دان حداد لـ «الشرق الأوسط» : أرغب في الارتقاء بالفن على طريقتي

مخرج فرض نفسه على الساحة في فترة زمنية قصيرة

دان حداد مع الفنان سعد لمجرد (دان حداد)
دان حداد مع الفنان سعد لمجرد (دان حداد)
TT

دان حداد لـ «الشرق الأوسط» : أرغب في الارتقاء بالفن على طريقتي

دان حداد مع الفنان سعد لمجرد (دان حداد)
دان حداد مع الفنان سعد لمجرد (دان حداد)

تشكل متابعة فيديو كليبات المخرج الشاب دان حداد متعة لدى المشاهد تضاهي أي متعة أخرى. فهي ليست مجرد «توب كاميرا» وصور متتالية، بل هي ألغاز ورسائل عليك تفكيكها كي تلامس مغزاها.
دان حداد الذي بدأ مشواره مع المغنين منذ كان في الـ16 من عمره، شغل وقتها مهمة المدير الفني المشرف على فيديو كليبات غنائية، لنجوم عرب ولبنانيين مع مخرجين رائدين. هذه التجارب المتراكمة أسهمت في إعداده مخرجاً يملك مقومات فنية خارجة عن المألوف. فهو لا ينظر إلى الأمور بسطحية بل يتعمق فيها إلى حد ممارسته قراءة دقيقة مشبعة بفلسفته الخاصة. فحبه للقراءة والاطلاع على أسرار الحياة والوجدانيات المتعلقة بها، أسفر عن رؤية إخراجية مميزة.
حسب رأيه، فإن الخلفية الغنية التي يملكها في عالم الإخراج هي أهم من اختصاص جامعي يمتد لسنوات. ولكنه رغم ذلك درس فن الإخراج في الجامعة وحصل على شهادته فيها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أقدمت على هذه الخطوة من باب توثيق قدراتي الإبداعية بشهادة جامعية تدعمها».

المخرج دان حداد (دان حداد)

تعاون دان مع عدد كبير من الفنانين منذ انتقاله من عمله مديراً فنياً إلى الإخراج. عمل مع بلقيس، وسعد لمجرد، وآدم، ونوال الزغبي وغيرهم. أما المطربة الكويتية شمس فكانت أول من فتح أمامه هذا الباب. فهي طلبته بالاسم واتصلت به كي يشرف على إخراج أحد كليباتها الغنائية لوثوقها الكبير بقدراته الإبداعية. «أذكر تماماً يومها أنها وصلت بيروت بطائرة خاصة أثناء الجائحة، وصورنا أغنيتها (سكيزوفرينيا)، ونالت بعدها جوائز عالمية تجاوزت الـ20 جائزة».
عرض دان في باكورة أعماله عن الجائحة تفاصيل ماورائية عنها. ومر على موضوعات أخرى بينها دور الرقابة على السوشيال ميديا خلال هذه الأزمة. كما تطرق إلى موضوع الطفولة والمستقبل وتأثير الجائحة عليها. لا يستعين حداد بمدير فني لأعماله المصورة، إذ لا يزال يأخذ على عاتقه هذه المهمة. يبني الديكورات، ويختار أزياء النجم وفريقه، ويتدخل في موسيقى الأغنية وحركة الراقصين. وفي الديو الغنائي «ممكن» مع سيف نبيل وبلقيس، أبهر دان مشاهديه بلعبة تصوير غير مألوفة. ومع نوال الزغبي في أغنية «أنا مش بتساب» وقّع واحداً من أجمل كليباتها. «رسمت الفكرة في ذهني وطبقتها على الذهبية نوال كما تراءت لي تماماً. وكنت أرغب في تقديمها بشكل يذكرنا ببداياتها، وهكذا صار».
أحياناً يتطرق دان حداد إلى موضوعات إنسانية وبيئية كصيد الطيور وعودتها بكثافة بعد الجائحة، حتى لتلك المنقرضة منها. ولا يتوانى عن الاستعانة بأقوال لجبران خليل جبران، وتطبيقها بأسلوبه التصويري. «لا أحب الوقوع في كليشيهات معروفة ورائجة، لذلك أبحث دائماً عن أمور عميقة تحمل رسالة معينة».
هي عبقرية من نوع آخر يتمتع بها دان الذي اجتاز مراحل صعبة في وقت قصير ولا يزال يشعر بأن لديه المزيد من الطاقة والأفكار. فهو دخل على عالم تفوح منه السطحية وحب الاستعراض ويعبق بالتنافس التقليدي. «أنا شخص لا أشبه بحياتي العادية أجواء الفن لا بل أتناقض معها تماماً. لذلك ترينني أحاول استجلاب أهل الفن إلى عالمي، فهدفي الارتقاء بالفن إلى مكان أفضل. في الوقت نفسه أفتخر بالأسماء التي أتعامل معها والتي تفاجئني باتصالها بي، طالبة مني تنفيذ كليب لها. هناك ثقة ولدت بيني وبين نجوم الساحة، لا أعرف تفسيرها ولكنها موجودة بقوة».
يعتقد دان حداد أن بعض الفنانين عالقون في مكان معين تعمّه الرتابة ولا يعرفون كيفية الخروج منه. ويعلق: «لذلك عندما يتعاونون معي يسلمونني المهمة بأكملها، طالبين مني التصرف على سجيتي من دون العودة إليهم. الأمر يحملني مسؤولية كبيرة وهو ما يدفعني للبحث عن التحديات والأفكار غير المألوفة».
يقول إن شعراء الأغنية أحياناً لا يعرفون إيصال الرسالة المطلوبة بكلماتهم فيترجمها بكاميرته. ومرات يطالبهم بتعديل عبارة ما كي يستطيع تفسيرها.
يشيد دان بفنانين وثقوا بحسه الفني الأصيل كنوال الزغبي التي سلّمته المهمة من دون أي تدخل منها: «نوال معروف عنها تدخلها بكل شاردة وواردة في تفاصيل أعمالها. ولكن معي سلكت درباً آخر، والعمل معها كان سلساً جداً».
الفنانة بلقيس التي صور لها أكثر من أغنية وبينها «أمام مرايتي»، وحصدت جوائز عديدة: «تجمعنا صداقة متينة لأننا نؤمن بقدرات بعضنا». الأمر نفسه يكرره عن سعد لمجرد: «تفاجأت عندما اتصل بي، وعندما التقيته اكتشفت إنسانيته. بدلت له الأغنية التي رغب في تصويرها. فولدت (الحلق) التي حققت شهرة ونجاحاً واسعين وتصدرت الترندات».
لا يستبعد دخوله السينما ويعدها خطوة سيُقدم عليها عاجلاً أم آجلاً. فابن العقد الثاني (28 عاماً) تدور في رأسه قصة شخصية ينوي ترجمتها في فيلم. «لا أريد أن أحرق المراحل وأمسك بمائة بطيخة بيد واحدة». حتى الدراما تراوده، ولكنه لن يقدم عليها إلا في حال خاطبت أفكاره وتطلعاته.
دان حداد المخرج المستفز لساحة مليئة بالاستعراضات المقنعة، يخطط ويسير بتأنٍ نحو رؤية فنية يحيك خيوطها بعمق. فهو موعود بمستقبل زاهر يُفتّح براعمه بأسلوبه. وكأنه يسير في حقل سنابل لا بدّ أن يحصد غلّتها المنشودة.


مقالات ذات صلة

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما، طريقة موحدة لتأليف موسيقاه المتنوعة، وهي البحث في تفاصيل الموضوعات التي يتصدى لها، للخروج بثيمات موسيقية مميزة. ويعتز خرما بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، التي تم افتتاحها في القاهرة أخيراً، حيث عُزفت مقطوعاته الموسيقية في حفل افتتاح البطولة. وكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في بطولة العالم للجمباز، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13»، الذي يجري عرضه حالياً في دور العرض المصرية. وقال خرما إنه يشعر بـ«الفخر» لاختياره لتمثيل مصر بتقديم موسيقى حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز التي تشارك فيها 40 دولة من قارات

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

تعتزم شركة تسجيلات بريطانية إصدار حفل تتويج ملك بريطانيا، الملك تشارلز الشهر المقبل، في صورة ألبوم، لتصبح المرة الأولى التي يتاح فيها تسجيلٌ لهذه المراسم التاريخية للجمهور في أنحاء العالم، وفقاً لوكالة «رويترز». وقالت شركة التسجيلات «ديكا ريكوردز»، في بيان اليوم (الجمعة)، إنها ستسجل المراسم المقرر إقامتها يوم السادس من مايو (أيار) في كنيسة وستمنستر، وأيضاً المقطوعات الموسيقية التي ستسبق التتويج، تحت عنوان «الألبوم الرسمي للتتويج»، وسيكون الألبوم متاحاً للبث على الإنترنت والتحميل في اليوم نفسه. وستصدر نسخة من الألبوم في الأسواق يوم 15 مايو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

تُطرح للبيع في مزاد يقام في لندن خلال سبتمبر (أيلول) المقبل نحو 1500 قطعة عائدة إلى مغني فرقة «كوين» البريطانية الراحل فريدي ميركوري، من بينها أزياء ارتداها خلال حفلاته ومخطوطات لنصوص أغنيات، وكذلك لوحات لماتيس وبيكاسو، كما أعلنت دار «سوذبيز» اليوم الأربعاء. وستقام قبل المزاد معارض لأبرز هذه القطع في نيويورك ولوس أنجليس وهونغ كونغ في يونيو (حزيران)، ثم في لندن من 4 أغسطس (آب) إلى 5 سبتمبر (أيلول). ومن بين القطع التي يشملها المزاد تاج مستوحى من ذلك الذي يضعه ملوك بريطانيا في احتفالات تتويجهم، ورداء من الفرو الصناعي والمخمل الأحمر. وارتبطت هاتان القطعتان بصورة الفنان البريطاني الذي حقق شعبية واس

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر: تصريحات نقيب الفلاحين عن فوائد «دود المش» تخطف الاهتمام

زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
TT

مصر: تصريحات نقيب الفلاحين عن فوائد «دود المش» تخطف الاهتمام

زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)

خطفت تصريحات صحافية لنقيب الفلاحين بمصر، الاهتمامَ، بعد حديثه عن الفوائد الموجودة بـ«دود المش»، ووصفه له بأنه بروتين لا ضرر منه، في سياق حديثه عن الدود الذي يُصاب به محصول الطماطم، مشبهاً هذا بذاك.

وتصدر اسم «نقيب الفلاحين» حسين أبو صدام «الترند » على موقع «إكس» في مصر، الجمعة، وأبرزت الكثير من المواقع، إضافة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات له قال فيها إن الدود الذي قد يظهر في بعض الأحيان بثمار الطماطم لا يشكل أي خطر على صحة المواطنين، تعليقاً على ما انتشر من أخبار حول تعرض كميات من محصول الطماطم للتسوس.

وتصل أسعار الطماطم في مصر إلى 10 جنيهات للكيلو (الدولار يساوي 47.6 جنيه مصري)، وتتراوح في بعض الأسواق من 6 إلى 12 جنيهاً، وفق ما نُشر بموقع لسوق العبور (شرق القاهرة).

ووصف حسين أبو صدام الآفة التي يتعرض لها محصول الطماطم بأنها «يرقات حشرات غير مضرة بصحة الإنسان»، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اليرقات لا تضر الإنسان وإنما تضر المحصول وتقلل إنتاجية الطماطم وطبعاً تشوه الثمار، وهو أمر يؤدي إلى تراجع أسعار المحصول، بالتالي يجب مكافحتها بالمبيدات ولكن إذا تناول الإنسان هذه اليرقات المسماة (التوتا أبسلوتا) المعروفة بحفار الطماطم فهي لا تضر صحته»، وأضاف أن «بعض هذه اليرقات يعد بمثابة بروتين بالنسبة للإنسان وفي دول أخرى يتم تناولها بشكل طبيعي، كم نتناول نحن المش بالدود ولا نصاب بسوء بل بالعكس هذا الدود يرتقي لمنزلة البروتينات».

وتزرع مصر نحو 500 ألف فدان من الطماطم سنوياً، بمعدل يزيد على 6 ملايين طن سنوياً، ويتراوح سعرها بين فترة وأخرى بين الارتفاع والانخفاض، فتصل أحياناً إلى 5 جنيهات (الدولار يساوي 47.6 جنيهات) وهو السعر الأدنى وفي بعض المواسم تصل إلى 20 جنيهاً، وفق تصريحات متلفزة لنقيب الفلاحين.

ووصف مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي تصريحات نقيب الفلاحين بأنها «غريبة»، وعدّ البعض هذا الوصف غير مقبول، خصوصاً أن «التوتا أبسلوتا»، كما قال، تقلل الإنتاج وتؤثر سلباً على جودة الثمار، وإن كان النقيب يستهدف طمأنة الجمهور فربما لم يفعل ذلك بالطريقة المناسبة.

ندوات إرشادية بخصوص مقاومة الآفات وزيادة إنتاجية المحاصيل (وزارة الزراعة المصرية)

ويرى الدكتور خالد عياد، الخبير بمركز البحوث الزراعية، أن «الدود أو اليرقات الموجودة في الطماطم تختلف عن اليرقات الموجودة في المش، فيرقات الطماطم قد تكون (توتا أبسلوتا) تسبب ثقوباً للثمرات»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو الإنسان تناول هذه اليرقات فلا يتعرض لمشكلة صحية، وهذه تختلف تماماً عن يرقات المش، فدود المش هو يرقات لبيض الذباب، تتطور حتى تصبح عذارى»، وأشار إلى أن «الذباب المنزلي خطر لأنه يحمل العديد من الملوثات، ووصفه بالبروتين قد يكون صحيحاً لكنَّ اليرقة تكون محملة بالباثوزين والمسببات المرضية والبيكتريا، فهذه الأسباب مع التراكم تؤذي الصحة، وإن كان الفلاحون يتركون بلاص المش بالعام والعامين فيتكون به فطريات وبيكتريا، تفرز سموماً تسمى (الميكرودوكس) قد تصيب الإنسان بأمراض».

وكشفت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن نجاح لجنة مبيدات الآفات الزراعية، في تدريب وتأهيل 345 كادراً في مختلف التخصصات المتعلقة بمكافحة الآفات وتداول المبيدات، خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك في إطار خطة الدولة للارتقاء بمنظومة الاستخدام الآمن للمبيدات، وفق بيان لها.


ما دلالات التباين المصري - الأميركي بشأن صفقة الغاز الإسرائيلية؟

لقاء السيسي ونتنياهو ضمن هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 (إعلام عبري)
لقاء السيسي ونتنياهو ضمن هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 (إعلام عبري)
TT

ما دلالات التباين المصري - الأميركي بشأن صفقة الغاز الإسرائيلية؟

لقاء السيسي ونتنياهو ضمن هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 (إعلام عبري)
لقاء السيسي ونتنياهو ضمن هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2017 (إعلام عبري)

في وقت قالت مصر إن «صفقة الغاز الضخمة المبرمة مع إسرائيل (تجارية بحتة)»، عدّتها الولايات المتحدة «تحمل أبعاداً سياسية تخدم عملية السلام»، بينما تحدث خبراء لـ«الشرق الأوسط» عن دلالات التباين المصري - الأميركي بشأن صفقة الغاز، بقولهم إن «هذا التباين يوضح ما يريده كل طرف من الصفقة ومصلحته منها وما يرغب في تحقيقه مستقبلاً، وهذا التباين لا يدل على الاختلاف بقدر ما يشي باتفاق حول الهدف النهائي وهو تحقيق السلام ».

وأكد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، في تصريحات إعلامية، مساء الخميس، أن «صفقة الغاز مع إسرائيل اقتصادية بحتة، وتوقيتها ومضمونها لا علاقة لهما بأي ملفات سياسية، ولن تغير الصفقة الموقف المصري لكون إسرائيل لم تنسحب من غزة بعد».

فيما قالت «الخارجية الأميركية» في بيان، الخميس، إن «موافقة إسرائيل على اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة (شيفرون) مع مصر إنجاز كبير للأعمال التجارية الأميركية والتعاون الإقليمي»، مضيفة أن «اتفاقية الغاز بين إسرائيل ومصر لا تعزز أمن الطاقة فحسب، بل تدعم أيضاً الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة».

المستشار في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، عمرو الشوبكي، يرى أن «الطرفين المصري والأميركي اتفقا على أن الصفقة أساساها تجاري واقتصادي؛ لكن الولايات المتحدة أضافت لها أبعاداً سياسياً وفقاً لما تنوي واشنطن أن تستخدم فيه هذا الاتفاق، في ترتيب لقاء بين السيسي ونتنياهو، وتطوير في العلاقات الثنائية». وأضاف: «لكن مصر لا ترى أن الاتفاق يمكن أن يترتب عليه أي أبعاد سياسية، لأن أي ترتيبات سياسية مستقبلية ترتبط بحل القضية الفلسطينية، وإعادة إعمار غزة، وإغلاق ملف تهجير الفلسطينيين للأبد».

فيما قال المستشار بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، عماد جاد، إن «الصفقة أكبر من كونها تجارية بحتة نظراً لضخامتها وتوقيتها، لأنه لم يكن ممكناً توقيع هذه الصفقة الآن ما لم يكن هناك تحسن في أفق العلاقات مما سمح بوجود حوار وأحاديث وجهود لمحاولة ترتيب تقارب وعقد لقاء بين السيسي ونتنياهو من أجل حل وحسم القضايا الرئيسية والعالقة على مائدة هذا اللقاء، وهي القضايا التي تتعلق بغزة وفلسطين والأمن القومي المصري».

أما خبير الأمن القومي المصري، محمد عبد الواحد، فقال إن «هذا التباين لا يدل على الاختلاف بقدر ما يدل على الاتفاق، فكل طرف ينظر للصفقة وفقاً لمصلحته وما يريده، والتأكيد المصري على أن الصفقة تجارية بحتة، هو خطاب في الأساس موجه للداخل المصري للتأكيد على استقلال وسيادة القرار المصري فيما يخص القضية الفلسطينية، وأنه لا يتأثر بالصفقات، كذلك فالخطاب الأميركي موجه للداخل الأميركي ولإسرائيل أيضاً وفقاً للمصلحة الأميركية التي تسعى حالياً لتحقيق التهدئة في الشرق الأوسط بما يسمح بعودة التحالفات مع واشنطن وإسرائيل في مواجهة إيران».

وتجدر الإشارة إلى أن حديث ضياء رشوان اتفق مع ما أكدته مصادر مصرية مسؤولة قبل أسبوع لـ«الشرق الأوسط» من أن «صفقة الغاز مع إسرائيل ليست مؤثرة في تقييم الموقف المصري للمبادرة الأميركية الساعية لترتيب لقاء بين الرئيس السيسي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وأن المطالب المصرية للتهدئة مع إسرائيل متعلقة بتنفيذ اتفاق السلام الموقع في شرم الشيخ والانسحاب الكامل من غزة، ووقف مخطط التهجير تماماً». وقالت المصادر حينها إن «صفقة الغاز كانت تعرقلها حكومة إسرائيل منذ توقيعها من مصر في يوليو (تموز) الماضي - إن آجلاً أو عاجلاً - لمصالح اقتصادية وليست سياسية».

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأربعاء، أنه أعطى موافقته على اتفاق ضخم لبيع الغاز إلى مصر، بينما أفادت شركة «نيوميد إينرجي» الإسرائيلية، بأن قيمته تبلغ 35 مليار دولار.

الباحث في «مركز هدسون للدراسات بواشنطن»، ريتشارد وايتز، يعتقد أن الأمر يتلخص في كون الحكومة المصرية تحاول التقليل من شأن التداعيات السياسية للصفقة للتأكيد على أنها «مُصرة على مطالبها بشأن غزة»، بينما تحاول الولايات المتحدة «تضخيم هذه الصفقة وإضفاء أبعاد سياسية حولها لخلق زخم لدفع عملية السلام بالمنطقة».

أما الخبير في الشؤون الأميركية المقيم بنيويورك، محمد السطوحي، فقال إن كل طرف يرى الأمر من زاويته الخاصة، لكن الحقيقة أنه «لا يمكن تجاهل التشابك الكبير الآن في كل القضايا، ليس فقط من حيث أبعادها الاقتصادية والسياسية؛ لكن حتى النفسية والاجتماعية»، فمثل هذه الصفقة لو تمت قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وما أعقبه من حرب إبادة مدمرة في غزة، لم تكن لتثير هذه الضجة التي نراها الآن.

وأضاف: «الحقيقة أن الجانب الأميركي صار يعتقد صعوبة تسوية الخلافات السياسية العميقة في الشرق الأوسط، ومن ثمّ فإن إدارة ترمب تحديداً لا تجد حافزاً يدعوها للانخراط في جهود لا تراها مجدية، خاصة أنها تتطلب تنازلات من إسرائيل لن تقبل بها، ولا تريد واشنطن أن تضغط من أجلها».

وأوضح أنه «بحكم العقلية التجارية التي تحكم الرئيس الأميركي وأغلب المحيطين به من رجال الأعمال، فإن الحل العملي بالنسبة لهم، هو خلق مصالح وعلاقات مالية وتجارية بين إسرائيل ودول الإقليم، ونظريتهم في ذلك أن تبادل المصالح سيحول دون وقوع حروب وصراعات بما يسمح لواشنطن بالتفرغ لأمور أخرى أكثر أهمية داخلية وخارجية». ولفت إلى أن «مشكلة هذه النظرية أنها تتجاهل الأبعاد التاريخية والسياسية العميقة، وهجوم السابع من أكتوبر 2023 يثير الشكوك حولها، ومن ثم يمكن لكل طرف أن يحسب مكاسبه أو خسائره المالية بشكل مستقل، لكن تصور أنها فقط حسبة أرقام، لا أظنه مقنعاً».

وكان موقع «أكسيوس» قد نقل عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن «البيت الأبيض يسعى إلى التوسط لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو اللذين لم يتواصلا علناً منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة».

وعلى مدى الأسبوع الماضي تحدثت تقارير إسرائيلية عديدة عن شروط مصرية حازمة لقبول المبادرة الأميركية، وأن هذه الشروط تتعلق بـ«ضرورة تنفيذ جميع بنود اتفاق السلام الذي عقد في شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، والتوقف تماماً عن أي إجراءات تفضي لتهجير الفلسطينيين لما به من تهديد للأمن القومي المصري».


هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تعددت التساؤلات حول طبيعة التحركات المصرية المستقبلية في الأزمة السودانية، واحتمالات اللجوء إلى الخيارات العسكرية، بعد الموقف اللافت بتحديد «خطوط حمراء» للحفاظ على «وحدة السودان»، وكذلك التلويح بـ«اتفاقية الدفاع المشترك»، وذلك في ظل وضع ميداني معقد جراء الحرب المستمرة منذ ما يزيد على 3 سنوات.

وتمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان». وجاءت الخطوط الحمراء مقترنة بالتأكيد على «الحق الكامل في اتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين»، وفق بيان صادر عن الرئاسة المصرية، الخميس.

الخيار العسكري مستبعد

واتفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الخيار العسكري يبقى مستبعداً في حال لم يتم تجاوز الخطوط الحمراء»، وأن «لغة البيان المصري دفاعية بالأساس، وإن كانت تحمل لغة مغايرة عن الخطابات الدبلوماسية التي حرصت مصر عليها منذ اندلاع الحرب، وتبقى تقديرات استخدام الأساليب الخشنة متروكة وفقاً لحسابات عديدة يصُعب تقديرها الآن». وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، في تصريحات إعلامية، مساء الخميس، إن «من المهم عدم تجاوز الخطوط الحمراء لمصر في السودان»، مؤكداً موقف القاهرة الثابت تجاه دعم استقرار ووحدة الدولة السودانية.

ولفت إلى أن «اتفاق الدفاع المشترك بين مصر والسودان قائم، ويشمل مواجهة أي أخطار أو تهديدات تمس أمن البلدين»، موضحاً أن «مصر ترفض أي تهديد لوحدة السودان من أي طرف كان، بما في ذلك محاولات فرض حكومة موازية»، مؤكداً «التزام القاهرة بالحفاظ على سيادة السودان ووحدة أراضيه».

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري» مع السودان، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

الهدف وقف النار

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أكد أن «مصر لديها هدف رئيسي يتمثل في وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والحفاظ على وحدة السودان، وأن الخطوط الحمراء تؤكد أن السودان امتداد استراتيجي للأمن القومي المصري ولن تسمح مصر بأن ينقسم إلى دويلات، وبالتالي فإن الهدف دفاعي في المقام الأول».

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

وجاء البيان المصري الذي أكد «الرفض القاطع لإنشاء أي كيانات موازية، أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه»، بالتزامن مع زيارة قام بها الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وعقب عودته إلى السودان، وجه البرهان رسالة إلى الرئيس المصري في تغريدة له على منصة «إكس»، مساء الخميس، قائلاً: «شكراً مصر... شكراً الرئيس عبد الفتاح السيسي».

واعتبر الخبير في شؤون الأمن القومي، اللواء محمد عبد الواحد، أن «جميع السيناريوهات مطروحة طالما أن الموقف المصري ربط بين وحدة السودان واستقراره وحماية الأمن القومي المصري، ويبقى الخيار العسكري بيد السلطة السياسية والقائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية) وفقاً لحسابات عديدة ومعقدة». وأضاف أن «مصر هدفت لإحداث توازن بين لغة التصعيد للدفاع عن مصالحها، والإشارة إلى المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار ودعم المسارات السياسية، ما يشير إلى أن القاهرة غير مندفعة نحو الخيار العسكري، وتنتظر تراجعاً من الأطراف التي تعمل على تقويض استقرار السودان وتقسيم أراضيه بما يشكل تهديداً للأمن القومي المصري».

خطاب ردع

وتضمن بيان «الخطوط الحمراء» تأكيداً على «حرص مصر الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية». لكن عبد الواحد في الوقت ذاته، شدد على أن «الخطوط الحمراء» تمثل نقطة تحول استراتيجي في الخطاب السياسي من التهدئة الدبلوماسية إلى التهديد، أو ما يمكن وصفه بـ«التصعيد الدفاعي» في ظل تطورات ميدانية تشير إلى تقدم «قوات الدعم السريع»، وبالتالي فإن الموقف الأخير هو «خطاب ردع».

متحدث الرئاسة المصرية ينشر تغريدة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عقب زيارته القاهرة الخميس (المتحدث)

ومن وجهة نظر عبد الواحد، فإن «استدعاء القانون الدولي يشير إلى أن القاهرة تُذكر بـ(المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح للدول الدفاع عن نفسها إذا تعرضت للمخاطر)، كما أن تفعيل (اتفاقية الدفاع المشترك) يؤشر على تنسيق في مجالات التبادل المعلوماتي والتدريبات المشتركة، وغيرها من مجالات التعاون التي تدعم حماية الأمن القومي».

ووسعت «قوات الدعم السريع» عملياتها باستخدام الطائرات المُسيرة، وأطلقت، الخميس، هجوماً واسعاً على مدن عطبرة والدامر وبربر في شرق السودان باستخدام 35 طائرة مسيرة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

الكرة في ملعب «الدعم»

مساعد وزير الخارجية المصري السابق لشؤون السودان، السفير حسام عيسى، أكد أن «الحديث عن الخيارات العسكرية سابق لأوانه، فلكل حادث حديث في حال جرى تجاوز الخطوط الحمراء، والكرة الآن في ملعب (قوات الدعم السريع) بإعادة النظر في خططها الساعية لتقسيم السودان بما يضمن وحدة البلاد والحفاظ على مؤسسات الدولة مع التدمير الواسع الذي تقوم به على مستوى البنية التحتية، وبما يمنع من تكرار جرائم الحرب الشنيعة التي وقعت في دارفور». وأشار إلى أن الموقف المصري الأخير جاء مع تنامي الأخطار المحيطة بالدولة المصرية مع تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، وتهديد أمن الحدود والوضع العملياتي على الأرض الذي يحمل خطورة كبيرة على الأمن القومي المصري.

وحذر وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الشهر الماضي، من «رد فعل قوي لبلاده، حال تهديد أمنها القومي المباشر»، مشيراً في تصريحات متلفزة عقب زيارته بورتسودان، إلى أنه «لا يمكن السماح لأي طرف تحت أي ظرف المساس بحدود بلاده».

وتتحكم «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ أكثر من عامين ونصف عام في «إقليم دارفور بالكامل»، بعد سيطرتها على مدينة الفاشر (شمال دارفور) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما أعلنت في يونيو (حزيران) الماضي سيطرتها على «منطقة المثلث الحدودي» التي تجمع مصر، وليبيا، والسودان.