«أفلام السعودية» ملتقى اهتمام صانعي السينما وجمهورها

المهرجان الوحيد عربياً الذي يسعى إلى توفير الثقافة السينمائية عبر إصدارات كُتبية

«أفلام السعودية» ملتقى اهتمام صانعي السينما وجمهورها
TT

«أفلام السعودية» ملتقى اهتمام صانعي السينما وجمهورها

«أفلام السعودية» ملتقى اهتمام صانعي السينما وجمهورها

من سمات نجاح مهرجان «أفلام السعودية»، الذي انطلق مساء أول من أمس الخميس، دخوله الدورة التاسعة، وقد نما من مشروع صغير الحجم، مع عدد محدود من الأفلام السعودية، إلى حدث كبير مثير لاهتمام أكثر من فئة في صناعتي السينما والثقافة السينمائية.

انطلقت دورته الأولى سنة 2008 بتعاون بين «الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون» في الدمام، و«النادي الأدبي» في المدينة. بالنظر إلى تلك الدورة، يبدو مفاجئاً، إلى حد كبير، وجود 44 فيلماً تنافست على جوائز مسابقات المهرجان، المنقسمة بين الروائي والوثائقي، بالإضافة إلى مسابقة السيناريو.

المفاجئ في هذا الوضع هو كثرة تلك الأفلام التي كانت تنتظر الفرصة المناسبة لاحتلال شاشة سعودية خالصة تهدف إلى المساهمة في تأسيس سينما سعودية بمواهب من جيل يطمح لدخول الصناعة، كتّاباً ومنتجين ومخرجين.

ورغم التبلور الناجح للهدف الذي خطّط له المشرفون، توقّف المهرجان حتى سنة 2015 ليعود أكبر حجماً مما سبق. وكان من المفترض أن يستمر سنوياً، لكنه انقطع سنة 2018، ليعود في السنة التالية (2019)، ويستمر بلا توقف.

إنجازات فاعلة

الجميع هنا يشعرون بأهمية المهرجان وضرورته؛ وفي مقدّمتهم صانعو الأفلام أنفسهم؛ لما يمثله من فرص عروض وفوز وتحقيق أحلام وطموحات. في كل عام، تُضاف إلى ما سبق أسماء جديدة تريد إثبات وجودها. البعض، بطبيعة الحال، يتمتع برؤية فنية أعلى من الآخر، لكن الجميع يريدون دخول هذا الفلك الواسع والنجاح فيه.

هو أيضاً يثير اهتمام ذلك القطاع الرسمي الواسع المُشرف على المهرجان؛ من وزارة الثقافة، إلى «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي»- (إثراء)، إلى «جمعية السينما»، و«هيئة الأفلام»، و«الصندوق الثقافي لمهرجان البحر الأحمر». يدرك الجميع الحاجة إلى هذا الحدث السنوي وما حققه وسيحققه من أهداف على صعيد جادّ وبدراية فعّالة.

الحقيقة أنّ المهرجان لا يعرض الأفلام فحسب، بل يُضيف إليها مسابقات السيناريو، ليساعد كاتبيها على دعم حاجاتهم وتقديم أعمالهم إلى دوائر الإنتاج الفعلية، والقيام بورش عمل مختلفة وندوات.

أحد أهم إنجازاته، خلال سنواته الماضية حتى الآن، هو اهتمامه بإصدار الكتب السينمائية لعدد كبير من النقاد، إنه المهرجان الوحيد عربياً (وعلى نحو شبه دولي)، الذي لا يزال يسعى إلى توفير الثقافة السينمائية والمعلوماتية عبر إصدارات كُتبية. انتشر ذلك، إلى حد ما، في مهرجانات عربية في السبعينات وبعض الثمانينات، والآن باتت الإصدارات نوعاً من الكتب المادحة لشخصيات تكرّمها بعض المهرجانات العربية.

الكتب عند «مهرجان البحر الأحمر» ليست للتكريم، بل للإفادة، ولهذا كله وجهٌ آخر يبدو، بالضرورة، ملهماً، وهو أنّ الكتب السينمائية لم تعد - وربما لم تكن يوماً - على رأس اهتمامات الناشرين. ما يتيحه المهرجان، في هذا الشأن، هو منح الكتابة السينمائية فرصة استعادة دور الكتاب في التوجيه والمعرفة.

وهو يختار لكل دورة محوراً ويُوعز لمن يرغب من النقاد بوضع كتب حول هذا المحور. محور هذا العام، السينما الكوميدية. لذا، وإلى جانب كتب أخرى لا علاقة لها بهذا المحور، فإنّ عدداً من الكتب الصادرة تدور حول الكوميديا في السينما.

جلُّ اهتمام هذا التوجّه هو الرغبة في شرح أصناف الكوميديا من ناحية، والتفريق بين الكوميديا الجماهيرية الساذَجة التي تنبت كالطحالب على جدار الأفلام التجارية، وبين تلك الكوميديات المستندة إلى سقف أعلى من المضامين والأشكال لتقديم الكوميديا الهادفة.

يقول مدير المهرجان أحمد الملا، في شرح سبب اختيار الكوميديا كـ«ثيمة» الدورة التاسعة: «ذلك لإيماننا بأنّ الفرح والمتعة والابتسامة ضرورة فنية لبناء الإنسان والمجتمع المعاصر. فالكوميديا، في بعديها الجمالي والفلسفي، تخلق أثراً عميقاً في الوجدان. ليس سهلاً سردها بصرياً، أو أن تتناول القضايا الإنسانية».

يضيف: «يعزز هذا الاختيار ما يشهده عصرنا الراهن من احتقان ولهاث يحتاج فيه الإنسان إلى ابتسامة تبلسم روحه».

استعراض مميّز على صعيد الأفلام، فإنّ الرقم الكبير للأعمال المشتركة موضع إعجاب لا بد منه. 131 فيلماً في المسابقات، من أصل نحو 231 عملاً في اتجاهات وبرامج مختلفة.

في كلمتها، قالت مديرة البرامج في مركز «إثراء» نورة الزامل، إنّ «الحرص على مواكبة جهود المملكة وتوجهاتها في إيجاد مكانة مرموقة للسينما في كل المجالات، يدفع (إثراء) لتكثيف دورها في تعزيز الصناعة السينمائية السعودية».

ورد ذلك في حفل افتتاح بدأ بعرض استعراضي من الرقص التعبيري، مستلهم من رمز يجمع بين الطبيعة والمهرجان، فهو يشبّه التفاف المجتمع السينمائي السعودي حول المهرجان، بقطرة الماء التي تنتظرها الصحراء. الراقصون الذين قدّموا هذا المشهد التعبيري لنحو سبع دقائق، أبدوا ليونة جسدية، والتزاماً هندسياً وتصميمياً بديعاً ومتواكباً بلا هفوات، لكن هذا التقديم لم يأتِ من دون مواكبة أخرى: على الشاشة، خلف المشهد المسرحي الدائر، وهج وبريق الصورة المختلقة بفعل فن «الدجيتال» على نحو مذهل. هذا يتضمن «أنيميشن»، وأضواء، وصوراً، ومؤثرات تواكب الفكرة الرمزية، ما يثري الاستعراض ويمتزج به.

بعد ذلك، جرى تقديم شخصيّتين مُحتفى بهما هما المنتج السعودي صالح فوزان، والكاتب السينمائي والسيناريست البحريني أمين صالح.

الجيد في التقديم أنه لم يكن تقليدياً. عرض المهرجان فيلمين قصيرين عن كل منهما، يتضمن مقابلتين مخصصتين لنقل بعض مراحل حياة الشخصيّتين وأعمالهما؛ فجاء الفيلم الخاص بالزميل صالح مائلاً إلى الصياغة الأدبية؛ لكونه يستمد ذلك من شخصية وحرفة الكاتب. أما الفيلم المخصص لفوزان فطرح أسلوباً مسترسلاً ببراعة ناتجة عن شخصية المنتج المعروف وشرحه الموجز لمراحل حياته، وكيف اهتم بالسينما، ولماذا.

تبع ذلك تقديم المسابقات ولجان التحكيم، ولوحظ أنّ تصميم الافتتاح استبعد صعود الأشخاص المعنيين (أمثال أفراد لجان التحكيم أو حتى الفائزين بمسابقة السيناريوهات غير المنجزة) على المنصّة. هذا وحّد المنهج واستبعد الخطب التي عادةً تأخذ وقتاً ينتقص من متعة الانتقال سريعاً بين الفقرات.

في اليوم التالي، أمس الجمعة، باشر المهرجان عروض أفلامه ببضعة أعمال توّاقة إلى إثراء التجربة الجوهرية لهذا الحدث، بينها ثلاثة أفلام طويلة هي: الفيلم التسجيلي «البطل الخارق سعدي» لبدر البلوي، والفيلم الروائي المستوحى من وقائع حقيقية «شارع 105» لعبد الرحمن الجندل، والفيلم الروائي «أغنية الغراب» لمحمد السلمان، الذي كان قد شارك بفيلمه هذا في «مهرجان البحر الأحمر».


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
TT

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)

كشف بحث جديد أنه يمكن لفيروس إنفلونزا الطيور أن يصيب الخيول دون أن يسبب أي أعراض، مما يثير المخاوف من أن الفيروس قد ينتشر دون أن يتم اكتشافه، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز».

ويعتبر ذلك تطوراً آخراً في التهديد الناشئ لفيروس H5N1، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره السبب الأكثر ترجيحاً للوباء المقبل.

اكتشف علماء من جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة أجساماً مضادة للفيروس في عينات دم مأخوذة من خيول تعيش في منغوليا.

وقال البروفسور بابلو مورسيا، الذي قاد البحث، لشبكة «سكاي نيوز» إن النتائج تشير إلى أن الخيول في جميع أنحاء العالم قد تكون عرضة للإصابة في المناطق التي يوجد بها إنفلونزا الطيور، وقد تنقل الفيروس إلى البشر.

وتابع: «من المهم للغاية، الآن بعد أن علمنا أن هذه العدوى يمكن أن تحدث في الطبيعة، أن نراقبها لاكتشافها بسرعة كبيرة... تعيش الخيول، مثل العديد من الحيوانات المستأنَسة الأخرى، على مقربة من البشر. وإذا استقر هذا الفيروس في الخيول، فإن احتمالية الإصابة البشرية تزداد».

ويعتقد الفريق في مركز أبحاث الفيروسات التابع لمجلس البحوث الطبية بجامعة غلاسكو أيضاً أن الخيول قد تكون وعاء خلط لسلالات جديدة من الإنفلونزا.

من المعروف بالفعل أن الخيول يمكن أن تصاب بإنفلونزا الخيول، التي يسببها فيروس H3N8. ولكن إذا أصيب الحصان في نفس الوقت بفيروس H5N1، فقد يتبادل الفيروسان المادة الوراثية ويتطوران بسرعة.

كان فيروس H5N1 موجوداً منذ عدة عقود، ويتسبب في تفشّي المرض بين الدواجن إلى حد كبير. ولكن في السنوات الأخيرة انتشر نوع جديد من الفيروس في جميع أنحاء العالم مع الطيور المهاجرة، وقفز مراراً وتكراراً بين الأنواع ليصيب الثدييات.

ينتشر الفيروس بين الأبقار في الولايات المتحدة؛ حيث أُصيب أكثر من 700 قطيع من الأبقار الحلوب في 15 ولاية، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وقال الدكتور توليو دي أوليفيرا، مدير مركز الاستجابة للأوبئة والابتكار في جنوب أفريقيا، الذي اكتشف لأول مرة متحور «أوميكرون»، في جائحة «كوفيد - 19»، إنه يراقب الأحداث في أميركا بخوف.

وشرح لشبكة «سكاي نيوز»: «آخر شيء قد يحتاجون إليه في الوقت الحالي هو مسبِّب مرض آخر تطور وتحور... إذا أبقي فيروس H5N1 منتشراً لفترة طويلة عبر حيوانات مختلفة وفي البشر، فإنك تمنح الفرصة لحدوث ذلك. لا أحد يريد جائحة محتملة أخرى».