بينما كان الطفل زبير موسى حمد (3 سنوات) يلهو خارج مظلة بموقف وادي كركر بمدينة أسوان المصرية، سمع صوت طائرات تحلق في أجواء المنطقة، فهرع وشقيقه إلى حضن أمهما ظناً منهما أنهما لا يزالان بالسودان وسط الاشتباكات الجارية بالخرطوم.
يرافق الطفل الصغير في رحلته الصعبة إلى القاهرة شقيقه وأخته الطالبة الجامعية وخالته وأمه، الذين افترشوا الأرض في انتظار قدوم الأب من منطقة وادي حلفا السودانية، حيث تطلب السلطات المصرية تأشيرة دخول مسبقة للرجال بين 16 و50 عاماً، بينما تسمح للسيدات والأطفال بالعبور دون تأشيرة.
قالت والدة الطفل زبير، وهي سيدة أربعينية لـ«الشرق الأوسط» إنها خرجت من الخرطوم مساء (الأربعاء) بعد تحذيرها من قِبَل عناصر تابعة لأحد طرفي الصراع بـ«ضرورة مغادرة الحي المجاور للكلية الحربية (حيث يوجد منزلها) بسبب الاشتباكات».
وتتذكر السيدة بأسى أنها «شاهدت جثثاً في شوارع المنطقة التي تدور فيها المعارك ملقاة على الأرصفة».
وأشارت إلى أن «بعض شركات النقل البري بموقف قندهار بالخرطوم استغلت حالة النزوح، ورفعت أسعار التذاكر من 25 ألف جنيه سوداني (الدولار الأميركي يعادل نحو 600 جنيه سوداني) للفرد في الفترة التي سبقت الحرب، إلى ما يزيد على نصف مليون جنيه خلال إجازة عيد الفطر مقابل الانتقال من قندهار السودانية إلى أسوان المصرية».
لكنها عادت لتقول إن الأسعار «تُقدر حالياً بنحو 300 ألف جنيه سوداني في المتوسط، من دون إضافة سعر أجرة الانتقال الداخلي المرتفع للغاية من داخل أحياء الخرطوم إلى محطة حافلات قندهار، حيث يفرض السائقون أي مبلغ يخطر ببالهم، وما يكون من الفارين من جحيم الحرب إلا الموافقة».
فيما تنتظر زوجة موسى حمد وصول رب أسرتها إلى وداي كركر حتى تستكمل العائلة رحلتها إلى القاهرة.
وتحظى زوجة موسى وأبناؤها بدعم جمعيات أهلية مصرية «بيسلّمونا وجبات ومياها وعصائر وهدايا للأطفال لدعمهم نفسياً. الأسر السودانية المقتدرة هي التي تستطيع السفر للقاهرة في ظل ارتفاع الأسعار حالياً».
ويقع موقف وادي كركر للحافلات على نحو 30 كلم جنوب أسوان، وهو نقطة تمركز للحافلات القادمة من وإلى موقف قندهار بالسودان، وتلك المتجهة من أسوان إلى القاهرة، ويشهد المكان نشاطاً مكثفاً من قِبَل الفرق الطبية التابعة للهلال الأحمر المصري الذي يجري فحوصات للملاريا للسودانيين الفارين من الحرب.
وبينما تستقبل الحافلات المصرية السودانيين في وادي كركر وتنقلهم مباشرة إلى القاهرة، إلا أن كثيرين يفضّلون السفر عبر القطار أو البقاء في أسوان، وفق ما أكده السائق المصري إبراهيم خليل.
وأضاف خليل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «نحو 80 في المائة من القادمين من السودان يتجهون للقاهرة، بينما يُفضّل الباقون الانتظار في أسوان أملاً في تحسُّن الأوضاع في بلادهم»، مشيراً إلى أن الوافدين السودانيين تسببوا في رواج حركة التجارة وتأجير الشقق بأسوان.
وأكد خليل، الذي كان في طريقه لنقل ركاب سودانيين من أبو سمبل (جنوب أسوان)، أنه وفق ما نقل له بعض الركاب فإن «شركات سودانية استغلت الظروف الراهنة ورفعت سعر الأجرة 10 أضعاف، حيث تستهدف أبناء (الطبقة الميسورة) الذين كانوا يسافرون عبر الطائرات لكنهم اضطروا لركوب الأتوبيسات حالياً بسبب تعليق حركة الطائرات وإغلاق المطار. هناك شركات سودانية ستفوز بنصيب الأسد من هذه الزيادات الاستثنائية».
وقال سائقون سودانيون تحدَّثوا لـ«الشرق الأوسط» إن مسار (الخرطوم - أسوان) البالغ نحو 1300 كيلومتر، يستغرق نحو يومين لإتمامه؛ إذا صارت الأمور بشكل طبيعي.
وسألت «الشرق الأوسط»، (الأحد)، نازحين سودانيين كانوا في طريقهم للقاهرة عبر ميناء (قسطل) البري عن سعر التذكرة، فأجابوا بأنهم دفعوا 300 ألف جنيه سوداني للوصول إلى أسوان.
وينتهي المطاف بالحافلات السودانية داخل الأراضي المصرية عند موقف وادي كركر، فيما تُفضّل بعض الشركات السودانية العاملة في مجال النقل البري بين البلدين، والتي يزيد عددها على 10 شركات، الوصول بحافلاتها إلى أبو سمبل عبر ميناء قسطل، ثم الاتفاق مع شركات مصرية لاستكمال الرحلة.
ووفق السائق السوداني محمود عبد الجليل صديق، فإن «الفترة الحالية تشهد تراجعاً في حركة النزوح إلى مصر، مقارنة بالأسبوع الماضي».
«قندهار - كركر» مسار خروج المقتدرين مادياً من السودان إلى مصر
«قندهار - كركر» مسار خروج المقتدرين مادياً من السودان إلى مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة