استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

باحثو «كاوست» يطورون جهازاً لتحلية المياه بالطاقة الشمسية

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة
TT
20

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

استخدام الفحم لإنتاج ماء نقي صديق للبيئة

وجد باحثون أنه يمكن استخدام كتل مضغوطة من مسحوق الفحم أساساً لعمليات تنقية المياه بالطاقة الشمسية، وبمعزل عن شبكات توزيع الكهرباء. ويعكف بعض الشركاء التجاريين حالياً على تطوير هذه التقنية بغية إنتاج مياه الشرب على نطاق تجريبي.

مواد داكنة

تتركز أبحاث البروفسور أندريا فراتالوشي، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على المواد داكنة اللون التي تمتصُّ أشعة الشمس بقدرة فائقة، وتلعب دوراً مهماً في عمليات تحلية مياه البحر.

وفي خلال دراسة فراتالوشي التحديات الاقتصادية التي تواجه مساعي إنهاء توظيف الفحم في توليد الطاقة، عثر على فكرة جديدة لاستخدام الفحم.

يتذكر فراتالوشي تلك اللحظة بقوله: «هنا، التقت الفكرتان معاً، لماذا لا نستخدم الفحم لخلق مسار اقتصادي جديد في مجال تحلية المياه؟».

من هذا المنطلق، شرع فراتالوشي وفريقه البحثي في دراسة الاستعانة بكتل من مسحوق الفحم المضغوط (CCP)، وهي مادة ذات مسام متناهية الدقة تَنتُج من تحويل مسحوق الفحم إلى كتل بفعل الضغط الشديد. ومرَّر الفريق أليافاً قطنية خلال هذه المادة لتيسير عملية مرور المياه داخل ثنايا الكتل الفحمية وتدفقها من خلالها.

ثم وضع الفريق كتلة من هذه المادة فوق إناء مملوء بالمياه المالحة لتُلامس الألياف القطنية الماء. وعند تعرّض مسحوق الفحم المضغوط للتسخين بفعل أشعة الشمس، بدأ الماء يتدفق عبر الجهاز ويتبخر من خلال سطحه الساخن. بعدها، جمع مُكثِّفٌ مُثبَّتٌ فوق الجهاز المياهَ النقية الناتجة.

أما الملح الذي بقي عالقاً داخل كتلة مسحوق الفحم المضغوط فيمكن شطفه بواسطة مياه البحر.

تقول الدكتورة مارسيلا بونيفاتزي التي أجرت أبحاث ما بعد الدكتوراه في مختبر فراتالوشي: «يتوفر مسحوق الفحم المضغوط في الطبيعة، وهو مادة منخفضة التكلفة فضلاً عن خفة وزنه وتنوّع فوائده، وقابلية التوسع الكبير في استخداماته التصنيعية. لقد نجح الجهاز في إنتاج المياه العذبة بتكلفة لا تزيد على ثلث تكلفة أحدث التقنيات الحالية في مجال تحلية المياه بالطاقة الشمسية».

الاستخدام التجاري

ومن جانبه يوضح الدكتور فاليريو ماتزوني، الذي شارك أيضًا في ابتكار الجهاز خلال عمله في إطار أبحاث ما بعد الدكتوراه، أن الجهاز قادر على توفير المياه العذبة لمن يواجهون نقصاً في المياه نتيجة عجز التدابير الاقتصادية، الذين يبلغ عددهم 1.6 مليار إنسان حول العالم.

ويضيف ماتزوني: «تؤكِّد التقارير الواردة من منظمة الأمم المتحدة، أن إتاحة المياه لأغراض الإنتاج الزراعي، حتى إذا كان ذلك لمجرّد الري التكميلي لحديقة خضراوات أو محاصيل مزروعة على نطاق صغير، يجعل من الزراعة وسيلة للبقاء على قيد الحياة، وليس مجرّد نشاط موثوق لكسب العيش».

وتشير حسابات الفريق إلى أن «إقامة نظام لتحلية المياه باستخدام مسحوق الفحم المضغوط على مساحة تبلغ 16 متراً مربعاً، ستوفّر ما يكفي من المياه لتلبية احتياجات الشرب والطهي وري الخضراوات، لأسرة عادية مكونة من أربعة أفراد».

وفي الوقت الحاليّ، يتعاون الباحثون مع شريك تجاري، وهو شركة «بيرا» PERA التي يقع مقرها في هولندا، لإنتاج مثل هذا الجهاز وطرحه بالأسواق. تقول بونيفاتزي: «تسعى شركة (بيرا) إلى إقامة مشروع تجريبي لتحلية المياه منخفضة الملوحة في البرازيل، ليكون حلاً نهائياً يضمن الوفاء؛ ليس فقط باحتياجات مياه الشرب والطهي، ولكن كذلك بمتطلبات إنتاج الأغذية الأساسية، ما سيعود بالفائدة على ملايين البشر في منطقة شمال شرق البرازيل التي تتصف بالمناخ شبه الجاف».



تشريح بقايا ماموث عمرها 130 ألف سنة يكشف «أسراراً مذهلة»

العلماء يفحصون جثة «إيانا» (أ.ف.ب)
العلماء يفحصون جثة «إيانا» (أ.ف.ب)
TT
20

تشريح بقايا ماموث عمرها 130 ألف سنة يكشف «أسراراً مذهلة»

العلماء يفحصون جثة «إيانا» (أ.ف.ب)
العلماء يفحصون جثة «إيانا» (أ.ف.ب)

داخل مختبر في أقصى شرق روسيا، ينشغل العلماء كعادتهم في تشريح إحدى الجثث... لكنّ الجثة التي يتفحّصونها هذه المرة تعود إلى 130 ألف سنة وهي لـ«إيانا»، ماموث عُثر عليها خلال العام الماضي في حالة حفظ مدهشة.

وقد احتفظ جلد «إيانا» الذي لا يزال يلتصق به بعض الشعر، بلونه البني الرمادي، كما أن جذعها المتجعد منحنٍ وموجه نحو الفم.

يمكن التعرف على مدارات عيني الماموث بشكل واضح، وقوائمه تشبه إلى حد كبير قوائم قريبه الفيل.

ويقول أرتيمي غونتشاروف، رئيس مختبر الجينوميات الوظيفية والبروتينات للكائنات الحية الدقيقة في معهد الطب التجريبي في سانت بطرسبرغ: «إن هذا التشريح يشكّل فرصة لنا لدراسة ماضي كوكبنا»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

يبدو أن «إيانا»، وهي أنثى ماموث، نجت من ويلات آلاف السنين التي أمضتها في أحشاء الجليد الدائم في جمهورية ساخا الروسية، وهي منطقة عملاقة في سيبيريا.

وبحسب علماء روس، فإن الماموث «إيانا» التي يبلغ طولها 1.20 متر عند الكتف وطولها متران، ووزنها 180 كيلوغراماً، قد تكون أفضل عينة ماموث محفوظة في العالم.

جثة «إيانا» قد تكون أفضل عينة ماموث محفوظة في العالم (أ.ف.ب)
جثة «إيانا» قد تكون أفضل عينة ماموث محفوظة في العالم (أ.ف.ب)

المِعدة والأمعاء والقولون

يبدو أن عملية التشريح التي أجراها بضعة علماء في نهاية مارس (آذار) في متحف الماموث في ياكوتسك، عاصمة المنطقة، كانت بمثابة لقية استثنائية.

ببدلاتهم البيضاء المعقمة، ووجوههم المخفية خلف نظارات واقية وقناع، يمضي علماء الحيوان وعلماء الأحياء ساعات في العمل حول الجزء الأمامي من الماموث الذي انقرضت أنواعه منذ ما يقرب من 4000 عام.

يوضح أرتيمي غونتشاروف أنه «تم الحفاظ على الكثير من الأعضاء والأنسجة بشكل جيد للغاية».

ويشير إلى أن «الجهاز الهضمي محفوظ جزئياً، وكذلك المعدة وأجزاء من الأمعاء، وخصوصاً القولون»، بصفتها العناصر التي يأخذ منها العلماء «الكائنات الحية الدقيقة القديمة من أجل دراسة علاقتها التطورية بالكائنات الحية الدقيقة الحالية».

بينما يقطع أحد العلماء جلد «إيانا» بالمقص، يُحدِث عالم آخر شقاً في الجوف باستخدام مشرط. وتُوضع الأنسجة التي جُمعت بهذه الطريقة في زجاجات وأكياس محكمة الإغلاق قبل التحليل.

على طاولة تشريح أخرى توجد الأجزاء الخلفية من الحيوان الضخم، التي ظلت مغروسة في الجرف عندما سقط الجزء الأمامي في الأسفل.

وتبدو الرائحة المنبعثة من الماموث كأنها مزيج من التربة المخمرة واللحم المحفوظ في التربة السيبيرية.

وهنا يحاول الباحثون «الاقتراب من الأعضاء التناسلية لصغير الماموث (...) من أجل فهم نوع البكتيريا الدقيقة التي عاشت فيه خلال حياته»، على ما يوضح أرتيوم نيدولويكو، مدير مختبر علم الجينوم القديم في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ.

تشريح «إيانا» يشكّل فرصة لدراسة ماضي كوكب الأرض (أ.ف.ب)
تشريح «إيانا» يشكّل فرصة لدراسة ماضي كوكب الأرض (أ.ف.ب)

سن الحليب

جرى تقدير «العمر الجيولوجي» لـ«إيانا»، أي الفترة التي عاشت فيها، في البداية بنحو 50 ألف عام، لكنه حُدّد لاحقاً بأنه «أكثر من 130 ألف عام» بعد تحليل طبقة التربة الصقيعية التي وُجدت فيها «إيانا»، على ما يوضح مدير متحف الماموث في الجامعة الفيدرالية الشمالية الشرقية في روسيا، ماكسيم تشيبراسوف.

أما بالنسبة إلى «عمرها البيولوجي»، فيلفت تشيبراسوف إلى أن «من الواضح أنها كانت تبلغ أكثر من عام (عند نفوقها)؛ لأن سن الحليب كانت قد نبتت لديها». ولا يزال يتعين تحديد سبب موت «إيانا» في سن مبكرة.

في الوقت الذي كانت فيه «إيانا»، وهي من الحيوانات العاشبة، ترعى، «لم يكن البشر موجودين بعد»، وفق تشيبراسوف؛ إذ ظهروا في أراضي سيبيريا الحديثة قبل 28 ألفاً إلى 32 ألف عام.

ويكمن سر الحفاظ الاستثنائي على الماموث في «التربة الصقيعية» التي تبقى متجمدة طوال العام، وتشكّل ما يشبه ثلاجة عملاقة تحافظ على جيف الحيوانات ما قبل التاريخ.

ولكن جرى اكتشاف جيفة «إيانا» بسبب ذوبان الجليد الدائم، وهي ظاهرة يعتقد المجتمع العلمي أنها ناجمة عن الاحترار المناخي.

ويوضح العالم في سانت بطرسبرغ، أرتيمي غونشاروف، أن البحث الميكروبيولوجي يسمح بدراسة جيف الحيوانات مثل «إيانا»، فضلاً عن «المخاطر البيولوجية» الناجمة عن الاحترار.

وبحسب بعض الفرضيات، فإن اختفاء التربة الصقيعية «يطلق العنان للكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض»، وفق غونشاروف.