محكمة سودانية تخلي متظاهرين اتهموا بقتل رجل استخبارات

القاضي: التحقيقات شابتها أخطاء وتجاوزات والبينات لا ترقى لتوجيه اتهام

سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
TT

محكمة سودانية تخلي متظاهرين اتهموا بقتل رجل استخبارات

سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
سودانيون في 19 ديسمبر الماضي أثناء احتجاج للمطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)

أمرت محكمة سودانية بإطلاق سراح 8 متظاهرين بعدما شطبت اتهامات وجّهتها إليهم النيابة والشرطة والاستخبارات العسكرية بقتل رجل استخبارات كان يراقب احتجاجات وسط الخرطوم السنة الفائتة، ووصفت الأدلة والبينات التي قدّمها الاتهام بأنها «لا ترقى» إلى توجيه اتهام. وقالت إن «إجراءات الاتهام شهدت إجراءات خاطئة وتجاوزات خطيرة بحق المتظاهرين».
وقال قاضي المحكمة، جمال مأمون سبدرات، في حيثيات قراره بشطب بلاغ مقتل الرقيب في هيئة الاستخبارات العسكرية، ميرغني الجيلي، المقيد ضد 8 متظاهرين من أعضاء لجان المقاومة، إن الأدلة والبينات التي قدّمها الاتهام «لا ترتقي إلى توجيه اتهام». وأشار إلى أن «بعض الشهود تعرضوا لتعذيب وترهيب لإجبارهم على الإدلاء بشهادة زور».
وانتقد القاضي سبدرات في حيثيات قراره الإجراءات التي اتخذها الاتهام، وقال إنها «عجّت بالأخطاء وشهدت تجاوزات فادحة بحقوق المفرج عنهم»، مشيراً إلى «تأكيد المتظاهرين الثمانية أنهم تعرضوا لترهيب وتعذيب لإجبارهم على تقديم اعترافات بجرم لم يرتكبوه».
وفور النطق بالحكم، علت هتافات داخل المحكمة «يحيا العدل... يحيا العدل»، وسالت دموع أسر المتظاهرين ومحامين، وشابات وشبان لجان المقاومة الذين احتشدوا داخل قاعة المحكمة، وكذلك في الخارج حيث احتشد مئات من رفاق المفرج عنهم، وحملوهم على الأعناق، وهم يهتفون «براءة براءة للثوار». وردد بعض المفرج عنهم هتافات تضامنية مع أعضاء لجان مقاومة آخرين، اشتهروا بقضية مقتل عميد بالشرطة أثناء احتجاجات، وتجري محاكمتهم في محاكمة منفصلة، ثم تحولت الاحتفالات لمظاهرة سارت من المحكمة إلى منطقة «باشدار»، منطقة انطلاق المظاهرات التقليدية، بالقرب من مساكن المفرج عنهم.
وبدأت القضية ببيان من مجلس السيادة الانتقالي ذكر فيه أن جندياً برتبة رقيب في الاستخبارات العسكرية قُتل حصباً بالحجارة مع التمثيل بجثته من قِبل متظاهرين قرب القصر الرئاسي، وذلك في احتجاجات 8 مارس (آذار) 2022 التي كانت تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بعودة الحكم المدني وإنهاء السلطة العسكرية.
وبعد عدة أيام، ألقت قوة تابعة للاستخبارات العسكرية القبض على 20 متظاهراً من أعضاء «لجان المقاومة» التي تنظم هذه الاحتجاجات، ثم أفرجت عن 12 متظاهراً منهم تباعاً، بينما قيَّدت اتهامات تحت المادة 130 من القانون الجنائي، ضد 8 متظاهرين منهم بقتل الرقيب في الاستخبارات العسكرية ميرغني الجيلي، وهي تهمة عقوبتها الإعدام.
ويُعدّ المتهمون الثمانية الذين يقبعون في السجن منذ قرابة العام، من أعضاء لجان المقاومة المؤثرين في منطقة الديوم الشرقية بالعاصمة الخرطوم. وهم؛ خالد مأمون خضر، حمزة صالح، محجوب إسماعيل، شرف الدين أبو المجد، سوار الذهب أبو العزائم، مايكل جميس، قاسم حسيب، حسام منصور الشهير بالصياد.
وعند بدء المحاكمة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال الاتهام إن الضحية تعرَّض للضرب الوحشي والاغتصاب أثناء تكليفه وآخرين برصد ومتابعة حركة المتظاهرين، حيث انقضّ عليه المتهمون بعد نفاد مخزونه من الغاز المسيل للدموع وضربوه بالعصي والحجارة.
وأثناء المحاكمة، قال 4 من المتهمين إنهم تعرّضوا للضرب والتعذيب لإجبارهم على الإدلاء باعترافات تُدينهم بارتكاب الجريمة، وحوّلتهم المحكمة للطبيب للتأكد من مزاعم التعذيب الذي تعرّضوا له. وفي استطراد لاحق، قالت هيئة الدفاع عنهم إن شهادة الطبيب الشرعي للمحكمة فنّدت تهمة الاغتصاب. ونقلت قناة «دارفور 24» عن عضو الهيئة، المحامية رنا عبد الغفار: «إن تقرير الطبيب الشرعي الذي اطلعوا عليه، لم يردْ فيه مطلقاً ما يؤكد التهم الموجهة للمتهمين».
وكان شاهد رئيسي في القضية يدعى جاد الكريم جمعة قد تراجع عن اعترافات أدلى بها للتحقيق، وأبلغ المحكمة أنه تعرَّض لتعذيب وحشي لإجباره على «شهادة الزور» ضد المتهمين، وهو ما استند عليه القاضي في قراره بشطب الدعوى قبل توجيه الاتهام.
ووفقاً للمحامية رحاب المبارك، فإن الشاهد ذكر للمحكمة أنه احتجز لدى الاستخبارات العسكرية لمدة شهر، أغرقت خلاله «الزنزانة» بالمياه لمنعه من النوم، وطلب منه الشهادة ضد المتهمين، وجرى تهديده باعتباره المتهم الأول، وابتزازه بقضية سابقة واستخراج تقارير تتهمه بأنه مثليّ، وعرْضها على أسرته حال عدم تعاونه، ما اضطره لقبول الشهادة؛ خوفاً على حياته وللإفراج عنه.
من جهة أخرى، تجري محاكمة أعضاء آخرين من لجان المقاومة، بتهمة قتل عميد الشرطة علي بريمة حماد، 13 يناير (كانون الثاني) 2022، أثناء مشاركته في تأمين الاحتجاجات قرب القصر الرئاسي، وفقاً لمزاعم التحري.
ويزعم محامو المقبوض عليهم؛ محمد الفاتح، وعصام أحمد (ترهاقا)، ومصعب سمير، ومحمد الفاتح (الننة)، أن القضية هي الأخرى ملفقة، وأن الاتهام طوال جلسات المحاكمة لم يقدم بينات تكفي لتوجيه اتهامات للمتظاهرين.
ومنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، قتل 125 متظاهراً سلمياً برصاص الأجهزة الأمنية السودانية، أو بقنابل الغاز والصوت التي تطلق مباشرة وعن قرب على المتظاهرين، إضافة إلى الدهس بالسيارات وغيرها، مع مئات المصابين والجرحى، بعضهم ما تزال حالته حرجة، لكن الجهات العدلية لم تتخذ أي إجراءات ضد قتلة المتظاهرين السلميين، وعادة ما تزعم الشرطة بوجود «طرف ثالث» يقوم بقتل المتظاهرين، بيد أنها لم تتخذ إجراءات أو تقبض عليه، وهو ما يجعل كثيرين يشككون في كل «روايات الشرطة».
والأسبوع الماضي، أطلق ضابط شرطة الرصاص مباشرة على صدر متظاهر سلمي من مكان قريب، ما أدى لمقتله على الفور، وأجبرت فيديوهات للجريمة التي أظهرت الضابط وهو يطلق الرصاص على الشاب البالغ من العمر 17 عاماً، على رفع الحصانة عنه، ويجري التحقيق معه لتقديمه للمحكمة.
وكان القائد الثاني بقوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، قد ذكر ضمن سياقات التباين بين مواقف قواته والجيش، أنه لن يسمح بقتل المتظاهرين السلميين أو اعتقال السياسيين، وهي إشارة إلى أن بعض الأطراف العسكرية ضالعة في جرائم قتل المتظاهرين السلميين.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«هدنة غزة»: جولة جديدة للوسطاء لبحث «المقترح المصغر»

فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: جولة جديدة للوسطاء لبحث «المقترح المصغر»

فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

في الوقت الذي بدأ فيه الوسطاء الساعون لإبرام صفقة لتبادل المحتجزين والسجناء ووقف إطلاق النار في غزة، جولة جديدة من المفاوضات في الدوحة، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن القاهرة اقترحت وقفاً لإطلاق النار لمدة يومين في غزة لتبادل أربع رهائن إسرائيليين مع بعض السجناء الفلسطينيين.

وأضاف السيسي خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد، في القاهرة، أن «مصر في خلال الأيام القليلة الماضية قامت بجهد في إطلاق مبادرة تهدف إلى تحريك الموقف وإيقاف إطلاق النار لمدة يومين يتم (خلالهما) تبادل أربع رهائن مع أسرى». وأردف: «ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض على استكمال الإجراءات في القطاع، وصولاً إلى إيقاف كامل لإطلاق النار».

وتحتضن الدوحة جولة جديدة لوسطاء ضمن مساعي إبرام هدنة في قطاع غزة، بعد توقف نحو شهرين.

واستبقها وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالحديث عن أهمية تقديم «تنازلات مؤلمة» لإتمام صفقة، يراها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» ضمن تحركات جديدة للوسطاء لبحث إبرام صفقة تزداد قبل الانتخابات الأميركية الرئاسية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إن لم يعرقلها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، متوقعين «جولات أخرى من المحادثات أوسع وأشمل خلال الفترة القليلة المقبلة».

اتفاق قصير الأجل

وانطلقت مفاوضات الدوحة، الأحد، بحضور مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس «الموساد» ديفيد برنياع، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، «بهدف التوصل إلى اتفاق قصير الأجل لأقل من شهر، وتبادل بعض الرهائن مع فلسطينيين محتجزين في سجون إسرائيل، كمقدمة لاتفاق أكثر استدامة»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، عن مصدر لم تسمه.

وأفادت «القناة 12» الإسرائيلية، الأحد، بأن جولة الدوحة «ستكون اجتماع عمل محدوداً في الدوحة بمشاركة رئيس (الموساد) ورئيس الـ(CIA) ورئيس وزراء قطر، والهدف بدء مفاوضات على أساس مقترح محدث، في محاولة لتمكين إجراء محادثات أوسع في الأيام المقبلة».

ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن الجانب الإسرائيلي قدم عرضاً جديداً بشأن وقف إطلاق النار يتمثل في إمكانية منح أعضاء «حماس» ممراً آمناً إلى دولة أخرى إذا ألقوا أسلحتهم وأطلقوا سراح الرهائن الذين تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عددهم 97 رهينة.

وكشف وسطاء عرب للصحيفة أن الاقتراح الذي قدمه رئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، في اجتماع مع مسؤولين مصريين، الأسبوع الماضي، من المرجح أن يُطرح مرة أخرى، الأحد، مع تجديد محادثات وقف إطلاق النار في قطر، رغم رفض «حماس» له.

نازحة فلسطينية تقف أمام خيمتها التي مزقتها غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

الورقة الرابحة

الأقرب أن تكون الصفقة المصغرة المحتملة بصدارة المباحثات، وفق تقديرات المحلل السياسي الفلسطيني، والقيادي بحركة «فتح»، الدكتور أيمن الرقب، وتشمل تبادل رهائن مزدوجي الجنسية مقابل أسرى فلسطينيين، ووقف إطلاق النار لأقل من شهر، وانسحاباً من بعض المناطق، وإدخال مزيد من المساعدات.

ويضيف الرقب: «هناك مقترح آخر طرحته (حماس)، ويشمل إتمام صفقة شاملة، يتم فيها تبادل كل الأسرى بعدد كبير من أسرى فلسطين، مع ترتيبات أمنية بين (حماس) والسلطة الفلسطينية ودول عربية مع انسحاب إسرائيلي من القطاع»، مضيفاً: «لكن قد لا يلقى هذا المقترح قبولاً إسرائيلياً، وبالمقابل لن تقبل (حماس) مهما تلقت من ضربات قاسية أن تفرط في الورقة الرابحة لديها، وهي ورقة الرهائن بأي ثمن».

ويدعو الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، إلى التمهل في حسم نتائج جولة الدوحة، لافتاً إلى أن أي صفقة ستنفذ ستحتاج لتنازلات، والأقرب أن تقدمها إسرائيل ليستفيد منها نتنياهو المتضرر من ملف الرهائن رغم مكاسبه التي يتحدث عنها.

وعلى إسرائيل تقديم «تنازلات مؤلمة»، وفق وزير الدفاع الإسرائيلي في كلمته، الأحد، بالقدس، لضمان استعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، مشيراً إلى أن العمليات العسكرية وحدها لن تحقق أهداف الحرب.

ويعزز تقديم تلك التنازلات وفق غالانت، أن «حماس» لم تعد قادرة على تنفيذ أي مهام عسكرية في قطاع غزة، كما تم القضاء تماماً على كبار قادة «حزب الله» وأغلب قدراته الصاروخية، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وكان نتنياهو، أحد رافضي وقف الحرب، قال الخميس، في بيان لمكتبه، إنه يرحب باستعداد مصر للدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة. وقاطعت عائلات الأسرى كلمة رئيس الوزراء في حفل تأبين بالقدس، الأحد، وطالبته بإبرام صفقة وإرجاع ذويهم.

الانتخابات الأميركية

وبتقدير اللواء سمير فرج، فإن ملف الرهائن «نقطة سوداء وضعف» لدى نتنياهو، لافتاً إلى أنه رغم المكاسب التي حققها بحسب تقديره من قتل يحيى السنوار وحسن نصر الله، فإن صفقة الأسرى لا تزال تطارده ويحتاج تحقيق إنجاز بشأنها يقلل الانتقادات الموجهة له من عائلات الأسرى.

ويدخل نتنياهو هذه الجولة وهو لديه جثة السنوار كورقة مساومة وضغط قد يستخدمها في جولات التفاوض، وفق اللواء سمير فرج، متوقعاً إقرار الصفقة المصغرة بهدنة تصل إلى 10 أيام أو نحو أسبوعين، إن حُسمت تفاصيلها قبل عقد الانتخابات الأميركية، وإلا فالانتظار لما بعد نتائجها.

ورغم كل الفرص المحتملة لإبرام صفقة مصغرة بحسب الرقب، فإنه يستبعد أن تكون قبل الانتخابات الأميركية الرئاسية المقررة، في ظل حرص نتنياهو على دعم حليفه الجمهوري دونالد ترمب، بعدم تقديم أي فرصة لمكاسب انتخابية جراء عقد اتفاق لغريمته الديمقراطية، كامالا هاريس.

وبالتالي يعتقد أن المحادثات لن تتوقف، وسوف تشهد جولات أخرى، وربما يُكتب لها الذهاب لاتفاق بعد الانتخابات الأميركية، كما يتوقع الرقب.

صورة تم التقاطها في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ورغم عدم مشاركة مصر بهذا الاجتماع، فإن «الجهود المبذولة من جانب مصر، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة»، ضمن النقاشات الرئيسية خلال اتصالين هاتفيين أجراهما وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، ونظيره الفلسطيني محمد مصطفى.

والتقى وفد أمني مصري رفيع المستوى بوفد من قيادات حركة «حماس» بالقاهرة، وكذلك برئيس «الموساد»، نهاية الأسبوع الماضي، لبحث مفاوضات الهدنة، وفقاً لما نقلته قناة «القاهرة الإخبارية» عن مصدر مسؤول.

وتحدث مصدر مطلع لوكالة «رويترز» عقب الاجتماع عن أن «(حماس) أكدت جاهزيتها لوقف القتال إذا التزمت إسرائيل بوقف النار، والانسحاب من القطاع، وعودة النازحين، وإبرام صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن لقاء القاهرة «ناقش أفكاراً واقتراحات تتعلق باستئناف المفاوضات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى».

ويوضح فرج أن مصر عضو رئيسي في مفاوضات هدنة غزة، وعدم مشاركتها لا يعني غيابها، لافتاً إلى أن القاهرة تواصل منذ اندلاع حرب غزة جهودها بالوساطة، واستضافت لقاءين بالقاهرة مع «حماس» و«الموساد»، دون مشاركة قطر، الخميس الماضي، مشيراً إلى أن كل دول الوساطة تفعل ما بوسعها لحل الأزمة.

وبالمثل، فإن اجتماع الدوحة بمثابة استكشاف من قطر كما فعلت مصر، على أن يشمل محادثات أخرى شاملة حال حدث تقدم بالمفاوضات، كما يتوقع سمير فرج، متفائلاً بحذر من مسار تلك الجولة الجديدة وإمكانية تحقيق اتفاق قريب.