيسي لجمع البيانات التي يعتمد عليها الذكاء الصناعي، هذا فضلاً عن سهولة تدريب الشباب على هذه التكنولوجيا».

ويلفت الباحث إلى بُعد آخر بشأن الفرص السانحة عربياً في المجال، ويقول: «بالنسبة إلى الدول العربية غير المنتجة للنفط، فإن بعضها أدرك فرصة استثمار طاقات الشباب لدفع النمو الاقتصادي، خصوصاً أن الذكاء الصناعي لا يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، قدر احتياجه إلى العقول، وهو ما دفع بعض الدول إلى تأسيس كليات متخصصة في الذكاء الصناعي».

تتوقع دراسات «برايس ووترهاوس كوبرز» أن تحقق السعودية أكبر المكاسب في مجال الذكاء الصناعي في الشرق الأوسط، بمساهمة تتجاوز 135 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول 2030

«السعودية 2030»

منذ إعلان المملكة العربية السعودية عن تنفيذ رؤيتها «السعودية 2030»، وهي خطة شاملة لتحويل الدولة إلى قوة استثمارية عالمية وتقليل اعتمادها على النفط كمحرك أساسي لاقتصادها، طوّرت المملكة «الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الصناعي» التي تهدف إلى دمج تقنيات الذكاء الصناعي وتحليل البيانات في جميع القطاعات الاقتصادية.

وتماشياً مع ذلك، تم إنشاء «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي» للإشراف على تنفيذ الاستراتيجية والمبادرات ذات الصلة، كما تدير الهيئة أكاديمية «SADAIA» التي تهدف إلى تزويد موظفي القطاعين العام والخاص بالمهارات اللازمة لاستخدام الذكاء الصناعي ودمجه في مسؤولياتهم الوظيفية.

ووضعت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي أنظارها على «تطوير منصات البيانات الضخمة وأدوات التحليل، بالتعاون مع القطاع الخاص، لدمج تقنيات الذكاء الصناعي في مجالات رئيسية منها «الحكومة» من خلال ربط جميع بيانات المؤسسات العامة والإدارية، وتحسين الوصول إلى هذه البيانات، وإنشاء قطاع حكومي ذكي بهدف أتمتة المعاملات الرسمية، واعتمادها على تقنيات الذكاء الصناعي، لتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية والفاعلية.

ومن المجالات الأخرى التي اعتمدت المملكة عليها لتعميق الذكاء الصناعي، التعليم، وذلك عبر «تحديث المناهج الأكاديمية لتشمل دراسة تقنيات الذكاء الصناعي ودورها في جميع القطاعات، وكذلك مجال الرعاية الصحية، عبر دمج الذكاء الصناعي في البحث الطبي وصناعة الأدوية، والطاقة. وفي مجال الطاقة تم استخدام البرامج والخوارزميات في إدارة سلاسل إمداد الطاقة لزيادة كفاءة هذا القطاع وإنتاجه واستيعابه.

ومن النماذج التطبيقية التي تنفّذها المملكة، تَبرز مساهمات باحثي «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)» التي وظّفت الذكاء الصناعي في مجالات: الزراعة، والصحة، والهندسة والإنتاج الحيواني؛ ففي جائحة «كوفيد - 19»، أعلنت «كاوست» على موقعها الإلكتروني عن استخدام الذكاء الصناعي لتطوير اختبارات تشخيصية للمصابين بالفيروس من خلال الأشعة المقطعية، وهي الأبحاث الذي قادها زين غاو، الأستاذ المشارك في علوم الحاسب الآلي والمدير المساعد المكلف لمركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية في «كاوست».

وأنشأ عالم النبات في «كاوست»، هيربرت هيرت، خوارزمية للذكاء الصناعي تم الإعلان عنها في 9 مارس (آذار) الماضي، تساعد على «التنبؤ بالميكروبات المفقودة من تربة معينة، بحيث يمكن إضافتها ومساعدة النبات على النمو».

كما دشنت الجامعة مبادرة «أكاديمية كاوست» التي تهدف إلى «التدريب على المهارات التقنية المطلوبة في سوق العمل، وإعداد قوة عاملة سعودية ماهرة في عالم متسارع تحرّكه التقنية، لتلبية متطلبات رؤية 2030».

وتتوقع دراسات «برايس ووترهاوس كوبرز»، أن تحقق السعودية أكبر المكاسب في مجال الذكاء الصناعي في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يسهم بأكثر من 135.2 مليار دولار أميركي في الناتج المحلي بحلول عام 2030.

خطوات مصرية

انعكس الاهتمام المصري بالذكاء الصناعي وتطبيقاته على تصنيفها في التقارير الدولية ذات الصلة، ففي التقرير الخاص بالجاهزية الحكومية لتطبيق تقنيات الذكاء الصناعي الذي تُصدره مؤسسة «أكسفورد إنسايت» ومركز أبحاث التنمية الدولية، احتلت مصر المرتبة الثانية في أفريقيا بعد موريشيوس والـ56 عالمياً في تقرير عام 2022، وهو تقدم كبير مقارنةً بتقرير عام 2019 الذي جاءت فيه مصر في المرتبة الثامنة أفريقياً، و111 عالمياً من أصل 194 دولة.

كما كشف تقرير التنمية البشرية لمصر لعام 2021 عن تقدمها بـ55 مرتبة في مؤشر «الجاهزية الحكومية للذكاء الصناعي». ووفقاً لمؤشر المعرفة العالمي، تقدمت مصر من المرتبة 72 من أصل 138 دولة في عام 2020، إلى المرتبة 53 من بين 154 دولة في عام 2021.

وعلى الصعيد الرسمي أطلقت مصر «الاستراتيجية الوطنية للذكاء الصناعي» في يوليو عام 2021، والتي تتركز على 3 محاور أساسية هي: التعليم، والتدريب، والاستفادة العملية من حجم البيانات ثم إتاحتها للقطاع الخاص للاستفادة منها وفق أهميتها لكل قطاع.

وانعكست تلك الاستراتيجية على كثير من التحركات المصرية مؤخراً، بهدف توفير موارد التقدم في مجال الذكاء الصناعي، وأساسها العقول البشرية، حيث تم إنشاء كليات متخصصة في الذكاء الصناعي، ووصل عدد هذه الكليات حالياً إلى 9 كليات في الجامعات المصرية.

كما أصبحت شركات الذكاء الصناعي الناشئة المصرية أو المملوكة لمصريين ضمن الأكثر تطوراً على مستوى العالم، ومنها شركة تحليل مقاطع الفيديو «أفيدبيم»، والتي فازت بجائزة أفضل شركة ناشئة في مجال الذكاء الصناعي في العالم خلال معرض ومؤتمر معرض الإلكترونيات الاستهلاكية (CES) الذي أُقيم في يناير (كانون الثاني) عام 2018 في لاس فيغاس بالولايات المتحدة الأميركية، وكان ذلك بعد نحو عام من الاعتراف بها ضمن أفضل 20 شركة ناشئة في العالم في مجال الذكاء الصناعي وفق تقييم المجلة الرقمية «CIOReview».

وتتوقع دراسات «برايس ووترهاوس كوبرز»، أن يسهم الذكاء الصناعي بأكثر من 42.7 مليار دولار أميركي عام 2030 في الاقتصاد المصري.

كشف تقرير التنمية البشرية لمصر لعام 2021 عن تقدمها بـ55 مرتبة في مؤشر «الجاهزية الحكومية للذكاء الصناعي»

استراتيجية الإمارات

وتمتلك دولة الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الصناعي تم التوقيع عليها في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وتحدد تلك الاستراتيجية مجموعة من المبادرات الحكومية التي سيتم الانتهاء منها بحلول عام 2031، وبالتزامن مع إطلاق تلك الاستراتيجية، تم تعيين وزير دولة للذكاء الصناعي لمواءمة أهداف الاستراتيجية مع الخطط الحكومية الأخرى.

وتهدف الاستراتيجية من بين ما تهدف إلى «الاستفادة من الذكاء الصناعي لإدارة شبكات المياه باستخدام البيانات الضخمة لدراسة طرق تحسين استخدام موارد المياه وتقليل الفاقد، واستخدام هذه التقنيات لإدارة قطاع المرور من خلال تطوير آليات وقائية للتنبؤ بالحوادث المحتملة والازدحام المروري بناءً على الإحصاءات اليومية في كل منطقة، وتعتمد أيضاً على الذكاء الصناعي لتطوير شبكات الكهرباء التي تعتمد على الطاقة المتجددة من خلال دراسة إنتاجيتها على مدار العام وتنظيم مشاريع جديدة وفقاً لذلك».

وفي القطاع العام، تعمل الإمارات على «دمج الذكاء الصناعي مع الخدمات الأمنية، لا سيما في مجال تحديد الهوية من خلال الكاميرات». بالإضافة إلى ذلك، تخطط الحكومة لأتمتة جميع الخدمات الحكومية للمقيمين مع تقليل الأعباء الإدارية من خلال تقنيات إدارة البيانات الذكية.

وتتوقع دراسات «برايس ووترهاوس كوبرز»، أن يسهم الذكاء الصناعي بأكثر من 96 مليار دولار أميركي في الاقتصاد الإماراتي، أي ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030.

وزارة مغربية

قبل أقل من عامين، أظهر المغرب اهتماماً كبيراً بالذكاء الصناعي، عبر إنشاء وزارة جديدة متخصصة في الانتقال الرقمي، وتم إسناد مهمتها إلى الوزيرة غيثة مزور، وهي متخصصة في مجال الذكاء الصناعي.

وجاء في خطاب التكليف للوزيرة المغربية، التي بدأت عملها في أكتوبر من عام 2021، أنه «سيتعين عليها العمل على تسريع الانتقال الرقمي في المغرب».

وفي أغسطس (آب) 2022 أطلق المغرب استراتيجية جديدة للتحول الرقمي بحلول سنة 2030، وذلك حسبما جاء في مذكرة مشروع قانون موازنة عام 2023 التي وجهها رئيس الحكومة المغربية إلى القطاعات الوزارية.

وأوضحت المذكرة أن هذه الاستراتيجية تهدف بالأساس إلى «رقمنة الخدمات العمومية، ووضع أسس انبثاق اقتصاد رقمي يخلق فرص العمل، ويؤسس لوضع أفضل للمغرب في هذا المجال».

وقبل إطلاق الاستراتيجية كان المغرب قد افتتح في عام 2019 أول كلية متخصصة في المجال، وهي كلية للهندسة الرقمية والذكاء الصناعي بجامعة «أوروميد»، وليكون مجال اهتمامها علم الروبوتات والتعاون بين الإنسان والآلة، والذكاء الصناعي، والأمن السيبراني، وتقنيات الويب، والهاتف المحمول، والبيانات الضخمة.

ويمتلك المغرب قاعدة من المتخصصين في الذكاء الصناعي، وتم تضمين اثنين منهم في قائمة أبرز خبراء الذكاء الصناعي العرب لسنة 2022، والتي أصدرتها «إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية»، وهما: لبنى بوعرفة، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «أوكرا»، المهتمة بحلول التعلم الآلي في مجال الرعاية الصحية، كما أنها عضو في فريق الخبراء رفيع المستوى التابع للمفوضية الأوروبية حول الذكاء الصناعي، وهاجر المصنف، أستاذة الذكاء الصناعي ومؤسِّسة برنامج ماجستير علوم البيانات في جامعة «القاضي عياض» المغربية.


مقالات ذات صلة

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تكنولوجيا لدى خدمة «ChatGPT Plus» التي تعتمد على الاشتراك نحو 7.7 مليون مستخدم على مستوى العالم (أدوبي)

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تشكل الخاصية الجديدة نقلة في كيفية التفاعل مع المعلومات عبر إجابات أكثر ذكاءً وسرعة مع سياق الأسئلة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)

باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

أصدر باحثون وقادة دينيون، الأربعاء، نتائج تجربة استمرت شهرين في كنيسة كاثوليكية في سويسرا، حيث كان الذكاء الاصطناعي يتلقى أسئلة الزوار الدينية.

الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه خلال كلمته في المؤتمر (الشرق الأوسط)

وزير الاتصالات السعودي في ملتقى الميزانية: تصدير التقنية في المرحلة المقبلة

قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه إن المملكة تتجه في المرحلة المقبلة نحو تصدير التقنية بهدف فتح آفاق جديدة للأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

سمحت شركة «أوبن إيه آي» لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في عرض شراء جديد لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا متجر هواوي في شنغهاي

«هواوي» الصينية تستهدف «أبل» بأحدث هواتفها الذكية «مايت 70»

في العام الماضي، وضع الاختراق في تطوير الرقائق الإلكترونية شركة «هواوي» على قمة سوق الهواتف الذكية الصينية. والآن تطرح الشركة أحدث هواتفها، سلسلة «مايت 70» …

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.