روما تتحرك لدى أوروبا لمساعدة تونس في أزمة الهجرة غير الشرعية

حذرت من «برميل بارود اجتماعي قابل للانفجار»

مواطنون من ساحل العاج أمام سفارة بلدهم في تونس العاصمة لطلب المساعدة على العودة إلى بلادهم (إ.ب.أ)
مواطنون من ساحل العاج أمام سفارة بلدهم في تونس العاصمة لطلب المساعدة على العودة إلى بلادهم (إ.ب.أ)
TT

روما تتحرك لدى أوروبا لمساعدة تونس في أزمة الهجرة غير الشرعية

مواطنون من ساحل العاج أمام سفارة بلدهم في تونس العاصمة لطلب المساعدة على العودة إلى بلادهم (إ.ب.أ)
مواطنون من ساحل العاج أمام سفارة بلدهم في تونس العاصمة لطلب المساعدة على العودة إلى بلادهم (إ.ب.أ)

بدأت الحكومة الإيطالية بذل مساعٍ لدى الغرب، بهدف مساعدة تونس، التي تواجه عاصفة من الانتقادات والضغوط، وذلك على خلفية الجدل المرتبط بتدفق المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها في طريقهم إلى الضفة الشمالية للمتوسط، خصوصاً أن الدولتين تمثلان طرفي الواجهة على خط الأزمة الساخنة المرتبطة بالهجرة غير الشرعية في حوض المتوسط.

وقبل أيام، فجر الرئيس التونسي قيس سعيد جدلاً كبيراً بدعوته إلى تشديد القيود، وتطبيق القوانين بصرامة على المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ممن يقيمون في تونس بطرق غير شرعية. وقد وضع هذا الخطاب تونس تحت ضغط كبير؛ بسبب موجة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية في الداخل والخارج، وعدة دول في القارة، التي بدأت بإجلاء عدد من رعاياها ممن تقطعت بهم السبل بسبب مضايقات تعرضوا لها.

ومنذ صعود حكومة اليمين برئاسة جورجيا ميلوني، بدأت روما تعمل على حث تونس على مزيد من التعاون في كبح قوارب الهجرة المنطلقة عبر سواحلها، حيث سجل عام 2022 أعداداً قياسية من القادمين إلى الأراضي الإيطالية. وقد قُدّر عدد التونسيين وحدهم ممن وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر بأكثر من 18 ألفاً، وفق بيانات «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، الذي يعنى بمسائل الهجرة. بينما قالت وزارة الداخلية التونسية إنها اعترضت في العام نفسه قرابة 39 ألف مهاجر في البحر، من بينهم أكثر من 27 ألفاً من الأجانب، أغلبهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وفي ظل الأزمة الحالية المتصاعدة تحدثت ميلوني مع رئيس الحكومة التونسية، يوم الأربعاء، عن وقوف إيطاليا إلى جانب تونس «في هذه اللحظة الحساسة بشكل خاص للبلاد»، وأبدت استعداد حكومتها «لمواصلة دعم تونس مالياً، وأيضاً في إطار الاتحاد الأوروبي، ومساندتها أمام المؤسسات المالية الدولية»، كما تم «التطرق إلى أزمة الهجرة الطارئة، وإلى الحلول الممكنة وفق مقاربة متكاملة» للظاهرة. وقبل ذلك أجرى أيضاً وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، محادثات مع وزير الخارجية التونسي المعين حديثاً، نبيل عمار، بشأن الدعم الإيطالي لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، وعدد من الدول الغربية بهدف حشد الدعم لتونس.

ومنذ 2021 أصبحت إيطاليا الشريك الاستراتيجي الأول لتونس في المنطقة، وأول مستثمر في مجال الطاقة، وثاني أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، بأكثر من 900 شركة، وبطاقةٍ تشغيلية عالية. وقد تصدر ملف الهجرة غير الشرعية العلاقات بين البلدين منذ أكثر من عقد، وكانت للزيارات المتتالية للمسؤولين في حكومة ميلوني إلى تونس في 2022 دلالات بشأن هذا الملف، بجانب الدعم المقدم لجهاز الحرس البحري التونسي.
وقال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إنه «من الصواب التدخل في منابع الهجرة لمنع استغلال المتاجرين بالبشر لرحلات اليأس»، موضحاً أن «الوضع صعب في كل المنطقة التي يأتي منها المهاجرون». لكن في تونس تتزايد الانتقادات بشأن هذا التعاون، مع توالي حوادث الغرق المأساوية قرب السواحل، ووسط اتهامات بانتهاج سلوك عنيف لوحدات الحرس البحري، حيث تحدث «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» عن «سياسات قاتلة»، وغالباً ما يشير إلى دور «الشرطي» الذي «تلعبه» تونس لمنع تنقل المهاجرين.

وقال عمر بن رمضان، العضو في المنتدى، «لوكالة الأنباء الألمانية»، إن «العلاقات بين الشمال والجنوب غير متوازنة، وحرية التنقل الآن هي في اتجاه واحد، علماً بأن الحريات يجب أن تكون متبادلة، وعلى تونس أن تتخلى عن هذه السياسات التي تفرضها دول الشمال، وأن تدافع عن مبدأ حرية التنقل لأفرادها». ومن جهتها اتهمت العضو في «الجمعية التونسية لمساندة الأقليات»، روضة السايبي، السلطات التونسية بتبني السياسات ذاتها لليمين المتطرف في أوروبا تجاه مهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء.

ويصل المهاجرون من تلك الدول إلى تونس عبر البحر، وعبر الطرق الصحراوية على الحدود المشتركة مع ليبيا والجزائر، في مسعى للوصول لاحقاً إلى السواحل الأوروبية. لكن عدداً كبيراً منهم ينتهي به المطاف إلى الاستقرار بتونس. لكن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تونس تدفع أيضاً العاطلين واليائسين من أبناء البلد إلى الهجرة بأعداد كبيرة نحو الجزر الإيطالية القريبة؛ بحثاً عن فرص أفضل للحياة.

وهذا الأسبوع، قال وكيل الوزارة لرئاسة مجلس الوزراء الإيطالي، ألفريدو مانتوفانو، لدى تقديمه «تقرير سياسة أمن المعلومات» الاستخباراتي لعام 2022، إنه «سيكون من المهم أن يساعد المجتمع الدولي تونس على الخروج من الصعوبات التي تعيشها»، وحذر مما سماه «برميل البارود الاجتماعي»، مضيفاً أن «الأمر متروك لأوروبا كلها لمنعه من الانفجار».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».