الموازنة العراقية تعود إلى دائرة الجدل البرلماني من بوابة الخلافات السياسية

جلسة للبرلمان العراقي (غيتي)
جلسة للبرلمان العراقي (غيتي)
TT

الموازنة العراقية تعود إلى دائرة الجدل البرلماني من بوابة الخلافات السياسية

جلسة للبرلمان العراقي (غيتي)
جلسة للبرلمان العراقي (غيتي)

بينما نجح البرلمان العراقي في قراءة مشروع قانون الموازنة المالية للأعوام 2023 و2024 و2025 قراءة ثانية، وهو ما كان يفترض أن يمهد لعرضها على التصويت خلال جلسات البرلمان بعد عطلة عيد الفطر، لا تزال الخلافات السياسية عائقاً أمام إمكانية تمريرها دون تعديلات. فطبقاً لما يدور في أروقة الكتل السياسية والتي بدأت تتضح من خلال الجدل البرلماني بشأن بعض أوجه الإنفاق؛ لا تزال القوى السياسية في حاجة إلى المزيد من النقاشات والتنازلات.
تتعدد مخاوف كل الكتل السياسية، بما فيها ائتلاف إدارة الدولة الذي يقف خلف تشكيل الحكومة الحالية، بشأن الموازنة لكن التخوف الأكبر يكمن في كونها موازنة لثلاث سنوات، وهو أمر غير معهود في الحياة السياسية والبرلمانية العراقية بعد عام 2003؛ نظراً لحاجة كل القوى السياسية إلى الموازنة بوصفها سلاحاً بعدة حدود لكل طرف سياسي. ومع أن الخبير القانوني علي التميمي يرى أن «دمج الموازنات لثلاث سنوات قادمة أمر ممكن دستورياً وقانونياً»، فإن القوى السياسية تخشى من تمدد الحكومة على ما تعتقده صلاحيات لها، فضلاً عن أن القوى السياسية لا تريد للحكومة أن تنفذ فقرات برنامجها الوزاري دون المرور بالبرلمان بحجة أن البرلمان صوّت لموازنة من ثلاث سنوات. ويضيف التميمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «عملية الدمج تستند إلى المادة 78 من الدستور العراقي والمادة 4 فقرة 2 من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 6 لسنة 2019». ويقول إن تلك المواد الدستورية والقانونية «أجازت الدمج بحيث تكون السنة الأولى وجوبية بينما الموازنتان اللاحقتان قابلتان للتعديل من قِبل البرلمان حسب الظروف».
في سياق ذلك، أكدت عالية نصيف عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يواصل اجتماعاته المكثفة مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي وائتلاف إدارة الدولة لحسم الخلافات بشأن الموازنة. وأضافت نصيف في تصريح، أنَّ «الموازنة عانت عبر تاريخ الحكومات السابقة عدم إقرارها في رأس السنة، وإنما تمتد إلى ستة أشهر من السنة اللاحقة، وبالتالي تتلكأ مشاريع في كل المحافظات»، مبينة أنَّ هناك «رغبة لدى رئيس الوزراء في استكمال المشاريع وتوفير الدعم لحين انتهائها وهو أمر إيجابي». وأضافت، أن «أولى القضايا التي يجري حسمها هي مدة السنوات الثلاث والعجز وتغيير بعض الأرقام فيها، إضافة إلى مطبات سعر النفط والجداول التي رافقت موازنة عام 2023 فقط من دون عامي 2024 و2025». وأوضحت، أنَّ «في كل عام تحدث عمليات ابتزاز سياسي بشأن الموازنة وتخضع لطلبات الكتل السياسية، ما يُثقل كاهل المسودة، وبالنتيجة الطعن بها أمام المحكمة الاتحادية». ولفتت إلى أنه «لمعالجة هذا الخلل ومن أجل استدامة المشاريع واستقرار الاقتصاد والاستثمار تم الركون إلى المضي بثلاث سنوات وقد نحتاج إلى مادة تخول مجلس النواب تقديم مقترح تعديل عليها بتغيير بعض أرقامها وبخاصة ما يتعلق بسعر برميل النفط المقدر فيها».
إلى ذلك، وطبقاً لمصدر سياسي مقرب من جو المفاوضات السياسية في الغرف المغلقة بشأن الموازنة، فإن «الإشكالية في هذه الموازنة مركبة، قسم من إشكاليتها يتمثل في قدرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على إحراج الجميع سواء كانوا داعمين معلنين له أم شركاء ينتظرون ما يمكن أن يحصلوا عليه لكي يدعموا، وذلك بتصميم موازنة لثلاث سنوات مقبلة». ويقول هذا المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»، إنه «حتى الشركاء أو الداعمون الأساسيون للسوداني، وهم ائتلاف إدارة الدولة ليسوا على موقف واحد، بل كل طرف منهم يريد حصته من الموازنة وإن كان تحت تبريرات مختلفة مثل العجز الكبير الذي تتضمنه ومتغيرات أسعار النفط واختلاف الإنفاق في عدد من أبوابها وهي كلها تندرج تحت ما يمكن تسميته كلمة الحق التي يراد بها باطل»، مبيناً أنه «في الوقت نفسه، فإن كل هذه الأطراف ومن منطلق أزمة الثقة فيما بينها تحاول الحصول على أكبر عدد من المكاسب من الموازنة لأغراض انتخابية وسياسية بينما يريد رئيس الوزراء ربط كل فقرة من فقرات الموازنة بمنهاجه الوزاري المتضمن تنفيذ آلاف المشاريع، سيما تلك التي تتصل بالبنى التحتية والتي تحتاج إلى أغطية مالية مناسبة لها للسنوات الثلاث المقبلة دون العودة بالضرورة للبرلمان لكي يعطي موافقته بشأنها إلا في حالة حصلت متغيرات في أسعار النفط صعوداً أو هبوطاً».
وفي هذا السياق، يرى عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر، في تصريح أن «قانون الموازنة لا يخلو من الخلافات السياسية، خصوصاً أن هناك اعتراضاً من قِبل أطراف سياسية مختلفة على جعل الموازنة لثلاث سنوات، كذلك هناك اعتراض سياسي على حصص المحافظات المالية». وبيّن كوجر أنه «بعد القراءة الثانية لقانون الموازنة، سوف يدخل قانون الموازنة في الحوارات والمفاوضات ما بين القوى السياسية لغرض الاتفاق والتوافق عليه، وبحث إمكانية تعديل بعض فقرات القانون؛ ولهذا تمرير الموازنة لن يكون سهلاً مع وجود الخلافات السياسية حوله». وطبقاً لتقرير للجنة المالية البرلمانية، فإن مشروع الموازنة ورغم قراءته قراءة ثانية لا يزال يواجه العديد من التحديات، أبرزها ضخامة حجم التخصيصات المطلوبة لتمويل مؤسسات الدولة وضخامة حجم العجز المخطط ومصادر تمويله وازدياد معدلات البطالة ونسب الفقر والتضخم الاقتصادي وتحديات توفير السيولة المالية على الأمد القصير أو المتوسط نتيجة قلة الواردات المالية الرافدة للموازنة.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».