«الطلاق العسكري» بين فرنسا وبوركينا فاسو بات واقعاً

باريس تستدعي سفيرها في واغادوغو للتشاور وتساؤلات حول مصير العلاقات معها

جنود من الجيش الفرنسي يقومون بدوريات  على ناقلات مدرعة خلال عملية برخان في شمال بوركينا فاسو (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الفرنسي يقومون بدوريات على ناقلات مدرعة خلال عملية برخان في شمال بوركينا فاسو (أ.ف.ب)
TT

«الطلاق العسكري» بين فرنسا وبوركينا فاسو بات واقعاً

جنود من الجيش الفرنسي يقومون بدوريات  على ناقلات مدرعة خلال عملية برخان في شمال بوركينا فاسو (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الفرنسي يقومون بدوريات على ناقلات مدرعة خلال عملية برخان في شمال بوركينا فاسو (أ.ف.ب)

بين فرنسا وبوركينا فاسو اتفاقية دفاعية موقعة في عام 2018 وبوجبها ترابط قوة كوماندوس فرنسية تسمى «سابر» أي «السيف»، مؤلفة من 400 رجل في قاعدة قريبة من العاصمة واغادوغو. وتنص الاتفاقية على أن أي انسحاب من الاتفاقية الذي يستتبعه انسحاب القوة الفرنسية، يجب أن ينفذ خلال مهلة شهر بعد تلقي الجانب الفرنسي طلباً رسمياً بهذا الخصوص. ولأن هذا الطلب الذي قدمته وزارة الخارجية البوركينابية قد وصل إلى باريس في 24 الجاري، فإن الجانب الفرنسي، وفق ما جاء في بيان للخارجية الفرنسية، أول من أمس، ووفق ما أكدته مجدداً آن كلير لوجندر، الناطقة باسمها أمس، فإن «فرنسا سوف تحترم منطوق الاتفاقية الثنائية، وبالتالي فإن انسحاب أفراد القوة الفرنسية سيتم وفق المهلة المحددة».
وقال وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو، رداً على الطلب البوركينابي إنه «إذا لم تعد الحكومة البوركينابية ترغب بوجود القوة الفرنسية وبالتالي تنقض الاتفاق المبرم معنا، فمن الواضح أن قوتنا سيعاد نشرها وفق الروزنامة التي يحددها رئيس الجمهورية ورئيس أركان القوات الفرنسية. وأكد لو كورنو أن الانسحاب سوف يتم خلال 30 يوماً لكنه لم يكشف الجهة التي ستنقل إليها هذه القوة المتخصصة في محاربة التنظيمات الجهادية والإرهابية.
ونقل عن وزير الاتصال والثقافة والسياحة والناطق باسم الحكومة البوركينابية، أن مبادرة بلاده لنقض الاتفاق المبرم مع فرنسا «ليست مرتبطة بحدث معين وإنما هي تعبير عن إرادتنا اليوم باستعادة سيادتنا على كل أجزاء أراضينا». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر فرنسي مطلع أن العسكريين سيغادرون البلاد «بحلول نهاية فبراير (شباط)»، وسيتم الانتهاء من إخراج جميع المعدات بحلول «نهاية أبريل (نيسان)»، مضيفة أن «الخيار المفضّل سيكون إعادة نشر هؤلاء العسكريين في النيجر المجاورة التي تستضيف حالياً نحو ألفي عسكري فرنسي».
وهكذا، تكون باريس قد سحبت قواتها من مالي «قوة برخان»، ثم من بوركينا فاسو «قوة سابر»، في أقل من عام، ما يعكس تراجع دورها ونفوذها في منطقة الساحل. وفي مالي، يبدو واضحاً أن ميليشيا «فاغنر» الروسية هي التي حلت محل قوتها فيما تروج شائعات عن أن واغادوغو تسير على خطى باماكو.
ويعكس انسحاب القوة الفرنسية التدهور المضطرد للعلاقات بين باريس وواغادوغو وسط اتهامات لفرنسا بأن قوتها لم تحم بوركينا فاسو من التنظيمات الإرهابية التي تشير عدة مصادر إلى أنها تسيطر على ما لا يقل عن 40 المائة من مساحة أراضي هذا البلد. وخلال أقل من عام، حصل انقلابان عسكريان فيه، وهو ما يشبه المسار الذي عرفته مالي. ومع السلطات الجديدة، بدا واضحاً أن الطرفين متجهان إلى قطيعة بالنظر للتصريحات النارية البوركينابية ضد فرنسا. وجاء طلب واغادوغو في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من باريس استبدال سفيرها المعتمد هناك لوك ألاد ليبين الهوة المتزايدة الفاصلة بين الطرفين. ويأخذ المجلس العسكري الحاكم على الأخير انتقاده لأداء القوات البوركينابية في محاربة التنظيمات الإرهابية وحديثه بشكل علني عن الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد، ما يعد خروجاً على العرف الدبلوماسي بنظر المجلس المذكور. وسارعت فرنسا بإرسال وزيرة الدولة في وزارة الخارجية كريسولا زاخاروبولو إلى واغادوغو لإصلاح ذات البين. لكن لا يبدو أن اتصالاتها هناك قد أفضت إلى نتيجة إيجابية والدليل مزدوج: الأول، قرار سحب القوة الفرنسية من ناحية، ومن ناحية أخرى، استدعاء السفير الفرنسي هناك من أجل التشاور.
وأمس، قالت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية في إطار المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إنه «في سياق التطورات الأخيرة في بوركينا فاسو، قررنا استدعاء سفيرنا إلى باريس لإجراء مشاورات حول الوضع وأفق تعاوننا الثنائي». وأضافت أن الوزارة «تستغل وجود السفير في باريس لتقييم الوضع الحالي وآفاق العلاقات الثنائية». وعادة ما يكون الاستدعاء للتعبير عن موقف سلبي من البلد المعتمد السفير لديه. ولم يعرف أمس ما إذا كان الاستدعاء مؤقتاً أو دائماً، بمعنى الذهاب إلى تسمية سفير آخر مكانه. واكتفت لوجندر بالقول إن باريس اتفقت مع سلطات بوركينا فاسو على «التعامل مع هذا الموضوع... بالأشكال الدبلوماسية المعتادة».
هكذا، يتعين على باريس أن تتعايش مع أزمة جديدة تعكس تنامي الشعور المعادي لها في مستعمراتها السابقة التي كانت لها الكلمة المهيمنة فيها منذ عقود. وفي النيجر المجاورة، تنزل بين الحين والآخر مظاهرات معادية لفرنسا رغم أنها، على الصعيد الرسمي، تعد الحليف الأوثق لباريس.
وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد وعد خلال الزيارة الثلاثية التي قام بها الصيف الماضي لثلاثة بلدان في غرب أفريقيا بالكشف عن «خريطة طريق» لعمل القوات الفرنسية في منطقة الساحل وفي خليج غينيا بداية العام الجاري. وحتى اليوم لم يتم بعد الكشف عن هذه الخطة التي يراد لها أن تكون القوة الفرنسية مؤازرة للقوى المحلية وبناء على رغبة الحكومات المعنية لتلافي تكرار الاحتجاجات على الوجود الفرنسي العسكري. ولا تتوانى باريس عن التنديد بالدعاية المعادية لوجودها في هذه القارة وهي تتلمس فيها أصابع روسيا وتركيا والصين.


مقالات ذات صلة

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

العالم «مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

بدأت بوركينا فاسو التحقيق في «مذبحة» وقعت في قرية الكرمة شمال البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينابية. وقُتل نحو 136 شخصاً في الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان) واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين»، في حين ندّدت الحكومة بالهجوم على القرية، في بيان صدر في 27 أبريل، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، قائلة إنها «تواكب عن كثب سير التحقيق الذي فتحه المدعي العام للمحكمة العليا في واهيغويا، لامين كابوري، من أجل توضيح الحقائق واستدعاء جميع الأشخاص المعنيين»

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

أعلن الجيش في بوركينا فاسو أن 33 من جنوده قتلوا في هجوم نفذته مجموعة إرهابية على موقع عسكري، يقع في شرق البلاد، وذلك في آخر تطورات الحرب الدائرة على الإرهاب بهذا البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن منذ 2015. وقال الجيش في بيان صحافي إن مجموعة من المسلحين هاجمت فجر الخميس موقعاً عسكرياً في منطقة أوجارو، شرق البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، وحاصروا وحدة من الجيش كانت تتمركز في الموقع، لتقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وأعلن الجيش أن الحصيلة تشير إلى مقتل 33 جندياً وإصابة 12 آخرين، لكنهم في المقابل قتلوا ما لا يقلُّ عن 40 من عناصر المجموعة الإرهابية التي ظلت تحاصرهم حتى وصلت تعزيزات فكت عن

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الجماعات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، والتي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، بحسب مصدر قضائي، الاثنين، ذكر لوكالة «الصحافة الفرنسية»، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن «الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما في شمال إقليم ياتنغا»، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع ا

العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الهجمات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، التي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالاها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، حسب مصدر قضائي (الاثنين) ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما شمال إقليم ياتنغا، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع المتنوعة خ

أفريقيا مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

قال مسؤول من بلدة أواهيجويا في بوركينا فاسو، أمس الأحد، نقلاً عن معلومات من الشرطة إن نحو 60 مدنياً قُتلوا، يوم الجمعة، في شمال البلاد على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية. وأضاف المدعي العام المحلي لامين كابوري أن تحقيقاً بدأ بعد الهجوم على قرية الكرمة في إقليم ياتنجا في المناطق الحدودية قرب مالي وهي منطقة اجتاحتها جماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» وتشن هجمات متكررة منذ سنوات. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل بشأن الهجوم، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مارس (آذار) أن هجمات الجماعات المسلحة على المدنيين تصاعدت منذ عام 2022 ب

«الشرق الأوسط» (واغادوغو)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.