خريطة النفوذ السياسي والعسكري في ليبيا

تحالفات متباينة وواقع ميداني مُعقد

مناورة بالذخيرة الحية للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا في مدينة ترهونة غرب البلاد (أ.ف.ب)
مناورة بالذخيرة الحية للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا في مدينة ترهونة غرب البلاد (أ.ف.ب)
TT

خريطة النفوذ السياسي والعسكري في ليبيا

مناورة بالذخيرة الحية للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا في مدينة ترهونة غرب البلاد (أ.ف.ب)
مناورة بالذخيرة الحية للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا في مدينة ترهونة غرب البلاد (أ.ف.ب)

مع إطلاق المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، قبل أيام، مبادرة تستهدف إجراء انتخابات عامة في البلاد، هذا العام، يتابع الليبيون الدبلوماسي السنغالي، وهو يتحدث عن أزمة وطنهم، بينما يتحسسون، من حولهم، خريطة النفوذ السياسي والعسكري لـ«مراكز قوى»، تُمسك بمفاتيح كل شيء تقريباً.
ولأسباب عدة، تبدو هذه الخريطة، اليوم، بالغة التعقيد، بعدما خرجت من رحم حروب أهلية طاحنة، تتابعت منذ مقتل الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2011.
أول ما يعوق قراءة حقائق النفوذ السياسي في ليبيا، هو تلك التغييرات المستمرة، لواقع التشكيلات المسلحة والتكتلات السياسية، المتنازعة على السلطة. وفي ظل تحالفات متباينة، يقف الشعب الليبي أمام حكومتين: الأولى تحظى باعتراف دولي، وتملك أدوات مالية وسياسية، وهي حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تبسط سلطاتها على طرابلس العاصمة، وتستعين بقوات تركية، وعناصر من «المرتزقة السوريين»، أما الأخرى، فهي
حكومة فتحي باشاغا، الموازية، التي تتخذ من مدينتي سرت وبنغازي مقرّاً لها، والتي حازت ثقة البرلمان الليبي بـ(شرق البلاد) لخلافة حكومة الدبيبة، لكن دون أن تتمكن من ذلك.

من الغرب إلى الجنوب
يرى المحلل السياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، أنه في ظل الوضع السياسي الراهن المرتبط بوجود حكومتين، يصعب تحديد خريطة واضحة لمواطن النفوذ، من ناحية «السيطرة الفعلية على السلطة، والتأثير السياسي المطلق»، لكن هناك من يرى أن الواقع على الأرض يشير إلى سيطرة حكومة الدبيبة، على مقاليد الأمور في مدن الغرب، وبعض مناطق بجنوب البلاد، في حين يبسط «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، سيطرته على غالبيتها، وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع تشاد والنيجر والسودان.
ويجري «الجيش الوطني» من وقت إلى آخر عمليات تمشيط واسعة في الدروب الصحراوية بالجنوب الليبي لتتبع فلول تنظيم «داعش». وسبق لقوات الجيش خلال العام الماضي، مداهمة أوكار لعناصر التنظيم في «جبل عصيدة» بالجنوب الغربي بالقرب من مدينة القطرون (جنوباً)، كما قتلت عنصريين في عملية ثانية، في المنطقة ذاتها.

ولاءات الميليشيات
لا يختلف واقع التشكيلات المسلحة، عن الحالة السياسية في التعقيد؛ فالفصائل المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، راهناً، والموالية لحكومة الدبيبة، سبق لها التمركز في مناطق عدة، قبل أن يعاد تشكيلها بعد اشتباكات أغسطس (آب) 2022.
ووفق بلقاسم، فإن تلك الفصائل، أطاحت القوة العسكرية الموالية لحكومة باشاغا، في طرابلس بالكامل، بما فيها المجموعات التي كانت تتعاطف معه.
فالمشهد في العاصمة بات قاصراً على القوات الموالية لحكومة الدبيبة. وقد نمت هذه القوات «بشكل متزايد وسريع» حتى أصبحت ألوية عسكرية متكاملة، من حيث القوة، والقدرة، والتأهيل، والتدريب المناسب، في وقت قياسي، بتعبير بلقاسم الذي يشير إلى أن هذه الأجنحة العسكرية الموالية للدبيبة باتت تدخل في تفاهمات مع الشرق الليبي ضمن مفاوضات سابقة تعلقت بدمج حكومتي الدبيبة، وباشاغا.
وتحظى حكومة الدبيبة في طرابلس بدعم عديد الميليشيات المسلحة، من أهمها «قوات الردع» و«العمليات المشتركة» و«جهاز دعم الاستقرار»، بالإضافة إلى كتيبة «فرسان جنزور» التي تتمركز غرب العاصمة، بجانب كتائب أقل عدداً وعتاداً، منها «رحبة الدروع» بمنطقة تاجوراء (شرق طرابلس).
وتقف بعض الميليشيات المسلحة في صف الحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا، التي تحظى بدعم ميليشيا «لواء المحجوب» المتمركزة بمصراتة، وكتيبة «777».
وعقب التنازع على السلطة بين الدبيبة وباشاغا، ارتأت بعض الميليشيات المسلحة عدم الدخول على خط الأزمة بينها، وقالت إنها التزمت الحياد، من بينها ميليشيا «لواء الصمود» التي يقودها المطلوب دولياً صلاح بادي.
وتستهدف «الخريطة الأممية» التي أعلن عنها باتيلي، المسارعة في إجراء الانتخابات العامة بالبلاد، للحد من تغول هذه التشكيلات، ويرى بلقاسم، أن المبادرة لا تهدد «مصالح القوة الفاعلة على الأرض؛ بل تمنحها فرصة حقيقية للانخراط بشكل أكبر سياسياً، من خلال الممثلين السياسيين الذين يدعمونها في إطار دعمهم لجهود الحوار السياسي الليبي».

نفوذ «النواب» و«الدولة»
وضمن خريطة النفوذ نفسها، تتمتع حكومة الدبيبة، بموقف دولي داعم وجودها حتى إجراء الانتخابات العامة المنتظرة، رغم أن هذا الاستحقاق مهدد بالمضي في مسار معقد، وبخاصة مع صعوبة اتفاق مجلسي النواب والدولة على إصدار القوانين المنظمة لتلك الانتخابات. ورغم ذلك «لا يمكن لعبد الله باتيلي تجاوز تلك المؤسسات»، بحسب بلقاسم.
ومع ما أوجدته هذه الاصطفافات من تصنيفات متقابلة، على امتداد خريطة النزاع، بين شرق وغرب، إلى جانب صراعات آيديولوجية بين السلطات المختلفة، يُحصي المحلل الليبي حسين مفتاح، مجلسي النواب والدولة كسلطتين تشريعيتين لا يمكن تجاوزهما من جانب المبعوث الأممي، اعتماداً على المجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة.
ويرى في ذلك «تكراراً لتجربة فاشلة»، مشيراً إلى أنه رغم محاولات الدبلوماسي السنغالي لكسر الجمود السياسي، فإنه لم يتمكن من إحداث أي تغيير إيجابي في خريطة السياسة الليبية المحكومة بالأطراف المتصدرة للمشهد الراهن.

من بنغازي إلى سرت
منذ انتهاء حرب «الجيش الوطني» على طرابلس بانسحاب قواته، وهو يسيطر على مدينة سرت الساحلية (وسط ليبيا) وما حولها، بعد أن كانت تحت سيطرة حكومة طرابلس السابق بقيادة فائز السراج، وتمنح هذا المنطقة حفتر، مكسباً استراتيجياً لقربها من قاعدة «القرضابية» التي تخضع لسيطرة قواته، بجانب أن المدينة إلى الغرب مباشرة من «الهلال النفطي» الليبي، الذي يخضع لسيطرة الجيش منذ عام 2016 بعد أن استرده من تنظيم «داعش».
وبذلك يبسط «الجيش الوطني»، الذي يستعين بعناصر من شركة «فاغنر» الروسية، بحسب خبراء عسكريين، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، سيطرته على كامل مدن شرق ليبيا، وبعض مناطق الجنوب، مروراً بمناطق وسط البلاد.
ولا يغيب الوجود الأجنبي في الشرق والغرب، عن خرائط النفوذ العسكري في البلاد، بالإضافة إلى القوات الأجنبية «المرتزقة» سواء في جنوب أو وسط البلاد. في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، يرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد عليبة، أن ملف إجلاء المرتزقة بين الشرق والغرب الليبي «تحول ورقة مساومة تركية - روسية».
ورغم ما شهده مؤتمر باريس 2021، حول الأزمة الليبية، من اتفاق على السحب المتبادل، والمتكافئ، وبشكل متزامن، لهذه العناصر في الشرق والغرب، «فإن الأمر تحول، في نهاية المطاف، ورقةً للمساومة بين موسكو وأنقرة، وأصبح كل طرف منهما يتذرع بالآخر في عدم الوفاء بوعود سحب عناصره»، دون نية جادة للتنفيذ، وفق عليبة، الذي يوضح أن السؤال حول مصير هؤلاء، عند ترحيلهم من ليبيا، يظل معلقاً بلا إجابة.

هل أسرف باتيلي في الأمل؟
من واقع كل تلك المعطيات، قد يبدو أن المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، «أسرف في الأمل» حين طرح مبادرة تقفز فوق كل هذه الحواجز، نحو الانتخابات، وهو ما يرجّحه الباحث أحمد عليبة، قائلاً: إن باتيلي أسرف، بمبادرته الأخيرة، في تصوره حجم دور البعثة الأممية، من الوساطة إلى الوصاية، عبر تشكيل لجنة تتجاوز كل الأطراف «في بيئة داخلية معقدة يزيدها التعاطي الأخير، من المبعوث الأممي، تعقيداً».
وفي حين ينتقد إشارة الدبلوماسي السنغالي إلى المؤسسات الليبية بأنها «فاقدة للشرعية»، يقول عليبة: إنه في الواقع الليبي، اليوم، وفي خريطة النفوذ القائمة، لا يتعامل المتداخلون مع الملف الليبي، مع تلك المؤسسات باعتبارها شرعية أم لا، وإنما لكونها مؤسسات فرضها «الأمر الواقع». ويسري هذا الوصف على جميع تلك المؤسسات، بما فيها حكومة عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الرئاسي، وكذلك مجلسا النواب والدولة.
لكل ذلك، تحولت الخريطة السياسية في ليبيا إلى «خريطة لمراكز القوى»، بتعبير «عليبة» الذي يطالب المبعوث الأممي بمراعاة التوازنات بين هذه القوى، وأن يلعب دور الوسيط بينها «بحيث يوجههم صوب عملية سياسية واضحة الملامح، ومنضبطة، تعكس توجهاتهم»، واصفاً المبادرة الأخيرة بأنها تقدم مساراً جديداً، وخريطة طريق جديدة «لا تتناسب مع السقف الزمني المحدد لها».


مقالات ذات صلة

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

شمال افريقيا «ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

حلت نجلاء المنقوش، وزيرة الشؤون الخارجية الليبية، أمس بتونس في إطار زيارة عمل تقوم بها على رأس وفد كبير، يضم وزير المواصلات محمد سالم الشهوبي، وذلك بدعوة من نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وشدد الرئيس التونسي أمس على موقف بلاده الداعي إلى حل الأزمة في ليبيا، وفق مقاربة قائمة على وحدتها ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية. وأكد في بيان نشرته رئاسة الجمهورية بعد استقباله نجلاء المنقوش ومحمد الشهوبي، وزير المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، على ضرورة «التنسيق بين البلدين في كل المجالات، لا سيما قطاعات الاقتصاد والاستثمار والطاقة والأمن».

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

أكدت السعودية أمس، دعمها لحل ليبي - ليبي برعاية الأمم المتحدة، وشددت على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، حسبما جاء خلال لقاء جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا ورئيس البعثة الأممية فيها. وتناول الأمير فيصل في مقر الخارجية السعودية بالرياض مع باتيلي سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، والجهود الأممية المبذولة لحل الأزمة. إلى ذلك، أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، فيما شهدت طرابلس توتراً أمنياً مفاجئاً.

شمال افريقيا ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

فتحت الانشقاقات العسكرية والأمنية التي عايشتها ليبيا، منذ رحيل نظام العقيد معمر القذافي، «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الـ12 عاماً الماضية «صيداً» لمخلَّفات الحروب المتنوعة من الألغام و«القنابل الموقوتة» المزروعة بالطرقات والمنازل، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى. وباستثناء الجهود الأممية وبعض المساعدات الدولية التي خُصصت على مدار السنوات الماضية لمساعدة ليبيا في هذا الملف، لا تزال «قنابل الموت» تؤرق الليبيين، وهو ما يتطلب -حسب الدبلوماسي الليبي مروان أبو سريويل- من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في هذا المجال، مساعدة ليبيا، لخطورته. ورصدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في تقر

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

أكدت السعودية دعمها للحل الليبي - الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، وضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، وجاءت هذه التأكيدات خلال اللقاء الذي جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. واستقبل الأمير فيصل بن فرحان في مقر وزارة الخارجية السعودية بالرياض أمس عبد الله باتيلي وجرى خلال اللقاء بحث سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، إضافة إلى استعراض الجهود الأممية المبذولة لحل هذه الأزمة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا «الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

«الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي، عن دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية (غرب البلاد) في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، وذلك في ظل توتر أمني مفاجئ بالعاصمة الليبية. وشهدت طرابلس حالة من الاستنفار الأمني مساء السبت في مناطق عدّة، بعد اعتقال «جهاز الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة، أحد المقربين من عبد الغني الككلي رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، بالقرب من قصور الضيافة وسط طرابلس. ورصد شهود عيان مداهمة رتل من 40 آلية، تابع لـ«جهاز الردع»، المنطقة، ما أدى إلى «حالة طوارئ» في بعض مناطق طرابلس. ولم تعلق حكومة عبد الحميد الدبيبة على هذه التطورات التي يخشى مراقبون من اندلاع مواجهات جديدة بسببها،

خالد محمود (القاهرة)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، حيث تستند إلى مرجعيات من بينها إعلان منبر جدة، مشدداً على أن بلاده لن تقبل بوجود أي قوات أممية أو أي رقابة مفروضة عليها.

وأوضح إدريس، خلال مؤتمر صحافي في بورتسودان بعد عودته من الولايات المتحدة، أن معظم التفاعلات في جلسة مجلس الأمن تجاه مبادرة الحكومة للسلام كانت «إيجابية»، وأكد أن هذه المبادرة من شأنها أن توقف الحرب وتحقق السلام العادل والشامل للشعب السوداني.

وأضاف رئيس الوزراء: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، بل الحرب قد فُرضت علينا»، محذراً من أن أي هدنة لا يصاحبها نزع سلاح مَن سماهم «الميليشيات» ستؤدي إلى تعقيد الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأوضح أن مبادرة الحكومة للسلام تستند إلى مرجعيات عدة، منها قرارات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة الموقع في مايو (أيار) 2023، إلى جانب الزيارات التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا سيما لمصر وقطر.

كان رئيس الوزراء السوداني قد توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي ليبحث مع مسؤولين بالأمم المتحدة تعزيز التعاون بين الجانبين ويجري مشاورات بشأن تداعيات الحرب وآفاق السلام.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» الآن على إقليم دارفور بالكامل في غرب السودان، بعدما أعلنت سيطرتها مؤخراً على مدينة الفاشر عقب حصارها لمدة 18 شهراً، فيما يسيطر الجيش على النصف الشرقي من البلاد.


مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

أفادت السلطات الصومالية، أمس (الخميس)، بأن انتخابات المجالس المحلية شهدت «إقبالاً واسعاً» في أول انتخابات مباشرة تجري بالبلاد منذ 57 عاماً.

ذلك الإقبال الذي تحدثت عنه مقديشو، تؤكده الصور التي تخرج من مراكز الاقتراع الـ523، ويراه خبير في الشؤون الأفريقية «يعكس رغبة شعبية خالفت رهانات المعارضة بعدم المشاركة، وتشكل فرصة لمسار ديمقراطي قد يتشكل عبر الانتخابات المباشرة، مما يدفع الرافضين لهذا المسار لبدء حوار بشأن المستقبل، لا سيما قبل رئاسيات 2026».

وتوافد سكان محافظة بنادر إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية المباشرة، في أول عملية انتخابية من هذا النوع تشهدها العاصمة مقديشو منذ نحو 6 عقود.

وافتُتح 523 مركزاً للاقتراع في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأغلقت عند السادسة مساءً، وسط إجراءات تنظيمية وأمنية مشددة شملت 16 مديرية من مديريات المحافظة التي تضم العاصمة مقديشو، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية»، الخميس، مشيرة إلى وجود «إقبال واسع على مراكز الاقتراع في بنادر».

وبحسب الجهات المختصة، تسلّم 503 آلاف و916 ناخباً بطاقات الاقتراع من بين المسجلين، تمهيداً للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية. وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري، السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991 يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي، فيما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل 20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، أن «تسجيل الانتخابات إقبالاً شعبياً لافتاً تجاوز التوقعات، عكس رغبة واضحة لدى سكان مقديشو في الانخراط بالعملية السياسية، وطيّ صفحة طويلة من العزوف القسري عن المشاركة الديمقراطية»، مشيراً إلى أنه «يُنظر إلى هذا الحراك الشعبي بوصفه مؤشراً على تعافٍ تدريجي تشهده العاصمة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، بعد سنوات من الهشاشة والصراع».

وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب الإدلاء بصوته، وذلك في مركز مسرح الدولة الوطنية، أن انتخابات المجالس المحلية في محافظة بنادر، تمثل «محطة تاريخية مفصلية وحلماً طال انتظاره»، مشيراً إلى أنها تشكل خطوة أساسية تقود البلاد نحو الانتخابات الدستورية الشاملة.

طوابير من الناخبين خلال الإدلاء بأصواتهم في محافظة بنادر (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقب الإدلاء بصوته في ذلك الاقتراع، أكد رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، أن الانتخابات المباشرة لمجالس الإدارة المحلية في إقليم بنادر تمثل خطوة مهمة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد.

وتقدمت سفارة الصومال بمصر في بيان، بالتهنئة لشعب وحكومة الصومال على بدء الانتخابات المحلية، مؤكدة أنها لحظة تاريخية وتحويلية، حيث يشارك المواطنون في هذه العمليات الديمقراطية لأول مرة منذ نحو 6 عقود.

ويعتقد كلني أن طريقة إدارة الحكومة للعملية الانتخابية، إلى جانب المشهد العام الذي ساد المدينة خلال يوم الاقتراع، حملا رسائل سياسية متعددة؛ من أبرزها قدرة الدولة على تنظيم استحقاقات انتخابية في بيئة أمنية معقّدة، والحدّ من المخاوف التي روّجت لها أطراف معارضة بشأن استحالة تطبيق مبدأ «صوت واحد لكل مواطن» في مقديشو.

وكان «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، أعلن في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو، الأسبوع الماضي، رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس، الرئيس حسن شيخ محمود، مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

ورغم الشكوك العميقة التي عبّرت عنها قوى المعارضة حيال إجراء انتخابات المجالس المحلية في العاصمة مقديشو، والمخاوف الواسعة من احتمالات الاضطراب الأمني والسياسي، شهدت المدينة محطة سياسية غير مسبوقة، تمثلت في إجراء انتخابات محلية بعد ما يقارب 60 عاماً من الانقطاع، وفق كلني.

نائب رئيس الوزراء الصومالي صالح أحمد جامع خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

وقد شكّلت هذه الانتخابات حدثاً استثنائياً في الوعي الجمعي، لا سيما لدى ما يقارب 3 أجيال من سكان العاصمة الذين لم يسبق لهم أن عايشوا عملية اقتراع رسمية مباشرة، يُمنح فيها المواطن حق اختيار ممثليه السياسيين عبر صندوق الاقتراع.

ويتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة 4 عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر. واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

رئيس الوزراء الصومالي خلال جولة تفقدية في عدد من مراكز الاقتراع بالعاصمة مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

وسيطوي زخم الإقبال في تلك الانتخابات مشهد الخلافات، بحسب ما يعتقد كلني، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن مشهد الإقبال في الانتخابات قد يسفر عن ارتفاع مستوى الثقة الشعبية بالحكومة، لا سيما بالحزب الحاكم، بوصفه الجهة التي أشرفت على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وتعزيز ثقة الأحزاب والتنظيمات السياسية في المنظومة الأمنية الوطنية وقدرتها على تأمين الاستحقاقات الديمقراطية، وتحوّل تدريجي في موقف المعارضة التي كانت تشكك في إمكانية إجراء انتخابات مباشرة بالعاصمة.

ويتوقع أيضاً انجذاب شرائح من المتعاطفين مع المعارضة نحو الحكومة، مع احتمال انضمام بعضهم إلى صفوف الحزب الحاكم، فضلاً عن ازدياد ثقة المجتمع الدولي في المسار الانتخابي الصومالي، واستمرار دعمه لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود من أجل تعميم الانتخابات المباشرة على كامل البلاد.


البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
TT

البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان، آخر التطورات في السودان، و«التعاون الدفاعي» بين الجانبين، في ظل التطورات الأخيرة في السودان، وضمنها تحقيق «قوات الدعم السريع» تقدماً في ولاية شمال دارفور قرب الحدود مع تشاد.

واستقبل إردوغان، البرهان، بمراسم رسمية في القصر الرئاسي بأنقرة، أمس (الخميس)، ثم عقدا جلسة ثنائية، أعقبتها جلسة موسعة بحضور عدد من الوزراء. وتناولت المباحثات العلاقات الثنائية والتطورات في السودان، والخطوات الكفيلة بتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتعاون الدفاعي بين أنقرة والخرطوم، حسبما ذكرت الرئاسة التركية.

وكانت تقارير كشفت سابقاً عن تزويد تركيا للجيش السوداني بطائرات مسيَّرة، العام الماضي، استخدمها لتحقيق تقدم مهم ضد «قوات الدعم السريع» في مناطق مثل الخرطوم والأبيض.

كما أعرب مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أحمد يلدز، قبل أيام، عن إدانة بلاده الشديدة لـ«الظلم» الذي تمارسه «قوات الدعم السريع» ضد المدنيين في السودان.