حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: نسيطر على العاصمة... ولا خوف من تدخلات خارجية

(حوار سياسي) قائد «الدعم السريع» نفى أن تكون قواته منفلتة... وقال إنها ساهمت في إجلاء أكثر من 30 بعثة دبلوماسية

محمد حمدان دقلو (حميدتي) (أ.ب)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) (أ.ب)
TT

حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: نسيطر على العاصمة... ولا خوف من تدخلات خارجية

محمد حمدان دقلو (حميدتي) (أ.ب)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) (أ.ب)

أكد الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات «الدعم السريع»، أن قواته تسيطر على مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) بشكل شبه كامل، وأنها تعمل بشكل وثيق مع المواطنين من أجل إيجاد حلول لمشاكل المياه والكهرباء والخدمات، معبراً عن أسفه لتردي الأوضاع الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوداني جراء الحرب، وقال إن «هذه مسؤولية كبيرة يتحملها من قام بإشعال الحرب».
وأكد قائد «الدعم السريع»، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن موافقة قواته على «الهدنة الإنسانية جاءت «لتخفف معاناة شعبنا»، شاكراً المملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية على مساعيها الحميدة من أجل إنهاء الحرب.

ونفى حميدتي ما يشاع بأن قواته منفلتة وتستهدف المواطنين والدبلوماسيين، وعدّ ذلك ضمن الدعاية التي يطلقها الطرف الآخر «لتشويه صورة قواتنا أمام الرأي العام المحلي والعالمي... وقد تعودنا على إطلاق مثل هذه الأكاذيب». وقال إن قواته ساهمت في إجلاء أكثر من 30 بعثة دبلوماسية ومقيمين من دول أجنبية مختلفة، و«من يفعل ذلك لا يستهدف المدنيين».
واتهم حميدتي فلول النظام السابق بالسعي لتوسيع رقعة الحرب، مؤكداً أن قواته تعمل على المحافظة على أمن واستقرار البلاد وتقليل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الحرب، مبدّداً في الوقت نفسه المخاوف من تدخلات خارجية أو إقليمية، بالقول إن «دول الإقليم تعمل بشكل وثيق على أمن واستقرار السودان والمنطقة، وهي بالطبع لن تتدخل في شأن سوداني محض».
> هناك معلومات متضاربة حول الموقف في الميدان، ما هو وضع قواتكم؟
- تضارب الأنباء ناتج من قيام قيادة القوات المسلحة الانقلابية، ومن خلفها المتطرفون من النظام البائد، بنسج الأكاذيب وممارسة التضليل الإعلامي، لكن ربما جولة قصيرة لصحيفتكم في مدن العاصمة الخرطوم كافية لإزالة أي تضارب، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
قواتنا، والحمد لله، تسيطر بشكل شبه كامل على الخرطوم، وحققت تفوقاً كبيراً على قوات الانقلابيين والفلول (أنصار النظام السابق).
> ما هي المناطق الاستراتيجية التي تسيطرون عليها؟
- لا أستطيع حصر المناطق التي نسيطر عليها، لكنني أستطيع القول إننا سيطرنا على مدن العاصمة الثلاث بشكل شبه كامل، وتبقت لنا نقاط ومناطق صغيرة.
> ما هي الخطوة القادمة ميدانياً؟
- الخطوة القادمة تحددها المعطيات على الأرض. نحن لا نفصح عن خطواتنا القادمة.
> هناك معارك مستمرة في القيادة العامة للقوات المسلحة... هل هي المعركة الفاصلة برأيك؟
- كما قلت لك، نحن لا نكشف عن خطتنا الميدانية. الميدان تحكمه معطيات كثيرة.
> البعض يصف انتصارات الجانبين المعلنة بأنها مجرد رفع للمعنويات؟
- ربما ينطبق ذلك على الجانب الآخر الذي يحاول رسم مشهد غير حقيقي، لكن بالنسبة لقواتنا الأمر مختلف. هناك واقع معيش وسيطرة شبه كاملة تعكس حجم وحقيقة هذه الانتصارات.
> هل تتوقعون نهاية قريبة للمعارك؟
- هذا الأمر لا يحدد بالتوقعات والأمنيات، بل تحدده أرض المعركة، لكننا نأمل في طي هذه الصفحة بأسرع ما تيسر لنخفف المعاناة عن شعبنا، وكما قلنا مراراً: لم تكن الحرب يوماً ضمن خياراتنا، لكنها فُرضت علينا واضطررنا للدفاع عن أنفسنا وعن تطلعات شعبنا الذي يرفض العودة مجدداً إلى حكم النظام البائد.
> أُعلنت هدنة جديدة لمدة 72 ساعة، هل من الممكن البناء عليها لتكون دائمة؟
- نشكر أولاً الولايات المتحدة الأميركية على مساعيها الحميدة، وخاصة وزير الخارجية السيد أنتوني بلينكن الذي ظل متواصلاً معنا بشكل كبير. شُكرنا أيضاً للدول الشقيقة والصديقة، وأخص منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
نحن وافقنا على الهدنة الإنسانية لكي نخفف معاناة شعبنا ونفتح الممرات الإنسانية، إلا أن الطرف الآخر لم يلتزم بشروط الهدنة وظل ينتهكها، بل ارتكب فظائع كبيرة بحق المواطنين الأبرياء الذين تعرضوا لقذائف الطائرات والمدافع.
لذلك نقول: من لم يستطع الالتزام بهدنة لمدة 72 ساعة، لا أظنه سيكون قادراً على الوفاء بأي تعهدات في المستقبل القريب أو البعيد. الأمر الآخر هو أن القوات الانقلابية وفلول النظام البائد يديرون معركتهم ضدنا من عدة مراكز قرار؛ إذ ثبت لنا أن هناك أكثر من جهة تتحكم بقرار الجيش. إذن، مع أي جهة سنبني وقفاً دائماً للقتال؟!
> هناك معاناة حقيقية بين المواطنين: نقص في المياه والكهرباء، ومستشفيات خارج الخدمة، والبنوك والمتاجر مغلقة، وهناك مخاوف من مجاعة محدقة، والناس لا تملك النقود... هل هناك خطط لإعادة هذه الخدمات عاجلاً؟
- نحن نتأسف لهذه الأوضاع الإنسانية التي يتعرض لها شعبنا، وهناك مسؤولية كبيرة يتحملها من قام بإشعال الحرب.
نحن نسعى الآن، بالتعاون مع المواطنين، إلى إيجاد حلول عاجلة لهذه المشاكل، ونبذل جهوداً في هذا الملف، وسنصل إلى حلول عاجلة.

> هناك حديث بأن قواتكم متفلتة وفقدتم السيطرة عليها، وأنها تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية... وتستهدفون الدبلوماسيين؟
- هذه ضمن الدعاية التي يطلقها قادة الانقلاب ومن خلفهم الفلول المتطرفون لتشويه صورة قواتنا أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وقد تعوّدنا على إطلاق مثل هذه الأكاذيب.
قواتنا تقوم بجهود كبيرة؛ إذ أحبطت العديد من المخططات، وآخرها الانقلاب الحالي. وخلال هذه الأزمة ساهمنا بشكل كبير في إجلاء معظم الجاليات الأجنبية، فكيف لقوات منفلتة أن تقوم بمثل هذه الأعمال؟!
قيادة القوات المسلحة الانقلابية هم من يتخذون المدنيين دروعاً بشرية، وجميع معسكراتهم في وسط الأحياء، على عكسنا نحن؛ إذ إن كل معسكراتنا خارج المناطق السكنية.
الانقلابيون قتلوا الناس بالطيران والمدافع في الأحياء، فهل كنا نحن في تلك الأحياء، أو أننا موجودون معهم في مكان واحد؟! أما بخصوص البعثات الدبلوماسية، فيمكنكم توجيه السؤال للبعثات التي تم إجلاؤها بواسطة قوات «الدعم السريع». نحن أجلينا أكثر من 30 بعثة دبلوماسية ومقيمين من دول أجنبية مختلفة.
> هناك مبادرة من «حزب الأمة القومي» بعقد لقاء بينك وبين البرهان في دولة محايدة، هل توافقون على هذه المبادرة؟
- لم نتسلم مبادرة بهذا المعنى.
> توجد مخاوف من تحول الحرب إلى حرب أهلية في ظل وجود جيوش عديدة وانفلاتات أمنية، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الهش... إلى أي مدى ترى ذلك؟
- هناك من يسعى إلى تحويل الحرب إلى حرب أهلية، وهم بالطبع قيادات القوات المسلحة الانقلابيون، ومن خلفهم المتطرفون من فلول النظام البائد. نحن الآن ننسق مع عدد من الأطراف من أجل المحافظة على أمن واستقرار البلاد وتقليل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الحرب.
> هناك مخاوف من تدخلات إقليمية خارجية في أتون الحرب السودانية؟
- لا أعتقد أن ذلك صحيح؛ لأن دول الإقليم تعمل بشكل وثيق على أمن واستقرار السودان والمنطقة، وهي بالطبع لن تتدخل في شأن سوداني محض.
> ذكرتم مراراً أن حربكم ليست مع الجيش، ولكنها مع قيادته ومع الإسلاميين؟
- نعم، هذه حقيقة. نحن نقاتل قيادات القوات المسلحة الانقلابيين، ومن خلفهم فلول النظام البائد المتطرفون. وقد تكشفت الحقائق من خلال البيان الذي أصدره المطلوب لدى المحكمة الجنائية، المدعو أحمد هارون، الذي أكد على وجود تنسيق ومشاركة ما يسمى بـ«كتائب المجاهدين» و«الدفاع الشعبي» مع القوات المسلحة في هذه الحرب.
> إلى أي مدى ترى فلول النظام السابق متغلغلين في الجيش؟
- فلول النظام البائد متحكمون في مفاصل القوات المسلحة ومسيطرون على مواقع صنع القرارات، لكن هناك شرفاء في صفوف القوات المسلحة يرفضون هذا الوضع.
> ما هو مقدار قوتهم وحجمهم في الميدان؟
- نحتفظ بالرد على هذا السؤال.
> هل تتوقع عودة للاتفاق الإطاري؟
- نعم، ستكون هناك عودة للاتفاق الإطاري بعد سقوط أو استسلام قيادات القوات المسلحة الانقلابيين، وهذا عهد قطعناه أمام شعبنا، ونحن لا نخون العهود.
> كيف تنظر إلى خروج قادة نظام البشير من السجن؟ وما هي الجهة التي تعتقد أنها وراء هذا الإجراء؟ وهل هناك مخاوف من انخراطهم في الحرب أو ممارسة دور سياسي؟
- خروج رموز النظام البائد من السجن كان متوقعاً، وهو خطوة جاءت ضمن السيناريو الانقلابي الذي أعدته قيادات القوات المسلحة وفلول النظام البائد. وقد تم التمهيد لعملية الخروج بإخراج المساجين من سجن الهدى ثم أم درمان، وتلا ذلك إخراج رموز النظام البائد. كل ذلك قام به البرهان وزمرته من العسكريين والمتطرفين من قادة الفلول. أما الحديث عن انخراطهم في الحرب فلا يحتاج إلى جواب، فكل «المجاهدين» و«الدفاع الشعبي» و«الأمن الشعبي» و«الدبابين» والإرهابيين التابعين لفلول النظام السابق، مشاركون في الحرب، بل هم ضمن المشاركين في عمليات التخطيط من داخل القيادة العامة. وهناك اعترافات مسجلة لرموز النظام البائد أكدوا فيها انخراطهم في الحرب. إلى ذلك، قبضنا على عدد كبير منهم، وتمت مهاجمة معسكراتهم في حطاب والخرطوم وشرق النيل.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

تستضيف القاهرة محادثات جديدة بين حركتي «حماس» و«فتح»، بعد جولة أخرى من المحادثات قبل نحو 3 أسابيع. ويفترض أن تتناول الحركتان في لقاءاتهما ملف «إدارة قطاع غزة»، وذلك عشية زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مصر.

وتأتي المحادثات الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة، غداة رفض «حماس» «الصفقة المصغرة» في مفاوضات الهدنة، في حين يتحدّث خبراء ومطلعون على مسار المباحثات بين الحركتين عن «تقدّم» مع اقتراب الموافقة على تأسيس «لجنة مهنية» تدير قطاع غزة مستقبلاً، خصوصاً مع ما يُثار عن قبول «حماس» هذه اللجنة واشتراطها أن تُصدر بمرسوم رئاسي. وقال الخبراء إن زيارة الرئيس الفلسطيني قد تعني اقتراباً من اتفاق أو ترتيبات جادة بين الحركتين، استعداداً لمرحلة «اليوم التالي» من الحرب التي جاوزت العام.

والمقترح المطروح على الطاولة، منذ بداية محادثات الحركتين، الشهر الماضي، مرتبط بتشكيل «هيئة إدارية» لقطاع غزة، يُطلق عليها اسم «اللجنة المجتمعية لمساندة أهالي قطاع غزة»، تتولى مهمة إدارة الشؤون المدنية وتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتوزيعها في القطاع، وإعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية، وفق ما كشفته المصادر وقتها.

اجتماع للفصائل الفلسطينية في الصين انتهى بتوقيع إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية في يوليو الماضي (رويترز)

وأفاد مصدر أمني مصري، السبت، لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية بـ«انطلاق اجتماعات حركتي (فتح) و(حماس) بالقاهرة، بشأن إنشاء (لجنة الإسناد المجتمعي) المعنية بإدارة شؤون قطاع غزة، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة». ووفق المصدر فإن «الحركتين لديهما نظرة إيجابية تجاه التحركات المصرية بشأن تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) رغم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية».

وأضاف أن «الاجتماعات شأن فلسطيني خالص، والجهود المصرية هدفها توحيد الصف والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني»، لافتاً إلى أن «(لجنة الإسناد المجتمعي) تتبع السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس وتتحمّل اللجنة إدارة قطاع غزة».

ويأتي لقاء الحركتين امتداداً لاجتماعات شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفق معلومات القيادي في حركة «فتح»، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، موضحاً أن «الملف الأساسي الذي كان معروضاً (تشكيل هيئة تكنوقراط) أو (لجنة مهنية) لإدارة ملف غزة وتسلمه، ووقتها اشترطت (حماس) تنفيذ قرارات اتفاق بكين بتشكيل حكومة تكنوقراط مسؤولة عن الضفة الغربية والقطاع لعدم فصلهما، وإعلان إطار مؤقت لـ(منظمة التحرير الفلسطينية) يضم كل الفصائل».

وفي يوليو (تموز) الماضي، توصّل 14 فصيلاً فلسطينياً، بما في ذلك حركتا «فتح» و«حماس»، إلى إعلان تاريخي للمصالحة الوطنية في بكين لإنهاء الانقسام، وتعزيز الوحدة الفلسطينية.

صورة التُقطت في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تُظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ولم تشهد جولة محادثات الحركتين في القاهرة، الشهر الماضي، أي نتائج، وترك المجال لهما للعودة إلى قيادتيهما، وفق الرقب، لافتاً إلى أن «الجولة الجديدة بمثابة العودة إلى ما طُرح سابقاً لتشكيل لجنة مهنية لإدارة ملف غزة، والجديد أن (حماس) تريد أن يصدر مرسوم فلسطيني رسمي بأن هذه الهيئة تتبع بشكل مباشر الحكومة الفلسطينية الحالية»، مؤكداً أن «هذا تطور مهم في موقف (حماس)».

كذلك مطروح على الطاولة تشكيل وفد مشترك من الفصائل كما كان في الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، لإدارة الملف السياسي والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، حسب الرقب، الذي أكد أن «هذا أمر جيد، ويجب الاتفاق عليه، خصوصاً قبل نتائج الانتخابات الأميركية الوشيكة، بوصفه تقوية للموقف الفلسطيني، واستعدادات لأي سيناريوهات مستقبلية مرتبطة بالاتفاق».

ويعتقد الرقب أن هناك إشارات إيجابية تتزامن مع هذه الجولة، خصوصاً مع أفكار «حماس» الجديدة، وزيارة الرئيس الفلسطيني التي قد تعني اقتراباً من اتفاق أو ترتيبات جادة نحو ذلك بين الحركتين، معولاً على أهمية التعالي على كل الخلافات، والموافقة على إطار مؤقت لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» يشمل «حماس» و«الجهاد»، يأخذ على عاتقه إدارة المفاوضات.

ويأتي لقاء «حماس» و«فتح» عشية وصول الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة، الأحد، في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، يلتقي خلالها مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، «وعلى رأس أولويات اللقاء بحث سُبل إنجاح جهود مصر والشركاء الآخرين لوقف حرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني وحمايته وإغاثته وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني، وحشد الجهود كافّة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، وفق بيان صحافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة.

ولا تزال أبرز التطورات الفلسطينية المرتبطة بجهود المفاوضات بشأن الهدنة في غزة تراوح مكانها، خصوصاً بعد ما ذكره قيادي بـ«حماس»، الجمعة، بشأن رفض قبول إتمام «الصفقة المصغرة»، وأرجع ذلك إلى أنها «لا تتضمّن وقفاً دائماً للعدوان ولا انسحاباً للاحتلال من القطاع ولا عودة للنازحين، ولا تعالج احتياجات شعبنا للأمن والاستقرار والإغاثة والإعمار، ولا فتح المعابر بشكل طبيعي، خصوصاً معبر رفح»، مؤكداً أن الحركة «منفتحة على أي أفكار أو مفاوضات من أجل تحقيق هذه الأهداف».

وأرجع المصدر المصري، السبت، «تمسُّك حركة (حماس) بعدم تجزئة المفاوضات خوفاً من تسليم الأسرى، ثم عودة الجانب الإسرائيلي إلى إطلاق النار»، لافتاً إلى أن «هناك اتصالات مصرية مكثّفة لحثّ الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة». المصدر أكد أيضاً «وجود دعم دولي للجهود المصرية مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؛ بهدف التوصل لوقف إطلاق نار بغزة وإعادة الهدوء رغم عدم رغبة أحد الطرفين التجاوب مع تلك الجهود».

ووفق السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، فإن «لقاء الحركتين بالقاهرة وزيارة الرئيس عباس يمثلان تأكيداً على الدور المصري الحيوي في دعم القضية الفلسطينية»، لافتاً إلى أهمية أن يقود ذلك الوجود إلى مواقف تعزّز الموقف الفلسطيني الموحّد، معرباً عن تفاؤله بإمكانية عقد مصالحة فلسطينية، والتوصل إلى قرار فلسطيني واحد في ظلّ التطورات الحالية بالمنطقة.