مر اليوم الثامن لزلزالي تركيا ثقيلاً خفتت فيه الأصوات رويداً رويداً، وضرب الإرهاق الشديد فرق البحث والإنقاذ التي لا تزال تواصل العمل متمسكة بالأمل في تحقيق معجزات في اللحظات الأخيرة بالعثور على ناجين تحت الأنقاض، بينما ينتظر المواطنون في المناطق المنكوبة حدوث مثل هذه المعجزات التي تعيد إليهم بعض أحبائهم المفقودين.
وواصل عدّاد الخسائر في الأرواح التحرك بسرعة كبيرة. وأعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، في بيان أمس الاثنين، أن عدد القتلى ارتفع إلى 31 ألفاً و643 قتيلاً إلى جانب 80 ألفاً و278 مصاباً، مشيرة إلى مواصلة 238 ألفاً و459 من أفراد البحث والإنقاذ العمل في المناطق المنكوبة، كما تم إجلاء 158 ألفاً و165 شخصاً من تلك المناطق.
وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن إجمالي 9793 موظفاً أجنبياً من 74 دولة يواصلون جهودهم في أعمال البحث والإنقاذ.
ونجحت فرق البحث والإنقاذ في انتشال 5 أحياء من تحت الأنقاض في عدد من المناطق في اليوم الثامن للزلزالين المدمرين اللذين ضربا تركيا الأسبوع الماضي. وتمكنت فرق الإنقاذ في هاتاي، الاثنين، من انتشال داريا أكدوغان (26 عاماً) ووالدتها بعد 178 ساعة من البقاء تحت الأنقاض، وتعمل فرق الإنقاذ على إخراج زوجها. كما تم إخراج سراب دونماز سالمة من تحت الأنقاض قبل ذلك بساعتين أي بعد مرور 176 ساعة على وقوع الزلزالين.
وفي سباقها مع الزمن، نجحت فرق الإنقاذ في إخراج شخصين من تحت الأنقاض في أديامان، إحداهما طفلة (14 عاماً) تدعى ميراي جنوب البلاد، وتواصل جهودها لإخراج شقيقتها الكبرى التي لا تزال على قيد الحياة أيضاً.
وتواصل فرق الإنقاذ جهودها لإخراج 3 أشخاص من تحت الأنقاض في كهرمان ماراش بعد التأكد من وجودهم على قيد الحياة.
ولا تزال الصرخات تعلو من التقصير وعدم وصول الدولة إلى كثير من المناطق، ووجود آلاف تحت الأنقاض في كل ولاية من الولايات العشر. وكشفت فرق البحث والإنقاذ عن مصرع جميع أعضاء فريق كرة الطائرة المكون من 35 شخصاً، والتابع لكلية «معارف غازي فاماغوستا» التركية للفتيات والفتيان تحت أنقاض فندق «غراند إيزياس»، في مدينة أديامان جنوب تركيا. وتم انتشال جثث أعضاء الفريق الذي يتكون من 28 لاعباً من طلاب إحدى المدارس تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، فضلاً عن 8 إداريين ومدربين.
في الوقت ذاته، كشف مساعد المدير الفني لفرق هاتاي سبور لكرة القدم، جوكان زان، الذي يعمل مع فرق الإنقاذ في إسكندرون بولاية هاتاي، أن هناك أكثر من ألف شخص لا يزالون تحت الأنقاض في إسكندرون، لكن فرق الإنقاذ لم تأت للمنطقة بسبب غياب التنسيق.
وأكد أن هناك حاجة شديدة للخيام والحاويات ودورات المياه والأدوية والملابس الداخلية، بسبب الظروف التي يعيش فيها الناس ليس في إسكندرون فقط وإنما في أنطاكيا وغيرها من المناطق المتضررة.
تضامن عربي
وتواصل تدفق المساعدات ورسائل التضامن من الدول العربية على تركيا لدعمها في مواجهة كارثة الزلزال. وقامت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، نجلاء المنقوش، بزيارة لأنقرة أجرت خلالها مباحثات مع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، حيث قدمت العزاء في ضحايا الزلزالين، وأكدت تضامن حكومتها مع تركيا في مواجهة هذه الكارثة الأليمة.
وقالت المنقوش، في مؤتمر صحافي مع جاويش أوغلو، إن تركيا من أكثر الدول التي ساندت الشعب الليبي، «ومن واجبنا الآن مساندتها، وسنقدم 50 مليون دولار كدفعة أولى لإعادة الإعمار في المناطق التي تضررت من الزلزال في جنوب تركيا».
من جانبه، قال جاويش أوغلو إن السلطات الليبية أرسلت فرق إنقاذ، وأقامت مستشفى ميدانياً في هاتاي، وإن 91 دولة تعهدت بإرسال أكثر من 96 ألف خيمة لإيواء أكبر عدد من المتضررين جراء الزلزال، وإن طائرات الشحن التركية ومن بلدان عدة تعمل على نقل المعدات والخيام والمساعدات.
في الوقت ذاته، وصل عدد المشاركين في حملة التبرعات الشعبية في السعودية عبر منصة «ساهم» لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا إلى مليون و23 ألفاً و406 متبرعين، بحصيلة أولية تجاوزت 311 مليوناً و841 ألفاً و204 ريالات (نحو 83 مليون دولار)، التي أنشئت بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كما وصلت إلى أضنة في جنوب تركيا طائرة الإغاثة السابعة القادمة من السعودية، ليل الأحد، محملة بتجهيزات طبية متنوعة.
وأعلنت الخطوط الجوية التركية، في بيان، أنها نقلت الأحد 46 طنا من المساعدات الإنسانية القطرية إلى ولاية أضنة لتوزيعها على ضحايا الزلزال في الولايات التركية المنكوبة.
وأجرى وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، الأحد، زيارة إلى المناطق المتضررة من الزلزال في جنوب تركيا، تفقد خلالها المناطق المتضررة في ولاية كهرمان ماراش، التي كانت هي مركز الزلزالين اللذين ضربا البلاد فجر 6 فبراير (شباط)، كما زار مقر الفريق الإماراتي للبحث والإنقاذ في الولاية، والتقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وأكد استمرار دعم الإمارات ووقوفها إلى جانب الشعب التركي في مواجهة هذه المحنة، وتقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لإغاثة المنكوبين جراء هذه الكارثة الإنسانية.
وأعلنت حملة «جسور الخير» في الإمارات عن جمع أكثر من 30 ألف طرد غذائي وكميات كبيرة من الملابس الشتوية والأغطية والاحتياجات الإنسانية، لصالح المتأثرين من الزلزال في سوريا وتركيا.
وأرسل الأردن طائرتين عسكريتين إلى مطار أضنة في جنوب تركيا وعلى متنهما 480 خيمة عائلية من أصل 10 آلاف، لمساعدة المتضررين من الزلزال.
وكان الأردن أرسل، خلال الأيام الماضية، عدداً من طائرات المساعدة إلى تركيا، ومستشفى عسكريا ميدانيا مجهزا بالكامل إلى كهرمان ماراش.
كما وصلت طائرات من مصر والسودان وموريتانيا محملة بآلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية والأغطية.
ومنذ وقوع زلزالي 6 فبراير، أعلنت 16 دولة عربية رسمياً إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة لدعم تركيا، هي السعودية، ومصر، وقطر، والكويت، والإمارات، ولبنان، والجزائر، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، وليبيا، وتونس، وفلسطين، والعراق، والسودان وموريتانيا.
ودعا وزير الداخلية التركي سليمان صويلو المواطنين والبلديات والمنظمات المدنية إلى عدم التوقف عن التبرع وإرسال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، قائلاً إن الوضع في هذه المناطق لن يستقر قبل عام لأن هناك ملايين المتضررين من كارثة الزلزال.
في الوقت ذاته، قدر اتحاد الشركات والأعمال في تركيا حجم خسائر الزلزال بنحو 84 مليار دولار منذ وقوعه وحتى الآن.
«مقاولو الدمار»
في غضون ذلك، كثفت السلطات التركية تحقيقاتها في مخالفات البناء وفحص العيوب التي أدت إلى انهيار 6 آلاف و444 مبنى في الزلزالين اللذين ضربا 10 ولايات في جنوب وشرق وجنوب شرقي البلاد.
وأصدر مكتب المدعي العام لولاية ديار بكر (جنوب شرق)، الاثنين، مذكرة اعتقال تضمنت 33 شخصاً أفادت معلومات بأنهم قاموا بقطع أعمدة أحد المباني المنهارة في الزلزال بهدف توسيع المساحات في معرض للسيارات في الطابق الأرضي للمبنى.
كما أصدر مكتب المدعي العام لولاية أضنة (جنوب) أمراً باعتقال 62 شخصا فيما يتعلق بالتحقيق في انهيار المباني التي دمرها الزلزالان وجاء مركزهما في بلدتي بازاجيك وإلبيستان في كهرمان ماراش وتأثرت بهما ولايات كهرمان ماراش، وهاتاي، وأضنة، وعثمانية، وكيليس، وأديامان، ومالاطيا، وغازي عنتاب، وشانلي أورفا وديار بكر.
وكشفت مصادر أمنية أنه تم اعتقال المقاول حسن ب، وهو مقاول وصاحب الشركة التي شيدت مباني عدة مدمرة بولاية أضنة، بعد هروبه إلى نيقوسيا.
وسبق أن أوقفت السلطات التركية المقاول محمد ج، صاحب مجمع سكني فاخر في هاتاي في مطار إسطنبول أثناء محاولته الهرب إلى الجبل الأسود وبحوزته مبالغ مالية كبيرة عقب انهيار المجمع، الذي بيعت الوحدات السكنية فيه بمبالغ تبدأ من مليونين و800 ألف ليرة تركية.
كما تم القبض على المقاول ياووز ك، وزوجته في مطار إسطنبول، ليل الأحد – الاثنين، أثناء محاولتهما الهرب إلى جورجيا بعد انهيار 4 مبان تولت شركته إنشاءها في أديامان. وقال المقاول ياووز بعد توقيفه إن «ضميري مستريح... لقد أنشأت 44 مبنى انهار منها 4... لقد فعلت كل شيء بشكل صحيح وفي إطار القانون».
كما تم القبض على نظمي ط، مدير موقع البناء في بناية دمرها الزلزال في غازي عنتاب، في منزله في حي عمرانية في إسطنبول، وتم تحويله إلى مديرية أمن غازي عنتاب بعد التحقيق معه في إسطنبول.
وقال وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، إن ما لا يقل عن 134 مشتبهاً بهم يخضعون للتحقيق فيما يتعلق بالمباني التي دمرها الزلزال.
وأضاف بوزداغ، في تصريحات في ديار بكر ليل الأحد - الاثنين: «حتى الآن، قام مدعو العموم بإصدار أوامر باعتقال أشخاص دون تأخير، في إطار التحقيقات الجارية... تم فتح التحقيق مع نحو 134 مشتبهاً بهم، ممن اعتبروا مسؤولين بشأن المباني المدمرة، وتم توقيف 3 من هؤلاء المشتبه بهم على ذمة المحاكمة، و7 منهم رهن الاعتقال، و7 ممنوعون من السفر... سنكشف الإهمال، وسنفعل ما يقتضيه القانون».