بهاء طاهر... عوالم أسطورية وشخصيات مأزومة

قراءات متنوعة في أعماله الروائية والقصصية

بهاء طاهر... عوالم أسطورية وشخصيات مأزومة
TT

بهاء طاهر... عوالم أسطورية وشخصيات مأزومة

بهاء طاهر... عوالم أسطورية وشخصيات مأزومة

صدر حديثاً عن دار «ميتا بوك للطباعة والنشر» كتاب «بهاء طاهر... الملتزم برفق»، بالاشتراك مع موقع «صدى» للقصة المصرية، الذي يشرف عليه الأديب سيد الوكيل. ويتضمن الكتاب مجموعة من المقالات النقدية التي كتبها نقاد وباحثون مصريون عن أعمال بهاء طاهر في مجال الرواية والقصة القصيرة والعوالم الأسطورية التي تفيض بها، والتناقض الذي تنضح به العوالم المشكّلة لأحداثها وشخصياتها التي تعاني من الانكسارات والأزمات.
في دراسته حول «مستويات القراءة في (واحة الغروب)»، سعى الناقد الدكتور مصطفى الضبع لإضاءة المساحة الفاصلة بين بطل قصة «الخطوبة» و«محمود عزمي» بطل رواية «واحة الغروب»، وذكر أن هناك خيطاً رقيقاً شفيفاً يربط بين بطل القصة القصيرة؛ ذلك الشاب المأزوم لأنه يريد الحياة، ويسعى لأن يعيش حياة مغايرة «تكمن مغايرتها في مجرد العيش وفق الطبيعة البشرية؛ بأن يتزوج ممن يحبها»، و«محمود عزمي» الذي يكاد يكون امتداداً تاريخياً لبطل «الخطوبة» الذي لم ينجح في الزواج ممن أرادها، وقد استدعاه طاهر من بين ثناياها، وأعاده ليحمل اسماً مغايراً هو «محمود عزمي»، ليؤكد من خلال الرواية أن السلطة الأبوية ما زالت قائمة بالمعنى الذي تجلى في الأب، بطل قصة «الخطوبة»؛ ذلك الذي يأخذ هيئة المحقِّق محولاً الشاب المقدِم على خطبة ابنته لمتهم، يبدأ بتهديده بالفضائح، وصولاً إلى التخلص منه بطريقة سياسية، وهذا الموقف يجعل محمود عزمي بطل «الخطوبة»/ العائد في «واحة الغروب» يوقف علاقته بالمرأة المصرية، ويُضرِب عن الزواج حتى يلتقي «كاثرين» ويتزوجها، وكأنه بذلك «ينتقم من الأب الذي رفض زواجه من ابنته».
محمود عزمي بهذا الطرح، وطبقاً لرأي الضبع «بطل مأزوم يسعى إلى تجاوز أزمته؛ لذا يلجأ إلى الخروج من المكان هروباً إلى مكان أكثر اتساعاً وأكثر قدرة على احتواء ما في نفسه، والخروج هنا يلعب دوره في إنتاج دلالة تتأسس على آلياته المشكلة من خروج محمود عزمي الأول إلى الإسكندرية، وخروجه الثاني إلى الصحراء»، وما بين الخروجين يتسع مجال الرؤية للمستقبل أو للصحراء، وهو ما يمنح النص كثيراً من خصائصه، تلك التي تسمح بدورها بتداخل الأنواع في النص الروائي، وتجعل النص يجمع ما بين السينما والتاريخ والمسرح وأدب الرحلة، حيث يطرح كل منها مستواه الدلالي، ويجعل من الرواية نصاً صالحاً لقراءات متعددة ومتنوعة.
وفي بحثه حول «التوجيه السردي في رواية (الحب في المنفى)»، ارتكزت نقطة الانطلاق الأساسية لدى الدكتور عادل ضرغام، على الآلية النقدية التي يمكن من خلالها مقاربة الآيديولوجية في الرواية. وهو يرى أن معاينة البناء والاتكاء على آلية سردية فاعلة كان لها دور مؤثر في تغذية القيم الآيديولوجية وتشكيلها، وأن معمارية البناء ارتبطت بسرد تصاعدي مع ذاكرة منفتحة على الماضي.
وتحدَّث ضرغام عن «مركزية الصوت السردي»، قائلاً إنه «ينطلق من حدود (الأنا) التي تقدم نسقاً سلطوياً يتحكم بوجهة نظره في حركة الأحداث، ويتجلى أثره في جزئيات عديدة من النص الروائي، تتمثل في تشكيل الأنماط الشخصية الكاشفة عن كثيرين ينضوون بداخلها؛ فكل شخصية تشير إلى نمط تمثيلي، وتنوب عن الفئة الخاصة التي تنتمي إليها». وفي دراسة بعنوان «واحة الغروب... اكتشاف الذات والموت» يذكر الناقد ممدوح فراج النابي أن الصحراء عند بهاء طاهر تأخذ بُعداً يمزج بين المعرفي والأسطوري والإشراقي، يتجلى في علاقة بطل الرواية (محمود) بكاثرين.
وأشار إلى أن العوالم المشكّلة للرواية تبدو مُنقسمة على نفسها؛ فهناك مجتمع «الأجواد» الذين يملكون الأرض والبساتين، ويتحكمون بقراراتهم في شؤون الواحة وأهلها وصراعاتها، وهم بذلك يقفون على طرفي نقيض مع «الزجالة» الذين يعملون في فلاحة الأرض وينامون في البساتين، ولا شيء يربط بينهما غير مقاومة الحكومة التي تهددهم بالضرائب. يتضمن الكتاب أيضاً دراسات لكل من الدكتورة ناهد الطحان، وعبد الرحيم الكردي، وهبة شعبان، ومحمد عبد الحليم غنيم، وناصر خليل، وشوقي عبد الحميد.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض