وصف معارض بارز ووزير سابق وقيادي في «تحالف التغيير» السوداني، الحرب الجارية في البلاد بأنها «حرب لا منتصر فيها»، وأن الخاسر فيها هو الوطن، وحذر من «انهيار الدولة حال استمرارها»، وشدد على أهمية إيقافها «على الفور».
وقال المتحدث باسم العملية السياسية، خالد عمر يوسف، في مقابلة عبر الإنترنت لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، إن اتهام تحالفه والقوى المدنية الموقعة على «الاتفاق الإطاري» بإذكاء نار الحرب «أكذوبة تروج لها عناصر نظام المؤتمر الوطني لتغطية دورهم في إشعال الحرب والعمل على استمرارها».
وأوضح يوسف، الذي كان يشغل منصب وزير شؤون الرئاسة في حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك السابقة، أن تحالف «الحرية والتغيير انتبه مبكراً لمحاولات عناصر النظام البائد للإيقاع بين القوات المسلحة والدعم السريع، وتقدم بالحل السياسي التفاوضي لتجنب أي صراع مسلح»، مضيفاً أن «التحالف توصل لاتفاق سياسي مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والقوى المدنية، يقضي بإصلاح القطاع الأمني والعسكري، وظل يسعى إلى ذلك حتى قبل يوم من اندلاع القتال».
وكشف يوسف عن «استمرار التواصل بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري وقيادة كل من القوات المسلحة والدعم السريع، لحضهما على وقف الحرب وحل القضايا المتفق عليها سلمياً»، وتعهد بمواصلة الاتصالات والنقاشات معهم «من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ومعالجة آثارها، بما يحول دون العودة إليها مجدداً».
وقال يوسف: «إن المبادرة الأميركية - السعودية قطعت خطوات مهمة في التوصل لتمديد الهدنة الإنسانية السارية الآن، والترتيب للقاء مباشر للوصول لوقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً لحل سياسي شامل»، وإن تحالف «الحرية والتغيير» يدعم هذه المبادرة بقوة باعتبارها فرصة حقيقية لإنهاء الحرب.
وتابع: «الحقيقة هي أن قوى الحرية والتغيير تنبهت مبكراً لمحاولات عناصر النظام البائد للإيقاع بين القوات المسلحة والدعم السريع، وطرحت طريق الحل السياسي التفاوضي لتجنب أي صراع مسلح، وتوصلت مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والقوى المدنية لاتفاق سياسي في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وجرى توقيع ورقة حول مبادئ وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري في 15 مارس (آذار) الماضي».
وأوضح يوسف أن تحالفه ظل يسعى حتى اليوم الأخير، وقبيل اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع»، للحيلولة دون الحرب. وقال: «وقفنا ضد الحرب منذ يومها الأول وحتى الآن، وظللنا، ولا نزال، نتواصل بشكل متوازن ومتصل، مع قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع، لوقف القتال واختيار الحلول السياسية السلمية طريقاً أوحد لمعالجة الخلافات».
وانتقد «خلافات المدنيين وانقساماتهم»، وحملهم «مسؤولية توفير مناخ الحرب»، بقوله إن خلافاتهم «وفرت مناخاً ملائماً لعناصر النظام البائد للعودة إلى المشهد مرة أخرى، وأضعفت الانتقال، وقدرة المدنيين على العمل الجماعي المحكم الذي يجنب البلاد السيناريوهات الأسوأ التي كانت تلوح في الأفق».
وكان الائتلاف في «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير»، الذي قاد الثورة الشعبية التي أسقطت نظام الرئيس المعزول عمر البشير، انقسم بعيد توقيع «الاتفاق الإطاري»، وخرجت منه أحزاب يسارية، على رأسها «الحزب الشيوعي»، ولاحقاً خرجت الحركات الموقعة على اتفاق سلام السودان في جوبا، ودعمت انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ثم كونت تحالفاً جديداً باسم «الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية»، كما خرج منه «حزب البعث العربي الاشتراكي» عشية توقيع الاتفاق الإطاري.
وبشأن دور القوى الموقعة على «الاتفاق الإطاري» ودور «ائتلاف التغيير» أثناء الحرب، أوضح يوسف أنهم يعملون على 3 مسارات؛ أولها «بناء أوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب». وقال: «بالفعل، نجحنا في المشاركة في تأسيس الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية، وهي الجسم التنسيقي الأكبر في السودان حالياً، ويضم القوى السياسية الرئيسية ولجان المقاومة، والمجتمع المدني الديمقراطي، والمجموعات المهنية والنقابية، وشخصيات وطنية ذات ثقل وتأثير».
وأضاف يوسف أن «المسار الثاني الذي يعمل عليه الائتلاف، يتمثل في التواصل مع قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع؛ لحضهما على وقف القتال وتطوير خارطة طريق لوقف دائم لإطلاق النار، ومعالجة القضايا العالقة سلماً لا حرباً»، فيما يتمثل المسار الثالث في «التواصل الإقليمي والدولي من أجل حشد موقف عالمي مناهض للحرب، وتنسيق الجهود الدولية بشكل أفضل، من أجل المساعدة على إيقاف الحرب وانتظام العون الإنساني للمتأثرين بالنزاع، والتنسيق المحكم لإيجاد حل سياسي للكارثة التي يمر بها السودان».
وبمواجهة ما تشيعه الجماعات المؤيدة لاستمرار الحرب من الإسلاميين وأنصار «حزب المؤتمر الوطني» (حزب البشير)، والمجموعات التي تدعو لتحميل الائتلاف المسؤولية عن اندلاع الحرب، ولقطع الصلة مع قوى التغيير، كشف يوسف عن تواصل مستمر مع قيادات الطرفين المتقاتلين، وقال: «نعم، نتواصل مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع بشكل مستمر، ونحض الطرفين على وقف الحرب وحل القضايا المتفق عليها سلماً»، متعهداً بمواصلة الاتصالات والنقاشات من أجل «التنسيق لمعالجة الأوضاع الإنسانية الملحة الناتجة عن الحرب، ومن أجل التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، وصولاً لحل سياسي سلمي شامل ينهي الحرب ويعالج آثارها ويمنع العودة إليها مجدداً».
وقال يوسف: «إن المبادرة السعودية - الأميركية قطعت خطوات مهمة في التوصل لتمديد الهدنة الإنسانية السارية الآن، والترتيب للقاء مباشر للوصول لوقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً للوصول لحل سياسي شامل»، معلناً دعم ائتلافه لها بقوله: «هذه المبادرة تجد منا كامل التعاون والسند، وهي تمثل فرصة حقيقية لإنهاء الحرب، ونحن نتواصل بصورة مستمرة مع المبادرة والأسرة الدولية التي تنسق معها، ونعمل على تكامل الجهود من أجل أن تحقق وقفاً عاجلاً ودائماً لإطلاق النار، ومعالجة للوضع الإنساني وحل سياسي مستدام».
وأبدى يوسف استعداد ائتلافه «لتشجيع دور دولي إيجابي يعمل على تيسير الحوار بين الأطراف السودانية، ومساعدتها على حل القضايا بالحوار لا بالبنادق»، داعياً إلى ما أسماه «عملاً دولياً واسعاً لتوفير الاحتياجات الإنسانية الملحة للمتأثرين بالحرب». وتابع: «نتطلع لتنسيق محكم بين كل المبادرات الدولية والإقليمية لوقف الحرب، حتى لا تتعدد المنابر ولا تبدد الجهود والوقت الذي يجب أن يستثمر لصالح إنهاء الحرب دون أي تأخير».
وطالب الأطراف الدولية «بالامتناع عن أي أقوال أو أفعال قد تؤجج الحرب، أو تطيل أمدها»، وأضاف: «للمجتمعين الدولي والإقليمي مصلحة حقيقية في إنهاء هذه الحرب، التي إن استمرت ستكون لها تأثيرات كارثية على نطاق إقليمي وعالمي واسع».
وأعرب يوسف عن أمله «في نهاية قريبة للحرب اللعينة»، محذراً من «انهيار البلاد». وقال: «نحن نأمل ونعمل لكي ينتهي القتال اليوم قبل الغد. هذه حرب لعينة ستقود لانهيار البلاد وتدميرها، ومصدر أملنا هذا هو الموقف الشعبي العريض الرافض للحرب، والقناعة التي بدأت تتبلور بأن هذه حرب سيخسر منها الوطن، ولا خير يرجى من ورائها إطلاقاً».
وإزاء تهديدات وجّهها قادة إسلاميون اتهموا التحالف المدني بالمسؤولية عن الحرب، ودعوا على لسان الداعية المتشدد عبد الحي يوسف لقتلهم، وتهديدات أخرى مضمرة جاءت على لسان القيادي في المؤتمر الوطني أنس عمر، بأنهم سيواجهون المعارضة بأكثر من الاعتقال، قال يوسف: «هذه فئة مجرمة، أجرمت في حق الشعب السوداني لثلاثين عاماً، قتلت وشردت فيها الملايين، ولم تشبع من الدماء بعد... تهديداتهم تفضح مشروعهم الإرهابي المتطرف»، مؤكداً أن «التهديدات التي يوجهها أنصار النظام السابق من الإسلاميين ومؤيديهم، لن تخيف دعاة المدنية والحريات»، وقال: «إنها لا تخيفنا إطلاقاً، فهذه بلادنا، ولن نتراجع عن أداء واجبنا الوطني تجاهها مهما أطلق هؤلاء من تهديدات»، وتابع: «نحن نعمل لوقف هذه الحرب، ولن نخضع لمن يدقون طبولها. هم يهدفون للعودة إلى السلطة، حتى لو أريقت دماء غالب السودانيين والسودانيات، وهو ما فعلوه من قبل، وحاولوا حتى أن يطوعوا الدين زوراً كغطاء لأفعالهم الإجرامية. نحن نعمل على الحفاظ على الوطن من التمزق والتشرذم وحفظ حياة الناس وذلك عبر إنهاء الحرب، والعودة لمسار مدني ديمقراطي لا استبداد أو هيمنة فيه».
واعتبر وقف الحرب «أولوية قصوى قبل الحديث عن أي خيارات سياسية أخرى»، وقال: «الأولوية الآن لوقف الحرب، ونحن على يقين بأن هذه الحرب لم تكسر آمال وتطلعات الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي، وأنها أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن المسار المدني، هو الأمثل لتوفير الاستقرار والأمن والسلام والتنمية والحرية، وكل ما يكفل العيش الكريم لشعبنا».
وبشأن تأثيرات القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» على مجريات الأوضاع السياسية في البلاد، وما إذا كانت ستشكل نهاية للعملية السياسية و«الاتفاق الإطاري» الموقع بين الطرفين، قال يوسف: «من المبكر الآن الحديث عن مستقبل العملية السياسية التي انقطعت باندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان). نحن نركز كلياً في الوقت الحالي على الأولوية الوطنية الأكثر الحاحاً، وهي وقف الحرب الآن ودون إبطاء. الاتفاق الإطاري حمل مجموعة من الأسس والمبادئ التي تعبر عن تطلعات قطاع غالب من أبناء وبنات الشعب السوداني، وأهمها وجود سلطة مدنية كاملة وإصلاح أمني وعسكري يقود لجيش مهني وقومي واحد ينأى عن السياسة كلياً، وانتقال يقود لانتخابات حرة ونزيهة».
وختم: «جاءت الحرب لتؤكد بأن هذه المبادئ والأسس هي الحل الأمثل والبديل الموضوعي للغة السلاح والموت والدمار».