تصاعد الخلاف المصري - الإثيوبي بشأن قضية «سد النهضة» على نهر النيل، بعد أن أعادت القاهرة طرح القضية على جامعة الدول العربية، بموازاة معلومات عن عزمها التوجه مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، إذا ما استمرت حالة «الجمود الراهن» في المفاوضات.
وقال المتحدث باسم «الخارجية» الإثيوبية ملس ألم، الخميس، إن بلاده تستغرب مناقشة الجامعة العربية القضية التي اعتبرها «مسألة أفريقية»، مطالباً بـ«وقف تمرير» الملف إلى مجلس الأمن أو الجامعة العربية، وحلّه أفريقياً.
ويأتي الموقف الإثيوبي غداة إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري اعتماد مجلس الوزراء العرب قراراً بالإجماع وبالتوافق بشأن «سد النهضة» يؤكد «الالتزام العربي بحماية حقوق دول المصبّ لنهر النيل (مصر والسودان)، ويتضمن دعوة الجانب الإثيوبي إلى التفاعل الإيجابي وإبداء المرونة في هذا الملف، مع طرحه كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية».
وتخشى مصر من تأثر حصتها في مياه نهر النيل، جراء السد الذي تقيمه إثيوبيا منذ عام 2011 على الرافد الرئيسي للنهر، وتطالب القاهرة، ومعها الخرطوم، باتفاق قانوني مُلزم ينظّم عمليتيْ ملء وتشغيل السد، بينما تدفع إثيوبيا بإنشاء السد «الكهرومائي» بداعي حقّها في التنمية عبر استغلال مواردها المائية.
ومع استعداد إثيوبيا لملء رابع لخزان سد النهضة، خلال موسم الأمطار في الصيف المقبل، صعّدت القاهرة لهجتها؛ في محاولة للضغط على أديس أبابا، للتراجع عن اتخاذ أي «إجراءات أحادية».
وقال شكري، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الكيني الفريد موتوا، عقب استقباله، الخميس، في القاهرة: «مع استمرار بناء السد والإقدام على الملء الأحادي الرابع، أصبحت هناك ضرورة لأن تتحلى إثيوبيا بالمسؤولية في كل ما تضطلع به من إجراءات للانتهاء من السد»، واشترط الاستمرار في السعي للتوصل إلى اتفاق بوجود «إرادة سياسية حقيقية» من جانب إثيوبيا.
وشدّد الوزير المصري على ضرورة «ألا تتخذ إجراءات أحادية، وأن تراعي مصلحة دولتي المصب بألا يكون هناك ضرر جسيم عليهما»، محذراً من أنه «إذا لم يتم ذلك فسوف تدافع الدولة المصرية عن مصالح شعبها وتتخذ من الإجراءات ما يقود لذلك»، دون تحديد طبيعة تلك الإجراءات.
وتتبنى مصر موقفاً يقوم على عدم ممانعة إقامة مشروعات تنموية في دول حوض نهر النيل؛ بشرط التنسيق المسبق، وتجنب الإضرار بدولتي المصب. وقال شكري، في المؤتمر الصحافي: «مصر لم تعترض في أي وقت على استخدام مياه النيل من أجل التنمية، ما دام ذلك اقترن بالتفهم لأشقائنا الأفارقة بضرورة الإخطار المسبق والتوافق وضرورة ألا تؤدي أي مشروعات إلى أضرار على دولتي المصب».
ولفت إلى تفهُّم كينيا (إحدى دول حوض النيل)، «الأهمية الكبيرة التي يشكلها نهر النيل لمصر، وأيضاً الاستعداد الدائم الذي تبديه مصر للتعاون مع الأشقاء الأفارقة، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والممارسات الدولية المرتبطة بالأنهار».
وخاضت مصر لأكثر من عقد مفاوضات مع إثيوبيا بجانب السودان؛ في محاولة التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، دون نتيجة. الأمر الذي أدى إلى تجميدها منذ أبريل (نيسان) 2021، بعد فشل الاتحاد الأفريقي في التوسط لحل النزاع، ما دعا مصر إلى التوجه لمجلس الأمن الدولي للاحتجاج والمطالبة بالضغط على إثيوبيا عبر الشركاء الدوليين للقبول باتفاق يُرضي الأطراف جميعاً.
وتعتزم كينيا السعي لأن «تلعب دوراً فعالاً» في هذا الأمر، وفقاً لوزير خارجيتها الذي كشف عن «نقاشات حيوية» لحل المشكلة، لكنه طالب بـ«حوارات ومباحثات واضحة؛ حتى يتمكن من وضع إطار للحلول». وأضاف: «ندرك أهمية المفاوضات ولا يمكن للمفاوضات أن تستمر لفترة طويلة».
وكان شكري قد برَّر توجه بلاده إلى الجامعة العربية، قائلاً، في ختام اجتماع الجامعة، الأربعاء، إن «تعويل مصر على أشقائها العرب لحمل إثيوبيا على التخلي عن ممارساتها الأحادية غير التعاونية، والتحلي بالإرادة السياسية اللازمة للأخذ بأي من الحلول الوسط التي طُرحت على مائدة التفاوض، والتي ثبت أنها تحقق مصالح إثيوبيا الاقتصادية بشكل كامل، دون الافتئات على مصائر شعوب دول المصب».
وقال شكري إن «هناك مفاوضات طويلة ورؤى حول كيفية إدارة هذا الملف وتتسق مع قواعد القانون الدولي وتجارب الدول الأخرى، وجرى الاعتماد على مساعدة أطراف عديدة؛ منها الولايات المتحدة، وأيضاً الإطار الأفريقي ورؤساء الاتحاد الأفريقي، والجميع انخرط وانخرطت مصر في مفاوضات برعاية أفريقية، لكن لم تؤت ثمارها».
وأضاف: «على مدى السنوات الماضية وعدم التوصل إلى اتفاق، رغم كل الأطروحات الإيجابية والمرونة التي أظهرتها مصر، أصبح هناك شك في أن هناك إرادة سياسية متوفرة»، مشيراً إلى أن الاستمرار في مفاوضات دون نتيجة ليس له طائل.
وحذّر شكري من «استمرار الممارسات الأحادية الإثيوبية»، وقال إنها «تحمل خطراً جماً على مصر التي تعاني ندرة مائية فريدة من نوعها، باعتبارها الدولة الأكثر جفافاً في العالم، ولاعتمادها شبه المطلق على نهر النيل».
وترفض إثيوبيا تدويل قضية سد النهضة؛ لأنها «لا ترغب في وجود ضغط دولي عليها، خصوصاً أنها على علم بمخالفتها قواعد القانون الدولي، وأنها تتعسف ضد دولتي المصب»، كما يعتقد الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي العام، والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية ICDWR)) في مصر.
وقال مهران، لـ«الشرق الأوسط»: «السعي المصري الدائم لتدويل الملف قد يؤدي بشكل كبير إلى الضغط على الجانب الإثيوبي وإظهاره في صورته الحقيقية التي تؤكد مخالفة قواعد القانون الدولي»، خصوصاً أنها «لم تتبع الإجراءات المنصوص عليها في القانون الدولي بشأن إقامة السدود وتشغيلها، وتعمل على المماطلة لفرض سياسة الأمر الواقع، باستكمال مراحل الملء بشكل منفرد، ورفض أي اتفاق يُلزمها بذلك، بالمخالفة لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بالمجاري المائية الدولية».
ولفت إلى «عدم التزامها باتفاق المبادئ لعام 2015 الذي أكد المبادئ العامة التي جاءت في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية»، ومخالفتها البيان الرئاسي الصادر من مجلس الأمن في 15 سبتمبر (أيلول) 2021، والذي أكد «ضرورة الوصول لاتفاق قانوني مُلزم بين جميع الأطراف المتنازعة».
ووفق مصادر مطلعة، فإن مصر قد تعاود اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي حال قيام إثيوبيا بالملء الرابع، دون اتفاق. ويرى الخبير القانوني أن «مجلس الأمن من حقّه أن يصدر قراراً حاسماً بوقف الأعمال والتشغيل بالسد، وأن يفرض على إثيوبيا الالتزام بالتفاوض»؛ كون النزاع يهدد المنطقة.
«تدويل» نزاع «سد النهضة» يعمق الخلاف المصري - الإثيوبي
أديس أبابا ترفض تدخل الجامعة... والقاهرة تحذر من عواقب «الإجراءات الأحادية»
«تدويل» نزاع «سد النهضة» يعمق الخلاف المصري - الإثيوبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة