ميلانو احتفلت... وباريس تألقت... والرجل فاز بتصاميم أنيقة

العقلانية والابتعاد عن إحداث الصدمة سادا أسابيع الموضة الرجالية لخريف وشتاء 2023 ـ 2024

المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
TT

ميلانو احتفلت... وباريس تألقت... والرجل فاز بتصاميم أنيقة

المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)

أخيراً تنفس صناع الموضة الصعداء. الكل متفائل بمستقبل الموضة الرجالية تحديداً بعد سنتين عجاف زعزعتا أركان هذا القطاع وغيرتا بعض قناعاته. حتى الحرب الأوكرانية التي أثارت بعض القلق في بدايتها بسبب ما يمكن أن يترتب عنها من أزمات على سلسلة التوريد والإنتاج وغيرها، لم تُؤثر عليها بالحجم الذي كان صناع الموضة يتخوفون منه. بالعكس، سجّلت الأزياء الإيطالية في عام 2022 زيادة في الإيرادات بنسبة 16 في المائة لتصل إلى 96. 6 مليار يورو. كما سجلت بيوت أزياء مثل «سان لوران» و«غوتشي» و«جيفنشي» إيرادات مهمة في مجال الأزياء الرجالية أهم من تلك المُسجلة في مجال الأزياء النسائية. هذا الانتعاش أكدته عروض الموضة التي جرت مؤخرا في كل من ميلانو وباريس لخريف وشتاء 2023.

من عرض «غوتشي» (رويترز)

أهم ما لفت الأنظار فيها أنها عادت إلى سابق عهدها: حية، مركزة وبأعداد كبيرة. والطريف أن رياح التغيير الأخيرة التي تميزت بعودة قوية إلى السفر وتنظيم العروض المُبهرة بعد سنتين من العروض الافتراضية والرقمية قوبلت بترحيب. لم يخطر على بال أحد من المتابعين أن يُحاسب المسؤولون من صناع الموضة على عدم إيفائهم بالوعود التي تبرعوا بها خلال سنوات الجائحة، مثل التخفيف من عدد العروض، وعدم السفر إلى أماكن بعيدة؛ حفاظاً على البيئة، وما شابه من وعود إنسانية. ففي زمن تبدو فيه المحاسبة على أبسط الأشياء هي المعمول بها على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، كانت الرغبة في العودة إلى الحياة كما تعودنا عليها من قبل أقوى من المبادئ والقناعات. ما أكدته فترة الجائحة أن لا شيء يعوض عن تجربة العروض الحية وما يصاحبها من حماس وترقب وأضواء وموسيقى، وغيرها من العناصر التي تُدغدغ الحواس وتثير المشاعر. أسبوع باريس مثلا شهد ما لا يقل عن خمسين عرضاً حياً منها عرض «سان لوران» الذي افتتح به الأسبوع مساء يوم الثلاثاء الماضي، مع العلم أنه أول عرض أزياء رجالي للدار الفرنسية في باريس منذ أن تولّى البلجيكي أنطوني فاكاريللو منصب المدير الفني فيها عام 2016، حيث كان يفضل العرض في عواصم عالمية أخرى لكي تخلو له الساحة. دار «جيفنشي» أيضا استغنت عن خط «الهوت كوتور» لصالح خط رجالي يُشرف عليه حاليا المصمم الأميركي ماثيو ويليامز الذي قدم يوم الأربعاء مجموعة من الإطلالات لعب فيها على مفهوم الطبقات المتعددة، حيث جمع فيها بين سترات مفصلة وكنزات بقلنسوات وبنطلونات واسعة وقصيرة.

من عرض «سان لوران» (خاص)

في ميلانو، قدمت دار غوتشي بدورها عرضاً حياً بعد غياب ثلاث سنوات. كان وراء هذا الغياب قرار اتخذه مصممها الفني السابق أليساندرو ميكيلي، حين أعلن منذ سنتين تقريباً عدم ضرورة الالتزام بالبرنامج الرسمي لأسابيع الموضة. في المقابل قرر السفر إلى أماكن جديدة لتقديم عروضه. كان عرض الدار بسيطاً وبعيداً عن الأسلوب الصارخ، بالألوان المتضاربة والنقشات المتناقضة، الذي ابتدعه ميكيلي. قالت غوتشي إنها تحتفل فيه بـ«الجمال العفوي». كانت الكلاسيكية هي السمة الغالبة من دون أن تغيب اللمسة الجريئة كُليا. فهذه الأخيرة ظهرت في المزج بين المواد والألوان المعدنية، وبين الجينز الباهت والقمصان المزينة بالترتر، والأحذية المستوحاة من موضة السبعينات. كما ضمت التشكيلة معاطف طويلة مزركشة تم تنسيقها مع بنطلونات واسعة. كان واضحا أن الدار تريد أن تتخلص من الأسلوب السابق بالتدريج حتى لا تُسبب صدمة لمعجبيها من الشباب.

من عرض «جيفنشي» في باريس (رويترز)

هذه الكلاسيكية طبعت أغلب عروض ميلانو وباريس تقريباً، حيث تميزت بالعقلانية والابتعاد عن التعقيدات والجنوح نحو الجنون أو التأنيث المبالغ فيه للرجل. السبب شرحته المصممة ميوتشا برادا بقولها: «في الأوقات العصيبة، يجب أن يعمل الواحد منا بجدية ومسؤولية. ليس هناك مكان لشطحات لا داعي لها. أما الابتكار فيكتسب مفهومه الإبداعي ومكانته الحقيقية فقط عندما يرتبط باكتشاف أشياء جديدة».

من اقتراحات «تودز» (خاص)

بالفعل، ففي أوقات الأزمات، يمكننا توقع أي شيء في المجالات الإبداعية. قد تميل الكفة إلى رغبة محمومة في إثبات الذات وإطلاق موجات جديدة وإن كانت سريالية، أو إلى رغبة في الهدوء إلى أن تمر العاصفة بسلام. ما كان واضحاً خلال أسبوعي ميلانو وباريس الأخيرين أن الكفة الثانية كانت أرجح. فالجائحة كان لها تأثير إيجابي على خزانة الرجل العادي، تجسد في أزياء أنيقة بعيدة عن الصرعات الموسمية. يمكن القول: إن أغلب التشكيلات التي طُرحت، كانت تتمتع بكلاسيكية في التفصيل والألوان وبساطة في التفاصيل إلى جانب تنوع جعلها تخاطب معظم الأذواق. قد يأخذ عليها البعض أنها تجارية وتفتقد إلى الجديد بمفهومه الثوري، لكن ما يشفع لها أن كلاسيكيتها جاءت مطعمة بلمسات شبابية منطلقة، تتوق أن تعيد للرجل شكله الذكوري. فحتى النعومة التي سادت في بعض العروض كانت بجرعات أخف مما كانت عليه في المواسم الأخيرة. البدلات المفصلة والمعاطف الأنيقة إلى جانب قطع منفصلة أخرى تخدم الرجل أياً كانت أهواؤه وميوله ومناسباته، هي التي سرقت الأدوار البطولية. في عرض «برادا» مثلاً كانت الصورة عصرية وبسيطة للغاية. لم يكن فيها أي جديد يُذكر ومع ذلك كانت مُنعشة للنظر، متوازنة في أحجامها. في باريس لم تختلف القصة والقصات عما تم تقديمه في ميلانو. افتتحت المصممة البريطانية غرايس ويلز بونر (31 عاماً) الأسبوع الرجالي بأول عرض لها ضمن الحدث. بونر التي يُرشحها البعض لخلافة فيرجيل أبلوه في دار «لويس فويتون»، تمزج في تصاميمها بين تقنيات خياطي سافيل رو في لندن واللمسات الأفريقية والكاريبية. وحظيت المصممة المولودة لأم بريطانية وأب جامايكي بعدة جوائز لما تتضمنه تصاميمها من إيحاءات لرموز من أصحاب البشرة السوداء وللتاريخ الاستعماري، بالإضافة إلى الراحة التي توفّرها ملابسها.

من عرض «برادا» في ميلانو (إ.ب.أ)

في فندق «إيفرو» الواقع في ساحة فاندوم الشهيرة، قدمت عرضا تضمن بدلات رسمية مصنوعة من الحرير ومعاطف من قماش التويد وسراويل مخملية قصيرة. شرحت المصممة بعد العرض أنها استوحته من شخصيتين أثرتا على ثقافة السود، هما الكاتب جيمس بادوين والراقصة جوزفين بايكر اللذان أقاما في باريس في القرن العشرين. شرحت اختيارها هذا بقولها إنّ «حرية التعبير التي وفّرتها لهما باريس هي أكثر ما أثار اهتمامي».»سان لوران» Saint Laurent
في اليوم نفسه قدمت دار «سان لوران» عرضا غلبت عليه تصاميم موجهة للمساء والسهرات، غلبت عليها معاطف داكنة بأكتاف بارزة وقمصان بيضاء، بعضها من الموسلين، تُلف حول العنق على شكل فيونكات، إضافة إلى قمصان مفتوحة تظهر جزءاً من الصدر. كان واضحاً أن الغرض الأساسي منها هو إبراز التفاصيل الدقيقة من كل جانب. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن السترات المحبوكة والمعاطف الطويلة. ما يُحسب لفاكاريللو في هذه التشكيلة أنه ظل وفياً لأسلوب الدار الذي يتميز بالتصاميم الرشيقة عند الخصر والصدر، والتي يمكن أن تخاطب المرأة والرجل على حد سواء، مع إضافته بصمته الخاصة التي تمثلت في تبنيه الأسلوب الانسيابي مع بعض الهندسية التي تجسّدت في إبراز الأكتاف بشدها إلى أعلى.

من عرض «فندي» (خاص)

«فندي» Fendi
جاءت التشكيلة التي صممتها سيلفيا فينتوريني فندي دافئة وأنيقة تضمنت بعض البريق الذي لعب على خُدع بصرية أبدعتها أنامل حرفيين متمرسين في مقرها الرئيسي بروما. تقول الدار إنها أرادت هنا «استكشاف صخب المدينة والأضواء التي تُنير وتتلألأ بعد حلول الظلام، وهو ما تجسد في تلاشي الخطوط الصارمة التي كانت تطبع الأزياء الرجالية التقليدية لتمنح التصاميم الجديدة جاذبية بنكهة مختلفة». في السياق ذاته، أضفى عدم التناسق في الأحجام حركة هندسية مميزة على القمصان المفككة والعباءات المحبوكة بالكشمير المضلع كما على السترات المنسدلة عند الأكتاف. ربما تكون السراويل المنسابة وكأنها تنورات درابية هي الأكثر جُرأة لكن المعاطف مُزدوجة الصدر والمزينة بطيات من الساتان وشراشيب عند الحواف جعلتها تبدو عصرية وحداثية. أما الخامات الغالبة في التشكيلة فكانت الكشمير ذا الوجهين، والجلود المصممة هندسياً وحرير الجاكار الذي تتخلله ألوان براقة شكلت لوحة تتماوج بين ظلال من الرمادي الأنيق ولون الشوفان والأصفر المحترق والموكا والبنفسجي والأزرق بالدرجات المختلفة.

تودز TOD’S
كانت «تودز» من بين بيوت الأزياء القليلة التي اختارت معرض عوض عرض ضخم. ما لم تتنازل عنه هو أسلوبها الإيطالي الذي عودتنا عليه. فهو جُزء من شخصيتها وجيناتها، لكن ما قامت به لخريف وشتاء 2023 أنها ركزت على لغة شبابية أرادت بها أن تخاطب رجلا يتعرف عليها للتو. أخذته في رحلة اكتشاف لجوهر الأسلوب الإيطالي من خلال مجموعة أزياء كلاسيكية وعملية في الوقت ذاته مستعملة لوحة ألوان بدرجات دافئة، تتباين بين البني والكراميل والبيج، تتقاطع بين القطعة والأخرى بالرمادي والأبيض. أقيم العرض في فيلا نيتشي Villa Necchi، حيث تلتقي التقاليد والحداثة في المعمار والديكورات، وهو ما انعكس على تصاميم تميزت بلمسات رياضية وعصرية بقيت فيها الأساسات كلاسيكية، لا سيما في سترة «باش» Pash Jacket التي «ابتُكرت في مختبرات تودز من أقمشة معالجة وتفاصيل صُنّعت يدوياً بحرفيّة وتقنيات من الشمع تُضفي عليها لمعانا وطلة ثلاثية الأبعاد» حسب قول الدار. بيد أن هذه لم تكن السترة الوحيدة التي جذبت الأنظار. فقد كانت هناك مجموعة لا تقل أناقة من جلود النابا والغزال تُذكرنا بأن «تودز» تأسست على تطويع الجلود أساسا، وأنها انطلقت كدار متخصصة في صناعة الأحذية. هذه الرغبة في تذكيرنا بهذا التاريخ كان واضحا في الأحذية الرجالية المتنوعة التي صاحبت الأزياء.
«زينيا» zegna
مثل أغلب بيوت الأزياء الميلانية التي حرصت على العودة إلى الجذور، ركزت علامة «زينيا» على مكمن قوتها: الكشمير. من هذا المنظور أخذت ضيوفها في رحلة لاكتشاف أهم مرحلة في عملية صناعة البدلات الرجالية ألا وهي إنتاج هذه الخامة المترفة قبل أن تُغزل وتُنسج لتتحول إلى قطع أنيقة. أطلقت على المجموعة «واحة الكشمير» وزينت قاعة بالكامل بألياف هذه الخامة بلونها الأبيض. مصمم الدار أليساندرو سارتوري شرح هذا الاهتمام أنه منذ التحاقه بـ«زينيا»: «حظيتُ بفرصة غير مسبوقة لابتكار الأقمشة من نقطة الصفر، بدءاً من النسج وصولاً إلى وضع اللمسات النهائية، مما يمثّل تحدّياً كبيراً بالنسبة إلى المصنّعين الذين نتعامل معهم وحافزاً يدفعهم إلى استكشاف المجهول». والنتيجة حسب قوله: «تصاميم متكاملة وعصرية تخاطب الروح». أكثر ما ميز هذه التشكيلة السترات القصيرة والمنفوخة بعض الشيء، وأخرى بحياكة خفيفة أقرب إلى كنزة مفتوحة منها إلى سترات مفصلة. كانت هناك مجموعة من المعاطف ذات القصّات الرشيقة وأخرى واقية من المطر. بيد أن الملاحظ رغم عنوان التشكيلة «واحة الكشمير» هو حضور خامات أخرى؛ مثل جاكار ميلتون الفاخر الذي يمكن ارتداؤه على الوجهَين، ونسيج البوكليه المطلي وغير المطلي، وقماش الجاكار المجعّد، واللبّاد، والجيرسيه وصوف الألبكة، ومزيج قطني من قماش الكوردروي، ونسيج من التويل والصوف الناعم.


مقالات ذات صلة

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة أجواء العمل وطبيعته تفرض أسلوباً رسمياً (جيورجيو أرماني)

كيف تختار ملابس العمل حسب «الذكاء الاصطناعي»؟

اختيار ملابس العمل بشكل أنيق يتطلب الاهتمام، بعض النصائح المهمة قدمها لك «الذكاء الاصطناعي» لتحقيق ذلك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة دار «ديور» تدافع عن نفسها

دار «ديور» تدافع عن نفسها

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، واستنفرت وسائل الإعلام أقلامها في الأسابيع الأخيرة، تدين كلاً من «ديور» و«جيورجيو أرماني».

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف يختار الرجال ملابس العمل بشكل أنيق؟

كيف يختار الرجال ملابس العمل بشكل أنيق؟

شارك ديريك جاي، خبير الموضة ببعض نصائح للرجال لاختيار الملابس المناسبة للمكتب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)

عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

بينما عدّه البعض زواج الأحلام بتفاصيله وجواهره وألوانه، وصفه البعض الآخر بالسيرك أو فيلم بوليوودي.

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.