بعدما نجح آرون وان بيساكا في القضاء تماماً على خطورة كاورو ميتوما في مباراة نصف النهائي لكأس الاتحاد الإنجليزي بين مانشستر يونايتد وبرايتون، كتب نجم ليستر سيتي، جيمس ماديسون، على «تويتر» يقول: «آرون وان بيساكا جيد بشكل لا يُصدق في المواجهات الفردية. ربما يكون الأفضل في العالم في هذا الأمر من دون استثناء، فالكثير من الأجنحة تفقد كل الأفكار والحيل عندما يلعبون أمامه بشكل مباشر».
يقدم ميتوما مستويات استثنائية هذا الموسم، ويقود برايتون لاحتلال أحد المراكز المؤهلة للمشاركة في البطولات الأوروبية الموسم المقبل، ومن الإنصاف القول إنه يعد حالياً أحد أفضل الأجنحة في كرة القدم العالمية، بل إنه كتب أطروحة جامعية حول المراوغات، مستخدماً الكاميرات لتحليل أداء زملائه في الفريق وكيف يمكن للاعب أن يتفوق في المواجهات الفردية. لكن على ملعب ويمبلي أمام مانشستر يونايتد، خسر اللاعب الياباني جميع المواجهات الفردية الست أمام وان بيساكا، وفقد الاستحواذ على الكرة 17 مرة قبل أن يتم استبداله وخروجه من الملعب. وعندما سُئل عن الظهير الأيمن لمانشستر يونايتد بعد المباراة، قال ميتوما: «إنه خصم قوي، وهذا هو الشعور الذي انتابني أثناء اللعب».
وان بيساكا بدأ مسيرته بمركز الجناح في كريستال بالاس (غيتي)
لكن وصف وان بيساكا بأنه مدافع متميز في المواجهات الفردية ليس بالأمر الجديد. ومع ذلك، أصبحت أرقامه مذهلة في الآونة الأخيرة، إذا تشير الإحصائيات إلى أنه من بين 2168 لاعباً حاولوا القيام بأكثر من 100 تدخل (تاكلينغ) في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا منذ بداية موسم 2017-2018، كان وان بيساكا، البالغ من العمر 25 عاماً، هو صاحب أعلى معدل نجاح في التدخلات. لقد نجح في استخلاص الكرة 449 مرة في 571 محاولة، بمعدل مذهل وصل إلى 78.6 في المائة. ولم يقترب منه أي ظهير آخر في أوروبا في هذه الإحصائية.
إذاً، كيف تمكن الجناح السابق، الذي لم يتلقَّ أي تدريب رسمي على التدخلات قبل انتقاله إلى فريق كريستال بالاس تحت 23 عاماً، من أن يصبح المدافع الأفضل في العالم من حيث المواجهات الفردية؟ لقد كان تطور وان بيساكا المذهل من لاعب يقدم مستويات غير ثابتة في مركز الجناح إلى لاعب يتألق بشدة ولا يمكن الاستغناء عنه في مركز الظهير بأكاديمية الناشئين بكريستال بالاس، مفاجأة للجميع. لكن بمجرد أن استقر اللاعب الشاب في مركزه الجديد، تمكن بفضل خفة حركته وذكائه والتزامه من جذب أنظار المدير الفني للفريق الأول روي هودجسون، الذي قرر تصعيده من صفوف الناشئين.
وبعد أن أمضى معظم سنواته الاحترافية في بداية مسيرته الكروية وهو يراقب ويلفريد زاها ويانيك بولاسي، اللذين يعدان من أفضل المراوغين في الدوري الإنجليزي الممتاز، تطور وان بيساكا بسرعة كبيرة. وفي حديثه إلى صحيفة «الغارديان» في عام 2019، أكد وان بيساكا على مدى أهمية هذه الفترة في مسيرته الكروية، قائلاً: «التدريب أمام ويلفريد زاها ويانيك بولاسي جعلني أفضل. عندما كنت أصغر سناً، كانت طريقة لعبي تشبه طريقة لعب زاها، لذا كنت أقرأ أفكاره. لكنه على أي حال لا يزال قادراً على المراوغة بشكل جيد! نظراً لأنني كنت ألعب في السابق بمركز الجناح، فإنني أعرف كيف يفكر اللاعبون الذين يلعبون في هذا المركز وكيف يتحركون. وبالتالي، يمكنني التنبؤ بما سيحدث بشكل أكثر سهولة. لا أعرف من أين تعلمت طريقة التدخل لاستخلاص الكرة (التاكلينغ) لكنني أشعر بالدهشة التامة عندما أرى الإحصائيات المتعلقة بهذا الأمر».
ومع ذلك، يظل بيساكا، الملقب بـ«العنكبوت»، لغزاً كبيراً. يصف يانيك لوفاكاليو، المدير التقني المشهور الذي دعاه وان بيساكا إلى منزله العام الماضي لإعطائه جلسات تدريبية متخصصة، الطريقة التي يدافع بها وان بيساكا بأنها «سهلة ولا تتطلب بذل مجهود كبير»، مؤكداً أن تطور مستوى اللاعب بهذا الشكل خلال الموسم الحالي يعود في الأساس إلى تغيير طريقة التفكير. يقول لوفاكاليو: «إذا كنت تلعب مع مانشستر يونايتد، فإن التدريب يتعلق أكثر بزيادة ثقة اللاعب بنفسه. كان وان بيساكا معتاداً اللعب كل أسبوع، وهو قوي للغاية من الناحية الذهنية، لكن هناك فترة في الحياة يواجه فيها الجميع بعض التحديات والصعوبات. أعتقد أنه تجاوز تلك الفترة الآن، ولا توجد حدود لطموحاته».
ويضيف: «وان بيساكا لاعب موهوب بالفطرة، لكن أكبر نقاط قوته تتمثل في أنه يستطيع تحديد الوقت المناسب لكل شيء. عملنا كثيراً على تحسين قدرته على المراوغة. لقد ذُهلت عندما رأيت كم هو بارع في الناحية الفنية. أول شيء أخبرته به هو أنه يمتلك قدرات فنية كبيرة». ويتابع: «قال باولو مالديني ذات مرة إنه عندما يضطر اللاعب إلى القيام بتاكلينغ فإن هذا يعني أنه قد ارتكب خطأ بالفعل. لكنني لا أرى الأمر على هذا النحو. التدخل لاستخلاص الكرة يتطلب مهارة كبيرة، وقد أتقن آرون فن استخلاص الكرة عن طريق التاكلينغ. لقد سألته كيف أصبح جيداً إلى هذا الحد، فقال: لا أعرف. أنا فقط أجيد ذلك».
ومع ذلك، هناك عيوب واضحة في طريقة لعب وان بيساكا، فهو لا يتقدم كثيراً للأمام ويظل متمركزاً في الخلف كأحد أفراد خط الدفاع، كما لا يملك القدرة على التمرير أو إرسال الكرات العرضية بنفس دقة ترينت ألكسندر أرنولد أو كيران تريبيير أو ريس جيمس، كما لا يجيد ألعاب الهواء مثل بين وايت، أو يمتلك سرعة كايل ووكر. ومن سوء حظه أنه يلعب في عصر لا يُقدر الإمكانات الدفاعية البحتة، وفي وقت تمتلك فيه إنجلترا العديد من الخيارات المميزة في مركز الظهير الأيمن. انضم وان بيساكا لقائمة المنتخب الإنجليزي مرتين تحت قيادة غاريث ساوثغيت، لكنه ترك المعسكر في المرتين بسبب الإصابة. وعلى الرغم من مشاركته مع منتخبي إنجلترا والكونغو الديمقراطية على مستوى الشباب، فإنه لم يلعب أي مباراة حتى الآن على مستوى المنتخب الأول.
كانت نقاط ضعف وان بيساكا في الجوانب الهجومية تمثل مصدر إحباط لبعض الوقت، لكنه أظهر تحسناً ملحوظاً في هذا الأمر في الآونة الأخيرة؛ حيث أصبح أكثر اتزاناً وشعوراً بالراحة وهو يتقدم والكرة بين قدميه. وأمام برايتون، شنّ بعض الهجمات الخطيرة، وأكمل جميع محاولاته الأربع للمراوغة، وأصبح إحدى الركائز الأساسية لمانشستر يونايتد تحت قيادة المدير الفني الهولندي إيريك تن هاغ منذ نهاية كأس العالم؛ حيث لعب جميع مباريات الفريق في الدوري باستثناء أربع مباريات فقط. ومن بين المباريات الأربع التي غاب عنها وان بيساكا، خسر مانشستر يونايتد مباراتين (بسباعية نظيفة أمام ليفربول، وبثنائية دون رد أمام نيوكاسل) وتعادل مرة واحدة (أمام ليدز يونايتد بهدفين لكل فريق).
استفسر كريستال بالاس وبوروسيا دورتموند عن إمكانية ضم اللاعب في فترة الانتقالات الشتوية الماضية، وتشير تقارير أيضاً إلى اهتمام برشلونة وإنتر ميلان بضم اللاعب، لكن يبدو أن مانشستر يونايتد ليس مستعداً للتخلي عن خدماته بعدما أصبح ركيزة أساسية من ركائز الفريق تحت قيادة تن هاغ. وبالتالي، فمن غير المتوقع أن يرحل اللاعب عن «أولد ترافورد» هذا الصيف.