«ناتو» على حدود روسيا... وموسكو تعزّز قدراتها غرباً

انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الغربي يعيد تشكيل خريطة أوروبا الأمنية

حرب أوكرانيا غيّرت القناعات والاعتبارات في أوروبا (أ.ف.ب)
حرب أوكرانيا غيّرت القناعات والاعتبارات في أوروبا (أ.ف.ب)
TT

«ناتو» على حدود روسيا... وموسكو تعزّز قدراتها غرباً

حرب أوكرانيا غيّرت القناعات والاعتبارات في أوروبا (أ.ف.ب)
حرب أوكرانيا غيّرت القناعات والاعتبارات في أوروبا (أ.ف.ب)

لم يشكل الإعلان الرسمي عن انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو»، يوم 4 أبريل (نيسان) الحالي، نقطة التحول الأكبر في تاريخ علاقات الحلف الغربي مع الروس. وروسيا «المعاصرة»، التي وضعت على كتفيها العباءة السوفياتية، وحملت تركة الدولة العظمى في السابق لعقود، واجهت عدة مراحل لتوسع الحلف على مقربة من حدودها. وبعد ضم الجزء الأعظم من بلدان النفوذ السوفياتي السابق، في شرق أوروبا، خلال عام 1999، واصل الحلف تمدده داخل جغرافيا الاتحاد السوفياتي السابق، عبر انضمام جمهوريات حوض البلطيق (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا) عام 2004، وإطلاق مسار «الشراكة الأطلسية» مع عدد من البلدان الأخرى، وعلى رأسها أوكرانيا وجورجيا، وبدرجة أقل مولدافيا. هذا الأمر أثار غضب «الكرملين»، الذي جادل، لسنوات، بأن الحلف «خان تعهداته» الشفهية، عندما وعد بألا يتوسع شرقاً، بعد «اتفاق توحيد ألمانيا»، أما النتيجة فكانت حرباً في جورجيا، عام 2008، عطّلت مسيرة تكاملها مع أوروبا، أو انضمامها إلى «ناتو»، ثم حرباً انفصالية مدمّرة في أوكرانيا أطلقت شرارتها الأولى في 2014، ولم تلبث أن أشعلت، في 2022، مواجهة كبرى ما زالت تداعياتها تتصاعد.
عنوان المواجهة في أوكرانيا، كان منع هذا البلد من التحول إلى قاعدة أمامية لـ«ناتو»، على مقربة من حدود روسيا، وإجبار الغرب على إعادة النظر في مواقفه، وتحويل «التعهدات الشفهية»، في السابق، إلى اتفاق أمني مكتوب ومُلزِم للأطراف، ويحدد مناطق النفوذ ويحترم المصالح المتبادلة.
ولكن في غمار تطورات متسارعة، لم يخطر في بال «الكرملين» أن المرحلة الجديدة للتوسع الأطلسي ستكون على حدود روسيا الشمالية الغربية. وبعدما كان الهدف المعلَن من الذهاب إلى أوكرانيا منع اقتراب الحلف من الحدود، تُعِدُّ روسيا، اليوم، لواقع جديد تغدو معه البنى التحتية لـ«ناتو» على بُعد 200 كيلومتر فقط من عاصمة القياصرة «سان بطرسبورغ».
لقد غيّرت الحرب في أوكرانيا الوضع الأمني في أوروبا كلياً، وأعادت التداعيات الأولى بانضمام فنلندا رسمياً إلى الحلف، وانتظار استكمال انضمام السويد، قبل قمة الحلف المقرّرة في بداية يوليو (تموز) المقبل، طرح السؤال الذي تكرّر طويلاً، خلال الأشهر الماضية: هل أصبحت روسيا أكثر أمناً بعد الحرب الأوكرانية؟
- نتائج أولية مباشرة
في النتائج الأولية المباشرة، فإن وجود فنلندا ضمن «ناتو» يعني أن طول الحدود المشتركة بين الدول الأعضاء في الحلف مع روسيا - التي يُنظر إليها حالياً على أنها «معسكر الأعداء» - يتضاعف ليصل إلى 2600 كيلومتر. وهذا «السيناريو» سيعني أن الحلف سيعمل على زيادة قدراته ونشر بناه التحتية على طول هذه المسافة، التي باتت تحتاج إلى حماية مباشرة وقوية. وهو أمر قد تضطر موسكو إلى الرد عليه بخطوات سريعة وفعالة لحماية مناطقها الغربية بمواجهة التطويق العسكري الكامل.
لكن ثمة تداعيات عدة أخرى لا تقتصر على الملفّين الأمني والعسكري اللذين يتطلبان من موسكو تخصيص موارد هائلة، وهي تنسحب على كل الملفات المتعلقة بالتوازن الاستراتيجي، والمصالح المتعددة في مناطق حيوية، كملف حوض البلطيق الذي غدا واقعياً «بحيرة أطلسية».
هذا الأمر يزيد أعباء موسكو الأمنية والعسكرية والاقتصادية، ويعقِّد التنافس على منطقة القطب الشمالي، حيث تخوض موسكو، منذ سنوات، مواجهة دبلوماسية وأمنية وعلمية واستخباراتية قاسية لانتزاع الاعتراف بحقوقها فيها.
وقبل ذلك كله، لا بد من إلقاء نظرة تاريخية لتحديد الفروقات، بالنسبة إلى موسكو، بين خطوات فنلندا والسويد. هنا تكمن اختلافات لها أهمية خاصة؛ لأن انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي شكّل امتداداً طبيعياً للمواجهة التاريخية مع الروس، خلافاً للوضع مع السويد الذي شكّل الحياد بالنسبة إليها جزءاً من هويتها الوطنية وثقافة شعبها، ما يعني أن هذا التحول يشكل علامة فارقة تضاف إلى النتائج الأولية الكبرى للحرب في أوكرانيا، مثل إطلاق ألمانيا أكبر برنامج تسليح في تاريخها المعاصر، وميل أوروبا عموماً إلى العسكرة في مواجهة طموحات «الكرملين».
- الواقع الجيوسياسي
لطالما كان موضوع التخلي عن سياسة «عدم الانحياز» حاضراً في فنلندا، رغم الإجماعين الاجتماعي والسياسي على أنه لا جدوى من ذلك، فقد ظلت الهواجس المتعلقة بإمكانية حدوث مواجهة عسكرية جديدة في أوروبا لمدة 30 سنة، حاضرة في سياسات هلسنكي، وإن كانت النخب السياسية هناك لا تميل كثيراً إلى التشاؤم في هذا الأمر.
وكما هي حال أكثرية شعوب أوروبا، صدمت عودة الحرب إلى أوروبا الفنلنديين، الذين قرروا فوراً التخلي عن «عدم الانحياز»، والانضمام إلى «ناتو». الجدير بالذكر هنا أنه لم يدُر أي نقاش تقريباً حول ما إذا كان الوضع المحايد ليس طريقة أكثر موثوقية لضمان الأمن القومي، إذ اعتُبرت العضوية في كتلة عسكرية هي الخيار الوحيد.
وصحيحٌ أن انضمام فنلندا إلى «ناتو» كان أحد الموضوعات الرئيسة في النقاش الداخلي، خلال الأشهر الأخيرة، لكن الفنلنديين كانوا قد ناقشوا هذه القضية منذ سنوات عدة. وفي عام 2016، بعد مرور سنتين فقط على ضم شبه جزيرة القرم، واندلاع المواجهة في أوكرانيا وحولها، نشرت وزارة الخارجية الفنلندية تقريراً عن العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة. وعرض التقرير 3 استنتاجات رئيسة؛ أولها أن مسألة الانضمام يجب أن تُحسم في استفتاء. واتضح لاحقاً أن التصويت على المستوى الوطني ما عاد مطلوباً؛ لأن الأحداث الأخيرة ضمنت بالفعل دعماً عاماً واسعاً للانضمام إلى «ناتو».
أما الاستنتاجان الثاني والثالث، وهما الأكثر أهمية، فقضى أحدهما بأن تنضم فنلندا إلى «ناتو» برفقة السويد، وقضى الآخر باعتبار روسيا مصدر التهديد الأساسي لأمن البلاد. وكانت الخلاصة أنه على فنلندا مواجهة طموحات موسكو؛ ليس لمفردها، بل مع دول الحلف الأخرى.
الواقع أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اقتنع الفنلنديون بأنهم يستطيعون ضمان أمنهم، من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحده. وفي هذا، بالمناسبة، اختلفوا مع السويديين، الذين كان الاتحاد الأوروبي، في الأساس، شريكاً تجارياً لهم. وهذا جزئياً هو سبب إضافة ما يسمى «خيار ناتو» إلى عقيدة الأمن القومي الفنلندي في عام 2004. وبعدها، فإن «خيار ناتو» شكّل انعكاساً للبراغماتية المتأصلة في الفنلنديين، بعكس السويديين الذين كان رفض الانضمام إلى التحالفات العسكرية جزءاً من هويتهم الوطنية. فبالنسبة لفنلندا، الحياد ليس أكثر من ضرورة ووسيلة لضمان بقائها.
- حرب غيّرت قناعات
قبل الحرب الروسية في أوكرانيا، اعتقدت فنلندا أن التعاون الوثيق مع «ناتو»، والتكامل العسكري مع السويد - الذي يتعمق منذ عام 2014 - والتعاون المتزايد مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عوامل كافية لضمان أمنها، لكن مع هذا، سارت هلسنكي بحذر؛ لأنها لم ترغب في قطع كل أشكال التعاون مباشرة مع موسكو، ومع ذلك اتضح، في النهاية، أن روسيا نفسها هي التي انفصلت... ليس فقط عن فنلندا، ولكن أيضاً مع أوروبا والغرب بأَسْره.
كان من الطبيعي أن توقظ الحرب الأوكرانية ذكريات الفنلنديين حول أحداث عام 1939، عندما أنكر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين حق فنلندا في الوجود، وأطلق العنان لـ«حرب الشتاء». وبعد مرور أكثر من 80 سنة، كانت الحرب الأوكرانية، وليس تصريحات موسكو بـ«أنه ليس لفنلندا والسويد الحق في الانضمام إلى ناتو»، السبب في تغير المزاج الشعبي.
- سنوات من التحضير
مع ذلك، بدأت فنلندا الاستعداد لمواجهة محتملة مع جارتها الشرقية العملاقة منذ وقت طويل، وأدى العمل المستمر على تعزيز القدرات الدفاعية إلى جعل فنلندا مالكة أقوى القوات المسلَّحة في شمال أوروبا، إذ لا يزال فيها نظام التجنيد الشامل الإلزامي للخدمة العسكرية، ويمتلك الجيش الفنلندي أيضاً عدداً كبيراً من جنود الاحتياط الذين يشاركون بانتظام في التدريبات العسكرية.
تعتز فنلندا بتقاليدها العسكرية الطويلة، وبعكس السويد أو ألمانيا، على سبيل المثال، لم تنتقل من الدفاع الإقليمي إلى الدفاع السريع، بل دأب الجيش الفنلندي دائماً على تقييم مدى ملاءمة المشاركة في العمليات الاستكشافية، من حيث حجم المساهمة في تعزيز الدفاع الإقليمي.
من جهة ثانية، تفيد تقارير بأن وحدات مدفعية الجيش الفنلندي هي الأكبر في أوروبا، وكان لإرث الحرب العالمية الثانية تأثير في ذلك، بما يتوافق تماماً مع القول الستاليني «المدفعية هي إله الحرب». وأيضاً يشير خبراء إلى أن المهندسين العسكريين الفنلنديين متخصصون من الدرجة الأولى في تجهيز الخطوط الدفاعية والعقبات والفِخاخ وتعدين التضاريس.
أما بالنسبة للطيران، فبعدما استقبلت القوات الجوية الفنلندية 64 مقاتلة من طراز «إف 35»، ستحلُّ محل طائرات «إف 18» الموجودة حالياً في الخدمة، سيتيسر للقوات الجوية الفنلندية، بالتعاون بسلاسة مع أعضاء «ناتو»، بما في ذلك ضمن «القوات المشتركة لشمال أوروبا»، التي تشارك فيها الولايات المتحدة بريطانيا، والنرويج، وإيطاليا، وكندا، وبولندا، والدنمارك، وهولندا.
وبالإضافة لما سبق، تعمل عضوية «ناتو» على دمج القوات المسلَّحة الفنلندية بشكل أفضل في التحضير والتخطيط مع الحلفاء الآخرين، وقد شاركت قوات فنلندا، بانتظام، في تدريبات «ناتو» بصفتها شريكاً منذ بعض الوقت.
وقد أورد تقريرٌ، صدر، نهاية العام الماضي، عن «مركز ويلسون» في واشنطن، 3 مجالات رئيسة يتوقع أن تفيد فيها فنلندا الحلف: قوات الاحتياط، والوصول إلى التكنولوجيا، وقوات المدفعية. ويشرح التقرير «أن قوات المدفعية الفنلندية هي الأكبر والأفضل تجهيزاً في أوروبا الغربية... ومع حوالي 1500 قطعة مدفعية، بما في ذلك 700 مدفع هاوتزر، و700 مدفع هاون ثقيل، و100 قاذفة صواريخ متعددة، تتمتع المدفعية الفنلندية بقوة نيران أكبر، مما تستطيع القوات المسلَّحة المشتركة لبولندا وألمانيا والنرويج والسويد حشدها حالياً».
وينوّه تقرير المركز أيضاً بالمستوى العالي من الأمن السيبراني في فنلندا، مذكّراً بأن البلاد هي موطن شركة نوكيا، التي هي «المزوِّد الرئيسي للبنية التحتية لشبكات الجيل الخامس»، كما أنها واحدة من أكبر 3 مزوّدين للبنية التحتية للجيل الخامس في العالم.
وتابع التقرير أيضاً أن فنلندا تستطيع تجنيد 900 ألف جندي احتياطي سبق تدريبهم بصفتهم مجندين في قواتها المسلحة، على الرغم من حقيقة أن عدد القوات المسلحة الفنلندية في زمن الحرب يبلغ 280 ألف فرد عسكري.
يضاف إلى هذا كله حقائق التاريخ والجغرافيا، إن إلقاء نظرة واحدة على الخريطة كافٍ لفهم أنه من منظور أوسع، سيكون لانضمام فنلندا والسويد إلى «ناتو» عواقب سياسية وأمنية وعسكرية خطيرة على موسكو. ويكفي القول إن لدى روسيا وفنلندا حدوداً مشتركة ضخمة بطول 1300 كيلومتر من المناطق المشجرة وذات الكثافة السكانية المنخفضة، من مورمانسك، إلى بطرسبورغ. وليس من الواضح كيف ستدافع موسكو عنها، على الرغم من إعلان وزارة الدفاع الروسية عن برنامج ضخم لاستحداث قطع عسكرية جديدة وإعادة توزيع مناطق الانتشار على الحدود الشمالية والغربية.
وللتذكير، تقاسمت روسيا، حتى لحظة انضمام فنلندا إلى «ناتو»، حوالي 1215 كلم من الحدود البرية، مع 5 أعضاء في الحلف هم النرويج وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.
- طريق السويد
طريق السويد إلى الحلف لم يكن سهلاً أيضاً، مع أن الموقف السويدي يظل أكثر توقعاً إلى حد ما، إذ قالت رئيسة الحكومة السويدية ماجدالينا أندرسون، العام الماضي، إن ستوكهولم «ستدرس، بسرعة وبشمولية، الوضع الأمني الجديد». ويشرح خبير الدفاع جاكوب ويستبرغ: «في السويد نعتقد أنه على مدار 200 سنة، منذ عهد نابليون، كان لدينا سلام؛ لأننا رفضنا دائماً التحالفات العسكرية»، ثم يستدرك مضيفاً أن هذا التصور الذاتي للحياد الفعال يتعرض، الآن، للتهديد، «وعلينا الآن أن ننظر إلى الوضع الأمني بطريقة مختلفة تماماً. كانت الحرب ضد أوكرانيا نقطة تحوّل».
للموافقة على الانضمام إلى «ناتو»، تعيَّن على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الحاكم في السويد، تغيير موقفه الأولي بشأن هذه القضية. وإذا انضمت السويد - كما هو متوقع قريباً - إلى الحلف، فسيتغير الميزان الاستراتيجي كلياً في الشمال الأوروبي. ومع أنه ليست للسويد أي حدود مباشرة مع روسيا، سيغدو أسهل على «ناتو» إجراء عمليات واسعة في بحر البلطيق، وفي هذه الحالة ستكون جميع الدول، التي لها منفذ إلى بحر البلطيق، باستثناء روسيا، أعضاء في الحلف.
أيضاً، يعني انضمام السويد إلى «ناتو» انتقال أراضي جزيرة غوتلاند، الواقعة في هذا البحر، إلى سيطرة الحلف. ووفق الخبير ويستبرغ، «سيكون من الأصعب، بالنسبة لروسيا، العمل في بحر البلطيق، ما يعني تحوله إلى بحيرة أطلسية، فضلاً عن أن السويد تمتلك 5 غواصات حديثة جداً ستكمل أساطيل بولندا وألمانيا».
أيضاً، تمتلك القوات الجوية السويدية أكثر من 100 مقاتلة حديثة، وهذا، مع أنه، على مدى العقود الماضية، جرى تخفيض القوات البرية السويدية بشكل كبير، كما هي الحال في عدد من دول «ناتو». ويتوقع ويستبرغ مرور 10 سنوات قبل تغيير هذا الوضع.

ردود الفعل الروسية على التمدد الأطلسي

> كما هو متوقع، تعمل القيادة الروسية على التحرك بسرعة، لمواجهة تداعيات توسيع أسرة «ناتو». وقد بدأت موسكو، بالفعل، تحركات لتعزيز تجميع القوات البرية والدفاع الجوي بشكل جدي، وأيضاً نشر قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا، كما لوَّحت بنشر أسلحة نووية في منطقة حوض البلطيق.

فنلندا تنضم لـ«ناتو» والسويد على طريق الانضمام (رويترز)

غير أن التداعيات الأساسية، بالنسبة إلى موسكو، قد تظهر على محورين، وفقاً لخبراء:
- المحور الأول يتضح مع مدى جدية «ناتو» في نقل بناه التحتية العسكرية إلى مقربة من الحدود الروسية، وهذا الأمر بدأت موسكو التحضير له، من خلال قرارات توسيع نشر الأسلحة النووية لتشمل بيلاروسيا ومناطق في الشمال الروسي.
- المحور الثاني يكمن في تعزيز نزعة الانتقال من «الحياد» إلى «معسكر الأعداء»، ليشمل كل أوروبا، التي لم يتبق فيها إلا 3 دول تقف رسمياً على الحياد، هي سويسرا والنمسا وآيرلندا.
من الناحية الاستراتيجية، يقول خبراء في موسكو إنه بالنسبة إلى روسيا، لا يزال الدور الرئيس في إعداد القدرات العسكرية يلعبه الساحل في منطقة مورمانسك، حيث تحتفظ روسيا بقوات لضربة نووية انتقامية، في حين أن أهمية بحر البلطيق ثانوية، حتى لو كانت طرق النقل التي تربط بين بطرسبورغ وكالينينغراد تمر عبرها.
بسبب هذه الظروف، جزئياً، فضّلت الأوساط الرسمية والإعلامية الروسية تجنب التهويل من تداعيات انضمام فنلندا والسويد لاحقاً إلى «ناتو»، لدرجة أن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف - الذي تحوَّل إلى أحد أبرز «الصقور» خلال الحرب الأوكرانية - تعمّد التقليل من أبعاد الخطوة، واكتفى بتكرار صياغة «الكرملين» أن «قرار فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو خطأ فادح، ستقدم روسيا إجابة متناسقة عليه».
إلا أن خبراء يشيرون إلى أن التداعيات البعيدة المدى ستكون أخطر على روسيا من مجرد مواجهة انتشار عسكري محدد على مقربة من الحدود. كذلك فإن التداعيات النفسية والسياسية مع حال التغيير الشامل في المزاج الأوروبي ستكون بدورها لها آثار أعمق وأبعد مدى.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،