تقرير يرصد مخاطر تزايد الاحترار في أوروبا

حذر من تكرار سيناريو الصيف الماضي و«تداعيات مقلقة» على المنتجات الزراعية

متظاهرون يحملون لافتة للتنبيه لمخاطر تغير المناخ أمام تمثال تشرشل في لندن (إ.ب.أ)
متظاهرون يحملون لافتة للتنبيه لمخاطر تغير المناخ أمام تمثال تشرشل في لندن (إ.ب.أ)
TT

تقرير يرصد مخاطر تزايد الاحترار في أوروبا

متظاهرون يحملون لافتة للتنبيه لمخاطر تغير المناخ أمام تمثال تشرشل في لندن (إ.ب.أ)
متظاهرون يحملون لافتة للتنبيه لمخاطر تغير المناخ أمام تمثال تشرشل في لندن (إ.ب.أ)

دقّت المفوضية الأوروبية ناقوس الخطر المناخي في التقرير الذي يصدر غدا (الاثنين) حول وضع المناخ في أوروبا لعام 2022، والذي يعدّه سنوياً مركز كوبرنيك لرصد التغيرات المناخية، حيث حذّر من أن درجات الحرارة في القارة الأوروبية ترتفع بوتيرة أسرع مرتين من أي قارة أخرى في العالم.
ومن أسباب هذا الارتفاع السريع أن أوروبا تقع تحت القطب المتجمد الشمالي الذي يعد من أشد المناطق احتراراً منذ أواخر القرن الماضي، فضلاً عن أن المساحة الأوروبية معظمها ترابي، وبالتالي فهي ترتفع حرارتها أكثر من المساحات المائية.
وتنبّه المفوضية من التداعيات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي بدأت تنشأ عن هذه الظاهرة، ومن «تراجع مثير للقلق» في مستويات الإنتاج الزراعي والمواد الغذائية الأساسية على المدى المتوسط، خاصة أن أوروبا تشهد منذ سنوات موجات غير مسبوقة من الحر بلغت ذروتها العام الماضي، حيث كان فصل الصيف الثاني الأكثر حرارة في سجل المناخ الأوروبي، ما يدلّ على أن القارة الأوروبية هي الأكثر تعرضاً لتداعيات التغيّر المناخي.
ويفيد تقرير مركز كوبرنيك بأن متوسط ارتفاع درجات الحرارة في العالم خلال السنوات الخمس المنصرمة بلغ 1,2 درجة مئوية مقارنة بالفترة السابقة للمرحلة الصناعية، أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما بلغ في أوروبا 2,2 درجة قياساً بتلك المرحلة التي بدأ العالم يستخدم فيها الوقود الأحفوري بكميات كبيرة تلبية لاحتياجاته الصناعية.
ويعود خبراء المفوضية إلى التنبيه بأن التغيّر المناخي لا يتسبب بارتفاع معدلات درجات الحرارة، فحسب، بل يؤدي إلى تعاقب موجات الحر والجفاف كتلك التي شهدتها أوروبا في العام الماضي، وما زالت الاقتصادات الأوروبية تعاني من عواقبها، خاصة القطاع الزراعي والمنتجات الغذائية التي سجلت ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها. ويفيد التقرير بأن مياه الأنهار الأوروبية سجلت العام الماضي ثاني أدنى منسوب في تاريخها، وذلك للسنة السادسة على التوالي.
وكانت بلدان الجنوب الأوروبي التي تشكّل عماد القطاع الزراعي في الاتحاد الأكثر تعرضاً لموجات الجفاف المتتالية، والتي يتوقع الخبراء أن تستمر لعدة سنوات، وأن هذه البلدان ستواجه شحاً في المياه إذا لم يتغير الوضع بشكل جذري قريباً، وأن مستويات الإنتاج الزراعي سوف تتدنى، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.
ويقول كارلو بونتمبو المسؤول عن التغير المناخي في مركز كوبرنيك، ومعنى اسمه «الطقس الجميل»، إن السبيل لمنع وقوع كارثة مناخية قد حدده العلماء بوضوح، وهو خفض انبعاثات غازات الدفيئة، والإسراع في اتخاذ تدابير التكيّف لاستباق الآثار السلبية التي ستؤدي إلى المزيد من الحالات المناخية القصوى التي ستكون لها تبعات خطيرة جداً على النظم الأيكولوجية، والمجتمعات، والاقتصاد.
ويذكّر الخبراء بأن الصيف الماضي لم يكن الصيف الأكثر حرارة في أوروبا، فحسب، بل إن عام 2021 كان قد سجل أيضاً رقماً قياسياً تاريخياً من حيث متوسط درجات الحرارة، أي إن هذه الظاهرة لم تعد مجرد حدث عابر، بل هي في طريقها لأن تصبح من الثوابت المناخية في أوروبا.
ويحذّر التقرير بشكل خاص من الازدياد القياسي الذي تشهده بلدان الجنوب الأوروبي منذ سنوات في عدد الأيام التي تسجل ما يسمّى «الوطأة الحرارية الشديدة»، التي تنشأ عنها تداعيات صحية واقتصادية تزداد خطورة بقدر ما تتكرر هذه الظاهرة.
ومن الآثار الإيجابية النادرة لظاهرة ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، تأثيرها على إنتاج الطاقات المتجددة، وتحديداً الطاقة الشمسية، الذي سجّل ارتفاعاً قياسياً العام الماضي.
ويتوقع العلماء أن تعود ظاهرة «النينيو» اعتباراً من الصيف المقبل، ما سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في بعض المناطق المشاطئة للمحيط الهادئ، وبالتالي إلى ارتفاع عالمي في درجات الحرارة وتفاقم الظواهر المناخية القصوى.
ويقول بونتمبو إن آثار ظاهرة «النينيو» تشمل مناطق العالم بأسرها كما تبيّن خلال السنوات العشر المنصرمة، حيث شهدت الكرة الأرضية العام الأكثر حرارة، 2016، منذ أواسط القرن التاسع عشر عندما بدأ توثيق التطورات المناخية.
وتنبّه المفوضية بأن صحة الأوروبيين سوف تتأثر بشكل ملحوظ إذا استمرت هذه الظواهر المناخية في السنوات المقبلة، وأن عدد الوفيات المبكرة جراء الارتفاع الشديد في درجات الحرارة سيزداد بنسبة تناهز 140 حالة وفاة سنوياً، ما يشكل عبئاً مالياً على المنظومات الصحية يصل إلى 350 مليار يورو. ويحذّر المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية من أن الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة يزيد من سريان الأمراض الحيوانية المنشأ، أو تلك التي تتفشّى عن طريق الأغذية والمياه، فضلاً عن تأثيره المباشر على الصحة العقلية عند المسنين.
ويلاحظ المكتب الأوروبي ارتفاعاً مطرداً منذ سنوات في نسبة الإصابة بأمراض الحساسية لدى البالغين والأطفال، والتي وصلت إلى 40% في بعض البلدان. وتقول منظمة يونيسيف إن 125 طفلاً في القارة الأوروبية يواجهون مخاطر صحية عديدة بسبب من الظواهر المناخية القصوى.
وكانت المفوضية الأوروبية قد شددت مؤخراً على ضرورة الإسراع في تطوير منظومات مكافحة الحرائق التي تزداد سنوياً وتلحق أضراراً فادحة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والتي تعاني معظم بلدان الاتحاد الأوروبي من العجز في الموارد اللازمة للتصدي لها.
ويشار إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قد وضع في عام 2021 هدف تصفير انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عام 2050 وجعله ملزماً قانونياً، على أن يصل الخفض إلى 55% في عام 2030. لكن الحرب التي نشبت في أوكرانيا مطلع العام الماضي، وما نشأ عنها من أزمات على صعيد إمدادات الطاقة، دفعت بالعديد من بلدان الاتحاد إلى تجميد البرامج والخطط التي كانت وضعتها لتحقيق هذا الهدف ريثما تتمكن من تأمين مصادر جديدة لاحتياجاتها من الطاقة.


مقالات ذات صلة

اتّساع نطاق الحرائق في لوس أنجليس... وحصيلة القتلى ترتفع إلى 16

الولايات المتحدة​ عنصرا إطفاء يتابعان حريقاً في باليساديس بلوس أنجليس (رويترز)

اتّساع نطاق الحرائق في لوس أنجليس... وحصيلة القتلى ترتفع إلى 16

اتّسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ 5 أيام، التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلاً، السبت، لتطول مناطق كانت بمنأى من النيران.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)

الشرطة: أصدرنا أوامر إخلاء لنحو 153 ألف شخص جراء حرائق لوس أنجليس

قال قائد شرطة لوس أنجليس، اليوم الجمعة، إن أوامر إخلاء صدرت لنحو 153 ألف شخص جراء الحرائق، و166 ألفاً آخرين تلقوا إنذارات للاستعداد.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
علوم أشخاص يعملون في كهف تخزين في موقع يُدعى «ليتل دوم سي» في القارة القطبية الجنوبية (أ.ب)

علماء يستخرجون نواة جليدية عمرها أكثر من مليون سنة

أعلن فريق دولي من العلماء أنهم نجحوا في حفر واحدة من أعمق الحفر الجليدية حتى الآن، بعمق ميلين (2.8 كيلومتر) للوصول لطبقة جليدية في القارة القطبية.

«الشرق الأوسط» (روما)
ظواهر جوية حادة أثّرت على مناطق السعودية خلال عام 2024 (الأرصاد)

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

كشف المركز السعودي للأرصاد عن 15 ظاهرة جوية حادة أثّرت على مناطق المملكة خلال عام 2024 وتجسّد بوضوح تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الفيضانات المدمرة في البرازيل تسببت في مقتل أكثر من 80 شخصاً خلال مايو 2024 (رويترز)

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

أفادت دراسة دولية بأن عام 2024 شهد درجات حرارة قياسية تسببت في تغييرات جذرية بدورة المياه العالمية، مما أدى إلى فيضانات مدمرة وجفاف شديد في العديد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.