التزام «نسبي» بوقف إطلاق النار في السودان... وعمليات الإجلاء مستمرة

تستعد القوات المشتركة للتوجه إلى السودان لإجلاء دبلوماسيي السفارة البريطانية وعائلاتهم (رويترز)
تستعد القوات المشتركة للتوجه إلى السودان لإجلاء دبلوماسيي السفارة البريطانية وعائلاتهم (رويترز)
TT

التزام «نسبي» بوقف إطلاق النار في السودان... وعمليات الإجلاء مستمرة

تستعد القوات المشتركة للتوجه إلى السودان لإجلاء دبلوماسيي السفارة البريطانية وعائلاتهم (رويترز)
تستعد القوات المشتركة للتوجه إلى السودان لإجلاء دبلوماسيي السفارة البريطانية وعائلاتهم (رويترز)

لقي وقف إطلاق النار في السودان، ثباتاً نسبياً مع التزامه بشكل عام من الجيش وقوات الدعم السريع بعد عشرة أيام من معارك دامية فشلت معها كل محاولات التهدئة، وتواصل في ظلها إجلاء الرعايا الأجانب.
وبعدما تعهد الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم» بقيادة محمد دقلو المعروف بحميدتي احترام التهدئة، بقي الاختبار الميداني هو المحكّ، بعدما سبق للجانبين إعلان أكثر من هدنة منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل (نيسان)، ما لبث كل طرف أن اتّهم الآخر بخرقها.
وتكرر ذلك الثلاثاء، خصوصاً من جهة «قوات الدعم» التي اتهمت الجيش بتحليق الطيران الحربي فوق الخرطوم. إلا أن أصوات الانفجارات والرصاص في العاصمة تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالسابق.
ولم يكن في الإمكان التحقق في الوقت الراهن مما إذا كانت حدة المعارك قد تراجعت أيضاً في إقليم دارفور (غرب).
وفي انعكاس لتراجع الاستقرار الأمني، حذّر ممثل منظمة الصحة العالمية، نعمة سعيد عابد، من وجود «خطر بيولوجي مرتفع جداً» بعد سيطرة أحد طرفي القتال على مختبر يضم عينات مسببة لأمراض الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال. وأشارت المنظمة إلى أن المعارك أدت إلى مقتل 459 شخصاً وإصابة 4072 بجروح، موضحة أن هذه الحصيلة مستقاة من وزارة الصحة السودانية، ولم تتمكن المنظمة الأممية من التحقق منها.
وقبيل منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء بتوقيت الخرطوم، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن موافقة الطرفين على وقف النار ثلاثة أيام. وأوضح أن ذلك أتى عقب «مفاوضات مكثفة على مدار الساعات الثماني والأربعين الماضية»، وأن وقف النار يبدأ ليل الاثنين ويستمر لمدة 72 ساعة. وأكد الجيش أنه سيحترم الهدنة بشرط «التزام» «قوات الدعم» بها، بينما رأت الأخيرة في الهدنة فرصة «لفتح ممرات إنسانية وتسهيل تنقل المدنيين».
وسجلت المعارك والانفجارات تراجعاً نسبياً اعتباراً من السبت، في حين شرعت دول غربية وعربية في عمليات إجلاء للدبلوماسيين والرعايا، على رغم أنها لم تتوقف بالكامل في الخرطوم وغيرها. وبدأت السعودية اعتباراً من السبت، إجلاء أشخاص بعد نقلهم براً إلى مدينة بورتسودان (شرق)، ومنها بحراً عبر البحر الأحمر إلى مدينة جدة. ووصل ليلاً عشرات المدنيين إلى المدينة الساحلية وقد بدا عليهم الإنهاك، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وروى هؤلاء لحظات قلق وتوتر ومخاطر في رحلة إجلاء مضنية استغرقت ساعات عدة. وقالت مواطنة لبنانية رفضت كشف اسمها «كان هناك الكثير من اللحظات الصعبة، شعرنا خلالها بالخوف والتوتر والقلق».
وأضافت «لم نكن ننام ولا نأكل ولا نشرب. لقد عشنا أياماً صعبة». وفي موازاة إجلاء الأجانب، أثار مسؤولون ومحللون مخاوف حيال مصير السودانيين وسط خشية من احتدام المعارك مجدداً بنهاية إخراج الرعايا.
وتسبب النزاع بنقص حاد في الغذاء والمياه والوقود، وانقطاع في التيار الكهربائي وتراجع حاد في القدرة على توفير الخدمات الصحية، ودفع مئات الآلاف إلى البحث عن سبل للرحيل. وفي حين قامت الدول بنقل الرعايا الأجانب جواً أو بحراً، تخشى الأمم المتحدة من فرار ما يصل إلى 270 ألف شخص براً إلى تشاد وجنوب السودان.
وقالت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تشاد، لاورا لو كاسترو، إن 20 ألف لاجئ وصلوا إلى هذا البلد، ويتوقّع أن يتبعهم 100 ألف آخرين «في أسوأ الحالات». أما في جنوب السودان، فترجّح التقديرات الأممية دخول ما يصل إلى 170 ألف شخص، بينهم 125 ألفاً من جنوب السودانيين الذين سبق لهم اللجوء إلى الشمال.
وأتى إعلان اتفاق وقف النار بعد تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ضرورة وقف أعمال العنف؛ لأنها «تهدد بحريق كارثي داخل السودان قد يمتد إلى كامل المنطقة وأبعد منها». ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن جلسة مخصصة لموضوع السودان مساء الثلاثاء.
وشملت عمليات الإجلاء دولاً مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا والصين، بينما كانت مصر والسعودية الأبرز في هذه العمليات بين البلدان العربية. وتواصلت الثلاثاء عمليات إجلاء الأجانب التي اكتسبت زخماً في نهاية الأسبوع.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، أن باريس تمكنت من إجلاء 538 شخصاً بينهم 209 فرنسيين. وأفادت وزارة الخارجية الباكستانية عن إجلاء 700 من مواطنيها، بينما أعلنت أوكرانيا إجلاء «138 مواطناً في المجموع» بينهم 87 من رعاياها «غالبيتهم خبراء في الطيران من طيارين وفنيين وأفراد عائلاتهم»، فضلاً عن «مواطنين من جورجيا والبيرو».
من جهتها، بدأت بريطانيا الثلاثاء إجلاء مدنيين بعد انتقادات تعرّضت لها من مواطنيها الذين اعتبروا أنهم «تُركوا لمصيرهم» بعد اقتصار عمليات الإجلاء السابقة على الدبلوماسيين. وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك «بدأت الحكومة عملية إجلاء واسعة النطاق لحملة جواز السفر البريطاني من السودان عبر رحلات للقوات الجوية الملكية البريطانية». وشدد على أن الأولوية ستكون للأشخاص «الأكثر ضعفاً، بما يشمل العائلات مع الأطفال والمسنّين»، شاكراً قوات بلاده والدبلوماسيين وغيرهم من المشاركين في عملية الإجلاء «المعقّدة».
وأعربت أطراف عدة عن أملها في أن يتيح وقف النار البحث عن حل مستدام. وأكد سوناك أن لندن «ستواصل العمل من أجل إنهاء سفك الدماء في السودان ودعم حكومة ديمقراطية»، ما يتلاقى مع دعوة وزير الخارجية الأميركي إلى طرفي النزاع للعمل على التوصل إلى حل.
وكان دقلو والبرهان حليفين عندما نفّذا انقلاباً في 2021 أطاحا خلاله من الحكم مدنيين كانوا يتقاسمون السلطة معهما، بعد عامين على إطاحة نظام عمر البشير. لكن الصراع على السلطة ما لبث أن بدأ بينهما. وقال خالد عمر يوسف، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، لوكالة الصحافة الفرنسية، الاثنين، إنه سيتم خلال الهدنة إجراء «حوار حول ترتيبات لوقف نهائي لإطلاق النار. الولايات المتحدة بتنسيق معنا تواصلت مع القوات المسلحة و(الدعم السريع)».
وفي ظل عمليات الإجلاء، أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، الإبقاء على عدد من موظفيها وعلى رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس. وحذرت الأمم المتحدة من أنه «في حين يفرّ الأجانب القادرون على ذلك، يزداد تأثير العنف على الوضع الإنساني الحرج أساساً في السودان».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».