مساعي تدويل التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت تنشط من جديد

الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق «عادل وشفاف»

رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مجتمعاً مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة السفيرة يوانا فيرونتسكا (الوكالة الوطنية)
رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مجتمعاً مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة السفيرة يوانا فيرونتسكا (الوكالة الوطنية)
TT

مساعي تدويل التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت تنشط من جديد

رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مجتمعاً مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة السفيرة يوانا فيرونتسكا (الوكالة الوطنية)
رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مجتمعاً مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة السفيرة يوانا فيرونتسكا (الوكالة الوطنية)

رغم الآمال التي أحياها قرار المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بالعودة لاستكمال تحقيقاته بعد أكثر من عام على توقفها، فإن التطورات التي شهدها الأسبوع الماضي وخصوصاً المواجهة بين البيطار والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ما عاق مواصلة المحقق العدلي تحقيقاته، جعلت عدداً كبيراً من أهالي الضحايا ومرجعيات سياسية ودينية يعودون للدفع باتجاه إجراء تحقيق دولي خاص بالانفجار.
ولفت يوم أمس البيان الذي صدر عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا والذي يطالب «كل الأطراف المعنية باحترام استقلالية القضاء والامتناع عن جميع أعمال التدخل والسماح بتحقيق قضائي عادل وشفاف في انفجار المرفأ».
ويتصدر البطريرك الماروني بشارة الراعي الداعين لتدويل التحقيق. وقد قال مؤخرا إن «التحقيق الدولي بجريمة المرفأ هو مطلبنا من الأساس». ويُعد حزب «القوات» أيضاً من الدافعين الأساسيين في هذا الاتجاه. وشدد رئيس الحزب سمير جعجع خلال لقائه المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السفيرة يوانا فيرونتسكا يوم الأربعاء الماضي على «وجوب مساندة التحقيق من خلال تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية تكشف وقائع هذه الجريمة، وتساعد اللبنانيين على معرفة الحقيقة». وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط» إنه «منذ عامين ونصف ونحن ندور في حلقة مفرغة في هذا الملف. ونحن نعتقد أنه من دون لجنة تقصي حقائق دولية لا يمكن الوصول إلى الحقيقة. فبصرف النظر عن الخطوة التي قام بها القاضي البيطار مؤخراً لكنه يبقى مكبلاً وممنوعاً أن يخرج بأي خلاصات وأن يُصدر قراراً اتهامياً». وأكدت المصادر أن «هناك من يريد أن يضم انفجار المرفأ إلى لائحة الاغتيالات التي لم تتوصل التحقيقات فيها إلى نتيجة، ومن لا يريد أن تظهر الحقيقة على غرار من رفض تبيان حقيقة من اقترف كل الاغتيالات في لبنان».
ويبدو أن نواب «التغيير» الداعمين للقاضي البيطار يعملون أيضاً على تدويل هذا الملف. وتشير النائبة بولا يعقوبيان إلى أنه «ما دامت المافيا قوية وقادرة أن تعبث بالعدالة والقضاء وتعرقل المحقق العدلي الذي عينته، فذلك يؤكد أنه سيكون من الصعب الوصول للحقيقة عبر تحقيق لبناني بالظروف الحالية، لذلك نؤكد أن التحقيق الدولي أصبح أكثر من ضرورة؛ لأن الأهم ملاحقة المرتكبين حتى النهاية بكل الطرق والوسائل»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» القيام بكل الضغوط اللازمة لحدوث تحقيق دولي بانفجار المرفأ.
وبرز مؤخراً ما أعلنه الناشط ويليام نون، شقيق أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وقوله إنه قام وعدد من أهالي الضحايا بأكثر من لقاء في السفارة الفرنسية في بيروت: «وقال لنا أحد المسؤولين فيها، وإن بطريقة غير مباشرة، إنهم والشعب الفرنسي يدعمون مطلبنا بتحقيق دولي، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الذي يشكل العائق أمام هذا التحقيق»، لافتاً إلى أنهم كأهالٍ قد ينظمون اعتصاماً أمام السفارة الفرنسية للاعتراض على موقف ماكرون.
من جهتها، تشير ميراي خوري والدة الضحية إلياس خوري إلى أنهم كأهالي ضحايا يدفعون منذ فترة باتجاه تحقيق دولي، مؤكدة أن «تحقيقاً مماثلاً لا يحل مكان التحقيق المحلي على أساس أنه يمكن أن يحصلا في الوقت عينه، وأن يكون التحقيق الدولي داعماً للتحقيق المحلي خصوصاً في ملف بهذا الحجم وبهذه الدرجة من التعقيد».
وتؤكد خوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن الحكم على النوايا والخشية من أن يكون التحقيق الدولي مسيساً، فليحصل هذا التحقيق أولاً وبعدها نقرر إذا سلك مساراً خاطئاً».
بالمقابل، لا يبدو المحامي واصف الحركة المعارض السياسي والناشط الحقوقي متحمساً لتحقيق دولي، مشدداً على أن «الدول مصالح ونفوذ، وقد تستخدم أي عملية لمصالحها، وبالتالي هي مستعدة لتستخدم التحقيق لأجل مصالحها بالمواجهة، وعندما تحدث تسوية ما تتنازل عنه لذلك أنا لا أؤيد تدويل الملف».
ويؤكد الحركة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التمسك بتحقيق داخلي «شرط أن يكون المحقق كما القاضي البيطار لا يتراجع عن موقفه، ويستطيع أن يحاكي الملف من الناحيتين القانونية والقضائية، لا بما يتناسب مع مصالح ونفوذ مجموعات وجهات خارجية وداخلية. من دون أن يعني ذلك عدم اللجوء إلى لجنة تقصي حقائق والاستعانة ببعض المعطيات والمعلومات التي يمكن أن تساعد التحقيق. وهي معلومات يتم حجبها حالياً عن البيطار لاستخدامها كورقة، من هنا تأتي أهمية تحويل المواجهة إلى مواجهة شعبية لعدم الانفراد بالقاضي البيطار الذي يتعرض لضغوط ولمحاولات مستمرة لمحاصرته بالطرق القانونية والسياسية والقضائية».
وكان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله قد رفض التحقيق الدولي في الانفجار، كما أكد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أن «المطالبة بالتحقيق الدولي الهدف منه تضييع الحقيقة»، لافتاً إلى أنه «لا معنى لأي حكم إذا طال صدوره، والقضاء يجب أن يكون سريعاً لأن العدالة المتأخرة ليست بعدالة كاملة».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
TT

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)

وسط انشغال السوريين، على المستويين الرسمي والشعبي، باحتفالات الذكرى الأولى لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، ظهرت مقاطع فيديو له وهو يتحدث إلى مستشارته الإعلامية لونا الشبل، خلال جولة وهو يقود سيارة في محيط العاصمة دمشق قبل سنوات.

وبينما أشار سوريون إلى أن الأسد تحدث عن سوريا بقرف وخجل، أظهر آخرون عدم اكتراثٍ بما جاء في التسريبات، وحمدوا الله على أنه «أصبح في خبر كان».

واعتبر آخرون أن ما كشفته التسريبات بصوت الأسد يشير إلى أنه سقط مرة ثانية الآن في أعين مناصريه والذين قاتلوا إلى جانبه في سوريا ومن دول الجوار، بعدما سقط في المرة الأولى عسكرياً بدخول فصائل المعارضة دمشق، وإطاحة نظامه قبل سنة من الآن.

وبثت قناة «العربية/ الحدث» السبت، تسجيلات مصوَّرة حصرية تجمع الأسد بمستشارته السابقة لونا الشبل، التي قُتلت في ظروف غامضة عام 2024؛ إذ قيل وقتها إنها توفيت بحادث سير؛ لكن معلومات أخرى أشارت إلى أن الحادث كان مدبراً.

وظهر الأسد في أحد المقاطع وهو يوجِّه شتائم حادة متعلقة بالغوطة، قائلاً: «يلعن أبو الغوطة»، قائلاً لفريقه من الغوطة: «سندخل (منطقة) سقبا وكأني لا أعلم أنها (تحررت)».

كما تتضمن التسجيلات التي بثتها «العربية» مشاهد يسخر فيها الأسد ولونا الشبل من جنود سوريين ظهروا وهم يقبِّلون يد الرئيس المخلوع خلال لقاءات سابقة.

وفي مقطع آخر، قال الأسد للونا الشبل إنه لا يشعر بشيء عند رؤية صوره بالشوارع، وذلك بعد سؤالها له عمَّا يشعر به عند رؤية صوره بالشارع.

دمار من جرَّاء المعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة السابقة في مخيم اليرموك بضواحي دمشق (إ.ب.أ)

كما أظهرت التسجيلات أن بشار الأسد ولونا الشبل وجَّها سخرية لاذعة تجاه الشرطة السورية ووزير الداخلية، وقالت مستشارته: «شو مبسوط وزير الداخلية بالشرطة تبعه، وكل شوية ينزلوله خبر على الفيس».

وعن الوضع في سوريا، قال الأسد: «لا أشعر بالخجل فقط؛ بل بالقرف». أما لونا الشبل فسخرت -من جهتها- من اللواء سهيل الحسن، قائلة: «مو فاضي، حاطط رجله على جبل قاسيون وعم يتصوَّر، ومعه مرافقون روس».

وفي مقطع آخر، ظهر الأسد وهو يسخر من اسم عائلته، قائلاً: «يجب تغييره باسم حيوان آخر».

واستقبل بعض السوريين تلك التسريبات باستخفاف؛ إذ عبَّر الصحافي وائل يوسف (40 عاماً) عن عدم اهتمامه، قائلاً إن «أصحاب هذه (الفيديوهات) أصبحوا من الماضي»، مضيفاً أنه يزعجه النظر إليهم وسماع أصواتهم. وتابع مستدركاً: «لكن يبدو أن الخوارزميات تفرضهم علينا». وقال: «أنا شخصياً لم أقدر على الاستماع لبشار حتى عندما (كان) يلقي خطاباً يُفترض أنه مهم، وإذا كنت مضطراً فإنني أقرأه مكتوباً، واليوم -والحمد لله- أصبحوا في خبر كان».

وقال رضوان (50 عاماً)، وهو من أهالي حي جوبر بدمشق الذي دمَّرته قوات الأسد: «نحن نعرف أنه أهبل (عبيط)، ولذلك ثُرنا عليه. عندما كان يقصفنا بالطائرات كنا نقول: من المستحيل أن يكون بشار الأسد سورياً؛ لأن عداءه لسوريا والسوريين غير طبيعي، والفيديوهات أثبتت ذلك، وقد شتم الغوطة وأهلها لأنها كانت مخرزاً في عينه».

سوريون يحتفلون بذكرى سقوط الأسد في دمشق يوم 5 ديسمبر الحالي (أ.ب)

وقالت المحامية نبال حمدون التي تتحضر للاحتفال بـ«عيد التحرير» مع أصدقائها: «لم نفاجأ بكلام الأسد، فقد عبَّر عنه فعلاً خلال 14 عاماً من القتل والتدمير. وإذا كانت سوريا مقرفة فالسبب فساد حكمه وحكم أبيه (الرئيس الراحل حافظ الأسد)». وأردفت: «الذين استحوا ماتوا».

أما المهندس بدر رحمة، فعبَّر عن فضوله الشديد لمعرفة إحساس الأسد وهو يراقب من موسكو الاحتفالات التي تشهدها سوريا في ذكرى سقوط نظامه، و«هل سيرى صوره تحت أقدامنا ما دام لم يكن يراها وهي معلَّقة (في الشوارع السورية) رغماً عنا في كل مكان». وقال: «أمنيتي معرفة شعور من كانت تطلب منهم لونا الشبل الصمود، وهم يسمعون اليوم صوتها تضحك وتسخر من ولائهم لرئيسها»، وكذلك «شعور الذين ما زالوا يعلِّقون الآمال على عودته مع شقيقه (ماهر) المدمن».


التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

عكست الوقفات والتحركات الاحتجاجية في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، احتقاناً شعبياً على خلفية التأخر في دفع التعويضات للمتضررين، ما اضطر كثيرين للخروج وبدء حياة جديدة خارج قراهم.

وقبل أسبوعين، قام أحد المواطنين في بلدة الطيبة (جنوب لبنان)، بقطع الطريق أمام منزله الذي تضرر جراء غارة إسرائيليّة طالت المكان.

وقبله، أقدم عدد من أهالي دير سريان على إقفال الطريق في البلدة، فأشعلوا الإطارات على أطراف الشارع، احتجاجاً على التأخر في تعويض أصحاب الآليات المستهدفة. أما في حولا، فظهر أحد المواطنين في مقطع فيديو، قائلاً إن خسائره لا تقل عن 6 ملايين دولار، مطالباً الدولة بالتعويض لأهل الشريط الحدودي، أسوة بما حصل في مناطق أخرى.

وتأتي هذه التحركات بعد مرور أكثر من عامين على بدء الحياة المأساوية التي يعيشها سكان البلدات الحدودية، الذين ما زالوا يختبرون تجربة النزوح بعدما خسروا منازلهم وممتلكاتهم، ولم يحصلوا على تعويضات إعادة الإعمار بعد، علماً بأن الاستهدافات الإسرائيلية لا تزال شبه يوميّة هناك، والأضرار قابلة للازدياد أكثر مع الوقت.

لحظة تدمير منزل في بلدة المجادل بقصف إسرائيلي يوم الخميس الماضي (أ.ف.ب)

ولا يكترث أبناء هذه القرى للجهة التي ستكون قادرة على تأمين الأموال ودفعها لهم، كي يتمكنوا من إعادة إعمار أحيائهم وبلداتهم هناك، فهم ينفذون احتجاجاتهم ووقفاتهم الفردية، أو على شكل مجموعات، في وجه «حزب الله» والدولة اللبنانية على حد سواء.

رفع الصوت

ويقول منسّق تجمع أبناء القرى الحدودية الجنوبية طارق مزرعاني، إن مثل هذه التحركات التي تُعد خجولة حتى الآن، ستتكرر دائماً بهدف رفع الصوت عالياً.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب الأهالي تذهب في الاتجاهين، الدولة والأحزاب؛ إذ لا يهم الناس من هي الجهة التي ستقوم بالتعويض»، ويتابع: «الدولة لا تزال غائبة هناك، ولكنها تقوم ببعض التقدم على مستوى الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه».

ويلفت مزرعاني إلى أمر آخر يسعى المحتجون إلى تحقيقه، وهو تحسين واقع النازحين من هذه القرى، الذين يواجهون أزمة حقيقية، بعد أن فقدوا ما لديهم من رزق ومال ومصالح، وباتوا غير قادرين على دفع كلفة معيشتهم الأساسية؛ كدفع بدل إيجارات المنازل التي نزحوا إليها، وكلفة الطبابة، وغيرهما من الأمور.

من هنا، يؤكد مزرعاني أن بعض أبناء هذه القرى يعلمون بصعوبة تحصيلهم تعويضات إعادة الإعمار، لكنهم يطالبون الأحزاب الفاعلة في المنطقة والدولة اللبنانية بالوقوف إلى جانبهم وتحسين واقعهم، ويضيف: «منذ تأسيس التجمع، قبل نحو ستة أشهر، لمسنا تأثيره الحقيقي، ولكننا حتّى اليوم لم نرَ أي قرارات فعلية على الأرض».

القرى شبه متروكة

وكانت «كتلة التنمية والتحرير» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، استضافت، في الشهر الماضي، لقاءً تنسيقياً في «مجمع نبيه بري الثقافي» في المصيلح، لوضع استراتيجية لإعادة الإعمار، بحضور وزراء وممثلين عن جهات رسمية وأهلية، وتمت مناقشة الواقع الميداني.

ولا يزال الجنوبيون ينتظرون موافقة البرلمان اللبناني على قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية التي تضررت جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتعثر إقراره إثر مقاطعة قوى سياسية، بينها «القوات اللبنانية» و«قوى التغيير»، لجلسات البرلمان؛ بسبب الخلاف على قانون الانتخابات.

لبنانيون يراقبون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي علي الأمين، إن بروز مثل هذه التحركات «أمر طبيعي؛ لأن هذه القرى شبه متروكة»، ويتابع: «تأتي هذه الاحتجاجات في وجه من أدار ظهره للناس، وفي ذهنهم أن مواقفه أي (حزب الله)، تسهم في إغلاق الأفق أمام أي إمكانية للمعالجة»، على اعتبار أن مسألة حصرية السلاح هي شرط أساسي من أجل تمكين لبنان من إعادة الإعمار.

وتأتي أيضاً في سياق الضغط على الدولة اللبنانية التي «هي إلى حد كبير عاجزة»، وفق ما يقول الأمين، والذي يرى أن «الموقف الإسرائيلي الذي يمنع أي محاولة لإعادة الإعمار، والحديث عن تحويل هذه القرى إلى منطقة عازلة وغير قابلة للعيش وتحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة، كل هذا الوضع القائم يثبت أن لا إعادة إعمار في الوقت الراهن».

عقدة سياسية دولية

ويرى الأمين أن هناك أهمية كبيرة لمثل هذه التحركات؛ إذ «رغم كل ما سبق، ورغم القبضة الأمنية الممارسة من قبل (حزب الله) على الناس، والكلفة العالية التي قد يدفع ثمنها أبناء القرى المحتجين، مثل التهديد بعدم دفع التعويضات مستقبلاً، والذي قد يكون الباب الوحيد لهم، فإنهم يرفعون الصوت عالياً».

مع العلم أن منازل وأرزاق سكان هذه المناطق مدمرة بالكامل، على عكس المناطق الأخرى التي تضررت فيها المنازل والمصالح بشكل جزئي أو كامل.

ويضيف الأمين: «هناك عقدة سياسية إقليمية دولية، والناس على دراية بأن مطالبهم ليست سهلة التحقيق في ظل الظروف الراهنة، إلا أنهم يرفعون الصوت، وهذا أضعف الإيمان؛ للتعبير عن وجعهم مما أصابهم»، وبأن «تراكم الاحتجاجات سيساعد حتماً باتجاه تحريك ومعالجة هذا الملف في المستقبل».


واشنطن محبطة بعد تراجع العراق عن تجميد أصول «حزب الله» و«الحوثي»

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

واشنطن محبطة بعد تراجع العراق عن تجميد أصول «حزب الله» و«الحوثي»

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس برّاك في نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

أعربت وزارة الخارجية الأميركية، السبت، عن «إحباطها» من قرار العراق التراجع عن تجميد أصول «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية، محذرة من أن الجماعتين تشكلان «خطراً» على الشرق الأوسط في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.

ونقلت شبكة «رووداو» الكردية عن المتحدث باسم الوزارة أن الولايات المتحدة تتوقع من بغداد اتخاذ «خطوات عملية» ضد الجماعات المسلحة الموالية لإيران، بما في ذلك تلك التي تنشط داخل العراق.

وأضاف المتحدث: «(حزب الله) والحوثيون يشكلون خطراً على المنطقة والعالم، ويجب على جميع الدول ضمان عدم استخدام أراضيها لأغراض التدريب أو جمع الأموال أو الحصول على الأسلحة أو شن الهجمات».

وأكد المتحدث أن واشنطن ستواصل الضغط على بغداد للحد من أنشطة الجماعات التابعة لإيران، مشيراً إلى أن مثل هذه الجماعات تشكل تهديداً للمصالح الأميركية والعراقية. وتأتي هذه التصريحات بعد سلسلة هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت في العام الماضي قواعد القوات الأميركية في العراق.

في المقابل، نفت رئاسة الجمهورية ووزارة الاتصالات العراقية علمهما بالقرار الذي أصدرته لجنة رسمية لتجميد أموال «حزب الله» والحوثيين. وقالت «الرئاسة» في بيان رسمي إن القرارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب لا تُحال إليها للمصادقة، مشيرة إلى أن علمها بالقرار جاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط. وأكدت وزارة الاتصالات أن ممثلها الرسمي في اللجنة لم يكن حاضراً في الجلسة الأخيرة، حيث تم نشر مخرجاتها لاحقاً في الجريدة الرسمية.

وأثار نشر العراق، الخميس الماضي، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله»، وجماعة «الحوثي»، باعتبارهما جماعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، في حين نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس برّاك (رويترز)

انتقادات أميركية

على صعيد آخر، انتقد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، السياسات الأميركية في العراق والمنطقة، واصفاً التدخل الأميركي بأنه «تاريخ كارثي» استمر نحو 20 عاماً وكلف نحو ثلاثة تريليونات دولار دون تحقيق مكاسب حقيقية. وقال برّاك في مقابلة مع شبكة «ذا ناشونال» إن إيران استغلت فراغ النفوذ في العراق، وإن الفصائل المسلحة الموالية لها أصبحت تمتلك نفوذاً واسعاً داخل البرلمان العراقي، ما يعوق قدرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على تشكيل ائتلاف حكومي فعّال.

وتقول الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق، في تصريحات على هامش افتتاح واشنطن مبنى قنصلياً كبيراً في إقليم كردستان، الأسبوع الماضي. لكن برّاك رأى أن الوضع في العراق وسوريا يمكن أن يؤدي إلى تقسيم أو خلق جمهوريات فيدرالية، على غرار التجربة السابقة في يوغوسلافيا.