لبنان: تمرّد سياسي ووزاري على قرار ميقاتي تأجيل التوقيت الصيفي شهراً

وزير الثقافة يكشف عن إمكانية عقد جلسة للحكومة لمناقشته

تأجيل التوقيت الصيفي يحدث أزمة في لبنان (إ.ب.أ)
تأجيل التوقيت الصيفي يحدث أزمة في لبنان (إ.ب.أ)
TT

لبنان: تمرّد سياسي ووزاري على قرار ميقاتي تأجيل التوقيت الصيفي شهراً

تأجيل التوقيت الصيفي يحدث أزمة في لبنان (إ.ب.أ)
تأجيل التوقيت الصيفي يحدث أزمة في لبنان (إ.ب.أ)

تتفاعل قضية الخلاف حول التوقيتين الصيفي والشتوي في لبنان بعد صدور بيان حكومي يعلن تأجيل تطبيق التوقيت الصيفي حتى نهاية شهر رمضان، بدلاً من البدء به فجر يوم أمس (الأحد). وفي حين استمرت المواقف الرافضة له مقابل المواقف المدافعة عنه، التي اتخذت في معظمها بعداً وانقساماً طائفياً، برز تمرّد سياسي ووزاري من قبل وزير التربية عباس الحلبي (المحسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي) على قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بإصداره تعميماً يعلن فيه اعتماد جميع المؤسسات التربوية على التوقيت الصيفي، انطلاقاً من أن «قرار مجلس الوزراء المتعلق باعتماد التوقيت الصيفي يبقى سارياً ما لم يتم تعديله في جلسة لمجلس الوزراء»، وهو ما سبق أن تحدث عنه وزير العدل هنري الخوري، معتبراً أن القرار مخالف لقرار مجلس الوزراء الصادر عام 1998، وبالتالي يكون صادراً عن سلطة غير صالحة، ومخالفاً لمبدأ الشرعية.
وأتى ذلك في وقت أعلن فيه «الاشتراكي» أنه يقوم بمسعى للحد من الانقسامات بين الفرقاء. وقال، في بيان له، إن «أمين سر كتلة (اللقاء الديمقراطي) النائب هادي أبو الحسن، بتوجيه من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يقوم منذ صباح اليوم (أمس) بالتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة التي استجدت أثر قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، منطلقاً من ضرورة الحد من الانقسامات الخطيرة الحاصلة، تحديداً في ظل ما يعانيه الناس من أزمات لا تعد ولا تحصى». وأوضح البيان أن «هذا المسعى يأتي في إطار ما كان أعلن عنه جنبلاط أمس في تغريدته، حيث أطلق موقفاً واضحاً في هذا المجال، إلا أن الأمور حتى هذه اللحظة لم تتبلور بشكل نهائي بعد».وعقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيسان السابقان فؤاد السنيورة وتمام سلام اجتماعاً مساء تم خلاله البحث في آخر المستجدات، وتحديداً استعار الأجواء الطائفية في هذه اللحظة الوطنية المصيرية والخطيرة التي يعيشها لبنان والشعب اللبناني على مختلف المستويات.
وتمنى الرئيسان السنيورة وسلام على رئيس الحكومة متابعة تصريف الاعمال الحكومية، ودعوة مجلس الوزراء في اقرب فرصة ممكنة لاتخاذ القرار المناسب في موضوع التوقيت ومعالجة الامور بما يراه مناسباً انطلاقاً من مداولات مجلس الوزراء.وفيما لم يعلن عن أي نتائج لمسعى «الاشتراكي» أمس، قال وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، في حديث لوكالة سبوتنيك، إن «ميقاتي يرى أن مسألة تأخير العمل بالتوقيت الصيفي قسمت لبنان طائفياً». وكشف أنه «قد يدعو إلى عقد جلسة الخميس المقبل أو في موعد قريب لبحث المسألة».
وبعدما سبق أن أعلنت مؤسسات إعلامية وأحزاب ومرجعيات دينية رفضها لقرار تمديد التوقيت الشتوي واعتمادها التوقيت الصيفي، كان لافتاً البيان الذي صدر بعد ظهر أمس عن وزير التربية عباس الحلبي، أعلن فيه الانتقال إلى التوقيت الصيفي في المؤسسات التربوية. وقال: «في ظل المخاطر الكبرى التي تعيشها البلاد، ونظراً لمعرفتي العميقة بروحية الأديان السماوية التي تجمع أبناء الوطن تحت مظلة المحبة والتسامح والرحمة، خصوصاً في زمن الصوم الجامع للكل، أدعو جميع اللبنانيين إلى التخفيف من حدة الصراع الإعلامي والابتعاد عن أي قرارات جديدة كالقرار الذي اتخذ مؤخراً حول عدم تغيير الساعة كما درجت العادة، وهو الذي سعر الخطاب الطائفي في البلاد، ونحن كنا وما زلنا في غنى عن موضوع إضافي للانقسام».
وأضاف: «لذا، نعتبر أن قرار مجلس الوزراء المتعلق باعتماد التوقيت الصيفي يبقى سارياً ما لم يتم تعديله في جلسة لمجلس الوزراء، وأن التوقيت الصيفي في المدارس والمهنيات والجامعات يبقى معتمداً على قاعدة شرعية القرار وتأكيد وحدة أهل التربية، فلا يجوز أن نترك المؤسسات التربوية والمهنية والجامعية في حيرة من أمرها، والأهل على غير هدى لجهة أي ساعة يتوجه أولادهم إلى المدارس. القطاع التربوي هو النموذج الوحيد الباقي للوحدة الوطنية، ولن ندعه عرضة للتمزق والانقسام. فالكرة الأرضية تدور ويتحرك الليل والنهار بحسب كل بلد في العالم، وتتغير مواعيد الصلاة والصوم والأعياد بحسب شروق الشمس وغروبها عن أي بقعة في الأرض». وختم قائلاً: «فإذا انعقد مجلس الوزراء واتخذ قراراً يعدل بموجبه قراره السابق المتعلق بالتوقيت الصيفي، نكون أول من يطبقه، أما في غياب مثل هذا القرار، فيبقى التوقيت الصيفي معتمداً ومطبقاً في القطاع التربوي».
واستمرت يوم أمس المواقف السياسية التي لا تخلو من البعد الطائفي، المنتقدة للقرار من جهة، والمدافعة عنه من جهة أخرى. وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في بيان له: «إن القرار الوحيد الصادر عن الحكومة بما يتعلق بالتوقيت الصيفي هو قرار مجلس الوزراء عام 1998، القاضي بتقديم الساعة ساعة واحدة في عطلة نهاية آخر أسبوع من شهر مارس (آذار) في كل عام، وبالتالي فإن مذكرة الأمانة العامة لمجلس الوزراء القاضية بتأجيل تقديم الساعة هي غير دستورية وغير قانونية، وتعدّ كأنها لم تكن».
وشدّد على أن علاقة رئيس مجلس الوزراء بالإدارات العامة وموظفي الدولة هي حصراً ضمن إطار القرارات الوزارية، ومن هذا المنطلق يجب على هذه الإدارات والمؤسسات العامة وجميع المواطنين اللبنانيين تقديم الساعة ساعة واحدة انطلاقاً من قرار مجلس الوزراء المذكور، ولغياب أي قرار وزاري آخر في هذا الشأن.
وأكد جعجع، في المقابل: «المسألة المطروحة لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد برمضان الكريم أو الفصح المبارك، ولا بأي اعتبار ديني آخر، إنما الموضوع يتعلّق بالانتظام العام وتطبيق الدستور والقانون، فضلاً عن أن القرارات الوزارية تُتخذ على طاولة مجلس الوزراء وليس على دردشة (فنجان قهوة)»، وتمنى على «رئيس مجلس الوزراء أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات الدستورية والقانونية وأن يتصرف بما تملي عليه واجباته الوطنية».
في المقابل، اتهم الفريق الداعم للقرار، الذي صدر بتوافق بين ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، الفريق المعارض بالفتنة ومقاربة القضية من منطلق طائفي. وهو ما عبر عنه أمس النائب علي خريس في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، رداً على ما قال إنها «مواقف عدد من النواب والقوى السياسية التي رفعت شعارات تحت مسمى؛ لنا لبناننا ولهم لبنانهم، لنا توقيتنا ولهم توقيتهم»، وكتب: «من شب على الفتنة التي تتحرك كيف وأينما تحرك ومن شاب على طروحات التقسيم والفدرلة هم أنفسهم بالأمس واليوم». وأضاف: «عقارب ساعاتهم لا تعمل إلا على توقيت الفتنة وأحلام التقسيم».
كذلك، ردّ النائب في الكتلة نفسها، محمد خواجة، كاتباً عبر «توتير»: «لمَ الخطاب الفتنوي المسعور لسياسيين وإعلاميين وبعض رجال دين بذريعة الرد على قرار اتخذه رئيس الحكومة مراعاة لمشاعر الصائمين مسلمين ومسيحيين؟ هل يستحق تقديم الساعة أو تأخيرها إخراج هذا الكم من مكنونات التطييف والفدرلة والحنين لمشاريع التقسيم التي طواها اللبنانيون إلى غير رجعة؟» وسأل: «أليس من الأجدى التلاقي على كلمة سواء، لاستعادة انتظام المؤسسات وإيجاد الحلول للأزمات، لتخفيف الوطأة عن كاهل المواطنين؟».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.