العالم يتنفس هواءً ملوثاً

تشديد دولي على المعايير... ومراجعات عربية

منظر للمنطقة التجارية المركزية في بكين خلال عاصفة ترابية في 10 مارس الماضي (أ.ب)
منظر للمنطقة التجارية المركزية في بكين خلال عاصفة ترابية في 10 مارس الماضي (أ.ب)
TT

العالم يتنفس هواءً ملوثاً

منظر للمنطقة التجارية المركزية في بكين خلال عاصفة ترابية في 10 مارس الماضي (أ.ب)
منظر للمنطقة التجارية المركزية في بكين خلال عاصفة ترابية في 10 مارس الماضي (أ.ب)

لا يزال تلوث الهواء أحد أكبر المخاطر على الصحة العامة؛ ففي كل سنة يتسبب تدني نوعية الهواء بنحو 7 ملايين وفاة حول العالم، وخسائر اقتصادية إجمالية تعادل أكثر من 8 تريليونات دولار. ويؤدي التعرض لتلوث الهواء إلى حدوث العديد من الحالات المرضية وتفاقمها، كالربو والسرطان وأمراض الرئة والقلب والوفاة المبكرة.
وفي أكثر من مكان، يسعى صانعو السياسات إلى التشدُّد أكثر فأكثر في معايير جودة الهواء، من أجل تخفيف الأعباء الصحية والإقلال من الوفيات. ومع ذلك، لا تزال مجمل المدن حول العالم تعاني من ارتفاع مؤشرات التلوث على نحو كبير يتجاوز المسموح به بعدة أضعاف.
- تشدد دولي في المعايير
ينشأ تلوث الهواء عن ارتفاع تراكيز الجسيمات العالقة وبعض أنواع الغازات ذات الأثر السلبي. ويمكن أن ينتج التلوث عن الأنشطة البشرية، كدخان المصانع والسيارات، أو عن المصادر الطبيعية، كالعواصف الرملية وانبعاثات البراكين. وتشمل الملوثات الرئيسية الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء، التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرون أو أقل، والأوزون الأرضي، وثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين.
علاوة على ذلك، تساهم مجموعة من المركبات في تكوين الجسيمات العالقة والأوزون في الغلاف الجوي، من بينها المركبات العضوية المتطايرة والأمونيا والميثان والكربون الأسود وأكاسيد النيتروجين. كما يوجد العديد من ملوثات الهواء السامة للإنسان والنظم البيئية، مثل البنزن والمعادن الثقيلة والهيدروكربونات العطرية.
وتعد جودة الهواء مشكلة عابرة للحدود، حيث تؤدي تيارات الغلاف الجوي إلى نقل الملوثات بعيداً عن مصادرها. وخلال ذلك، يمكن للتفاعلات الكيميائية والعمليات الفيزيائية أن تعيد تكوين خليط ملوثات الهواء وتشكل مزيج تلوث جديد يؤثر على نوعية الهواء المحلية والإقليمية والدولية.
وتمتد تعقيدات تلوث الهواء من آثاره الصحية على الإنسان إلى مخاطره على المناخ العالمي والموارد البيئية. وتظهر هذه التأثيرات في الأحداث الجوية غير المتوقَّعة، وتعطيل هطول الأمطار والأنماط البيولوجية، وانخفاض إنتاج الطاقة والمحاصيل؛ فعلى سبيل المثال، يتسبب المطر الحمضي، الذي يتشكل عندما يتفاعل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت مع هطول الأمطار، في تحمض وزيادة المغذيات في النظم البيئية وتدهور البيئة العمرانية. كما أن الغطاء النباتي حساس للأوزون الذي يؤثر على صحته وقدرته في مواجهة الأمراض.

ضباب ناجم عن دخان المركبات والمولدات الخاصة يغطي أفق بيروت في أكتوبر 2019 (غيتي)

وفي سعيها لخفض المخاطر الصحية لتلوث الهواء والحد من مشكلاته، أصدرت «منظمة الصحة العالمية» تعديلاً على إرشادات جودة الهواء في سبتمبر (أيلول) 2021، في خطوة تُعتبر أول تحديث لهذه المعايير منذ 15 عاماً. وتتوقع المنظمة الدولية أنه يمكن تجنُّب نحو 80 في المائة من الوفيات المرتبطة بالجسيمات العالقة، إذا نجح العالم في تلبية الإرشادات الجديدة.
وتشمل هذه التعديلات، على سبيل المثال، خفض الحد الأعلى للانبعاث السنوي الموصى به فيما يخص الجسيمات العالقة من 10 إلى 5 ميكروغرامات في المتر المكعب، وتعيين الحد الأقصى لتركيز الأوزون الأرضي خلال موسم الذروة (6 أشهر تلي أعلى متوسط لتركيز الأوزون) بمقدار 60 ميكروغراماً في المتر المكعب، وخفض تركيز ثاني أكسيد النيتروجين الموصى به من 40 إلى 10 ميكروغرامات في المتر المكعب سنوياً.
ولا تُعتبر إرشادات جودة الهواء الصادرة عن «منظمة الصحة العالمية» معياراً أو وثيقة ملزمة قانوناً. ومع ذلك، تشير كثير من الهيئات التشريعية حول العالم إلى المبادئ التوجيهية لـ«منظمة الصحة العالمية»، عند وضع السياسة القانونية لمكافحة الملوثات المحمولة جواً. ولذلك فإن التعديل الجديد الذي تبنته المنظمة يدخل تلقائياً في التشريع الوطني للعديد من البلدان.
وحتى في الدول التي تتبنى معاييرها الخاصة بجودة الهواء، تمثل التعديلات الجديدة حافزاً للتحرك من أجل مواكبة التوجه العالمي. وعلى سبيل المثال، أعلنت «وكالة حماية البيئة الأميركية»، في فبراير (شباط) 2023، عن مقترح لتعزيز المعايير الوطنية لجودة الهواء المحيط، من خلال خفض معيار الحد الأعلى لتركيز الجسيمات العالقة من 12 إلى ما بين 9 و10 ميكروغرامات في المتر المكعب سنوياً.
وفيما لا يزال المعيار المقترح يمثل ضعف معيار «منظمة الصحة العالمية»، فإن تأثيره سيكون كبيراً على الولايات المتحدة، لا سيما في النصف الشرقي من البلاد، حيث تُعتبر جودة الهواء حرجة، وفق المعايير الوطنية الحالية. ويُعد تعزيز معايير الهواء في الولايات المتحدة حافزاً تنظيمياً جديداً للتخلي عن استخدام الفحم في محطات الطاقة، ولتحسين أداء المحطات التي تعمل على الغاز. وتكون السلطات، في الولايات التي تعاني من تلوث الهواء، مطالَبة بوضع خطة امتثال للمعايير الوطنية.
وفي «الاتحاد الأوروبي»، تم الإعلان في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عن مقترح لقواعد جديدة تهدف إلى تحسين جودة الهواء حتى سنة 2030، وذلك في إطار «الصفقة الخضراء»، من أجل أوروبا خالية من التلوث بحلول 2050. وتلحظ القواعد المقترحة لسنة 2030 خفض معيار الحد الأعلى لتركيز الجسيمات العالقة من 25 إلى 10 ميكروغرامات في المتر المكعب سنوياً، وخفض معيار تركيز ثاني أكسيد النيتروجين من 40 إلى 20 ميكروغراماً في المتر المكعب سنوياً.
ولا تزال القواعد الأوروبية المقترحة لسنة 2030 تمثل أيضاً ضعف توصيات «منظمة الصحة العالمية». ووفقاً لآخر بيانات المنظمة لمؤشرات تلوث الهواء في المدن (2019)، فإن 22 في المائة فقط من المدن الأوروبية تستوفي الحد الأعلى المقترح لتركيز الجسيمات العالقة، بينما تحقق 84 منها الهدف المقترح لتركيز ثاني أكسيد النيتروجين.
وتشير دراسة صدرت في دورية «نيتشر»، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إلى أن الجسيمات العالقة على صلة بنحو 90.4 في المائة من جميع وفيات تلوث الهواء في أوروبا بين عامي 1990 و2019. ويتوقع «الاتحاد الأوروبي» أن تخفض القواعد الجديدة أعداد الوفيات المبكرة بسبب تلوث الهواء بنسبة 55 في المائة على الأقل بحلول 2030، بما يعني إنقاذ حياة أكثر من 150 ألف شخص سنوياً.
وفي الصين، دعا فريق مكلف من قبل «البرنامج الوطني لأبحاث التلوث» إلى مراجعة المعايير الوطنية لتلوث الهواء وتحسين الحماية القانونية لصحة الإنسان. وتعتمد الصين حالياً هدفاً مؤقتاً لتركيز الجسيمات العالقة يبلغ 35 ميكروغراماً في المتر المكعب سنوياً، وهو بعيد جداً عن توصيات «منظمة الصحة العالمية».
وتشير تقديرات أميركية إلى أن تلوث الهواء في الصين تسبب بنحو 1.4 مليون وفاة مبكرة في عام 2019 وحده.
وفي دول «مجلس التعاون الخليجي»، تعمل لجنة منبثقة عن «الخطة الاستراتيجية 2020 - 2024» للوزراء المسؤولين عن شؤون البيئة على تحديث اللائحة التنفيذية الاسترشادية لجودة الهواء المحيط في دول المجلس، بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» (يونيب). وتتبنى اللائحة التنفيذية الحالية لجودة الهواء في السعودية تركيز 15 ميكروغراماً في المتر المكعب سنوياً للجسيمات العالقة، وهي تستثني مساهمة المصادر الطبيعية، كالغبار الجوي، عند احتساب التجاوزات.
- تلوث الهواء في البلدان العربية يزداد
إذا جرى القياس وفق معايير «منظمة الصحة العالمية» لعام 2021، على قاعدة بيانات جودة الهواء في المدن حول العالم (بيانات 2019)، ستكون النتيجة أن جميع سكان العالم تقريباً يتنفسون هواءً ملوثاً. وتُظهر دراسة، نشرتها دورية «ذا لانسيت بلانيتاري هيلث» في مارس (آذار) 2023، أن 0.18 في المائة من مساحة اليابسة، وواحداً من بين مائة ألف إنسان يتعرضون لمستويات من تركيز الجسيمات العالقة تحقق معايير منظمة الصحة العالمية.
وتشير الدراسة إلى انخفاض المستويات اليومية لتلوث الهواء في أوروبا وأميركا الشمالية خلال الأعوام بين 2000 إلى 2019، في حين زادت مستويات التلوث اليومي في جنوب آسيا وأستراليا ونيوزيلندا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وتُبين الدراسة أن تلوث الهواء بالجسيمات العالقة في أكثر من 255 يوماً خلال عام 2019 على مستوى العالم كان يشهد مستويات أعلى مما هو آمن.
وكان تقرير «الصحة والبيئة في الدول العربية»، الذي أصدره «المنتدى العربي للبيئة والتنمية» (أفِد) في 2020، حذر من أن الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت بمقدار 5 أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب زيادة الطلب على المياه والطاقة والنقل. وفي السعودية والبحرين والكويت والإمارات ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 6 في المائة سنوياً بين سنتي 2005 و2014، جنباً إلى جنب مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي وزيادة استهلاك الطاقة.
وتؤدي هيمنة سيارات الركاب الخاصة على وسائط النقل في البلدان الخليجية إلى مضاعفة مشاكل الازدحام المروري وزيادة الانبعاثات، علماً بأن المركبات على الطرق العامة في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولة عن 59 في المائة من انبعاثات أكاسيد النيتروجين في المنطقة، وهي أيضاً تنتج 90 في المائة من ثاني أكسيد الكربون و75 في المائة من المركبات العضوية المتطايرة غير الميثانية.
ويعكس التقرير العالمي لجودة الهواء 2022، الذي تصدره شركة سويسرية تهتم بتكنولوجيا جودة الهواء، ارتفاع مؤشر التلوث بالجسيمات العالقة في الدول العربية العشر التي شملها التقرير، وهي السعودية ومصر والسودان والجزائر والعراق وسوريا والإمارات والكويت وقطر والبحرين.
وتراوحت هذه التراكيز، مقاسة بالميكروغرام في المتر المكعب سنوياً، بين 80.1 في العراق، الذي حل في المرتبة الثانية عالمياً في تلوث الهواء عام 2022 بعد تشاد، و20 و17.1 في سوريا والجزائر على التوالي. وكان تركيز الجسيمات العالقة في البحرين 66.6 (المركز الرابع عالمياً)، وفي الكويت 55.8 (المركز السابع عالمياً)، في حين حققت باقي البلدان تراكيز تراوحت بين 41.5 و46.5.
ويرتبط تراجع جودة الهواء في العراق وباقي الدول الخليجية خلال عام 2022 إلى حدٍ كبير بالأحوال الجوية والجفاف الذي زاد من نسبة الغبار المعلق في الهواء. وفي المقابل، يرتبط الانخفاض النسبي لتلوث الهواء في سوريا بحالة الحرب التي حدت بشكل كبير من الأنشطة البشرية.
إن تحسين نوعية الهواء في العالم العربي يتطلب مراجعة دقيقة للإطار التشريعي من أجل تعزيز متطلبات الصحة العامة وتحقيق أداء أفضل لمصادر التلوث. كما ينبغي الحزم في إجراءات معاقبة الملوثين عبر تطبيق القوانين بطريقة فاعلة، ووضع قوائم أولويات لتقييم المخاطر الصحية على أساس رصد الهواء، واعتماد خطوات إجرائية توازن بين تراكيز الملوثات والاستجابة للمخاطر الصحية.


مقالات ذات صلة

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

المشرق العربي مجرى نهر العاصي في منطقة جسر الشغور غربي إدلب وقد بدا جافاً تماماً أغسطس الماضي (أ.ب)

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

تقرير يرصد أبرز الأنهار التي تعرضت لعوامل شديدة من الجفاف في المنطقة، إضافة إلى تعليق خبير في الشأن المناخي عن الأزمة وأبرز سُبل الحل.

يسرا سلامة (القاهرة)
شؤون إقليمية صورة تُظهر انخفاض مستويات المياه خلف سد على طول نهر الكرخة بسلسلة جبال البرز شمال إيران (أ.ف.ب) play-circle

إيران توقف توليد الكهرباء من سدّ مائي كبير بسبب الجفاف

أوقفت السلطات الإيرانية إنتاج الكهرباء من أحد أكبر سدود البلاد، بسبب انخفاض ملحوظ في منسوب المياه بالخزان، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
آسيا امرأة أثناء زيارتها لمنطقة ضربتها فيضانات مفاجئة مميتة عقب هطول أمطار غزيرة في منطقة بيروين (رويترز)

إندونيسيا: ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات والانهيارات الأرضية إلى 248

كافح عمال الإنقاذ في إندونيسيا اليوم للوصول إلى الضحايا في كثير من المناطق المدمرة التي ضربها زلزال وفيضانات.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
المشرق العربي صورة مثبتة من مقطع فيديو يظهر جفاف نهر العاصي في سوريا بالكامل

للمرة الأولى في التاريخ... نهر العاصي يجف بالكامل في سوريا

يشهد نهر العاصي في سوريا جفافًا كاملًا للمرة الأولى في تاريخه، في حدث يشكل سابقة بالنسبة للشريان المائي الحيوي في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص رغم اختلاف البيئات بين السعودية وبريطانيا وأستراليا تجمع المشاريع رؤية بناء زراعة مرنة وقادرة على مواجهة التغير المناخي (أدوبي)

خاص من السعودية إلى أستراليا وبريطانيا… ابتكارات طلابية ترسم مستقبل الزراعة

كشفت 3 مشاريع طلابية من السعودية وأستراليا وبريطانيا مستقبلاً زراعياً جديداً يعتمد على الري الذكي وإنعاش التربة وتحليلها لحظياً، لبناء زراعة مرنة.

نسيم رمضان (دبي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.