سلوى القطريب... نجمة الأمومة في بال ابنتها ألين لحّود

الفنانة اللبنانية سلوى القطريب وابنتها الفنانة ألين لحّود (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية سلوى القطريب وابنتها الفنانة ألين لحّود (الشرق الأوسط)
TT

سلوى القطريب... نجمة الأمومة في بال ابنتها ألين لحّود

الفنانة اللبنانية سلوى القطريب وابنتها الفنانة ألين لحّود (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية سلوى القطريب وابنتها الفنانة ألين لحّود (الشرق الأوسط)

في مثل هذا اليوم من مارس (آذار) 2009، أغمضت سلوى القطريب عينيها على بحرٍ من الأغنيات. سافرت على درب بعيدة، تاركةً ابنة وحيدةً لطالما أمسكت بيدها وذهبت بها إلى حيث المحبة والفن الأصيل.
منذ تلك الليلة الأخيرة، لم تفارق سلوى بالَ ابنتها ألين لحّود لحظة، وفي هذه الفترة من العام تحديداً، تعود الذكرى كثيفة وثقيلة أكثر من أي وقت. «أتلخبط في هذه الفترة من السنة، أشعر كأنني مريضة»، تقول لحود لـ«الشرق الأوسط». غير أن الفنانة الشابة لا تدع الحزن يغلبها، لأن «سلوى كانت من أنصار الفرح».
ما تذكره الابنة عن الأيام الأخيرة التي أمضتها في المستشفى إلى جوار أمها، كفيلٌ بأن يحصّنها ضد الضعف والانهزام. تسترجع آخر جملة قالتها لها سلوى عندما سمعتها تبكي: «ليه عم تبكي؟ إنتِ قوية وهيك بدّك تبقي».
في ذاكرة محبّيها، سلوى القطريب مطربة تحمل مستمعيها على أجنحة الأحلام؛ تروي لهم «خبريات ما خلف البحر» وتأخذهم إلى «مطرح ما كانوا زغار». أما في ذاكرة ابنتها ألين، فهي سيدة مسؤولة وناجحة، لم تقصّر يوماً في حق بيتها وطفلتها ولا في حق فنها. تخبر مبتسمةً: «كانت تستفيق باكراً حتى تجهّزني للمدرسة. وكل ليلة قبل أن تتوجه إلى المسرح، كانت تحضّرني للنوم وتتأكد من أنني غفوت. طغى دور الأمومة على دورها كنجمة». ما بحثت لحّود مرة عن أمها فلم تجدها إلى جانبها، سوى في ذلك اليوم الذي رحلت فيه إلى الأبد.


في ذاكرة ابنتها، سلوى القطريب سيدة مسؤولة وناجحة، لم تقصّر يوماً في حق بيتها وطفلتها ولا في حق فنها
يوم اختارت ألين لحّود الفن هوية، ساور القلق سلوى القطريب. طمأنتها إلى أنها ستساندها، إلا أنها صارحتها بأنها لم تكن تتمنّى لها هذا الطريق العاسر والمسيّج بالخيبات. لكن كيف لفتاة وُلدت في عالم من النغم والنصوص المسرحية والأزياء البرّاقة، أن تسلك طريقاً آخر؟
أمضت لحّود سنوات الطفولة والمراهقة مسحورة بالخشبة ونجومها. يعود إليها مشهدٌ من كواليس مسرحية «بنت الجبل»، حيث اختلطت عليها صورة الأم مع صورة الفنانة. تروي كيف ارتدت قفازاً أبيض كان يلزم سلوى في أحد المشاهد، ثم رفضت خلعه عندما حان موعد المشهد. تُعلّق: «كأني أردت أن أمنعها من الخروج خشية ألا تعود».


ما بحثت ألين لحّود مرةً عن أمها سلوى القطريب فلم تجدها بجانبها، سوى في ذلك اليوم الذي رحلت فيه إلى الأبد
بين مطلع السبعينات حتى عام 1999، حين قدّمت آخر مسرحياتها، فرضت سلوى القطريب نفسها إحدى أبرز نجمات المسرح الغنائي في العالم العربي. برأي ابنتها، «هي كانت تستحق الانتشار العالمي، لكن لبنان بدولته وإعلامه وشركات إنتاجه لم يعطِها حقها، ولم يردّ لها جميل تعلّقها بالوطن».
في المقابل، بقي إرث القطريب الفني حياً ومقدَّراً في ذاكرة الجمهور اللبناني والعربي. تفرح لحّود وتتفاجأ عندما تلمس اهتمام الجيل الجديد بأغاني والدتها، من خلال تردادها ومشاركتها الدائمة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ «هذا يطمئنني»، تقول. هي كذلك تقوم بما في وسعها من أجل الحفاظ على ما تسمّيها «ثروة فنية»: «أخاف على تلك الثروة وأسعى أن أضمّنها في برامج حفلاتي. أما عندما أؤدّي أغانيها أو أدوارها كما حصل في (بنت الجبل)، فأنا أبصرها أمامي وأشعر بها حولي».
من بين الأغاني التي تتعمّد لحّود تكرارها، «وعدوني»، و«يمكن شي يوم بهالدني». تذهلها كذلك أغنية «إسمك بقلبي» والسلاسة التي أدّتها بها القطريب رغم صعوبتها. تقول إن والدتها رفعت لها السقف كثيراً. تدرك أنها لا تستطيع أن تكون سلوى، وهي لا تسعى إلى ذلك أصلاً، لكنها تحاول ألا تتنازل عمّا زرعته فيها من مبادئ فنية وإنسانية؛ «هذا صعب جداً وبمثابة حرب في هذا الزمن، لكن كما ربّتني أنا ماشية».

حسبما تروي لحّود، فإنّ سلوى القطريب غلّبت الحب والصدق على أي أمر آخر في حياتها. لم تتعامل مع الفن يوماً من زاوية المصلحة أو المنافسة. تقول إن «كل ما أنجزت حصل من دون تخطيط، وحتى دخولها مجال الفن كان صدفة. لم ترضَ أن تتورّط فيما لا يتبنّاه إحساسها، خوفاً من أن ينعكس ذلك سلباً على أدائها».
كل ما أرادته القطريب كان ترك أثر جميل عند الناس، وهذا ما حصل يوم تعرفت إلى المخرج والمنتج والمؤلف الموسيقي والمسرحي روميو لحود. لم يستأثر روميو بسلوى، فهما «ابتكرا معاً توأماً فنياً وأكمل كلاهما الآخر»، حسب ابنتها. ثم إن القطريب لم تجد مَن يقدّمها على المسرح الغنائي كما فعل روميو. ويوم انكفأت عن العروض المسرحية والأضواء، تعاملت مع الأمر بسلام ورضا. تقول لحود عن تلك المرحلة: «بقي لديها أمل بأنها ستعود يوماً إلى المسرح. كررت لي حينها أن القناعة حلوة وأن يوماً لنا ويوماً لغيرنا، وأن الحياة تتسع لكل الناس».
مسالمةً ومتأمّلةً أمضت سلوى القطريب سنواتها الأخيرة. لم تُراكم الصداقات في المجال الفني، لكنّ زميلة وحيدة تميّزت من بين سواها. تروي ألين لحّود أن العلاقة التي جمعت بين فيروز ووالدتها كانت مميزة جداً؛ «قد تكون أمي الفنانة الوحيدة التي حضرتها السيدة فيروز 3 مرات في المسرح. وهي قالت مرة للأستاذ إلياس الرحباني إنها لو تمكنت من اختيار إحدى أغانيها لتقديمها، لاختارت (عد بنا يا ليل)».
أما خلال محنتها الصحية، فقد رافقت فيروز سلوى من خلال الاطمئنان عليها يومياً عبر الهاتف. «كان لي حظ التحدّث إليها مرة»، تقول لحود. «لا أنسى الحنان الذي رافق صوتها، ولا القلق الذي كانت تشعر به على أمي... لوهلة نسيتُ مع مَن كنت أتكلّم، لمست أمومتها في تلك اللحظة».

كبرت ألين لحّود بين زمنَين، زمن فيروز وسلوى القطريب، وزمن الإنتاج السريع. تقول إن الفرق بين ذاك الزمن وهذا، كما الفرق بين الطعام الطازج والطعام المعلّب. تشكو من تراجع الثقافة الموسيقية في أوساط صنّاع الموسيقى. لكنها في المقابل، تتمسّك بإرث سلوى القطريب وروميو لحّود؛ ذاك الإرث الذي حصّنها بالحظ والوفاء للفن الجميل.


مقالات ذات صلة

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهم مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما، طريقة موحدة لتأليف موسيقاه المتنوعة، وهي البحث في تفاصيل الموضوعات التي يتصدى لها، للخروج بثيمات موسيقية مميزة. ويعتز خرما بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، التي تم افتتاحها في القاهرة أخيراً، حيث عُزفت مقطوعاته الموسيقية في حفل افتتاح البطولة. وكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في بطولة العالم للجمباز، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13»، الذي يجري عرضه حالياً في دور العرض المصرية. وقال خرما إنه يشعر بـ«الفخر» لاختياره لتمثيل مصر بتقديم موسيقى حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز التي تشارك فيها 40 دولة من قارات

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

للمرة الأولى... تسجيل مراسم تتويج الملك البريطاني في ألبوم

تعتزم شركة تسجيلات بريطانية إصدار حفل تتويج ملك بريطانيا، الملك تشارلز الشهر المقبل، في صورة ألبوم، لتصبح المرة الأولى التي يتاح فيها تسجيلٌ لهذه المراسم التاريخية للجمهور في أنحاء العالم، وفقاً لوكالة «رويترز». وقالت شركة التسجيلات «ديكا ريكوردز»، في بيان اليوم (الجمعة)، إنها ستسجل المراسم المقرر إقامتها يوم السادس من مايو (أيار) في كنيسة وستمنستر، وأيضاً المقطوعات الموسيقية التي ستسبق التتويج، تحت عنوان «الألبوم الرسمي للتتويج»، وسيكون الألبوم متاحاً للبث على الإنترنت والتحميل في اليوم نفسه. وستصدر نسخة من الألبوم في الأسواق يوم 15 مايو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

مزاد في سبتمبر على 1500 قطعة عائدة إلى المغني الراحل فريدي ميركوري

تُطرح للبيع في مزاد يقام في لندن خلال سبتمبر (أيلول) المقبل نحو 1500 قطعة عائدة إلى مغني فرقة «كوين» البريطانية الراحل فريدي ميركوري، من بينها أزياء ارتداها خلال حفلاته ومخطوطات لنصوص أغنيات، وكذلك لوحات لماتيس وبيكاسو، كما أعلنت دار «سوذبيز» اليوم الأربعاء. وستقام قبل المزاد معارض لأبرز هذه القطع في نيويورك ولوس أنجليس وهونغ كونغ في يونيو (حزيران)، ثم في لندن من 4 أغسطس (آب) إلى 5 سبتمبر (أيلول). ومن بين القطع التي يشملها المزاد تاج مستوحى من ذلك الذي يضعه ملوك بريطانيا في احتفالات تتويجهم، ورداء من الفرو الصناعي والمخمل الأحمر. وارتبطت هاتان القطعتان بصورة الفنان البريطاني الذي حقق شعبية واس

«الشرق الأوسط» (لندن)

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
TT

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)

كانت بريجيت باردو أكثر من جسد أيقوني علَّق عليه القرن العشرون خيالاته وأسئلته. وكانت، قبل كلّ شيء، امرأة وُلدت في زمن لا يعرف كيف يتعامل مع أنثى لا تطلب الإذن. امرأة خرجت من الشاشة لتدخل الوعي الجماعي، وتحوّلت من ممثلة إلى مُحرِّكة لقلق المجتمع الذكوري ولمخاوفه من الجسد المُنطلِق، ومن المرأة التي لا يمكن ضبطها أو احتواؤها.

الجمال الذي لا يطلب الإذن غالباً ما يُساء فهمه (أ.ف.ب)

حين ظهرت باردو في خمسينات القرن الماضي، لم يكن العالم مهيّأً لها. كانت السينما لا تزال تبحث عن نساء جميلات «مروَّضات»، وأنوثة يمكن استهلاكها من دون أن تُهدّد البنية الأخلاقية القائمة. لكن باردو جاءت مختلفة. جسدها لم يكن خاضعاً، ونظرتها لم تكن مطيعة، وحضورها لم يكن استعطافياً. لم تؤدِّ دور المرأة المرغوبة فقط، وإنما المرأة الواعية بجاذبيتها، لا تتبرأ منها ولا تُبالغ باستعراضها. هنا تحديداً بدأ الارتباك.

في أفلامها، وخصوصاً «وخلق الله المرأة»، كانت المسألة في الجرأة الوجودية قبل المَشاهد الجريئة. باردو شكَّلت تجسيداً لامرأة تختار وتقتحم وترفض وتُغادر. امرأة لا تُعاقب نفسها كي تُطمئن المجتمع. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت أكثر من نجمة. أصبحت سؤالاً أخلاقياً مُعلّقاً في الهواء.

امرأة صنعت حضورها ثم دفعت ثمنه (أ.ف.ب)

تحوّلت سريعاً إلى ظاهرة ثقافية تتجاوز الشاشة. شعرها الأشقر المنفلت، نظراتها التي لا تنحني، صارت جزءاً من خطاب اجتماعي كامل عن الحرّية والأنوثة غير المروَّضة. لكنها، في مقابل هذه الأيقونية، دفعت ثمناً باهظاً. فباردو التي رآها العالم رمزاً للانطلاق، كانت تعيش قلقاً دائماً واختناقاً من الضوء وشعوراً متنامياً بأنها صارت صورة أكثر مما هي إنسانة. تزوّجت أكثر من مرة، أحبَّت وجُرحت، ووجدت نفسها مُحاصرة بتوقّعات الآخرين، وبفكرة أنها «مُلكية عامة».

امرأة عَبَرَت الزمن بلا اعتذار وبلا محاولة لإرضائه (أ.ف.ب)

لكن المجتمع لا يكتفي بطرح الأسئلة، فيُسارع إلى معاقبة مَن يجرؤ على طرحها. فُتحت على باردو أبواب المجد كما تُفتح الأبواب على العاصفة. صُوّرت، كُتِب عنها، حوصرت بالكاميرات، اختُزلت في جسدها، ثم حُوسبت على هذا الجسد نفسه. أُعجِب بها العالم، لكنه لم يغفر لها أنها لم تطلب إعجابه بالطريقة «الصحيحة».

في عمق هذه المفارقة، عاشت باردو مأساة الأيقونات. حين تتحوّل المرأة إلى أيقونة، يُسلب منها حقّ التعب وحقّ التناقض وحقّ الشيخوخة. فالأيقونة يجب أن تبقى ثابتة، بينما يتغيَّر الإنسان. وبريجيت باردو تغيَّرت كثيراً.

انسحبت من السينما باكراً لتقول، بصيغة أو بأخرى، إنّ هذا العالم لا يُشبهها، ولم تُخلق لتُستَهلك إلى ما لا نهاية. انسحابها كان تمرّداً. كان قرار امرأة اختارت أن تُنقذ نفسها من صورة صنعتها ولم تعد تملكها.

خرج الجمال من القالب وصار موقفاً (أ.ب)

مع الزمن، تغيَّرت ملامحها وتبدَّلت نظرتها إلى العالم. لم تُحاول معاندة العمر، ولم تتصالح معه على الطريقة الرومانسية. كانت علاقتها بالزمن خشنة وصريحة وخالية من المجاملات. لم تُخفِ انزعاجها من الشيخوخة، ولا حنقها على عالم يُقدّس الشباب ثم يدير ظهره لمَن يتقدّم في السنّ. هنا أيضاً، كانت صادقة أكثر مما يحتمل الجمهور.

في مرحلة لاحقة، وجدت باردو في الحيوانات البراءة غير المشروطة والوفاء غير الملوَّث بالسلطة. تلك صفات لم تجدها في البشر. تحوَّل دفاعها عن حقوق الحيوان إلى قضية وجودية. أسَّست مؤسّستها، وكرَّست ما تبقّى من حياتها لمعركة ترى فيها شكلاً آخر من أشكال العدالة. قد يُختلف معها في حدّتها، أو في لغتها، أو في بعض مواقفها، لكن لا يمكن إنكار أنّ هذا الالتزام كان امتداداً لمنطقها نفسه القائم على رفض العنف أياً كان شكله، ورفض الهيمنة أياً كان مصدرها.

باردو كانت دائماً امرأة «غير مريحة». لم تُتقن فنّ إرضاء الجميع، ولم تحاول. وهذا بالضبط ما جعلها أيقونة جدلية تتجاوز التمثال الجميل. فالأيقونة الحقيقية لا تُحَبّ بالإجماع. تُساءَل وتُقلِق. ولمّا لم يكُن الزمن رحيماً بها، لا في ملامحها ولا في صورتها العامة، ولمّا تغيّر وجهها وقسا أحياناً، انعكست تحوّلاتها الداخلية في تصريحات أدخلتها في صدام مع الرأي العام الفرنسي. امرأة كانت رمز التحرُّر، وجدت نفسها لاحقاً على هامش الإجماع، تقول الكلمات بصراحة، وتُقرأ مواقفها أحياناً بمعزل عن سياقها الإنساني المُعقّد. لم تحاول باردو أن تُجمّل صورتها أو تستعيد ودّ الجمهور. بقيت كما هي، حادَّة وصريحة وغير معنيّة بأن تُحَبّ.

ترحل بريجيت باردو وتبقى سيرة المرأة التي دفعت بخيارها ثمن حرّيتها، إلى جانب صورة المرأة الجميلة من زمن مضى. امرأة أحبَّها العالم حين كانت شابّة، وضيَّق عليها حين كبرت. امرأة كشفت، من دون تنظير، كيف يُحبّ المجتمع النساء طالما بقيْنَ ضمن صورته، وكيف يُعاقبهنّ حين يخرجْنَ منها.


قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
TT

قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)

احتفلت قرية باغليارا دي مارسي، وهي قرية ريفية عريقة تقع على سفوح جبل غيريفالكو في منطقة أبروتسو الإيطالية، بولادة أول طفلة منذ 3 عقود.

وحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن هذه الطفلة هي لارا بوسي ترابوكو، وقد ولدت في شهر مارس (آذار) الماضي، لتكون أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ ما يقرب من 30 عاماً.

وبولادتها، وصل عدد سكان القرية، التي يفوق عدد القطط فيها عدد السكان بكثير، إلى 20 شخصاً.

ونظراً لندرة الحدث بالقرية، أصبحت الطفلة الآن عامل الجذب السياحي الرئيسي بالمكان.

وقالت والدتها، سينزيا ترابوكو: «لقد حضر أشخاص لم يكونوا يعرفون حتى بوجود باغليارا دي مارسي، فقط لأنهم سمعوا عن لارا. لقد أصبحت مشهورة وهي لم تتجاوز التسعة أشهر من عمرها».

ويمثل قدوم لارا رمزاً للأمل، ولكنه أيضاً تذكيرٌ مؤلمٌ بتفاقم الأزمة الديمغرافية في إيطاليا.

وفي عام 2024، بلغ عدد المواليد في إيطاليا أدنى مستوى تاريخي له، حيث وصل إلى نحو 369 ألف مولود، مواصلاً بذلك اتجاهاً سلبياً استمر 16 عاماً، وفقاً لأرقام المعهد الوطني للإحصاء.

كما انخفض معدل الخصوبة إلى مستوى قياسي، حيث بلغ متوسط ​​عدد الأطفال المولودين للنساء في سن الإنجاب 1.18 طفل في عام 2024، وهو من أدنى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.

وتتعدد أسباب هذا التراجع، من انعدام الأمن الوظيفي وموجة الهجرة الشبابية الهائلة إلى عدم كفاية الدعم المقدم للأمهات العاملات، وكما هي الحال في بلدان أخرى، ارتفاع معدلات العقم لدى الرجال. علاوة على ذلك، يختار عدد كبير من الناس ببساطة عدم إنجاب الأطفال.

وتشير البيانات الأولية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء للأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى مزيد من الانخفاض.

وشهدت منطقة أبروتسو، ذات الكثافة السكانية المنخفضة أصلاً، انخفاضاً بنسبة 10.2في المائة في عدد المواليد بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

وتُعدّ باغليارا دي مارسي قرية صغيرة، لكنها تمثل مشهداً يتكرر في أنحاء البلاد، حيث يزداد عدد كبار السنّ، وتتراجع أعداد الطلاب في المدارس، مما يضع ضغوطاً على المالية العامة، ويُشكل تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة للقادة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية.

وقالت رئيسة البلدية، جوزيبينا بيروزي: «تعاني باغليارا دي مارسي من انخفاض حادّ في عدد السكان، تفاقم بسبب رحيل كثير من كبار السنّ، دون أيّ تغيير في الأجيال».

وأعربت بيروزي، التي تسكن على بُعد خطوات من منزل الطفلة لارا، عن امتنانها لترابوكو (42 عاماً)، وشريكها باولو بوسي (56 عاماً)، لتكوينهما أسرة، وتأمل أن يُلهم ذلك الآخرين لفعل الشيء نفسه.

ويُعدّ وضعهما غير مألوف. فترابوكو، مُدرّسة الموسيقى، وُلدت في فراسكاتي، بالقرب من روما، وعملت في العاصمة الإيطالية لسنوات قبل أن تُقرّر الانتقال إلى القرية التي وُلد فيها جدّها، لأنها لطالما رغبت في تربية أسرة بعيداً عن صخب المدينة. والتقت ببوسي، عامل البناء من المنطقة، قبل بضع سنوات.

واستفاد الزوجان من «منحة المولود» البالغة ألف يورو بعد ولادة لارا، وهي دفعة تُصرف لمرة واحدة عن كل طفل يُولد أو يتم تبنيه منذ يناير 2025، وقد أقرّتها حكومة جورجيا ميلوني اليمينية المتطرفة في جزء من تعهّدها بمعالجة ما وصفته رئيسة الوزراء بـ«الشتاء الديمغرافي» في إيطاليا. كما يتلقّيان أيضاً إعانة طفل تُقدّر بنحو 370 يورو شهرياً.

لكنّ معاناتهم الرئيسية تكمن في التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل. فنظام دعم رعاية الأطفال في إيطاليا يعاني من نقص مزمن، وحكومة ميلوني، رغم تصويرها لأزمة انخفاض معدل المواليد على أنها معركة من أجل بقاء الأمة، لم تفِ حتى الآن بوعدها بزيادة عدد دور الحضانة. وتُجبر نساء حوامل على ترك العمل، ثم يواجهن صعوبة في العودة إليه لاحقاً.

كما يشعر الزوجان بالقلق حيال مستقبل لارا الدراسي. فآخر مرة كان فيها لحضانة باغليارا دي مارسي مُعلّمة - كان منزلها يُستخدم بوصفه مدرسة - كانت قبل عقود.

وتوجد مدرسة ابتدائية في كاستيلافيوم القريبة، ولكن بالنظر إلى إغلاق المدارس في جميع أنحاء إيطاليا بسبب انخفاض معدل المواليد، فإنه من غير المؤكد ما إذا كان سيكون هناك عدد كافٍ من الأطفال لدعم هذه المنشأة على المدى الطويل.

وقالت ترابوكو إن الحوافز المالية وحدها لا تكفي لوقف هذا التوجه. وأضافت: «يحتاج النظام بأكمله إلى ثورة. نحن بلد ذو ضرائب مرتفعة، لكن هذا لا يُترجم إلى جودة حياة جيدة أو خدمات اجتماعية جيدة».


وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
TT

وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)

أعلنت مؤسسة بريجيت باردو، اليوم (الأحد)، عن وفاة أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عاماً، فيما نعاها الرئيس إيمانويل ماكرون معتبرا أنها "أسطورة" كانت "تجسّد حياة الحرية".

بريجيت باردو في قصر الإليزيه عام 2007 (أ.ف.ب)

وجاء في بيان أرسلته المؤسسة إلى وكالة الصحافة الفرنسية: «تعلن مؤسسة بريجيت باردو ببالغ الحزن والأسى وفاة مؤسستها ورئيستها، السيدة بريجيت باردو، الممثلة والمغنية العالمية الشهيرة، التي اختارت التخلي عن مسيرتها الفنية المرموقة لتكريس حياتها وجهودها لرعاية الحيوان ودعم مؤسستها».

ولم يحدد البيان وقت أو مكان الوفاة.

بريجيت باردو تقف في 11 مايو 1993 في باريس بجوار تمثالين نصفيين لماريان، رمز الجمهورية الفرنسية، والتي كانت باردو عارضةً لهما (أ.ف.ب)

وسطع نجم باردو عالميًا بعد ظهورها في فيلم «...وخلق الله المرأة» عام 1956، وشاركت في نحو 50 فيلماً آخر قبل أن تعتزل التمثيل لتتفرغ للدفاع عن حقوق الحيوان.

حضرت الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، نقاشًا ضد صيد الفقمة في المجلس الأوروبي بمدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، في 23 يناير 1978 (أ.ف.ب)

وقررت باردو أن تعتزل التمثيل في أوائل السبعينات بعد مسيرة حافلة بالنجاحات شاركت خلالها في نحو خمسين فيلما.

واستقرت باردو نهائيا بالقرب من مدينة سان تروبيه الساحلية على الريفييرا الفرنسية، حيث كرست نفسها للدفاع عن حقوق الحيوانات.

الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، تلهو مع كلب لدى وصولها إلى ملاجئ الكلاب في كابري (جنوب فرنسا) في 17 يناير 1989 (أ.ف.ب)

ونعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باردو، معتبرا أنها «أسطورة» كانت «تجسّد حياة الحرية». وكتب ماكرون على منصة إكس «أفلامها، صوتها، شهرتها الباهرة، أحرف اسمها الأولى، أحزانها، شغفها السخي بالدفاع عن الحيوانات، ووجهها الذي أصبح ماريان (شعار الجمهورية الفرنسية)، بريجيت باردو جسّدت حياة الحرية. وجود فرنسي وحضور عالمي. لقد لامستنا. نحن ننعى أسطورة من هذا القرن».

ونادرا ما شوهدت باردو في الأماكن العامة خلال الأشهر الأخيرة، لكنها نُقلت إلى المستشفى في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي الشهر التالي أصدرت بيانا تنفي فيه شائعات وفاتها.