من قال إن زمن الفن الجميل لم يعد يجذب شباب اليوم؟ ومن قال إن أعمال الفن المعاصرة تستقطبهم أكثر من غيرها؟ فاللبناني ناجي حواط يكسر هذه الأقاويل على طريقته.
لقد أطلق قناته الخاصة على «يوتيوب» تحت عنوان «أرشيف الزمن الجميل»؛ كي يخلّد لحظات عزيزة من تلك الحقبة، والمجموعة التي يملكها من شرائط مصورة ومسجلة تقدَّر بالآلاف، وتعد من أغنى المكتبات الحديثة التي تمتّ بصلة لذلك الزمن.
منذ نعومة أظافره شُغف حواط بنجوم فترتي الثمانينات والتسعينات إلى حدّ شغله عن أي هواية أخرى؛ فكان يشتري شرائط الفيديو الفارغة من مصروفه الخاص؛ كي يحفظ عليها لقطات ومشاهد وحوارات للفنانين، وتحضر فيها مقتطفات ووصلات غنائية لمادونا عرنيطة، ونوال الزغبي، ونجوى كرم، وعلاء زلزلي... وغيرهم. ولم يقتصر حبه للفن على نجوم الغناء، بل توسع ليشمل نجمات الرقص الشرقي، وكذلك مسرحيات لرعيل قديم أمثال؛ بيار شماسيان، وأندريه جدع، وحتى لإليسا التي شاركت في بعضها.
فيديوهات قد تؤلف أفلاماً وثائقية طويلة عمل ناجي على جمعها منذ كان في سن الثانية عشرة، وهي اليوم تشكل مادة دسمة لصفحات قناته يستأنس بها الفنانون أنفسهم، مثل متابعيه من جيل اليوم. ويعلق حواط لـ«الشرق الأوسط»: «القصة بدأت معي في صغري، عندما كان جدي يثابر على قراءة مجلات فنية كالـ«شبكة» و«ألوان» و«الموعد»... وغيرها. كنت في التاسعة من عمري يومها، فحفظت حكايات مختلفة عن الفنانين حُفرت في رأسي، وصرتُ بسببها لا أفوّت مشاهدة أي برنامج ترفيهي فني. كبرت هوايتي مع الوقت عندما رحت أسجل إطلالات لفنانين أحبهم على أشرطة الفيديو مباشرة من جهاز التلفاز. وهكذا زاد عدد هذه الأشرطة ليفوق الـ2500 شريط. وكل شريط يتضمن ثلاث إطلالات أو أكثر لفنان أو فنانة».
ناجي الذي يعمل مديراً لواحد من أشهر محلات بيع الشوكولاته في لبنان تذوق الفن الجميل عبر الشاشة الصغيرة.
فمنذ عام 1988 كان يتابع برامج مختلفة للمخرج الراحل سيمون أسمر الأشهر في عالم الفن في تلك الفترة. وكان يراقب بدقة برامج «ستوديو الفن»، و«ساعة بقرب الحبيب»، و«ليلة الحظ»، و«دار الفنون»... وغيرها على شاشة الـ«إل بي سي آي».
ولم يفوت أيضاً متابعة برامج على قنوات أخرى كـ«الليل المفتوح» على «المستقبل»، و«نص الجمعة» على «إم تي في».
أي فنان يخطر على بالك من تلك الحقبة ستجده ضمن مجموعة حواط الكبيرة؛ فهناك نجاح سلام، وسعاد محمد، ومنى مرعشلي، وسميرة توفيق، وصباح، وجوزف نمنم... وكثيرون غيرهم؛ فهو يتحدث عنهم بشغف، ويتوقف عند بعضهم ممن أعجب بهم إلى حدّ كبير.
«الليدي مادونا مثلاً، كنت ولا أزال معجباً بها، وحفظت أغانيها، ولفتتني أناقتها؛ كذلك الأمر بالنسبة لنجوى كرم، ونانسي عجرم».
بذل ناجي حواط جهداً كبيراً كي يحافظ على تلك الفيديوهات؛ إذ قرر أن يقوم بعملية تحويلها من الـ«في إتش إس» إلى «سي دي»، «وهي عملية شاقة إلى حد ما؛ لأن الأجهزة التي تسهل هذه العملية لا تتوافر بسهولة». ولكن هل دفعت له مبالغ طائلة مقابل شراء هذا الأرشيف؟ يرد في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أبيعه بمال الدنيا، ومهما ارتفع الرقم الذي يحاولون إغرائي به؛ فهذه المجموعة ليست مجرد أشرطة وكاسيتات، ولكنها ذكريات طفولة لن أتخلى عنها».
وفي الوقت نفسه يذكر ناجي أن أحد الأشخاص المعجبين بنجوى كرم طلب منه تزويده ببعض الشرائط عن فنانته الأحب إلى قلبه، كما أن المغني السوري نهاد نجار تواصل معه من أجل الحصول على مقاطع مصورة ليست موجودة لديه. ويعلق: «تطول لائحة الفنانين الذين يهتمون بما أقدمه عبر قناتي، ومؤخراً تواصلت مع الفنانة مادونا عرنيطة، وهنأتني على ما أقوم به، وذكرت لي أنها نفسها لا تملك هذه المجموعة من البرامج التي أطلت بها. وكذلك الأمر بالنسبة للفنانة السورية هويدا؛ فهي أيضاً قد تواصلت معي من خلال مديرة أعمالها، لتقف على عدد الفيديوهات التي تتضمن وصلات غنائية لها».
يعُد ناجي حواط ما يقوم به بمثابة تكريم لهؤلاء الفنانين، خصوصاً أن قناته «ناجي حواط أرشيف الزمن الجميل» متابعة من جنسيات مختلفة في العالم. «لديّ متابعون من باكستان والهند وكندا والمغرب والإمارات وفرنسا وقطر إيطاليا... وغيرها. ويبقى لبنان على رأس هذه القائمة؛ إذ إن مشاهدي القناة الذين تجاوز عددهم المليون هم من أهل البلد».
وكيف يفكر بمصير هذه المجموعات في المستقبل؟ يرد: «أبحث عن فرصة تلفزيونية أقدم فيها برنامجاً عن زمن الفن الجميل، فيعرض أسبوعياً، وضمن وقت قصير أمرر خلاله مقتطفات من مجموعتي. فهناك أشخاص كثيرون يحبون أن يروا من جديد سميرة توفيق على المسرح، أو الراحلة داني بسترس سيدة الرقص الشرقي. حتى إنني أمتلك مشاهد ووصلات للراحلات ذكرى، والأميرة الصغيرة، وسوزان تميم».
قريباً، وفي مناسبة ذكرى رحيل الراقصة ناريمان عبود سيكرمها ناجي من خلال عرض فيديو لإحدى حفلاتها على قناته الخاصة. والأمر نفسه قام به في ذكرى رحيل صباح. «هي مقتطفات نادرة لا يمكننا إيجادها بسهولة، وهو أمر تأكدت منه بعد سلسلة أبحاث قمت بها على منصة «يوتيوب». يومياً يعرض ناجي على قناته ثلاثة مقتطفات جديدة عن فنانين أحبهم. واللافت أنه يعرضهم من دون إجراء أي عملية مونتاج عليهم. فيظهر فيه الفنانون كأماني، وفيليب عقيقي، ومادونا التي خصص لها شريطاً تكريمياً بمناسبة عيد ميلادها مؤخراً، وتطل فيه المذيعة التلفزيونية ليليان ناعسي في بداياتها الإعلامية.
ناجي حواط يوثق زمن الفن الجميل بآلاف الشرائط المصورة
تفوق على الفنانين أنفسهم في الحفاظ على ذكرياتهم
ناجي حواط يوثق زمن الفن الجميل بآلاف الشرائط المصورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة