ماليزيا بلاد متعددة العناصر والأعراق يتجاوز عدد سكانها 33 مليون نسمة، وتعاني منذ أكثر من سنتين من اضطرابات سياسية ومحن اقتصادية وزعماء فاسدين، وفي الفترة الأخيرة انتظرت بفارغ الصبر حتى وقع اختيار ملك البلاد على السياسي المخضرم أنور إبراهيم وائتلافه بقيادة حزب «تحالف الأمل» لقيادة البلاد.
جدير بالذكر أن غالبية سكان ماليزيا ينتمون إلى شعب الملاي (الملايو) المسلم، وتقوم البلاد على نظام ملكية دستورية تتبع ترتيباً فريداً، وذلك مع تناوب حكام الولايات التسع بالبلاد على العرش كل خمس سنوات. ويترأس الولايات سلاطين ينتمون إلى عائلات مالكة مسلمة تعود إلى قرون مضت. ولقد أقر هذا النظام منذ نيل ماليزيا استقلالها عن بريطانيا في 1957. وعلى الرغم من الطابع الشرفي الذي يغلب على مناصبهم، يحظى السلاطين المسلمون في ماليزيا باحترام كبير، خصوصاً في أوساط الملاي المسلمين، ويعد توجيه النقد إليهم أمراً محظوراً بشدة داخل البلاد. وأيضاً، يحظى الملك بسلطة تقديرية لتعيين رئيس وزراء يرى أنه يحظى بدعم غالبية أعضاء البرلمان. والمثير للاهتمام أن نتائج الانتخابات شهدت سقوط رئيس الوزراء السابق والعملاق السياسي الدكتور مهاتير محمد، الذي ترشح لعضوية البرلمان في الـ97. واحتل مهاتير المركز الرابع من بين خمسة مرشحين في السباق الانتخابي بجزيرة لانكاوي.
حول المستقبل، يعتقد محللون أن الطريق لن تكون سهلة أمام أنور إبراهيم. وباعتباره رئيساً للوزراء، سيتعين عليه التعامل مع التضخم المرتفع وتباطؤ النمو مع تعافي الاقتصاد من جائحة فيروس «كوفيد - 19». وفي حين تعد قضية ميزانية العام المقبل - التي كانت قد طرحت قبل الدعوة للانتخابات، لكن لم يتيسر إقرارها بعد من جانب البرلمان - القضية الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال الحكومة العتيدة فإن التحدي الأكبر الذي يواجهها يكمن في الخروج بماليزيا من متاعب اقتصاد حقبة ما بعد «كوفيد - 19». والجدير بالذكر هنا أن الماليزيين يواجهون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، مع هبوط قيمة عملتهم الوطنية «الرينغيت» وجمود الأجور. ومن بين المهام التي يتعين على رئيس الوزراء الجديد إنجازها تنفيذ أجندته الإصلاحية، في الوقت الذي يتطلع نحو تحقيق الاستقرار داخل ائتلافه الفيدرالي. وكان أنور إبراهيم قد أطلق في نطاق حملته الانتخابية تعهدات بمكافحة الفساد والإحجام عن التدخل في إجراءات السلطات القضائية.
أيضاً، كانت بين تعهدات رئيس الوزراء الجديد أنه «لن يتقاضى» راتباً في بادرة منه لإظهار تضامنه مع المواطنين الماليزيين الذين يكافحون مع ارتفاع تكاليف المعيشة، والوعد بمساعدة ماليزيا على تبني التعددية الثقافية. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن ماليزيا لطالما تبنت سياسة العمل الإيجابي المؤسسي لصالح الغالبية الملاوية (الملاي) العرقية في مواجهة أقلياتها الصينية الماليزية والهندية الماليزية. وكان أنور إبراهيم قد رد أخيراً عندما سُئل عن أكبر مصدر إلهام له، بالقول: «بالنسبة لي، الإيمان مهم. أنا مسلم. وأطمح لأن ألتزم بديني بشكل أفضل. وبالطبع، أنا طالب في التاريخ وأرى المحن والمعاناة من الماضي إلى الحاضر، وكذلك القراءة عن (الزعيم والثائر الجنوب أفريقي الراحل نيلسون) مانديلا ـ كل هذه الأمور ساعدتني، ومنحتني القوة والتحفيز. وأخيراً، ساعدتني هذه الأشياء على إدراك أنه على الرغم من كل المصاعب أو المعاناة التي يجب أن نتحملها، فهي صغيرة مقارنة بآخرين. انظر إلى سوريا. لقد ماتوا للتو، اختفوا للتو... ومثلما اعتاد مانديلا أن يقول، فإنه حتى عندما يسيء إليك آخرون، أو يمنعونك من مشاهدة التلفزيون أو التواصل مع العالم، عليك أن تدرك أنه من الأفضل دوماً أن يتذكروك بدلاً من أن ينسوك تماماً. وكقائد سياسي، فإنهم حتى لو أساءوا إليّ، فإن هذا يعني أنني ما أزال حاضراً. أما إذا تجاهلوني تماماً، فإن هذا يعني أن هناك مشكلة».
من جانب ذي صلة، مع تولي أنور إبراهيم رئاسة الحكومة في ماليزيا، سيتوجب عليه حشد الدعم والحفاظ عليه من الأحزاب ذات المصالح المختلفة في كثير من الأحيان. ومع أن الملك كلفه وأطرافاً أخرى بتشكيل حكومة وحدة، فقد يجد ثمة صعوبة في التغلب على العداء الذي طال أمده بين عدد الأطراف المعنية. وفي حين سيتألف ثلثا أعضاء الحكومة التي سيترأسها أنور من أعضاء ائتلافه الإصلاحي من حزب «تحالف الأمل»، فإنه وافق أنور، في لفتة تعبر عن الوحدة الوطنية، على منح المناصب المتبقية لحزب «غابونغان راكيات ساباه»، وربما الأكثر إثارة للدهشة، ولممثلي ائتلاف «باريسان» الوطني الذي يضم العديد من سياسيي المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة، التي تضمنت العديد من السياسيين الذين فعلوا الكثير للإطاحة بأنور.
الأوضاع الاقتصادية والتوافق الثقافي والحزبي على رأس أولويات الحكومة الماليزية العتيدة
الأوضاع الاقتصادية والتوافق الثقافي والحزبي على رأس أولويات الحكومة الماليزية العتيدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة