لا يُفوِّت صُنَّاع الموضة أي فرصة يمكن أن تعود عليهم بالربح. تبقى الأناقة وسيلتهم، وغايتهم الوصول إلى أكبر عدد من الزبائن. لهذا ليس غريباً أن يحظى خط التزلج في السنوات الأخيرة باهتمام كبير من قبل الشركات التقليدية التي لها باع طويل في هذا المجال، وبيوت الأزياء التي دخلت على هذا الخط حديثاً لمغازلة هؤلاء الزبائن. فشريحة كبيرة منها فُتحت شهيتها بعد أن فُتحت أمامها أبواب منتجعات فخمة كانت تثير الأحلام ولا تسمع عنها أو تراها سوى في الأفلام مثل «سانت موريتز»، و«غاشتاد» وغيرهما.
فهذه الهواية، أو الرياضة، التي كانت حتى عهد قريب نخبوية، خضعت مثل كثير من الأمور لتغيرات الزمن، وانفتاح أسواق بعيدة، وظهور جيل من الشباب تواق لاستكشاف نشاطات وأماكن جديدة.

أصبحت الموضة ترفع شعار «الديمقراطية». ما كان نخبوياً أصبح شعبياً، الأمر الذي أنعش هذا القطاع، الذي بلغ حجمه عالمياً في عام 2023 نحو 1.30 مليار دولار أميركي، مع توقعات بأن يصل إلى 1.56 مليار دولار بحلول عام 2032. «سترة التزلج» وحدها يُتوقَّع أن تصل مبيعاتها إلى 2.26 مليار دولار في السنة بحلول عام 2031 إذا ظلت الحال على ما هي عليه.
كل هذا يجعل المنافسة تحتدم بين صُنَّاع الموضة والشركات المتخصصة لتقديم كل ما هو أنيق وعملي.
واللافت أن العملية لم تعد تقتصر على أمثال «لورو بيانا»، أو «فندي»، أو «جيورجيو أرماني»، أو «مونكلير» و«ديور»، أو الشركات التقليدية المتخصصة مثل «ذي نورث فايس»، و«بورفيكت مومنت»، و«مونكلير»، و«روسينيول»، و«فوسالب»، فمحلات شعبية كثيرة منها «زارا»، و«أيتش آند إم»، و«بريمارك» بدأت بدورها تغذي حاجة ذوي الإمكانات المحدودة من هذه الأزياء.

خيارات متنوعة
بالنتيجة، أصبحت الخيارات سخيةً ومتنوعةً، تخاطب المبتدئين والمحترفين وكل الأذواق. كل واحد منها بألوانه ونقشاته الخاصة، لكن تبقى الخامات الدافئة والمرنة والتقنيات المتطورة السمة المشتركة بينها جميعاً. ويُحسب لبيوت أزياء حديثة العهد بهذا الخط، حرصها على التعاون مع الشركات المتخصصة لإنتاج قطع بجودة وحرفية عالية. فهذه الشراكات تخوّل لها دخول الأسواق العالمية بثقة؛ نظراً للمصداقية التي تكتسبها. دار «إميليو بوتشي» مثلاً عقدت شراكة مع «فوسالب» الفرنسية، بينما استعان كيم جونز، مصمم «ديور» القسم الرجالي سابقاً، في تشيكلته لعام 2024 بالفنان البريطاني بيتر دويغ، وأيضاً مع شركة «ديسانت» المتخصصة في ملابس التزلج المبطنة والمعروفة. فـ«ديور» لم تدخل غمار التزلج حتى عام 2020.
بين الأساسيات والكماليات
ولأن رياضة التزلج كانت تقتصر على الطبقات الأرستقراطية والثرية، فإن دخول ذوي الدخل المحدود والطبقات المتوسطة على الخط، يضع بعضها في حيرة من أمرها، بشأن ما هو أساسي وما هو غير ضروري.
فالأمر لا يتعلق بالمعاطف الشتوية والكنزات الصوفية السميكة، ولا القبعات والقفازات فحسب، هناك أيضاً حاجة إلى ألواح للتزلج، ونظارات شمسية بمواصفات عالية، ناهيك عن نوعية الأحذية.

شركة «بوس» الألمانية مثلاً طرحت تشكيلة بعنوان «بوس سكي» بطابع عملي أنيق، كانت فيها الأقمشة التقنية هي الأساس، إذ صُنعت كلها من مواد مضادة للمياه، وزُوِّدت بتفاصيل تلائم ظروف التزلج، بدءاً من واقيات الثلج والدرزات المُحكمة، وصولاً إلى الأكمام القابلة للتعديل، والبطانات المصنوعة من الصوف القطني العازِل للحرارة.

دار «إيف سولومون» الباريسية، المعروفة بفروها الطبيعي، طرحت مجموعةً جمعت فيها تقاليد حرفية قديمة بتقنيات حديثة تخاطب الشباب التواقين للمغامرات. لترتقي بها أكثر، لوَّنتها بدرجات كلاسيكية مثل البني والأسود والأبيض والبيج. أما بيوت الأزياء الكبيرة، فحدِّث بلا حرج:
لورو بيانا

«لورو بيانا» ومنذ أن دخلت على الخط وهي تنافس أكبر الشركات تخصصاً، لأنها تعمل على تطوير تقنياتها في غزل الصوف، وطرق مزجه بخامات بتقنيات عالية من دون توقف.
لخريف وشتاء 2024 - 2025 طرحت مجموعة متعدّدة الاستخدامات على شكل سترات مصنوعة من قماش «Pecora Nera®»، و«الكشمير»، ومعاطف من صوف «الشيرلينغ»، فضلاً عن سراويل مصنوعة من صوف «الألباكا» وبدلات من «الكشمير» المحبوك، وصوف «الموهير»، مزيّن بعضها بتطريزات ثلاثية الأبعاد. كلها بقصَّات واسعة تتماهى مع حركة الجسم وتضخه بالدفء.
«ديور»

قدَّمت مجموعة محدودة بعنوان «ديور آلبس»، قالت مصممتها ماريا غراتسيا كيوري، إنها تحاكي تقنيات «الكوتور» وتفاصيلها الدقيقة، مضيفة أنها استوحتها من تشكيلتها للأزياء الجاهزة لموسمَي خريف وشتاء 2024 - 2025. ولأنها تعرف أن مخاطبة شريحة تهتم بالماركات العالمية لا تقل أهمية عن مخاطبة النخبة، لم تبخل بنقشاتها الكلاسيكية، لأنها أكثر بلاغة من أي «لوغو».

زوَّدت نظارات تزلّج واقية مثلاً برباط يتخلّله توقيع «كريستيان ديور»، بنمط «ديور أوبليك» الأيقوني، وأعادت تفسير شعار نجمة الدار الجالبة للحظ «ديورستار» بألوان مرهفة على الملابس المحبوكة التي تغلّف الجسم، كما على الأوشحة، والقبعات، والقفازات. لكنها لم تنسَ عنصر السلامة والدفء، بدليل أن السراويل تأتي مع تدعيمات للرُّكبة؛ لضمان أقصى درجات الراحة في كافّة الظروف.
علاقة ممتدة لأكثر من قرن
ما تجدر الإشارة إليه أن علاقة الموضة والتزلج ليست وليدة الأمس والتغيرات الحديثة.
بدأت في عام 1924 عندما طرح الفرنسيون لوسيان لولونغ، وإجيديو سكايوني، ومادلين فيونيه بدلات ببنطلونات وأكسسوارات صوفية دافئة للمتزلجات، بمناسبة أول دورة ألعاب أولمبية شتوية على الإطلاق في فرنسا. أما أول بدلة تزلج مكونة من قطعة واحدة كما نعرفها اليوم، فيعود الفضل في إبداعها لإيميليو بوتشي، ومديره الفني آنذاك ماسيمو جيورجيتي في أواخر الأربعينات.

حتى التسعينات، سيطرت الطبقات المخملية والثرية على هذا القطاع. في الألفية فقط بدأ ينفتح هذا القطاع على طبقات حديثة، وشجَّع ذلك بيوت أزياء كثيرة على التوجه إليها، مثل «شانيل» في عام 1997، و«برادا» في 2000. جيورجيو أرماني أيضاً طرح خطاً خاصاً أطلق عليه اسم «نيفي» في تسعينات القرن الماضي. لوَّنه بدرجات ألوان هادئة شكَّلت مفاجأة لسوق تعوَّدت على ألوان النيون.

كانت تصاميمهم تتراوح بين الأناقة التي تتطلبها منتجعات فخمة، وتقنيات يستعينون لتنفيذها بمتخصصين حتى يحصلوا على المصداقية ويحققوا المعادلة بين الأناقة والعملية. في عام 2014، أطلق موقع «نيت أبورتيه (Net-a-Porter)» قسماً خاصاً بمعدات التزلج، وفي عام 2020، أطلقت «ديور» أول مجموعة لمعدات التزلج في تاريخها. وفي عام 2021، خاضت كل من المصممة الفرنسية إيزابيل مارون وبعدها الثنائي «دولتشي آند غابانا»، التجربة ذاتها بالتعاون مع موقع «ماي تيريزا». ثم مَن لا يذكر العرض الضخم الذي أقامته شركة «مونكلير» العام الماضي على خلفية جبال سانت موريتز، وشاركت فيه عارضات سوبر؟. كان مواجهة بين الدار وبين بيوت الأزياء حديثة العهد بهذا الجانب. فما دامت هذه الأخيرة اقتحمت ما تعدّه تخصصها، فمن حقها هي أيضاً أن تقتحم عروض الأزياء جامعة الأناقة بالحرفية والتقنيات العالية.