فرنسا «قلقة» من مسار الأحداث في إيران

تعدد الملفات الخلافية بين الغرب وطهران يجعل إطلاق الرهائن أمراً مستبعداً حالياً

متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
TT

فرنسا «قلقة» من مسار الأحداث في إيران

متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)

تَجَمَّعَ العشرات أمس في «ساحة حقوق الإنسان» الواقعة في محلة التروكاديرو في باريس للتعبير عن دعمهم لمن تسميهم الحكومة الفرنسية «رهائن دولة» للمطالبة بإطلاق سراحهم فوراً، بعدما تنامى القلق بشأن مصير المواطنين الفرنسيين السبعة - ومنهم مزدوج الجنسية - المحتجزين منذ فترات متفاوتة في السجون الإيرانية، وأبرزها سجن إيفين القريب من طهران.
وجاء التجمع بناءً على دعوة من عائلات الرهائن واللجان الداعمة لهم، وعلى وجه الخصوص من عائلات فاريبا عادلخواه، الباحثة الأكاديمية الفرنسية ــ الإيرانية، والنقابية سيسيل كوهلر التي أرغمت على الاعتراف مع زوجها بأنها عميلة للمخابرات الخارجية الفرنسية، وبنجامين بريير، المحتجز في إيران منذ عام 2020 بتهمة التجسس.
وفي البيان المشترك الصادر عن الأهالي ولجان الدعم ورابطة حقوق الإنسان في فرنسا جاء أن «تهماً مزيفة» قد سيقت بحق الرهائن المعتقلين بشكل «اعتباطي» وهم «محرومون من أبسط الحقوق البدائية وأولها المحاكمة العادلة». وأشار البيان إلى «الظروف غير الإنسانية» التي يعانون منها في المعتقلات، ومن حرمانهم من التواصل مع عائلاتهم، فيما عدد منهم موجود في الحبس الانفرادي بما لذلك من تأثير كبير على صحتهم الجسدية والنفسية. ودعا البيان إلى الإفراج الفوري عن كافة الرهائن «لأنهم أبرياء، ولزيف التهم الملصقة بهم».
وهذا التجمع ليس الأول من نوعه، وأحد أغراضه الضغط على الحكومة الفرنسية للتحرك على جميع المستويات من أجل إعادة مواطنيهم إلى بلادهم. بيد أن جهود الحكومة لم تفلح حتى اليوم رغم التواصل غير المنقطع بين باريس وطهران وآخره الاتصال الهاتفي بين وزيرة الخارجية كاترين كولونا ونظيرها الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وفي أثناء كل اتصال، تكرر باريس المطلب نفسه وهو الإفراج «الفوري» عن جميع الرهائن الذين تعدّهم «رهائن دولة».
وبما أن فرنسا ليست وحدها في هذا الوضع، فإن باريس تسعى لتعبئة الدول الأوروبية المعنية وذلك في بحثها عن «رافعة» لمفاقمة الضغوط على طهران، وهو ما طالبت به كولونا في آخر اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين يوم الاثنين الماضي. وهناك 40 رهينة أوروبية في أيدي الأجهزة الأمنية.
وإحدى الصعوبات التي يواجهها الغربيون أن اتصالاتهم محصورة بوزارة الخارجية. والحال، وفق مصادر واسعة الاطلاع على الأوضاع الداخلية في إيران، يقول إن الخارجية «ليست الجهة الصالحة للبت بموضوع الرهائن»، بل «الحرس الثوري»، وبالتالي ينحصر دور الدبلوماسية الإيرانية في نقل الرسائل. وترى هذه المصادر أن تعدد الملفات الخلافية «البرنامج النووي، القمع الدموي للحركات الاحتجاجية، دعم روسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا...» بين باريس والعواصم الأوروبية الأخرى وإيران يجعل إطلاق سراح الرهائن أمراً مستبعداً في الوقت الحاضر. وعلى أي حال، فالرأي السائد في باريس المستند إلى تجربة فرنسا التاريخية وتجارب عواصم غربية أخرى مع طهران في موضوع الرهائن، يقول إن إيران تسعى دوماً إما لمقايضتهم بمواطنين لها محتجزين في الغرب، وإما للحصول على امتيازات.

انغلاق في الداخل والخارج
وأول من أمس، عبّرت مصادر رسمية فرنسية رفيعة المستوى عن «قلقها» من المسار الذي تسلكه الأوضاع في إيران بما في ذلك علاقاتها مع فرنسا واصفة ما تعرفه في الوقت الحاضر بـ«الأزمة متعددة الأشكال»؛ إذ إنها من جهة داخلية وعنوانها سياسة قمع الحركات الاحتجاجية، والقطيعة بين الأجيال وبين النظام وفئات عديدة من السكان التي تشمل الشباب والنساء، ولكن أيضاً المجموعات الإثنية المختلفة وليس الأكراد وحدهم.
ومن جهته، يتوقع الباحث الأكاديمي الفرنسي كليمان تيرم تواصل الحركات الاحتجاجية ليس فقط للمطالبة بحقوق الإنسان والحريات والحجاب، بل أيضاً لأسباب حياتية واقتصادية ستضاعف النقمة على النظام ومنها، على سبيل المثال، أن السلطات عاجزة عن توفير الغاز للمواطنين في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز في العالم.
ويشير الباحث الفرنسي إلى مسألتين: الأولى، توجُه النظام إلى مزيد من الانغلاق في الداخل، ولكن أيضاً في الخارج؛ إذ إنه «أحد أعضاء مجموعة الدول التي فرضت عليها عقوبات دولية» إلى جانب سوريا وكوريا الشمالية وروسيا والصين. والمسألة الثانية التي لا يتوقف عندها الإعلام الغربي إلا لماماً هي الزيادة الملموسة التي تخصصها الحكومة لأجهزتها الآيديولوجية والأمنية «الحرس الثوري، الباسيج... وغيرهما من المجموعات» مقابل تراجع الميزانيات الاجتماعية الأخرى الخاصة بالبنى التحتية والاستثمارات المنتجة، الأمر الذي يعكس مخاوف النظام العميقة. وعلى المستوى الاستراتيجي، يرى الباحث في استدارة طهران نحو الشرق أي نحو الصين وروسيا والابتعاد عن الغرب بمثابة «البحث عن ضمانة للبقاء» فيما يرى أن الحرب الروسية على أوكرانيا قد أسدت خدمة لإيران؛ لأن الأنظار مركزة على روسيا لا على إيران. وعلى أي حال، يرى الباحث أنه إذا كان الغرض من العقوبات الغربية تغيير النظام الإيراني، فإنها «فشلت» في تحقيق الهدف منها بسبب قدرة إيران على الالتفاف عليها، لا بل إنها اليوم «تساعد روسيا» للاحتذاء بها.

مقاربة متوازنة
تتخوف باريس، وفق مصادرها الرسمية، من تواصل سياسة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وتزايد التوتر بالنسبة لبرنامجها النووي وبأنشطته التخصيبية عالية المستوى «60 في المائة إلى ما فوق» واقترابها من الحافة النووية بينما ما زالت المفاوضات لإعادة إحياء اتفاق عام 2015 مجمدة. كذلك تتخوف باريس من مواصلة إيران سياسة العنف والترهيب «من غير حدود» في الداخل وفي الخارج. وبالتوازي، فإن باريس تتوقع أن يتعزز التقارب بين إيران من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للدعم العسكري الذي توفره طهران لموسكو في حربها على أوكرانيا. وفي محاولتها لرسم أولويات السياسة الفرنسية إزاء إيران للأشهر القادمة، تؤكد المصادر الرسمية أن باريس سوف تنتهج «مقاربة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الدفاع عن حقوق الإنسان، والتنديد بالعنف، والتحذير من برنامج إيران النووي، ومنعها من الحصول على السلاح النووي، لكن بالمقابل فإنها تريد إطلاق سراح مواطنيها المعتقلين في إيران، والمحافظة على أمن مواطنيها في الداخل والخارج، وتعزيز الأمن الإقليمي، وخفض التوترات». وتشير هذه المصادر إلى الجهد الفرنسي المبذول في إطار مؤتمريْ «بغداد 1» و«بغداد 2» اللذين ترى فيهما منصة للحوار بين الأطراف الإقليمية، وتنفيساً للاحتقانات، وترويجاً لمشاريع تنموية مشتركة وملموسة تهم السكان. وتُدرج باريس سياستها في الإطار الأوروبي الأوسع؛ ولذا «فنحن نعمل مع شركائنا في المنطقة ومع أقراننا في الاتحاد الأوروبي».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

باراغواي ستعيد فتح سفارتها في القدس الأسبوع المقبل

الرئيس الباراغواياني سانتياغو بينيا يتحدث خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في أسونسيون - باراغواي 21 أغسطس 2024 (رويترز)
الرئيس الباراغواياني سانتياغو بينيا يتحدث خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في أسونسيون - باراغواي 21 أغسطس 2024 (رويترز)
TT

باراغواي ستعيد فتح سفارتها في القدس الأسبوع المقبل

الرئيس الباراغواياني سانتياغو بينيا يتحدث خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في أسونسيون - باراغواي 21 أغسطس 2024 (رويترز)
الرئيس الباراغواياني سانتياغو بينيا يتحدث خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في أسونسيون - باراغواي 21 أغسطس 2024 (رويترز)

أعلن رئيس الكنيست، أمير أوهانا، أن رئيس باراغواي، سانتياغو بينيا، سيفي بوعد انتخابي الأسبوع المقبل وسيعيد فتح سفارة بلاده في القدس.

سيلقي بينيا كلمة أمام الكنيست صباح الأربعاء من الأسبوع المقبل، يليها احتفال خاص بالكنيست مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس الكنيست أوهانا وزعيم المعارضة يائير لابيد، حسبما أفادت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

سيتم الافتتاح الرسمي للسفارة يوم الخميس التالي في هار هوتزفيم في القدس.

لا تعترف معظم الدول بالقدس عاصمة لإسرائيل وتقيم سفاراتها في تل أبيب، وغالباً ما تفتح قنصليات أصغر في القدس. حالياً، خمس دول: الولايات المتحدة، وغواتيمالا، وهندوراس، وكوسوفو وبابوا غينيا الجديدة، لديها سفارات في القدس.

في عام 2018، أعلن الرئيس الباراغواياني المنتهية ولايته هوراسيو كارتيس أن بلاده ستفتح سفارة في القدس، في أعقاب خطوات مماثلة من جانب الولايات المتحدة وغواتيمالا. لكن السفارة نُقلت إلى تل أبيب بعد خمسة أشهر فقط من قِبل خليفة كارتيس أبدو بينيتيز، الذي قال إنه لم يُستشار في القرار الأصلي، وأشار إلى أنه أضر بالجهود الرامية إلى الحفاظ على نهج أكثر حيادية تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. غضب نتنياهو من القرار وتحرك لإغلاق سفارة إسرائيل في أسونسيون انتقاماً. في سبتمبر (أيلول)، أعادت إسرائيل فتح سفارتها في باراغواي.