مظاهرات «سلم الرواتب» تجتاح محافظات عراقية وسط استمرار الخلافات حول الموازنة

العراق في المركز الـ78 عالمياً بين الدول الأكثر فقراً

وقفة احتجاجية بمناسبة اليوم العالمي للعمال في المنطقة الخضراء وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
وقفة احتجاجية بمناسبة اليوم العالمي للعمال في المنطقة الخضراء وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

مظاهرات «سلم الرواتب» تجتاح محافظات عراقية وسط استمرار الخلافات حول الموازنة

وقفة احتجاجية بمناسبة اليوم العالمي للعمال في المنطقة الخضراء وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
وقفة احتجاجية بمناسبة اليوم العالمي للعمال في المنطقة الخضراء وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)

لم تتمكن الكتل السياسية والبرلمانية معاً من حسم الخلافات بشأن الموازنة المالية للعام الحالي (2023)، في حين قدمت حكومة محمد شياع السوداني موازنة وُصفت بالطموحة للسنوات الثلاث المقبلة.
وفي وقت يخلو جدول البرلمان العراقي لجلسة اليوم (الثلاثاء) من مناقشة أهم قضية ينتظرها ملايين العراقيين، وهي الموازنة المالية للبلاد المعطلة منذ نحو سنتين، بيد أنه تضمن قضايا مثل انضمام العراق إلى النظام الأساسي للمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي أو مشروع قانون تصديق اتفاق بين حكومة جمهورية العراق والجمهورية التونسية بشأن الخدمات الجوية بين إقليميهما.
الأسباب الرئيسية لعدم إقرار الموازنة مع أنه تمت قراءتها مرتين؛ وهو ما كان ينبغي أن يمهد للتصويت عليها يعود بعضها إلى أسباب غير معلنة، وهي عدم رغبة بعض القوى السياسية في إطلاق يد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي أطلق مجموعة كبيرة من المشاريع الخدمية التي تحتاج إلى غطاء مالي لتنفيذها، وهو ما يعني من وجهة نظر بعض تلك القوى نجاحاً لرئيس الوزراء الذي يبدو أنه في وارد تطبيق كل ما تعهد به بعيداً عن رؤية القوى السياسية التي اعتادت ألا يخرج أي رئيس حكومة عن طاعتها. وطبقاً لمصادر سياسية متطابقة من خلال ما يدور في الغرف السرية إنه بعد أن بدا أن الموازنة اكتملت نهائياً وباتت جاهزة للتصويت، فإن ما أعلنه السوداني عن رغبته في إجراء تعديل وزاري جعل من العديد من القوى السياسية تعيد النظر في حساباتها حياله بما في ذلك مراجعة موضوع إقرار الموازنة، وذلك بالعودة إلى أصل الخلافات التي كان ينبغي أنها حسمت عند القراءتين الأولى والثانية.
الاعتراضات التي عبّرت عنها بعض القوى السياسية تمثلت في ثلاث نقاط، وهي كون الموازنة لثلاث سنوات لا لسنة واحدة، والثانية كون الموازنة تحتوي على عجز كبير، والثالثة تتمثل في سعر البرميل الواحد للنفط مقابل الدولار البالغ 70 دولاراً للبرميل الواحد مع الخشية من إمكانية انخفاض أسعار النفط.
السوداني الذي لم يقدم تنازلات بات مقلقاً للكثيرين، فضلاً عن إصراره على التعديل الوزاري ومباشرته أوائل هذا الأسبوع تنفيذ أول مشروعين كبيرين لفك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، وهو ما يؤشر مضيه في تنفيذ خططه مع سعي واضح لجعل الكتل السياسية في مواجهة الشارع الغاضب عليها أصلاً. لكن بعض الكتل السياسية لديها ما يمكن أن تضغط به على الحكومة حتى لو كانت هي جزءاً من مسؤوليته، مثل موضوع «سلم الرواتب». ففي صباح أمس وفي محافظات عراقية عدة وفي توقيت واحد انطلقت مظاهرات عدة من قِبل موظفي الدولة، مطالبين بتعديل سلم الرواتب قبل إقرار الموازنة. وطبقاً للمراقبين وخبراء المال، فإن قضية سلم الرواتب التي هي إحدى الإشكاليات المهمة على صعيد الوظيفة العامة في العراق وما تشهده من فوارق بين موظفي الدولة لا يمكن حلها في وقت باتت الموازنة جاهزة للتصويت. فطبقاً لما أعلنه عدد من النواب في البرلمان العراقي، وكذلك الخبراء الماليون أن مناقشة وإقرار سلم الرواتب الجديد الذي لم تتم المباشرة به بعد يحتاج إلى وقت طويل، وهو ما يعني في حال ربطه بالموازنة تعطيل إقرارها لعام آخر مثلما تعطلت منذ منتصف عام 2021 وحتى منتصف 2023 مروراً بعام 2022. في حين تغص خزينة البنك المركزي العراق بأكثر من 115 مليار دولار أميركي، أغلبها من مبيعات النفط التي بلغت حتى آخر شهر مارس (آذار) نحو 7 مليارات دولار أميركي. المتظاهرون الذين انطلقوا في وقت واحد في محافظات بغداد والبصرة وذي قار ومدن أخرى طالبوا بتعديل سلم الرواتب بهدف تقليل الفوارق بين الموظفين. علماً بأن عدد الموظفين والمتقاعدين في العراق يتجاوز 6 ملايين موظف تنفق عليهم الدولة نحو 5 مليارات دولار رواتب؛ وهو ما يستنزف أكثر من 70 في المائة من موازنة الدولة التي تذهب إلى ما هو تشغيلي في حين ترتفع نسبة البطالة بشكل كبير في البلاد وكذلك نسبة التضخم. وكانت أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي سجلت ارتفاعاً حاداً خلال الأشهر الماضية بلغت 170 ألف دينار لكل مائة دولار أميركي قبل أن تتخذ الحكومة إجراءات صارمة بما فيها مفاوضات مع «الفيدرالي» الأميركي أدت بعدها إلى انخفاض واضح في أسعار صرف الدولار ليقترب من معدله الرئيسي الذي حددته الحكومة، وهو 132 ديناراً لكل دولار بينما سعره الحالي في السوق يقف عند نحو 140 ديناراً لكل دولار أميركي.
إلى ذلك، صنّف آخر تقرير دولي بلداً غنياً مثل العراق بالمرتبة الـ78 عالمياً والثامنة عربياً من بين أكثر الدول فقراً خلال العام الحالي. ووفقاً لمجلة «غلوبال فاينانس» المتخصصة بتصنيف دول العالم، فإن «العراق احتل المرتبة الـ78 من أصل 193 دولة مدرجة بالجدول من حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، متقدماً مركزاً واحداً نحو الفقر بالمقارنة مع العام الذي سبقه وكان يحتل فيه المركز الـ79». وذكرت المجلة، أن «دولة جنوب السودان احتلت المرتبة الأولى كأكثر دول العالم فقراً تليها بوروندي ثانياً، في حين احتلت جمهورية جنوب أفريقيا المرتبة الثالثة، ومن ثم جاءت جمهورية أفريقيا الوسطى رابعاً، وجاءت الصومال، وجمهورية الكونغو، وموزمبيق، والنيجر، ومالاوي وتشاد عند المراتب الخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة والتاسعة والعاشرة على الترتيب، بينما تذيلت آيرلندا ولوكسمبورغ وسنغافورة الترتيب بأقل دول العالم فقراً».
وعربياً، جاءت الدول العربية الأكثر فقراً هي، الصومال بالمرتبة الأولى تليها ثانياً اليمن، ومن ثم إرتيريا ثالثاً، والسودان رابعاً، ومن ثم موريتانياً خامساً، والمغرب سادساً، والأردن سابعاً، والعراق ثامناً، وتونس تاسعاً، والجزائر جاءت بالمرتبة العاشرة. وأشارت إلى أن «قياس مدى فقر أو ثراء أمة معينة مقارنة بأمة أخرى يتم على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من خلال تعويض الفروق في تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

الرئيس اللبناني: نرحب بأي دور فرنسي في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
TT

الرئيس اللبناني: نرحب بأي دور فرنسي في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)

أفادت الرئاسة اللبنانية بأن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أبلغ المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، اليوم الاثنين، بأن لبنان يرحب بأي دور فرنسي في إطار لجنة مراقبة وقف إطلاق النار (الميكانيزم)، يساهم في تحقيق الأهداف الأساسية للمفاوضات التي تجري في إطار اللجنة.

وأكد عون رفضه للاتهامات التي تدعي عدم قيام الجيش اللبناني بدوره كاملاً في جنوب الليطاني، قائلاً إن «هذا ما أكدته قيادة (اليونيفيل) و(الميكانيزم) ولمسه سفراء دول مجلس الأمن».

وشدد الرئيس اللبناني على أن بلاده «تؤيد أي تدقيق تقوم به لجنة (الميكانيزم) في الإجراءات المطبقة جنوب الليطاني وفق القرار 1701».

رجل يتفقد الدمار في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان 4 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

وذكرت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» في وقت سابق أن اللقاء شهد بحث التطورات الميدانية في الجنوب والمستجدات الداخلية إلى جانب الملفات المرتبطة بالإصلاحات.

وأضافت الوكالة الرسمية أنه تمت أيضاً مناقشة التحضيرات لإمكانية انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني، والمفترض عقده بداية العام المقبل.


دمشق تستعيد لحظات الفرح الأولى بسقوط الأسد

TT

دمشق تستعيد لحظات الفرح الأولى بسقوط الأسد

حشود ضخمة في «ساحة الأمويين» يوم الاثنين احتفالاً بعام على سقوط الأسد (أ.ب)
حشود ضخمة في «ساحة الأمويين» يوم الاثنين احتفالاً بعام على سقوط الأسد (أ.ب)

استعادت دمشق فرحة الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، ومضى المحتفلون بالذكرى الأولى للتحرير في الشوارع والساحات رافعين الأعلام الوطنية وأعلام التوحيد البيضاء وأعلام الدول العربية التي ساندت قضية الشعب السوري.

المحتفلون عبّروا، الاثنين، ولأول مرة منذ 6 عقود عن أنفسهم بعفوية دون رقابة أو قبضة حديدية، ولأول مرة يظهر تنوع السوريين في الشارع بكامل اختلافاته دون أن يؤدي إلى تصادمات على الأرض، في تحد كبير بذلت السلطات الأمنية الجديدة جهوداً شاقة لمواجهته، في معادلة صعبة ضمن ظرف داخلي وإقليمي حرج وحساس.

وعلى الرغم من مُضي أكثر من يومين على بدء الاحتفالات، فإن المشاركين من محافظات عدة ما زالوا يتوافدون إلى «ساحة الأمويين» في دمشق، بوصفها ساحة الاحتفال المركزية. والتقت «الشرق الأوسط» مشاركين من الحسكة والرقة ودير الزور وإدلب وحلب، ومن عشائر السويداء ودرعا، ومن القرى القريبة من الحدود مع الجولان المحتل في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى سكان دمشق العاصمة.

سوريون في «ساحة الأمويين» وسط دمشق بينما يمر عرض عسكري ضخم للجيش السوري احتفالاً بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد (د.ب.أ)

بدا المشهد شديد التنوع من حيث الشكل، بين لباس عصري ولباس تقليدي؛ وبين منتقبات ومحجبات وسفور بملابس رياضية. كما كان هناك تباين في الشعارات والهتافات؛ من مجموعات تهتف: «واحد واحد واحد... الشعب السوري واحد»، وأخرى تهتف: «قائدنا للأبد سيدنا محمد»، وثالثة تحمل مجسماً لموقوف بلباس السجن معلق على مشنقة، في مطالبة للسلطة السياسة بمحاسبة المجرمين، ومجموعات ترقص وتنشد أغاني الثورة والأغاني التقليدية، وتشتم النظام السابق.

طائرة شراعية تحلق فوق تجمع خلال احتفالات الذكرى الأولى لإطاحة الرئيس السابق بشار الأسد ويظهر جبل قاسيون في الخلفية بدمشق، سوريا (إ.ب)

سيدة من خان أرنبة بمحافظة القنيطرة بدت في غاية القلق بعد إضاعة طفلتها في الزحام وسط الساحة... دقائق وظهرت الطفلة، فقد عثر عليها والدها بمساعدة الأمن داخل الزحام الشديد. وقالت والدتها: «جئنا بالأولاد لنشارك بالفرح في دمشق. لم نتخيل هذا الحجم من الازدحام... (الفرح كبير جداً بالتحرير)»، فيما تمنت شقيقتها «أن يكتمل الفرح بالخلاص من احتلال إسرائيل».

شاب من عشائر السويداء، قال إنه «لا شيء ينغص الفرحة سوى التدخل الإسرائيلي»، بينما تمنت شابة في مقتبل العمر، أصولها من الحسكة، أن تتوحد سوريا لتتمكن من زيارة مدينتها في شمال شرقي البلاد. أما قصي، وهو فتى في الـ20 من العمر، فقال: «فرحتي لا توصف»، متمنياً «تحسن الوضع الاقتصادي لتكتمل الفرحة».

وردة في فوهة بندقية عنصر أمن داخل «ساحة الأمويين» (الشرق الأوسط)

وسط الازدحام الشديد وجد باعة الأعلام والورود والقهوة والبسكويت مكاناً لبسطاتهم. شاب من دير الزور كان يبيع القهوة وقد حمد الله «على الرزق في هذا اليوم»، فقد كان «وفيراً». إلى جانبه طفلة تبيع الورود للمشاركين يهدونها لعناصر الحراسة والأمن والمسؤولين عن تنظيم الساحة، الذين بدا عليهم الإرهاق الشديد، وقال أحدهم إنه لم ينم منذ أيام، فيما كان آخر يضع وردة حمراء في فوهة البندقية ورفض التصوير والتصريح مكتفياً بالابتسام.

وبالقرب منهم وقف شاب من ريف الحسكة عمره 20 عاماً ومعه أخوه الصغير، وعروسه التي لم تتجاوز الـ16 من عمرها... بدوا فخورين بلباسهم التقليدي، وهو يلتقط صورة مع عروسه المنتقبة. وفي مكان آخر، جلست سيدة مع ابنها وابنتها تحت شجرة، وكانت تضفر شعر الصغيرة المتحمسة للمشاركة في الاحتفال.

تكريم شهداء الغوطة وسط «ساحة الأمويين» في دمشق (الشرق الأوسط)

بالإضافة إلى حشود المتجمهرين في «ساحة الأمويين» والشوارع التي تصب فيها، أقامت محافظة دمشق معرضاً لـ«تنسيقيات أحياء دمشق» خلال فترة الثورة، واستعادت أساليب الحراك السلمي لنشطاء مدينة دمشق عام 2011، مثل رمي الكرات المرسوم عليها علم الثورة في الشوارع، وإخفاء ميكروفونات تصدح بأغاني الثورة وإسقاط الأسد في المناطق المزدحمة وتشغيلها من بعد، وصبغ مياه البحيرات باللون الأحمر، كما تضمن المعرض قوائم بأسماء الشهداء في كل حي من أحياء دمشق.

لافتات من الثورة في «معرض التنسيقيات السورية» (الشرق الأوسط)

المراقب للمشهد السوري من قلب دمشق والعارف بتباينات هذا المشهد يدرك حجم التحدي الأمني الذي تواجهه السلطة كي تنجح هذه الاحتفالات. ووفق مصدر أمني في دمشق، فإن السلطات الأمنية مستنفرة منذ أسابيع، وتُعِدّ لتأمين وحماية الأنشطة والفعاليات والتجمعات، مشيراً إلى أن الجو العام في دمشق متعاون وداعم للسلطة.

وكان الرئيس أحمد الشرع، وعشية الاحتفال بـ«يوم التحرير»، التقى في «فندق الشام» ممثلين عن أحياء دمشق، واستمع منهم إلى مطالبهم ورؤيتهم لمستقبل المدينة وملاحظاتهم.

وقال أحد المشاركين في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إن «الاجتماع كان ودياً للغاية، ولمسنا من الرئيس تقديراً خاصة للعاصمة وسكانها، بوصفها ممثلة لكل السوريين، ومدينةً يفد إليها الجميع من مختلف المحافظات»، وإنه طلب منهم «الصبر والتحمل؛ فدمشق العاصمة قلب سوريا».


ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
TT

ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)

بعد مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تتزايد الأسئلة حول مصير أبرز أركان حكمه المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة بحق ملايين السوريين خلال 14 عاماً من الحرب.

ووفق تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن 55 من كبار المسؤولين والضباط في النظام السابق فرّوا من البلاد بطرق متعددة، وإن عدداً كبيراً منهم استقر في روسيا.

كان من بين الفارين قائد «الفرقة الرابعة» ماهر الأسد ومدير استخبارات سلاح الجو السوري قحطان خليل، المتَّهَم بالمسؤولية المباشرة عن واحدة من أكثر المجازر دموية في الحرب الأهلية. ولحق به علي عباس وعلي أيوب، وهما وزيرا دفاع سابقان يخضعان لعقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم ارتُكبت خلال سنوات النزاع ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم المتهم بتسهيل عمليات تعذيب وعنف جنسي ضد المدنيين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كمال الحسن ومدير مكتب الأمن الوطني علي المملوك واللواء بسام الحسن المتهم بالإشراف على الهجمات الكيميائية واختطاف الصحافي الأميركي أوستن تايس ومدير المخابرات العامة حسام لوقا.

ماهر الأسد

كان ماهر الأسد، قائد «الفرقة الرابعة» التي تُعدّ من أكثر وحدات النظام رهبة، يسابق الوقت لترتيب عملية فراره. وبحسب اثنين من المقرّبين، اتصل ماهر بصديق للعائلة وأحد رجال الأعمال المقرّبين منه، محذّراً إياهما من البقاء في منزليهما، وداعياً إلى الخروج فوراً وانتظاره في الخارج. وبعد دقائق، ظهر بسيارته المسرعة في الشارع، وتوقّف للحظات لاصطحابهما قبل أن ينطلق بهما بسرعة للحاق برحلته إلى موسكو. ووفق الصحيفة، يعيش ماهر الأسد حياة مترفة في منفاه، برفقة بعض قادته الكبار السابقين مثل جمال يونس.

كمال الحسن

يُتهم كمال الحسن، الذي تولّى رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية، بالإشراف على حملات اعتقال واسعة وتعذيب وإعدام معتقلين. غير أن عملية فراره لم تسر بسهولة. فقد أُصيب خلال تبادل لإطلاق النار مع مقاتلين من المعارضة أثناء محاولته مغادرة منزله في ضاحية قرب دمشق كانت تُعرف سابقاً بـ«قرى الأسد»؛ المنطقة التي أقام فيها عدد من كبار مسؤولي النظام في فلل فخمة. ووفق الصحيفة، اضطر الحسن إلى الانتقال متخفّياً من منزل إلى آخر قبل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى السفارة الروسية التي وفّرت له الحماية.

علي المملوك

ولجأ مسؤول آخر إلى السفارة الروسية هو علي مملوك، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، والذراع الأبرز في بناء منظومة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري التي طبعت عقود حكم آل الأسد. وقال صديق مقرّب منه وأحد أقاربه إن مملوك علم بانهيار النظام عند الرابعة فجراً عبر اتصال هاتفي. وحين حاول اللحاق بمسؤولين آخرين في طريقهم إلى المطار، تعرّض موكبه لكمين. ورغم عدم التأكد من الجهة التي هاجمته، فإن مصادره قالت إن «أعداءه كُثر».

ومملوك، الذي خدم مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ثم مع بشار الأسد، كان يُنظر إليه باعتباره «الصندوق الأسود للنظام». وقال أحد أصدقائه: «لم يكن فقط شاهداً على كل شيء... كان يعرف كل شيء».

وتقول ثلاثة مصادر مطلعة إن مملوك تمكن من الفرار دون إصابة، ووصل إلى السفارة الروسية. وهناك بقي مع كمال الحسن إلى أن نظّم الجانب الروسي موكباً محمياً نقلهما إلى قاعدة حميميم، قبل أن يغادرا لاحقاً إلى روسيا.

بسام الحسن

نجح اللواء بسام الحسن في الهرب دون أن يلفت الأنظار، رغم أنه كان نائماً خلال الساعات الأولى المضطربة من سقوط النظام. وتقول ثلاثة مصادر مطّلعة إن أحد كبار قادته أيقظه قبل الخامسة فجراً بقليل لتنبيهه إلى انهيار الوضع.

وبحسب مصدرين على دراية بتفاصيل فراره، سارع حسن إلى تجهيز موكب من ثلاث سيارات تقلّ زوجته وأولاده البالغين وحقائب مكدّسة بالأموال. وكان قلقه من التعرّض لهجوم كبيراً إلى حد أنه وزّع أفراد أسرته على سيارات مختلفة، لضمان عدم إصابتهم جميعاً في حال تعرضت إحدى المركبات لكمين.

وعندما اقترب الموكب من مدينة حمص، على بعد نحو 160 كيلومتراً شمال دمشق، أوقف مقاتلون السيارة الأولى، وهي رباعية الدفع، وأجبروا زوجة حسن وابنته على النزول منها، آمِرين بترك كل ما بحوزتهما داخل السيارة، بما في ذلك الحقائب اليدوية، وفق شهادة أحد الحاضرين. ويبدو أن المقاتلين اكتفوا بالغنيمة، إذ لم ينتبهوا إلى أن المرأتين استقلّتا السيارة الثانية التي كان يجلس فيها أحد أبرز رجال النظام سمعةً ورُعباً.

وبعد تجاوزه الحاجز، تمكّن حسن من الوصول إلى لبنان ثم إلى إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين.

وبحسب «نيويورك تايمز»، عاد الحسن لاحقاً إلى بيروت في إطار صفقة يزوّد بموجبها أجهزة الاستخبارات الأميركية بمعلومات. ويقول مقربون إنه يمضي وقته حالياً في المقاهي والمطاعم الراقية برفقة زوجته.

حسام لوقا

وقال صديق مقرّب من لوقا إنه اتصل به مراراً ليلة 7 ديسمبر للاطمئنان على الوضع، وكان يتلقى في كل مرّة تطمينات بأن «لا شيء يدعو للقلق». ولكن عند الثانية فجراً، أجاب لوقا على الهاتف على عجل ليقول فقط إنه «يجهّز نفسه للفرار».

وبعد ساعة، دخل ضباطه إلى مكتبه ليكتشفوا أنه غادر دون أن ينبس بكلمة، وأنه - وخلال خروجه - أمر محاسب الجهاز بفتح خزنة المقر، وفق ما أفاد به أحد ضباطه الذين حضروا الواقعة. وقد أخذ لوقا كل ما في داخلها من أموال، والتي قُدّرت بنحو 1.36 مليون دولار. وتقول ثلاثة مصادر من مسؤولين سابقين في النظام إنهم يعتقدون أن لوقا وصل إلى روسيا منذ ذلك الحين.