أسدل الستار على التحقيقات التي أجرتها الوفود القضائية الأوروبية في بيروت على مدى ثلاث جولات، وشملت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومقربين منه وكبار الموظفين في البنك المركزي، بالإضافة إلى أصحاب مصارف تجارية، وبدأت الوفود بالعودة إلى بلادها مصطحبة معها خلاصة استجوابات أجرتها على مدى أسبوعين.
وستخضع محاضر التحقيق وإفادات المستمع إليهم لتقييم دقيق، يتخذ بنتيجته كل فريق الإجراءات التي يراها مناسبة، ورأت مصادر مواكبة لمهمّة الوفود الأوروبية، أن «الفريق الفرنسي بدا الأكثر استعجالاً لإنهاء التحقيقات لأكثر من سبب».
وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «القاضية الفرنسية أود بوريزي التي تقود تحقيق بلادها تجد نفسها في مرحلة متقدمة، وباتت محيطة بكل المعلومات التي أتت من أجلها إلى لبنان، وأن التعاون الذي برز في الأيام الأخيرة بينها وبين النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات، أعطى التحقيق قوة دفع كبيرة».
وقالت المصادر إن بوريزي «تتجه لتتويج تحقيقاتها بإجراءات حاسمة قبل الانتقال إلى مركز قضائي آخر»، لافتة إلى أن الأخيرة «تعلق أهمية على مثول رياض سلامة أمامها بتاريخ 16 مايو (أيار) الحالي في باريس، لكنّ هذا الأمر غير مضمون، والمعلومات ترجّح امتناعه عن حضور جلسة التحقيق هناك، خصوصاً بعد التجربة التي حدثت مع رئيس مجلس إدارة (بنك الموارد) الوزير الأسبق مروان خير الدين، لجهة احتجازه في باريس لأيام، قبل تركه رهن التحقيق وبشروط قاسية فرضت عليه».
وتوّجت الوفود الأوروبية مهمتها في بيروت بالاستماع إلى إفادة وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة، أجاب خلالها عن أكثر من 100 سؤال، وخالف خليل رغبة قيادات سياسية نصحته بعدم المثول أمام القضاة الأوروبيين.
وقال مصدر مقرّب من وزير المال لـ«الشرق الأوسط»، إن الأخير «حضر طوعاً وبملء إرادته، علماً بأنه لا شيء قانونياً يلزمه بالمثول أمام المحققين الأوروبيين، وقد أجاب عن كلّ الأسئلة والاستفسارات، إذ ليس لديه ما يخشاه أو يخفيه».
بيد أن المصادر المواكبة للوفود الأوروبية، أوضحت أن خليل «سئل أكثر من مرّة عن علاقته برياض سلامة، فردّ بأنها كانت علاقة عمل».
ونفى خليل، حسب المصادر، علمه بـ«كيفية شراء سندات اليوروبوندز، أو امتلاكه معلومات عن حسابات شركة فوري، على أن يسلّم قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا مستندات تتضمن نصوصاً قانونية خاصة بإدارة العمليات المالية في المصرف، ليسلمها الأخير للوفود الأوروبية».
وأكدت المصادر أن القاضية بوريزي «تسلّمت مستندات من رجا سلامة وندى مخلوف المدققة في شركة (ديلويت) كانا قد وعدا بتقديمها خلال الاستماع إليهما».
ولم يتبلغ القاضي شربل أبو سمرا الذي يشرف على تنفيذ الاستنابات القضائية، ما إذا كان القضاء الأوروبي يرغب في إجراء جولة جديدة من التحقيق في لبنان، لكن المصادر لفتت إلى أن «كل الذين خضعوا للتحقيق في بيروت أدلوا بإفاداتهم كشهود، وأن المهمة الأوروبية الآن محددة في استجماع المعلومات وليس بتوجيه الاتهامات، وهذا الأمر كان أساس التعامل بين القضاءين اللبناني والأوروبي». واستدركت المصادر قائلة إن القضاء اللبناني «ملزم بالتعامل مع أي قرارات تتخذ في الخارج عند اطلاعه عليها».
وتابعت: «لو صدرت لائحة اتهام أو مذكرات توقيف بحق شخصيات لبنانية، وتسلم لبنان نسخة منها، حينها سيضطر إلى تلقفها، ومن ثم تنفيذها والطلب إلى السلطات التي أصدرتها تزويد لبنان بالملفات القضائية، والأدلة التي استند إليها لإجراء تحقيق في لبنان، وإذا ثبتت صحة هذه الاتهامات فعندها سيخضع الأشخاص للمحاكمة أمام القضاء اللبناني».