بعد أيام قليلة من انعقاد القمة الأوروبية مع بلدان البلقان الغربي المرشحة للانضمام إلى الاتحاد، للمرة الأولى خارج أراضي البلدان الأعضاء، ارتفعت حدة التوتر في هذه المنطقة بعد المظاهرات العنيفة التي شهدتها كوسوفو، وتعرضت خلالها دورية تابعة لبعثة المراقبة الأوروبية لهجوم بقنابل صوتية على يد مجموعات صربية كانت تحتج على اعتقال شرطي سابق كان مطلوباً من العدالة.
وسارع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بورّيل إلى التحذير من أن الاتحاد لن يتساهل مع مفتعلي هذه الأحداث، وطلب من المجموعات الصربية سحب الحواجز التي وضعوها على الطرقات، مشدداً على أن البعثة الأوروبية ستواصل التنسيق مع قوات الأمم المتحدة والسلطات المحلية في كوسوفو، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاستفزازات.
وقالت مصادر الحلف الأطلسي إنها تراقب عن كثب التطورات في هذه المنطقة، حيث تخشى أن موسكو تحاول افتعال اضطرابات فيها منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وكان قرار الاتحاد الأوروبي عقد قمته الأخيرة مع البلدان المرشحة في العاصمة الألبانية تيرانا، مؤشراً على اهتمامه بهذه المنطقة الحساسة التي يرى فيها كثيرون «الخاصرة الرخوة» للاتحاد من حيث احتمالات عودة النزاعات العرقية والدينية إليها.
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الأمني يغلي منذ أشهر في كوسوفو التي نالت استقلالها عن صربيا عام 2008، بعد الحرب التي شهدتها المنطقة أواخر تسعينات القرن الفائت وانتهت بتدخل واسع للطيران الأطلسي لصالح الأكثرية الألبانية. وتحظى كوسوفو، المرشحّة لعضوية الاتحاد الأوروبي، باعتراف ما يزيد على 100 دولة في الأمم المتحدة.
وكان الاتحاد الأوروبي توسّط مؤخراً للتهدئة بين الأقلية الصربية وسلطات كوسوفو، لكن إعلان هذه الأخيرة منذ أيام عن إجراء انتخابات بلدية في المناطق التي تسكنها أكثرية صربية، عاد ليرفع حدة التوتر بين الجانبين بعد تهديد الأحزاب الصربية بمقاطعة هذه الانتخابات.
ويبلغ عدد القوات الدولية المنتشرة منذ سنوات تحت قيادة الحلف الأطلسي 4 آلاف جندي، وكانت تعرّضت لعدة اعتداءات في الماضي لكن من غير وقوع إصابات في صفوفها. وقال ناطق بلسان الحلف الأطلسي أمس: «أي اعتداء على القوات الدولية سيواجه بحزم، والبعثة جاهزة لتنفيذ الولاية التي حددتها الأمم المتحدة في كوسوفو»، وناشد الأطراف المعنية بالإحجام عن أية أعمال استفزازية، والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وكانت بعض المناطق التي تسكنها الأغلبية الصربية في كوسوفو قد شهدت انفجارات وإطلاقاً غزيراً لعيارات نارية مطلع الأسبوع الفائت خلال زيارة السلطات المكلفة تحضير الانتخابات البلدية، ما دفع برئيسة الجمهورية فجوسا عثماني إلى تأجيلها حتى نهاية أبريل (نيسان) من العام المقبل. لكن التوتر عاد إلى الارتفاع يوم الخميس الماضي عندما أصيب ضابط في الشرطة على يد مسلحين ينتمون إلى الأقلية الصربية التي تشكّل أقل من 10 في المائة من سكان كوسوفو الذين يبلغ عددهم 1,8 مليون معظمهم من أصول ألبانية.
ومنذ أشهر يراقب الاتحاد الأوروبي بقلق شديد تصاعد التوتر في هذه المنطقة الحساسة، فيما تتبادل صربيا وكوسوفو الاتهامات والتهديدات. ويوم السبت الماضي، أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوشيك أن بلاده تعتزم نشر عناصر من الجيش والشرطة في مناطق كوسوفو التي تعيش فيها أكثرية صربية «وفقاً للقرار 1244 الصادر عن مجلس الأمن» الذي يكلّف قوات الحلف الأطلسي بالإشراف على الأمن في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القرار سابق لإعلان استقلال كوسوفو عام 2008، وينصّ على حق صربيا في نشر قوة أقصاها ألف جندي في المناطق المسيحية الأرثوذكسية التي تعيش فيها غالبية صربية. وردّ الاتحاد الأوروبي أمس على إعلان الرئيس الصربي، بأن نشر القوات في كوسوفو مشروط بموافقة الأمم المتحدة والحلف الأطلسي الذي يتولّى قيادة القوات الدولية هناك.
وقال مصدر مسؤول في المجلس الأوروبي إن مجرّد إعلان الرئيس الصربي عن نيته إرسال قوات إلى كوسوفو، للمرة الأولى منذ نهاية حرب البلقان عام 1999، هو دليل على وجود محاولات لزيادة التوتر في المنطقة، وأن «ثمّة مخاوف من أن يشعل هذا التوتر نزاعاً دينياً ينام تحت الرماد منذ سنوات». وتجدر الإشارة إلى أن تدخّل الحلف الأطلسي في حرب البلقان كان قد أنهى سيطرة بلغراد على كوسوفو، الأمر الذي ولّد مشاعر مناهضة للحلف بين الصربيين، ما زالت عميقة إلى اليوم.
ولم يتأخر رد كوسوفو على إعلان الرئيس الصربي، حيث صرّح رئيس الوزراء آلبين كورتي بقوله: «نحن لا نسعى لمواجهة مع صربيا، بل نريد الحوار والسلام. لكن ليكن واضحاً أن جمهورية كوسوفو ستدافع عن نفسها بقوة وحزم إذا تعرّضت لأي اعتداء». وكانت رئيسة جمهورية كوسوفو قد صرّحت خلال القمة الأوروبية مع بلدان البلقان الغربي المرشحة لعضوية الاتحاد في العاصمة الألبانية تيرانا، بأن تنامي التوتر مع صربيا لا يساعد كوسوفو في مسعاها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي .
تحذيرات أوروبية وأطلسية من الوضع في كوسوفو والبلقان الغربي
خشية من محاولة موسكو افتعال اضطرابات في المنطقة
تحذيرات أوروبية وأطلسية من الوضع في كوسوفو والبلقان الغربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة