أوكرانيا تحولت إلى مبارزة بين بوتين وبايدن

أوستن لن يعتبر سقوط باخموت «تحولاً حاسماً» في الحرب

حرس الشرف في كييف يودعون الثلاثاء 4 من عناصر وحدات خاصة سقطوا في الحرب (إ.ب.أ)
حرس الشرف في كييف يودعون الثلاثاء 4 من عناصر وحدات خاصة سقطوا في الحرب (إ.ب.أ)
TT

أوكرانيا تحولت إلى مبارزة بين بوتين وبايدن

حرس الشرف في كييف يودعون الثلاثاء 4 من عناصر وحدات خاصة سقطوا في الحرب (إ.ب.أ)
حرس الشرف في كييف يودعون الثلاثاء 4 من عناصر وحدات خاصة سقطوا في الحرب (إ.ب.أ)

يحذر محللون عسكريون غربيون من أن القتال من أجل حرمان روسيا من «نصر رمزي» إلى حد كبير في باخموت: «قد يكلف أوكرانيا الكثير». ويجادل بعض هؤلاء بأن أوكرانيا «يجب أن تركز على الهدف الأكثر أهمية، وهو شن هجوم كبير في الأشهر المقبلة، لطرد القوات الروسية من الأراضي المحتلة في شرق أوكرانيا وجنوبها».
وحسب محللين أميركيين زاروا المدينة أخيراً، فإن «دفاع أوكرانيا القوي عن باخموت حقق الكثير»، من خلال تقليص القوة البشرية والذخيرة الروسية؛ لكنهم حذروا من أن الوقت «قد حان للتفكير في إنقاذ القوات والموارد من أجل هجوم مستقبلي»، وأن «الاستراتيجيات يمكن أن تصل إلى نقاط تناقص العوائد، ويمكن أن تعرقل نجاح عملية أكثر أهمية».
في المقابل، يقول معهد دراسات الحرب، وهو منظمة بحثية في واشنطن، إن «القوات الأوكرانية تجري على الأرجح انسحاباً تكتيكياً محدوداً في باخموت، على الرغم من أنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم النيات الأوكرانية فيما يتعلق بالانسحاب الكامل من المدينة».
وقال المحللون إن دفاع أوكرانيا عن باخموت «لا يزال سليماً من الناحية الاستراتيجية، مع استمرارها في استهلاك القوى العاملة والمعدات الروسية، ما دامت القوات الأوكرانية لا تعاني خسائر فادحة».
ويستبعد المعهد «قيام القوات الأوكرانية بالانسحاب دفعة واحدة منها، وقد تتابع انسحاباً قتالياً تدريجياً لإرهاق القوات الروسية، من خلال حرب المدن المستمرة». وأكد أنه «من غير المرجح أن تؤمِّن القوات الروسية التي عادة ما تفضل المدافع، مكاسب إقليمية مهمة عند شن حرب مدن، وهو ما قد يسمح للقوات الأوكرانية بإلحاق خسائر كبيرة بالوحدات الروسية المتقدمة، حتى مع انسحاب القوات الأوكرانية بنشاط». وخلص المعهد إلى أن «قيود النقص في أعداد القوات المدربة والمعدات، ستمنع على الأرجح القوات الروسية من شن عملية هجومية طويلة أخرى، مثل معركة باخموت في الأشهر المقبلة».
ويرى محللون أن هذه الاستراتيجية: «قد تكون تنفيذاً للمناقشات السرية والتنسيق الوثيق، بين أوكرانيا وحلفائها الغربيين، وخصوصاً الأميركيين، لمواجهة حرب طويلة» على ما يبدو، وتمهيداً لتمكين أوكرانيا من الحصول على مزيد من الأسلحة الهجومية والدفاعية، وخصوصاً سلاح الطيران.
وفي هذا السياق، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يوم الاثنين، أن طيارَين أوكرانيين موجودان في الولايات المتحدة، لمعرفة «مدى قدرتهما على التحليق بالمقاتلات» الحديثة، من طراز «إف-16»، على الرغم من «عدم وجود خطط حالية» لدى إدارة بايدن لإرسالها الآن. ونقلت صحيفة «ذي هيل» عن متحدث باسم «البنتاغون»، قوله إن الطيارين موجودان في قاعدة مدينة توسون العسكرية الجوية في ولاية أريزونا، من أجل «معرفة قدراتهما» على كيفية فهم عمل الطائرة، بالإضافة إلى أجهزة محاكاة الطائرة. وقال المتحدث: «يتيح لنا هذا الحدث تقديم مساعدة أفضل للطيارين الأوكرانيين ليصبحوا طيارين أكثر فاعلية، وتقديم المشورة لهم بشكل أفضل حول كيفية تطوير قدراتهم الخاصة»، مؤكداً أنه «نشاط روتيني كجزء من تنسيقنا العسكري مع أوكرانيا». وأضاف أن الطيارين: «لن يقودا أي طائرات فعلية خلال الحدث»، مثلما جرى مع دول أخرى في الماضي، في إطار برنامج قيادة أميركي سابق في أوروبا.
ونقلت شبكة «إن بي سي نيوز»، يوم الأحد، أن الطيارين كانا في البلاد لتقييم المدة التي يستغرقها الطيارون الأوكرانيون لتعلم قيادة طائرات مقاتلة حديثة، مع احتمال وصول 10 طيارين آخرين إلى الولايات المتحدة في وقت مبكر من هذا الشهر. وعلى الرغم من ذلك، قال المتحدث باسم «البنتاغون»، إنه لا توجد خطط فورية لزيادة عدد الطيارين، إلى أكثر من الطيارين الموجودين حالياً في توسون؛ لكننا «لا نغلق الباب أمام الفرص المستقبلية».
ويرى محللون أن تردد إدارة بايدن في تسليم تلك الطائرات المقاتلة، هو نتيجة للمواجهة السياسية الداخلية التي يخوضها البيت الأبيض، في ظل تنامي اعتراضات بعض اليمينيين واليساريين الشعبويين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على الرغم من أن وجهة النظر السائدة في الحزبين منذ الحرب العالمية الثانية، هي أن الولايات المتحدة «ليس لديها مصالح وطنية فحسب؛ بل لديها أيضاً مصالح دولية»، ومن بين هذه المصالح والأولويات: «الالتزام بالحفاظ على النظام العالمي والقيم الإنسانية».
غير أن هذه الفكرة تلقى في الآونة الأخيرة تحديات من حركة شعبوية في أقصى اليمين وأقصى اليسار، نمَت كثيراً مع الرئيس السابق دونالد ترمب الذي جادل بأن الولايات المتحدة «ليست لديها مصلحة في حماية النظام العالمي الليبرالي». والأهم من ذلك أنه في خطابه عام 2019 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن أن «المستقبل لا يخص العولمة. المستقبل ملك للوطنيين». بعبارة أخرى: «أميركا أولاً». وردد بعض اليمينيين الذين يعارضون دعم الرئيس بايدن لأوكرانيا، آراء ترمب الانعزالية الجديدة. وشجب الحاكم الجمهوري لفلوريدا رون ديسانتيس (المرشح أكثر حظاً لمنافسة ترمب في انتخابات 2024) سياسة بايدن تجاه أوكرانيا، قائلاً: «لديهم سياسة التحقق على بياض من دون أي هدف استراتيجي واضح... لا أعتقد أنه من مصلحتنا الدخول في حرب بالوكالة مع الصين».
وعلى الرغم من أن تلك التصريحات تعكس الانقسام الحزبي، في ظل الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده الولايات المتحدة، يرى البعض أن اليمين الأميركي المتشدد ينظر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أنه حليف في «الحروب الثقافية الأميركية». ومع اتهام بوتين للغرب بـ«الفساد الأخلاقي»، يؤكد بايدن أن الولايات المتحدة وحلفاؤها في «الناتو»، يعتبرون الغزو الروسي «انتهاكاً خطيراً للنظام الدولي، وعملاً عدوانياً من قبل دولة ذات سيادة ضد دولة أخرى».
ومن وجهة نظر بايدن، فإن الولايات المتحدة ملزمة بالدفاع عن هذا النظام، تماماً كما حدث عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990، وعندما يكون هناك تهديد للنظام العالمي، مثل غزو العراق للكويت، أو للقيم الإنسانية، مثل التطهير العرقي في البوسنة وكمبوديا ورواندا وغيرها. وإذا لم تفعل الولايات المتحدة أي شيء، فلن يتم فعل أي شيء.
وعليه، فقد تحولت الحرب الأوكرانية إلى مباراة شخصية بين بايدن وبوتين؛ حيث من الصعب معرفة كيف يمكن لبوتين البقاء في منصبه إذا تم طرد روسيا من أوكرانيا، مثلما أنه من الصعب أيضاً رؤية كيف يمكن إعادة انتخاب بايدن، إذا سقطت أوكرانيا في أيدي الروس. وإذا وصلت الحرب إلى طريق مسدود، فليس من الواضح كيف يمكن لأي منهما البقاء على قيد الحياة سياسياً، دون التمكن من ادعاء «النصر».
ويشار إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اعتبر أنه إذا تمكنت القوات الروسية من السيطرة على باخموت، فلن يمثل ذلك تحولاً حاسماً في الصراع. وقال للصحافيين خلال زيارة للأردن: «أعتقد أنها ذات قيمة رمزية أكثر من كونها قيمة استراتيجية وتشغيلية»، وإنه لن ينظر إلى قرار أوكرانيا إعادة تمركز قواتها إلى الغرب من المدينة: «على أنه انتكاسة استراتيجية لأوكرانيا».


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية وتتوعد بالرد

أوروبا صورة أرشيفية بالأقمار الاصطناعية تظهر أضراراً في مطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني... 16 مايو 2024 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك من خلال «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز)

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.