محمد آشي لـ«الشرق الأوسط»: السعودية تشهد «انفجاراً» إبداعياً مثيراً

أول مصمم سعودي ينضم إلى البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» بباريس

0 seconds of 57 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:57
00:57
 
TT
20

محمد آشي لـ«الشرق الأوسط»: السعودية تشهد «انفجاراً» إبداعياً مثيراً

المصمم السعودي محمد آشي (خاص)
المصمم السعودي محمد آشي (خاص)

لم يكن محمد آشي الذي حاورني عبر «زووم» منذ أكثر من شهر، هو نفسه الذي قابلته في عام 2015. تغيير كبير جدّ عليه. لا وجهه أو صوته تغيرا، ولا حتى ضحكته العفوية التي يصل رنينها إلى القلب كلما شاكسته بسؤال يرد عليه بمهارة مبارز أو شراسة مدافع على مرماه. فاجأني هذه المرة بتغنِّيه بـ«سعوديته».

عندما أصارحه بملاحظتي وأذكره بلقائنا السابق، يرد بسرعة وبحماس: «من الطبيعي أن أتغير... ألا ترين أن معجزة حصلت في زمن لم نكن نؤمن فيه بالمعجزات؟ نعم كنت في بداياتي متحفظاً بهذا الشأن ولم أتبرع بالإعلان عن جنسيتي، لكن ليس لأني لم أكن أفتخر بها، لا أبداً كنت فقط مدفوعاً برغبة تسكن أي مصمم في بداياته في أن أفرض نفسي في الساحة العالمية، ثم لا تنسي أن النظرة العامة إلى المصممين العرب آنذاك لم تكن تُشجع على فتح هذا الباب والخوض فيه».

المصمم محمد آشي يحيي الحضور بعد عرضه لـ«ربيع وصيف 23»... (محمد آشي)
المصمم محمد آشي يحيي الحضور بعد عرضه لـ«ربيع وصيف 23»... (محمد آشي)

 

18 عاماً مرت على بدايته تُوّجت هذا العام بانضمامه إلى البرنامج الرسمي للفيدرالية الفرنسية لـ«هوت كوتور» كأول مصمم خليجي. لا يخفي أن 18 عاماً رقم مهم في مسيرة أي مصمم أزياء. ليس لأن الموضة من القطاعات التي تقوم على مفهوم التغيير السريع بالأساس، بل لأن المصمم عموماً ابن بيئته. يتأثر بما يجري من حوله من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإنسانية، وآشي أكد أنه فعلاً ابن بيئته. يتذكر كيف كانت النظرة إلى مُبدعي المنطقة العربية ككل مجحفة.

«أنا نفسي لم أتخيل في فترة من الفترات أن يكون سعودي ضمن فريق عملي. عندما التحقت بالاستوديو الخاص بي في باريس متدربة شابة في العام الماضي، فاجأتني بمهنيتها وانضباطها، وهو ما لم أكن أتوقعه من أي شخص في مقتبل العُمر بغض النظر عن الجنسية. الآن أنا متأكد أكثر من أي وقت مضى أنه عندما يكون لديك بلد يتمتع بكل المقومات المادية والثقافية والتراثية والفنية، فإن كل ما نحتاجه هو التحرر من القيود».

رغم أنه عاش في الغرب وتشبع بأسلوب «بالنسياجا» فإن هناك دائماً ما يشده إلى جذوره (محمد آشي)
رغم أنه عاش في الغرب وتشبع بأسلوب «بالنسياجا» فإن هناك دائماً ما يشده إلى جذوره (محمد آشي)

يصف لي مدى الذهول والانبهار اللذين غمراه عندما زار السعودية بعد غياب أربع سنوات: «لأني لم أعش التغييرات بشكل تدريجي، احتجت لبعض الوقت لكي أتقلم مع الوضع الجديد». يضيف ضاحكاً: «كانت أجمل صدمة ثقافية يمكن أن يتلقاها الإنسان. لم أصدّق أن هذا هو بلدي الذي تركته منذ أربع سنوات فقط. إرثه وغناه الثقافي وتقاليده الجميلة لم تختف. كانت تتجلى على الوجوه والواجهات، على حد سواء، لكن كانت هناك ديناميكية لم أر لها مثيلاً في أي مكان من العالم».

محمد آشي من جيل عاش حقبة الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. درس في الولايات المتحدة الأميركية ثم انتقل إلى باريس ليصقل موهبته. لكن في بيروت التي انتقل إليها بعد فترة قصيرة سجل بأسلوبه الهندسي والفني اسمه بين الكبار في مجال الأزياء. الآن هو عضو في هيئة الأزياء السعودية لكي يدعم مبدعي بلده من الشباب، وفي الوقت ذاته يرد الجميل. لم ينس أنه بالرغم من ابتعاده عن بلده لسنوات ورغبته في الحفاظ على خصوصيته لكي لا يوضع في خانة نمطية من صُنع الغرب «أن بنات بلدي كُن أكبر داعم لي طوال مسيرتي، فخمسون في المائة من زبوناتي كن سعوديات».

اسمه يتردد هذه الأيام بشكل مكثّف، نظراً لأنه أول مصمم خليجي تضمه الفيدرالية الفرنسية لـ«هوت كوتور» لبرنامجها الرسمي، وأيضاً لمشاركته في مهرجان «كان» السينمائي بإطلالات شدت الأنفاس، ومؤخراً في عرس ولي عهد الأردن بفستان تألقت فيه أخت العريس إيمان العبد الله وكان من الاختيارات الموفقة جداً.

الأميرة إيمان عبد الله في فستان من تصميمه نال كثيراً من الثناء والاستحسان (رويترز)
الأميرة إيمان عبد الله في فستان من تصميمه نال كثيراً من الثناء والاستحسان (رويترز)

الآن يعود إلى مسقط رأسه، حيث سيفتتح محلاً رئيسياً في الرياض، ويساهم في بناء مستقبل الموضة في بلد «يشهد انفجاراً في عدد المواهب»، حسب تعبيره. فقد أصبح وجهاً مألوفاً فيها ليس كمصمم فحسب، بل كمؤثر وفاعل بحكم عضويته الاستشارية في هيئة الأزياء. عندما أُلمح له أن مهمته صعبة بالنظر إلى عدد المصممين، حتى بعد أن تمَت غربلتهم إلى «100 براند سعودي»، يدافع قائلاً: «طبيعي أن تتلقى الهيئة هذا العدد الهائل من الطلبات، لا تتصورين عدد المواهب التي حُرمت طويلاً من أي وسيلة تُمكِنها من التعبير عن قدراتها. والمقصود هنا ليس الموضة وعالم التصميم فحسب، بل شتى الفنون والمجالات من الموسيقى إلى الطهي وغيرهما، وأنا متأكد أن هناك عدداً كبيراً آخر لم نسمع منهم بعد».

هذا الانفجار الإبداعي بنظره ردة فعل طبيعية للانفتاح الذي تشهده المملكة. فـ«رؤية 2030» غيّرت الكثير من المفاهيم، بما فيها التخلص من التابوهات التي كانت تتعلق بتصميم الأزياء.

يتذكر كيف أنه استمات في السبعينات لكي يُقنع عائلته بدخول مجال التصميم. كان هناك رفض وشد وجذب. «الآن لا يواجه هؤلاء قيوداً أو ردود أفعال مماثلة، لأن احتراف تصميم الأزياء لم يعد مشيناً للرجل تحديداً أو تقليلاً من قيمته، كما لم يعد يُنظر إلى ابن البلد كمجرد خياط. فصفة مصمم أزياء كانت إلى عهد قريب قُصراً على من يعملون في بيوت أزياء عالمية. الآن أصبح الباب مفتوحاً لأي شخص يتوسم في نفسه الموهبة أن يحقق فيه مكانة مميزة تدر عليه وعلى اقتصاد البلد إيرادات لا بأس بها».

لكن هذا لا يعني أن التحديات لم تعد قائمة، بل العكس فإن البقاء للأقوى فقط، لأن إلغاء القيود وتوفر دعم الأهل والمجتمع ألغوا أي مبررات يمكن أن يتحجج بها المصمم. «المرحلة الحالية هي أرضية للاختبار والتجارب، بعضها سيصيب، وبعضها سيخيب، لكن في كل الأحوال يبقى هذا (الانفجار الإبداعي) مكسباً للمنطقة ومرحلة طبيعية لا بد وأن تؤدي إلى مرحلة الاحتراف في حال تم التعامل معها بجدية وشغف».

يستشهد هنا بساحة الموضة في لبنان خلال السبعينات، التي لم يكن فيها سوى إيلي صعب، مصمماً وصل إلى العالمية، لكن «لننظر الآن إلى لبنان كم عدد المصممين اللبنانيين العالميين فيه؟... العشرات. إيلي صعب لم يجد الطريق مفروشاً بالورود لكنه ساعد في تعبيده أو على الأقل إعطاء الأمل لغيره بأن الأمر ممكن. وهذا ما يحصل في السعودية حالياً. نعم هناك بعض الحالمين، وهؤلاء موجودون في كل مكان، في لندن وباريس ونيويورك وغيرها، لأن الحُلم من حق الجميع، وهنا يأتي دور هيئة الأزياء ومهمتها الأساسية في انتقاء من تتوسم فيهم الموهبة والنفس الطويل». ثم يستطرد مدافعاً عن فورة الشباب قائلاً: «كنت مثل هؤلاء في يوم من الأيام، أحلم بالنجاح وكانت طموحاتي كبيرة جداً». يتابع ضاحكاً: «وربما غير معقولة، فأنا كنت أحلم أن أصبح بالنسياجا ثاني... تخيلي».

لا بد من الإشارة هنا إلى أن قصة محمد آشي مع كريستوبال بالنسياجا مثيرة وملهمة. فهذا الأخير من أدخله إلى عالم الأزياء وحبّبه فيه. كان ذلك بعد أن شاهد، وبمحض الصدفة، فيلماً وثائقياً بثته محطة الـ«بي بي سي» عن كريستوبال بالنسياجا ضمن سلسلة «العالم السري للهوت كوتور». انبهر بما رآه. أعاد مشاهدة الفيلم أكثر من 20 مرة، وفي كل مرة كانت قناعته تزيد بأن هذا هو العالم الذي يريد أن يخوض غماره ويعيش فيه: «كنت مبهوراً بأناقة زبوناته، أسلوب حياتهن المرفه وتقديرهن لكل قطعة بحيث يتعاملن معها وكأنها تحفة فنية».

تأثير «بالنسياجا» من ناحية الابتكار والإبداع في التفاصيل يسكنه دائماً (محمد آشي)
تأثير «بالنسياجا» من ناحية الابتكار والإبداع في التفاصيل يسكنه دائماً (محمد آشي)

كان الفيلم نقطة التحول في حياته. أثر على مسيرته كما على نظرته وأسلوبه في التصميم. قبل ذلك، كان كأي مصمم شاب يتلمَس طريقه، يتابع ما يقدمه باقي المصممين الكبار ليعمل مثلهم. الوثائقي فتح عينيه على معنى أن تكون مُبدعاً ومبتكراً بالمعنى الصحيح. يتذكر هذه البداية فلا يقسو على نفسه أو ينتقدها، فقط يزيد تعاطفه مع المصممين الشباب. «أرى أنه لا بأس من المرور من هذه التجربة شرط أن يصقل المصمم موهبته بالدراسة والمثابرة. فحتى الجراح لا يكتسب المهارة بين ليلة وضحاها. من هذا المنظور أنا جد متفائل أنه ستكون لدينا في السعودية، وفي القريب أسماء متألقة على المستوى العالمي». يضيف ضاحكاً: «خوفي أنهم سينافسونني».

وحتى عندما أشير إلى أن بعضهم ربما لا يزال يميل إلى التصاميم التراثية، يرد سريعاً وكأنه كان يتوقع هذه الملاحظة «هذا أيضاً طبيعي لأنهم يتكئون على ما يعرفونه جيداً ويمنحهم الشعور بالأمان. أنا أيضاً مررت بالتجربة نفسها، مع العلم أني درست في معاهد عالمية، وتخرجت منها وعشت في الغرب. عندما دخلت مجال الأزياء أول مرة، صمَمت قفاطين عربية لأنها كانت لا تزال تسكن خيالي ووجداني وتربطني بجذوري. مع الوقت تطورت نظرتي وأسلوبي. وأرى أن هذه بداية يمر منها كل من يأتي من بيئة تتمتع بإرث ثقافي وتاريخي قوي. أنا متأكد أن التطور آت بفضل الإمكانات المتوفرة لهم والمحاولات الجادة لتأسيس بنية تحتية».

بيد أنه بالرغم من احترامه للجذور والموروثات الثقافية، يرفض الاستكانة إليها كلياً. نعم قد تكون عكازاً مفيداً في أول المشوار، لكن لا يجب الاعتماد عليها في كل المراحل.

من عرضه لـ«ربيع وصيف 2023»
من عرضه لـ«ربيع وصيف 2023»

تشكيلته الأخيرة كانت تفوح منها رائحة نوستالجيا خفيفة للماضي، يشرحها قائلاً: «هي كذلك فعلاً من ناحية فكرتها فقط، كوني استلهمت شاعريتها من رواية عن الحب والحنين لفيرجينيا وولف، حوّرتها هنا لتحكي قصة عاشقين من عالمين متناقضين. واحد يعيش في باريس والثاني في المريخ. أما من ناحية الأزياء، فإن كل ما فيها يصرخ بروح العصر والعملية التي يتطلبها الانتقال من مكان إلى آخر بسهولة وأناقة، بدءاً من الخطوط إلى الأقمشة».

لأن تشكيلته رحلة من باريس إلى المريخ فقد أخذت الأقمشة شكلاً جديداً (محمد آشي)
لأن تشكيلته رحلة من باريس إلى المريخ فقد أخذت الأقمشة شكلاً جديداً (محمد آشي)

أكثر ما يلفت الاهتمام في هذه التشكيلة أنه وبعد أن عوّدنا على الأحجام الهندسية والتفاصيل المبطنة بين الثنيات والطيات، يتبنى فيها أسلوباً تغلب عليه تصاميم قريبة من الجسم. تُحدده تارة وتعانقه تارة أخرى. يقول إنه كان تغييراً مفروضاً عليه بعد انتقاله إلى باريس منذ حوالي 6 سنوات تقريباً، حيث كان لا بد من مواكبة متطلبات السوق حتى يضمن استمراريته في عالم تعصف به رياح التغيير. فزبونات كريستوبال بالنسياجا في الخمسينات مختلفات تماماً عن زبونات اليوم «كما أن إعجابنا بإطلالات ماري أنطوانيت من القرن الثامن عشر أو تسريحاتها لا تعني أن المرأة تريد أن تتبناها في حياتها المعاصرة. نعم لم يخطر ببالي من قبل تصميم فستان محدد على الجسم. كنت دائماً أريد أن أرى المرأة ملفوفة بأمتار من الأقمشة المترفة تتمايل فيها الطيات والطبقات المتعددة، لكن زمننا لم يعد يتطلب كل هذه التفاصيل، وجيل (زي) يريد تصاميم أنيقة تحمل بصمات مميزة وفي الوقت ذاته عملية».

من يسمع محمد آشي يتأكد أنه لا يشبه باقي المصممين. ومن يرى أسلوبه يعرف أنه كما ترك عطره على الساحة العالمية لا بد وأنه سينشر عبقه في بلده الأم. تتأكد أيضاً أن هالته التي نسجها بخيوط الحب والتعاطف مع الغير لا يضاهيها سوى قدرته على قراءة تغيرات العصر ومواكبتها من دون تسرّع أو اندفاع.


مقالات ذات صلة

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

لمسات الموضة كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

جرأة إيلي صعب في هذه التشكيلة تتمثل في تخفيفه من رومانسيته التي كانت ولا تزال ورقته الرابحة، وتوجهه إلى شابة تتمتع بروح رياضية عالية

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كارولين شيفوليه في مشغلها (شوبارد)

الفيل الأفريقي يُلهم مجموعة «شوبارد» الأخيرة

«القدرة على تتبع المنشأ أكثر من مجرد تقدم تقني، إنها تشكّل إنجازاً على الصعيد الأخلاقي» حسب رأي كارولين شوفوليه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فستان زفاف السيدة الأولى ميلانيا ترمب معروض للبيع عبر الإنترنت (إيباي)

بأقل من نصف سعره... عرض فستان زفاف ميلانيا ترمب للبيع على الإنترنت

يُعرض فستان زفاف ميلانيا ترمب للبيع على الإنترنت بأقل من نصف سعره الأصلي، لكنه يبدو مختلفاً تماماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
لمسات الموضة يصور الجدار الرئيسي «بانتيرا» يتحرك برشاقة بين الأزهار المتفتحة ووسط الكثبان الرملية كأنه يتوجه إلى واحة هادئة (كارتييه)

«كارتييه» ترسخ أقدامها في الرياض لرابع مرة

وأصبح للترف عنوان جديد في قلب الرياض: «سوليتير مول». هذا ما تقوله بيوت أزياء كبيرة مثل «شانيل» و«فندي» و«لويس فويتون» و«ديور»، ودور مجوهرات عالمية مثل «كارتييه…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة تستمد الألوان إيحاءاتها من الرمال الذهبية والصحراء (ليم)

مجموعة «ليم» السعودية... تتراقص على نغمات رمضان والعيد

نظرة سريعة على المجموعة تؤكد أن خيوطاً شرقيةً مستمدةً من جيناتها تربطها بشهر رمضان الفضيل ومناسبات العيد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
TT
20

إيلي صعب يُغير اتجاهه لا أولوياته

كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)
كان الفرو الخامة الرئيسية في تشكيلة اختار لها المصمم منتجعات شتوية فخمة (إيلي صعب)

على غير العادة لم يكن الدانتيل ولا الموسلين نجمي عرض إيلي صعب لخريف 2025 وشتاء 2026. غطى الفرو على وجودهما بشكل لافت، حيث ظهر في أغلب الإطلالات، على شكل معاطف وجاكيتات بل وحتى في حقائب يد وقبعات وأحذية.

المتابع لعروض الأزياء العالمية الأخيرة، يعرف أن إيلي لم يغرد خارج السِرب. فقط خرج عما عوَدنا عليه. فالفرو، لا سيما الاصطناعي، كان من الخامات التي اكتسحت الكثير من عروض ميلانو وباريس الأخيرة. الخبراء يردون الفضل إلى تطور التقنيات التي تجعله لا يفرق عن الطبيعي من ناحية الملمس الناعم والشكل الأنيق، ورغبة صناع الموضة في الدفع بمفهوم الاستدامة إلى الأمام.

أسوة بغيره استعمل إيلي صعب الفرو بأشكال مختلفة ومغرية (إيلي صعب)
أسوة بغيره استعمل إيلي صعب الفرو بأشكال مختلفة ومغرية (إيلي صعب)

ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن جرعته العالية في عرض إيلي صعب، كان لها تأثير مختلف. بث الدفء في أرجاء قاعة العرض كما في أوصال زبوناته الوفيات وحفيداتهن. صحيح أنه خفَّف من جرعة الإثارة الأنثوية التي التصقت به، كما خفَّف من التطريزات الغنية بالبريق، إلا أن نظرته الرومانسية لم تغب ولا لمساته المفعمة بالفخامة. كل ما في الأمر أنه أضفى على التشكيلة رشاقة، بتفصيلها وتحديدها على الجسم وأيضاً باستغنائه عن التفاصيل الكثيرة، حتى يُبرز روحها الرياضية.

أخذنا في رحلة شتوية إلى منتجعات مثل سانت موريتز وكورتشوفال وآسبن، لقضاء إجازة ممتعة لن تحتاج فيها المرأة سوى أن تطلب فتجد. فهو لم يبخل عليها بأزياء خاصة بممارسة رياضة التزلج، مثل الجمبسوت، ولا إلى معاطف وجاكيتات وفساتين وتنورات لمناسبات ما بعد التزلج «أبري سكي».

اكتسبت هذه التشكيلة روحاً رياضية عالية تتوجه إلى فئة الشابات (إيلي صعب)
اكتسبت هذه التشكيلة روحاً رياضية عالية تتوجه إلى فئة الشابات (إيلي صعب)

إيلي مثل العديد من المصممين وبيوت الأزياء العالمية انتبه للاهتمام المتزايد بهذه المنتجعات، أو بالأحرى بما تتطلبه نشاطاتها الشتوية من أزياء وإكسسوارات. فرياضة التزلج أصبحت لها شعبية في صفوف الشباب عموماً وعاشقات الموضة خصوصاً. لم تعد نخبوية بعد أن فتحت المنتجعات الفخمة أبوابها للجميع ما دامت لهم القدرة على تكاليفها الباهظة. وهكذا أصبح ما لم يكن يُرى سوى في الأحلام أو الأفلام واقعاً يثير اهتمام الجميع وعلى رأسهم بيوت الأزياء المهمة. أرقام المبيعات مثلا تشير إلى أن حجم قطاع التزلج بلغ عالمياً في عام 2023 نحو 1.30 مليار دولار أميركي، مع توقعات بأن يصل إلى 1.56 مليار دولار بحلول عام 2032. «سترة التزلج» وحدها يُتوقَّع أن تصل مبيعاتها إلى 2.26 مليار دولار في السنة بحلول عام 2031.

تكررت اللعبة بين السميك والشفاف في الكثير من الإطلالات (إيلي صعب)
تكررت اللعبة بين السميك والشفاف في الكثير من الإطلالات (إيلي صعب)

وإذا كان ما قدمه إيلي صعب في باريس حديثاً هو المعيار، فإن كل ما في تشكيلته يُغذي حاجة نفسية جامحة للتميز وفي الوقت ذاته يفي بمتطلبات أجواء لا تتقبل الدخلاء أو الحلول الوسطى. وهذا يعني ضرورة توفر خزانة متكاملة تتسلح بها كل من ستتوجه إلى هذه الوجهات. لم يتأخر المصمم. قدم قطعاً متنوعة هي كل ما تحتاجها زبونته. معاطف «باركا» مزينة بالفرو وأخرى طويلة بأكمام أو من دون، يمكن تنسيقها مع فساتين السهرة المطرزة إما بالترتر أو بتقنيات مخرمة تتماهى مع الموسلين فتخلق انعكاسات بصرية تلعب على الشفاف والمستور. هذه اللعبة، بين السميك والشفاف، تكررت في عدة إطلالات أغلبها مكون من كنزات صوفية بأحجام سخية يصل طول بعضها إلى ما فوق الركبة بقليل لتفسح المجال لظهور تنورات مستقيمة بأقمشة ناعمة مطرزة، من تحتها.

للمساء يقدم المصمم فساتين محددة تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» (إيلي صعب)
للمساء يقدم المصمم فساتين محددة تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» (إيلي صعب)

تشرح الدار في بيانها الصحافي أن الألوان المنتقاة تعكس أجواء الخريف والشتاء وأيضاً ألوان الطبيعة الجبلية، مثل الأسود والأبيض الثلجي والأخضر الصنوبري، والعنابي، والبني بتدرجاته من القمحي إلى الشوكولاتي. ويضيف البيان أنه مع غروب الشمس تبدأ امرأة إيلي في التحضير لسهرة مميزة. أمامها خيارات عدة تتمثل في فساتين محددة على الجسم تلمع ببريق الأقمشة أو بحبات الكريستال أو في بدلات مفصلة على شكل «توكسيدو» أو تنورات مطرزة بتخريمات يمكن تنسيقها مع كنزات بخيوط لامعة.

اقترح إيلي صعب عدة إكسسوارات مصنوعة من الفرو (إيلي صعب)
اقترح إيلي صعب عدة إكسسوارات مصنوعة من الفرو (إيلي صعب)

لم ينس المصمم شريحة يسكنها الحلم بأن تدخل هذا النادي وليست لديها الإمكانات لقضاء إجازة شتوية في منتجع فخم. قدم لها مجموعة من الإكسسوارات كحل وسط إما على شكل قبعة من الفرو وأحذية عالية وسميكة وإما على شكل نظارات واقية من أشعة الشمس أو حقائب يد بأحجام متعددة.

جرأة إيلي صعب في هذه التشكيلة، لا تتمثل في التصاميم ولا في الأقمشة أو التطريزات، بل في تخفيفه من رومانسيته التي كانت ولا تزال ورقته الرابحة. بتوجهه إلى شابة في مقتبل العمر، تتمتع بروح رياضية عالية، كان لا بد من الاستغناء عن بعض البهارات التي تعشقها زبونته الوفية ولازمت أسلوبه طويلاً، ومخاطبة هذه الشابة بخطوط بسيطة ومحددة.

معاطف الفرو أخذت عدة أشكال لكنها كلها تصرح بالأناقة والتميز (إيلي صعب)
معاطف الفرو أخذت عدة أشكال لكنها كلها تصرح بالأناقة والتميز (إيلي صعب)

ثم تعود وتتمعن في كل قطعة على حدة، لتكتشف أنه أذكى من أن يلغي هذه الزبونة من قاموسه. كانت حاضرة في تصوره المعاطف الطويلة الفخمة والفساتين المفصلة والتي عندما تلمع تشد الأنفاس. كل ما في الأمر أنها تفرض نفسها عليه في موسم الـ«هوت كوتور» بينما بناتها وحفيداتها يفرضن أنفسهن عليه في موسم الأزياء الجاهزة، وهو ما يُعتبر معادلة ترضي كل الأطراف.