إذا كنت تفكرين في اقتناء مجوهرات تستفيدين منها زينةً وخزينةً وفي الوقت ذاته تزودك بالطاقة والسعادة، فيجب أن تنسي الألماس والزمرد والياقوت وحتى الذهب. طلبك هو حجر اليشم، وفق ما يقوله جون ريغاس، الرئيس التنفيذي لدار مجوهرات «آسبري» البريطانية.

يستدل على قوله بمجموعة الدار الأخيرة، والمصنوعة بالكامل من هذا الحجر، معدداً مزاياه والتعقيدات التي تمت مواجهتها للوصول إليه. تحدث عن كل التفاصيل في تسلسل عجيب وكأنه يسرد أحداث فيلم تشويقي كامل الأركان: كيف تم الوصول إلى رجل صيني كانت بحوزته كمية سخية من هذا الحجر السعيد، وكيف تم التأكد من جودتها ثم صياغتها، وأخيراً وليس آخراً عملية استجلاب شهادات جودة من قسم علوم الجيولوجيا بجامعة أكسفورد البريطانية. فهي الجامعة الوحيدة التي تملك معدات التأكد من حقيقته وطبيعته «وهو ما يضمن للمشتري حقه»، مشيراً إلى أن أساليب تقييم اليشم وإصدار شهاداته كانت تمثل إشكالية لأصحابه، لأسباب عدة، أهمها أنه «لا يتمتع بلمعان أو شفافية مطلقة كتلك التي يتمتع بها الكثير من الأحجار الكريمة، وبالتالي قد تكون قيمته محل جدل بناءً على الآراء الفردية؛ لهذا كان لا بد لـ(آسبري) أن تجد طريقة رائدة لتحسين معايير إصدار شهادات اليشم تكون لها مصداقية عالية». يتابع ريغاس: «كان اللجوء لجامعة أكسفورد، خطوة مكلفة لكن عبقرية؛ إذ لا أحد يستطيع فهم جوهر الأحجار الكريمة أفضل من خبراء الجيولوجيا».

ثم أن كل التعب والجهد والتكاليف تهون أمام دار تطمح أن تُرسّخ مكانتها في عالم المجوهرات، وأصبحت تتبرَّك بهذا الحجر بعد أن تعرَّفت عليه أكثر في الصين. بلونه الأخضر المتواضع، يحمل بعداً ثقافياً وتاريخياً يعود إلى آلاف السنوات. ينجح دائماً في الكشف عن طبيعته لينافس الذهب والماس ويتفوق عليهما من ناحية ندرته وصلابته. كل هذا يجعله خزينة لليوم الأسود «إذ بإمكان الصينيين الحصول على قروض بنكية بمبالغ طائلة إذا كانوا يمتلكونه»، وفق ما يؤكده ريغاس.
أنواعه واختلافاته
اليشم مصطلح عام يشمل نوعين: اليشم والنفريتت. الأول أكثر ندرة ويتمتع بلمعان شفاف. وصل إلى الصين من مناجم بورما (ميانمار حالياً) في القرن الثامن عشر فقط، ولم يتم الاعتراف به معدناً منفصلاً باسم اليشم، حتى عام 1863. كانت أفضل عيناته، وهي باللون الأخضر الزمردي، حكراً على الإمبراطور وبلاطه الملكي؛ ما أدى إلى ظهور مصطلح «اليشم الإمبراطوري. أما النوع الآخر، النفريتت، فهو الأكثر شيوعاً واستعمالاً في الحياة اليومية. يُستخدم مثلاً في الأدوات والأسلحة والطقوس الدينية والدفن. غني عن القول أنه أقل جودة وصلابة، ويأتي بألوان أكثر تنوعاً.

أهميته في المخيلة الشعبية لا تقل عن أهميته الاقتصادية. فعلى الرغم من برودة ملمسه، فإن له خصائص كهرومغناطيسية. أما رنته الموسيقية عند نقره، فكانت وراء الاعتقاد بأنه يحتضن خصائص روحانية، تجسدها مبادئ كونفوشيوس، مثل الحكمة والعدالة والرحمة والنقاء والتواضع. وطبعاً لا ننسى أنه يجلب الحظ السعيد والازدهار.
علاقة قديمة تم تجديدها
وهذا ما تراهن عليه «آسبري» في مجموعتها الأخيرة. أطلقت عليها اسم «اليشم الإمبراطوري» وصاغتها من حجرة ضخمة كان يملكها مقتنٍ صيني، توصلت إليه الدار بعد بحث طويل. لكن يعود جون ريغاس ويقول إن علاقة الدار بهذا الحجر الكريم ليست وليدة الساعة. فهي تعود إلى عشرينات وثلاثينات القرن الماضي «خلال فترة الهوس الاستشراقي وظهور فن الآرت ديكو»، حين استعملته بيوت مجوهرات مهمة مثل «كارتييه». هذه الأخيرة صاغته في قلادة شهيرة صممتها خصيصا للوريثة الأميركية «باربرا هاتون» بيعت في دار سوذبيز للمزادات في هونغ كونغ عام 2014 بمبلغ 27.44 مليون دولار، أي أكثر من قيمتها التقديرية البالغة 12.8 مليون دولار؛ وهذا ما يجعل اليشم في نظر ريغاس حجر الاستثمار بلا منازع أكثر من الماس الملون أو اللؤلؤ الطبيعي. ومع ذلك لم تُلغ الدار باقي الأحجار لتكتف باليشم عند تصميم مجموعتها الأخيرة. بالعكس أدخلت عليه كل ما هو ثمين وفريد لتعزز التصاميم وترتقي بها إلى مستوى رفيع.

رأي يوافقه عليه الخبراء الآسيويون، والقول الصيني المأثور بأنه إذا كان «للذهب قيمة، فإن اليشم لا يقدّر بثمن».
الآن أكثر من أي وقت مضى بسبب تراجع وانخفاض مخزونه في ميانمار بسبب الاضطرابات السياسية. فميانمار تساهم بأكبر حصة من إنتاجه في العالم، والمصدر الوحيد للنوع عالي الجودة.
مجموعة «آسبري»... إيحاءات تراثية معاصرة
مجموعة اليشم الإمبراطوري التي أطلقتها أسبري حديثاً – تتضمن نحو 60 قطعة مجوهرات تراثية ومقتنيات فنية من مصادر إلهام مختلفة يعود بعضها إلى عصر الآرت ديكو، اضفى عليها حرفيو الدار أشكالاً عصرية وأكثر عملية، مثل لأساور المفتوحة والقلادات التي يمكن استعمالها بأطوال مختلفة وأشكالاً متنوعة حسب ما تتطلبه المناسبة والذوق الشخصي.

وبينما يبدو واضحاً أنها تسلط الضوء على طموحات الدار ورغبتها في أن تصبح لصيقة بهذا الحجر السعيد، فإنه من الصعب تجاهل جانبها الإنساني. فالدار البريطانية تتعاون في هذه المجموعة مع الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة «القلب الكبير» والمؤسِّسة ورئيسة مجلس «إرثي» للحِرف المعاصرة، وبالتالي سيذهب ريعها لصالح المبادرات الإنسانية العالمية التي ترعاها المؤسسة، من دعم برامج ومشاريع اللاجئين والنازحين إلى ضحايا الأزمات والصراعات حول العالم.
وبموجب الاتفاقية، تتبرع «آسبري» بـ1000 غرام من اليشم الامبراطوري، بعد تحويلها قطعاً فاخرة بخطوط وزخارف مستلهم بعضها من الحرف اليدوية. من المتوقع أن تحقق إيرادات تتجاوز 4 ملايين جنيه إسترليني.