لبنان: فرص حل الخلاف القضائي حول ملف المرفأ تتراجع مجدداً

«الأعلى» يعزز انقسامه ويفشل في حل أزمة التحقيق

TT

لبنان: فرص حل الخلاف القضائي حول ملف المرفأ تتراجع مجدداً

أخفق مجلس القضاء الأعلى في الاجتماع مجدداً للبحث في مصير ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ووضع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. ولم يكتمل أمس النصاب القانوني لجلسة المجلس بعد انسحاب رئيسه القاضي سهيل عبود، اعتراضاً على دعوة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، أعضاء المجلس، للانعقاد والبت بمصير البيطار، وحضر أربعة أعضاء من أصل الأعضاء السبعة الذين يتألف منهم المجلس حالياً، يتقدمهم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وانتظروا لمدة نصف ساعة في قاعة الاجتماع، لكن انسحاب الرئيس الأول وتغيب العضوين عفيف الحكيم وداني شبلي، أطاحا بالجلسة التي تقرر رفعها من دون تحديد موعد آخر.
وأعاد الكباش المستمر داخل رأس هرم السلطة القضائية الأمور إلى دائرة التصعيد، خصوصاً أن دائرة الخلاف بين القاضي عبود وزملائه تتسع يوماً بعد يوم، وهذا ما عاكس أجواء التفاؤل التي ظهرت الاثنين، وتمثلت بإعلان البيطار تأجيل جلسات استجواب السياسيين والأمنيين والقضاة إلى موعد لاحق، وأكدت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن الجلسة الملغاة «كانت تتضمن بنداً وحيداً هو البت بمصير المحقق العدلي طارق البيطار، ومبادرة أغلبية الأعضاء إلى طرح إقالته وتعيين بديل عنه، بعد أن بلغت المواجهة بينه وبين النائب العام التمييزي مرحلة اللاعودة». وأشارت المصادر إلى أن «القاضي عبود سيقاطع أي جلسة تشكل تحدياً لإرادته، والتفافاً على مساعيه الهادفة إلى حل يتيح للتحقيق بملف المرفأ أن يعود إلى مساره الطبيعي وبقيادة البيطار نفسه». غير أن أحد أعضاء المجلس أعطى رأياً معاكساً، فأبدى امتعاضه من «تطيير الجلسات مرات متتالية». وقال لـ«الشرق الأوسط»، «لا يمكن للمجلس أن يبقى رهينة إرادة شخص واحد (عبود)، بل يجب أن نعمل كمؤسسة تتخذ قراراتها بالإجماع وإذا تعذر الأمر فبالأكثرية»، معتبراً أن «المسار الذي تسلكه الأمور لا يشي بأن هناك من يبحث عن حل، لأن الأسلوب الحالي يعقد الملف أكثر فأكثر».
ولدى مغادرته مقر مجلس القضاء، اعتبر القاضي عويدات أن «الأجواء السائدة لا توحي بحلحلة بملف المرفأ». واستغرب مما يشاع عن أن إلغاء البيطار لجلسات التحقيق يشكل خطوة تراجع أو تهدئة للأجواء. وقال «ما دام (البيطار) ينطلق من قرارات خاطئة، أي العودة إلى التحقيق والادعاءات التي قام بها، يعني أن التعقيدات ما زالت على حالها». ورأى النائب العام التمييزي، أن «فرط جلسة مجلس القضاء ليس عاملاً سلبياً، بل ربما يفتح الباب على مزيد من الاتصالات». وأضاف: «ما نريده أن يأتي حل الأزمة على يد الرئيس الأول (القاضي سهيل عبود)، وأن ينجح في إيجاد المخرج الذي يصحح الأخطاء، ويعيد الملف إلى مساره الصحيح»، نافياً كل ما يشاع من أن «هناك أطرافاً ترغب بإنهاء ملف المرفأ ودفن التحقيق». واستغرب عويدات ما يشاع عن عزمه «إصدار مذكرة إحضار بحق البيطار». وقال، «لا أعرف من أين يأتي هذا الكلام ومن يروج له».
إلى ذلك، تقدم فريق الادعاء الممثل لأهالي ضحايا ومتضرري انفجار مرفأ بيروت بدعاوى ومراجعات أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، لمقاضاة الدولة اللبنانية بشأن ما سموه «الخطأ الجسيم والمخالفات القانونية التي ارتكبها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات المتنحي عن القضية». وتمثلت القضية الأولى بـ«مخاصمة الدولة عن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وضرورة إبطال القرارات الصادرة عن القاضي عويدات المتنحي لعلة الخطأ الجسيم». وفي الدعوى الثانية شددوا على ملاحقة النائب العام التمييزي المتنحي عن ملف المرفأ، بجرائم «اغتصاب سلطة وتدخل في تحقيق جنائي وتهريب موقوفين (في إشارة إلى إطلاق سراح الموقوفين بملف المرفأ) وتجاوز حد السلطة وغيرها من الجرائم الخطيرة». ووجه محامو الادعاء كتاباً إلى وزير العدل لإحالة النائب العام التمييزي المتنحي عن الملف، طلبوا فيه «إحالته على هيئة التفتيش القضائي واتخاذ القرارات المناسبة بحقه».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

هل على لبنان أن يخشى «سوريا الجديدة»؟

صورة تُظهر وصول المعارضة السورية إلى معبر العريضة الحدودي مع لبنان (أ.ف.ب)
صورة تُظهر وصول المعارضة السورية إلى معبر العريضة الحدودي مع لبنان (أ.ف.ب)
TT

هل على لبنان أن يخشى «سوريا الجديدة»؟

صورة تُظهر وصول المعارضة السورية إلى معبر العريضة الحدودي مع لبنان (أ.ف.ب)
صورة تُظهر وصول المعارضة السورية إلى معبر العريضة الحدودي مع لبنان (أ.ف.ب)

صحيح أن الاحتفالات عمّت لبنان لأيام، بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد؛ نظراً لعلاقاته غير السوية مع معظم مكونات المجتمع اللبناني، ولارتكاباته الكثيرة، ولسنوات طويلة، بحق عدد كبير من اللبنانيين، إلا أن البعض خرج مؤخراً لينبه من مخاطر قد تكون مقبلة على البلد إذا سيطرت مجموعات متطرفة على الحكم في سوريا.

رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، لا يزال، على ما يبدو، يخشى سيناريوهات قاتمة، إذ عَدَّ مؤخراً أنه «من الطبيعي أن يتحرّك الخوف الوجودي لدى كل المكوّنات التي تخشى الفصائل الإسلامية المسيطرة الآن على سوريا»، محذراً من أن تكون «تطمينات هؤلاء الأولية من باب أن يتمسكنوا لكي يتمكنوا، وهذا أمر قد يُولّد حالة دفاعية في لبنان، ويُذكّرنا بمرحلة سابقة عندما احتلّ بعض هؤلاء أجزاء من شرق لبنان».

ويخشى باسيل وآخرون أن تتكرر الأحداث التي شهدتها الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا في عام 2014 حين اقتحمت مجموعات من «داعش» و«جبهة النصرة» بلدة عرسال الحدودية، وقتلت عسكريين ومدنيين قبل أن تحتل لسنوات مساحات عند الحدود اللبنانية السورية، ولذلك اتخذت الأجهزة الأمنية اللبنانية إجراءات أمنية وعسكرية للتصدي لأي محاولات من هذا النوع، كما شملت تدابير استخباراتية استباقاً لتحرك خلايا إرهابية نائمة، بالتزامن مع ما يحصل في سوريا، خاصة مع وجود مئات الآلاف من النازحين السوريين المنتشرين في معظم المناطق اللبنانية.

* لا لنظام توتاليتاري

يقول نائب رئيس «الوطني الحر» الدكتور ناجي حايك أنه «ما دام السوريون لا يتدخلون في شؤون بلدنا، فهم أحرار باختياراتهم»، مضيفاً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى الخير للشعب السوري، ونتمنى أن يراعي شكلُ النظام الجديد في سوريا متطلبات وتطلعات الشعب هناك، بوصفه الوحيد المخوَّل أن يحدد شكل الحكم». ويضيف: «خشيتنا الوحيدة هي من التدخل في لبنان وشؤوننا الداخلية، وما دام لا تدخُّل من قِبلهم ببلدنا فهُم أحرار بأن يكون لهم النظام الذي يريدونه، وإن كان يهمنا أن تكون هناك ديمقراطية ويجري تنظيم عملية انتخابية ديمقراطية حرة، فنحن طالما حذرنا من الأنظمة التوتاليتارية، ولم نكن موافقين على شكل النظام السابق، ونتمنى أن يكون النظام الجديد أفضل».

* علاقات طبيعية لبنانية سورية

من جهتها، لا تستغرب عضو تكتل «الجمهورية القوية»، النائبة غادة أيوب، خشية باسيل من النظام السوري الجديد، وعدَّت أنه «مع سقوط النظام السوري سقطت الأقنعة أيضاً عن أفرقاء لبنانيين بنوا رهاناتهم على استمرارية هذا النظام؛ ومنهم جبران باسيل. لذلك، فإن خشية باسيل مبرَّرة بحيث إن سقوط الأسد هو سقوط حليف له وجزء من محور ممانعة شكَّل معه، منذ تفاهم مار مخايل في 2006، ارتباطاً وثيقاً مقابل تسليمه الجمهورية اللبنانية».

وتشير أيوب، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنهم ينظرون بإيجابية إلى التغيير السوري الحاصل؛ لأن «شكل النظام السوري على مدى 50 عاماً كان نظاماً عدائياً تاريخياً للبنان، حيث كان يعد، وفقاً لمشروعه السياسي، أنه يجب ضم لبنان إلى سوريا أو إلحاقه بها، وأن يكون قرار بيروت في دمشق، دون أن ننسى كل الحروب التي خاضها في لبنان وضد اللبنانيين والجرائم والاغتيالات والاعتقالات السياسية التي قام بها»، مضيفة: «كما أن نظام الأسد سمح بأن تكون الساحة السورية ممراً ومعبراً للميليشيات الإيرانية التي عبثت بمصير لبنان، والتي سمحت لإيران بأن تتحكم بلبنان. لذا فمع سقوط النظام، بدأت مرحلة جديدة في سوريا لا يسَعُنا هنا إلا أن نُبارك فيها للشعب السوري حريته، وأن نتمنى أن تأخذ هذه المرحلة الجديدة مداها الطبيعي من أجل قيام الدولة التي يتطلع إليها الشعب السوري».

وتشدد أيوب على أن ما يريده لبنان هو «بناء علاقة طبيعية بين دولتين سيّدتين: الدولة اللبنانية والدولة السورية، بعيداً عن شعارات الأسد البالية كـ(شعب واحد في دولتين يقودهما نظام الأسد)».

* لا خوف من التطرف

ويطمئن الكاتب السياسي المختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب أحمد الأيوبي إلى أنه يجب ألا يكون هناك ما يخشاه لبنان من «سوريا الجديدة». ويضيف، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»: «خطر التطرف كامن في بقايا (داعش) في سوريا، وهي بقايا دأب النظام المخلوع وإيران على استثمارها، وهي قد تعمل على استخدامها ضد تحالف الثوار الذي وصل إلى دمشق».

ولا ينفي الأيوبي وجود «عقبات في وجه الحكم الجديد لكن التطرف ليس إحداها، وإن كان الواجب دائماً التركيز على أهمية الحفاظ على الحريات وعلى بناء دولة مدنية عادلة». ويضيف: «ليست (هيئة تحرير الشام) وحيدة في تركيبة الفصائل المنتصرة، بل هناك تنوع واسع سينعكس في تركيبة المجلس الانتقالي المنتظَر أن يُولَد قريباً».

ويشدد الأيوبي على أنه «من الضروري لفت الانتباه إلى أن إيران عملت على حصر مسمى الإرهاب بالجماعات السنية، لتُظهر نفسها وميليشياتها على أنها تقود محور مكافحة الإرهاب. وهذا اتجاه مضلِّل. فالنقطة الأساس في هذا الموضوع هو أن نظام الأسد كان يحتضن أكثر الجماعات تطرفاً وإرهاباً؛ وهي (حزب الله) والميليشيات الشيعية التابعة لإيران».

وفي السادس من الشهر الحالي؛ أي قبل يومين من سقوط نظام الأسد، وجّهت الفصائل المُسلّحة السورية رسالة إلى اللبنانيين قالت فيها إنها «تتطلع لعلاقات دبلوماسية معهم تحقق المصالح المشتركة».