أمين درة لـ«الشرق الأوسط»: أُحضّر أشهراً قبل تصوير المسلسل

مخرج «براندو الشرق» يرى أنّ للكاميرا لغة عليها أن تقول ما يوّد قوله

أمين درة يصنع هويته الخاصة وراء الكاميرا
أمين درة يصنع هويته الخاصة وراء الكاميرا
TT

أمين درة لـ«الشرق الأوسط»: أُحضّر أشهراً قبل تصوير المسلسل

أمين درة يصنع هويته الخاصة وراء الكاميرا
أمين درة يصنع هويته الخاصة وراء الكاميرا

يترك المخرج اللبناني أمين درة، لنظرته الخاصة صنع هوية الصورة. يُسقط شيئاً من ذاته، يسمّيه اللمسة أو البصمة، على الكتابة التصويرية، فتنطق. «للكاميرا لغة، حتى في الإعلانات. لا أجيد الاكتفاء بتشغيلها فقط. عليها أن تقول ما أودّ قوله»، يفتتح بنبذة عن أسلوبه حديثه مع «الشرق الأوسط».
يشبّه المواهب بشتول لا تنمو من تلقائها، لولا تدخّلات الضوء والتربة والعناصر اللازمة. الفن الإنساني كذلك، بالصقل يُدفع إلى ذروته. عند درة، الصقل اطلاعٌ وبحوث ومتابعة أعمال مخرجين كبار. «مهمّة مستمرة»، يشير إلى ما معناه أنّ المعرفة لا متناهية.
يُبقي نفسه على مسافة من تقييم المشهد الإخراجي العربي على مستوى المسلسلات. برأيه: «ثمة مخرجون يبرعون في نوع دون سواه، فيتحلّون بموهبة إدارة الدراما المعرّبة عن الأتراك مثلاً». يبيّن الحديث معه ما يتفادى الإشارة المباشرة له، وهو أنّ التميّز لا يُقدّم على طبق من فضة، بل يُصنع، وصناعته شاقة، يحترفها قلة.
يعود إلى عام 2010، يوم التحق بثورة الإنترنت، فبثّ مسلسله «شنكبوت» على «يوتيوب». أصابه ملل دراما القصور اللبنانية والشخصيات الوافدة من زحل. فلا حديثها يشبهنا ولا حواراتها واقعية. «أردتُ تحرير التمثيل مما يجعله عصياً على الإقناع، وصناعة موجة درامية معاكسة. منذ البداية أنطلق من حقيقة أنّ الدراما تحمل أبعاداً تتجاوز التسلية».
يوافق على أنّ المنصات تفرض رفع المستوى وتشرّع المنافسة الإبداعية. له رأيه: «انطلقتُ فعلياً بإخراج المسلسلات قبل عام تقريباً. مسلسل (باب الجحيم)، عرضته (شاهد). التلفزيون متاح للجميع، أما المنصة فتتطلب مُشاهداً يقرر بنفسه أي مسلسل ينتقي وبأي وقت. إما أن يكون جاذباً فيقترب، والعكس يضمن ابتعاده. المسلسلات على التلفزيون اللبناني لا تتجاوز عدد الأصابع. ولّى زمن الخيارات المحدودة، واللعبة الآن تغيّرت».
ذلك يحمّله مسؤولية إرضاء الذوق المُتطلّب، فكان «براندو الشرق» (يُعرض على «شاهد») من الصنف المختلف. استغرق تحضيره نحو ستة أشهر، وهي عادة مدة تسبق خروج مسلسلات أمين درة إلى الضوء. لِمَ نصف السنة هذه؟ يجيب بأنّ الوقت يمرّ بين قراءة مَشاهد فردية وقراءات جماعية، فبناء الشخصيات على أساس متين: «التحضير يطوّر الفكرة، فإن صوّر مخرج من دونه، لاقتصر عمله على تنفيذ الورق. يُذاع صيتي بأنني ممن يطبخون على نار هادئة».

المخرج اللبناني أمين درة

يُدخل ثلاث خلطات في المسلسل، مستوحياً أبعادها من شخصية بطله يوسف تامر (جورج خباز، صاحب الفكرة والكاتب). فهو في علاقته مع فيلمه (وفق الأحداث) يطلّ بوجه، وفي علاقته مع سلوى (أمل عرفة) يلبس وجهاً آخر؛ غيره وجه ثالث يحكم علاقته بأبيه (كميل سلامة). الوجوه يسمّيها لغات إخراجية ويحرص على تداخلها السلس. متابع «براندو الشرق» يلمح السلاسة تذوب في السياق كأنها بعضه وهو بعضها.
تجمعه صداقة بجورج خباز منذ فيلم «غدي» (من كتابته وإخراج درة، مثّل لبنان في «أوسكار» 2014)، مردّها الشغف الفني المُحرّك نحو الجمال والجدوى. عادة درة العمل على مسلسل «من الصفر»، فيحبكه مع الكاتب، ومن الحبكة تولد الشخصيات. ثنائيته مع خباز تسهّل عليهما الخطى نحو ولادة الفيلم أو المسلسل، «وهذا لا يتحقق مع الجميع. المهم هو الشغف»، شرطه لتحقُّق المسار الإبداعي.
يرفض تفصيل قصص على مقاسات أبطال، بل كتابة النصوص وتمكينها يفسحان المجال لاختيار المناسبين لأدوار البطولة، مع مراعاة العاملين الفني والتجاري: «القصة هي الأساس. لستُ كاتباً، لكنني أبحث في الفكرة مع كاتبها ونطوّرها حتى تبلغ نضجها. لا أتدخّل في السياق العام. النقاشات توصل الأمور إلى حيث ينبغي أن تصل، فتتكوّن نظرتي الإخراجية».
لا يتّبع جميع المخرجين هذا الدرب الطويل. ثمة أعمال تولد على عجل، وأخرى تستغني عن التمرين والتحضير. يبتسم درة لوصف «نيْئة» (دقيق) وهو يتردّد على مسمعه. يفضّله على المُستخِفّ أو غير المكترث للذروة: «لا أمانع رفض حلقة لم تخضع لأي تعديل أشير إليه. أتروّى للحفاظ على المستوى».
لكن هذا التروّي قد لا يناسب منتجين أو أعمالاً تشترط العجلة في التنفيذ. يوافق، لذا يعمل مع «الصبّاح إخوان» ومدير التسويق، المنتج المنفذ زياد الخطيب: «صادق الصبّاح والخطيب يدعمان رؤية المخرج. كان (باب الجحيم) مجازفة إنتاجية في ظرف صعب. مع ذلك، قدّما الثقة الكاملة. وفي (براندو) وفّرا مناخ عمل ملائماً».
معدّل أمين درة مسلسل أو فيلم يتطلّب تنفيذه بين عام وعامين. عمله في صناعة الإعلان يسدّ حاجة مادية قد تفرض تنازلاً على المستوى الفني. وهو لا يتطلّع إلى الإعلان منطلقاً لبيع سلعة، بل «كحقل تجارب إبداعي، أجرّب فيه تقنيات قد أُدخلها في أعمالي». بحثه عن اللمسة الخاصة هو الدافع، في الإعلانات والدراما، وكل محتوى تمنحه الكاميرا حياة.
يحضّر لجديد لا يزال في مرحلة الكتابة. الإنتاج لـ«الصبّاح»، ولا إعلان رسمياً عنه بعد. يتكتّم كعادة صنّاع الأعمال في بداياتها. «كل ما يمكن قوله إنه نوع جديد جداً وبعيد كلياً عن (باب الجحيم) و(براندو الشرق)».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».