بينما أكد الكرملين، الاثنين، أن روسيا لن تنسحب من المنطقة التي تقع فيها المحطة النووية في زابوريجيا، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعه مع نظيره الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في موسكو، إلى إسدال الستار على مرحلة من الفتور سيطرت على علاقات البلدين، على خلفية مواقف آستانا المعارضة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وأكّد الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أنّ روسيا لن تسحب قواتها من بلدة إنرجودار التي تقع فيها محطة الطاقة النووية في إقليم زابوريجيا. وقال بيسكوف رداً على سؤال حول تصريحات الجانب الأوكراني في هذا الشأن: «لا داعي للبحث عن أي مؤشرات ليست موجودة، ولا يمكن أن تكون».
وكان رئيس مؤسسة «إنيرغو آتوم» الأوكرانية، بيتر كوتين، قد قال إن لدى شركته معطيات عن استعدادات يقوم بها الجيش الروسي لمغادرة المنطقة.
وتقع المحطة النووية التي تسيطر عليها روسيا على الضفة اليسرى لنهر دنيبر، وهي أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا من حيث عدد الوحدات والقدرة المركبة. وقد سيطرت عليها روسيا؛ لكنها ما زالت تتعرض لهجمات مدفعية تتبادل موسكو وكييف الاتهامات بالمسؤولية عنها.
في غضون ذلك، ومع محاولة ترميم العلاقات، وإعادة إطلاق تعاون واسع مع الشريك الكازاخستاني الذي كان يُعد -تقليدياً- أبرز حلفاء روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، أكد الرئيس الروسي سعي بلاده لإعادة توجيه صادراتها التجارية نحو أسواق جديدة، وخصوصاً في الشرق، لتجاوز الصعوبات التي وضعتها العقوبات الغربية أمام حركة البضائع الروسية. وبدا أنّ موسكو تولي أهمية خاصة لزيارة توكاييف، وهي الزيارة الخارجية الأولى له بعد إعادة انتخابه قبل نحو أسبوعين. ورأت مصادر دبلوماسية روسية أن اختيار موسكو لتكون محطته الخارجية الأولى، عكَس رغبة مماثلة لدى توكاييف لإعادة تنشيط العلاقات بعد فترة من الجمود.
وكان الرئيس الكازاخستاني قد وجّه انتقادات قاسية الصيف الماضي إلى العملية العسكرية الروسية، وأعرب عن مخاوف من أن تلقى بلاده مصيراً مماثلاً لأوكرانيا، بعدما شنّت وسائل إعلام روسية حملات ضده بسبب موقفه من الحرب. كما شدد على عدم نية بلاده الاعتراف بخطوات روسيا على صعيد ضم مناطق أوكرانية، ووصف مساعي انفصال أقاليم أوكرانية بأنها ظاهرة خطرة، وتؤسس لـ«فوضى» عالمية.
وأثارت هذه المواقف حفيظة موسكو التي قابلت التصريحات بفرض قيود على صادرات كازاخستان؛ حيث يمر 90 في المائة منها عبر أراضي روسيا، وخصوصاً في مجال الصادرات النفطية.
وبدا أنّ الطرفين قاما بخطوات لطي صفحة الخلاف، وهو ما عكَسه حديث بوتين عن الأهمية الكبرى لتعزيز التعاون مع «الشريك الكازاخستاني».
وقال الرئيس الروسي في مستهل اللقاء، إن اختيار روسيا لتكون أول محطة خارجية لتوكاييف بعد إعادة انتخابه: «لها أهمية خاصة، وتؤكد طبيعة العلاقات بين البلدين». ووصف بوتين روسيا بأنها أكبر مستثمر في اقتصاد كازاخستان، وهنأ زميله على «فوزه المقنع» في الانتخابات، وتمنى لتوكاييف التوفيق في تنفيذ الإصلاحات الواسعة النطاق التي أعلن عنها.
وشدد الرئيس الروسي على أن البلدين «لديهما آفاق واسعة للعمل المشترك في مختلف الصناعات، بما في ذلك صناعات التكنولوجيا الفائقة». وأشار إلى أن بلاده «كانت ولا تزال واحدة من أكبر المستثمرين في اقتصاد كازاخستان، ويُقدر إجمالي الاستثمار بنحو 17 مليار دولار. ويتم فيها حالياً تنفيذ أكثر من 30 مشروعاً استثمارياً كبيراً في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية».
وشارك الرئيسان الروسي والكازاخستاني في افتتاح المنتدى الثامن عشر للتعاون بين روسيا وكازاخستان. واستغل الرئيس الروسي المناسبة لتأكيد توجه بلاده لإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق جديدة.
ومن دون أن يشير مباشرة إلى الوضع في أوكرانيا، قال بوتين إن «التجارة الدولية تمر بأزمة عميقة، ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يجري تنفيذ تدابير واسعة النطاق في روسيا، لإعادة توجيه عمليات التصدير والاستيراد إلى أسواق جديدة، والعمل جارٍ لتجهيز وتحسين كفاءة الشرق والغرب والشمال والجنوب، والممرات الدولية الرئيسية». وأكّد أن العلاقات مع كازاخستان لها أهمية خاصة في هذا الشأن.
وكان الكرملين قد أكد في بيان، أن زيارة توكاييف «مهمة جداً بالنسبة إلينا». وأشار إلى عزم الطرفين توقيع عدد من الوثائق الثنائية، بما فيها بيان بمناسبة مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
على صعيد متصل، بدا أنّ أطرافاً غربيين يقومون بدورهم باتخاذ خطوات لتقليص حدة التوتر مع روسيا، وهو ما انعكس في تصريحات وزير الدفاع النرويجي بيورن غرام، حين قال إنه «لا يرى أي تهديد عسكري روسي مباشر» لبلاده. وأشار الوزير إلى أن «التفاعل بين البلدين تغيّر، مع الحفاظ على بعض الاتصالات والتعاون في مجال الإنقاذ البحري».
وقال غرام خلال مقابلة صحافية، إنه بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا: «حافظنا على بعض خطوط الاتصال مع موسكو، ونتعاون في مجال صيد الأسماك، ونقوم بعمليات الإنقاذ البحري معاً. كما أن هناك تواصلاً بين الجيشين، وإن كان بنشاط أقل بكثير (من السابق)». وأكد أنه «في مرحلة ما، يجب أن يعود كل شيء إلى طبيعته»، مع إقراره بأنّ «هذا قد لا يحدث سريعاً؛ لأن الوضع الحالي له أيضاً عواقب على المدى البعيد».
ولفت الوزير النرويجي إلى أنه على خلفية الأحداث الجارية في أوكرانيا، زادت بلاده من إنفاقها الدفاعي، وتعمل على زيادة مستوى الحذر. وأضاف: «مع ذلك، لا نرى تهديداً عسكرياً مباشراً محدداً للنرويج».
جاء هذا الموقف بعد مرور يوم واحد على إعلان شركة «بيرغين إنجينيز» النرويجية أنها استأنفت توريد قطع الغيار اللازمة لإصلاح توربينات الغاز إلى روسيا. وأفادت وسائل إعلام بأن «الشركة شرعت في توريد منتجاتها إلى روسيا، للوفاء بالالتزامات التعاقدية طويلة الأجل».
وشكّلت الخطوة نقلة جديدة في إطار مساعي بعض الشركات الغربية الكبرى لاستعادة حجم التعاون السابق مع موسكو.
وكانت الشركة النرويجية قد أعلنت الربيع الماضي وقف كل أشكال تعاونها مع روسيا، على خلفية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
في السياق ذاته، أعلنت القائمة بأعمال السفير الأميركي في موسكو، إليزابيث رود، أن موسكو وواشنطن تواصلان مد قنوات الاتصال عن طريق وكالتَي الاستخبارات، بهدف «إدارة المخاطر، وخصوصاً المخاطر النووية».
وفي تصريح لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية، أوضحت القائمة بأعمال السفير الأميركي، أن رئيس جهاز الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية، ويليام بيرنز: «على تواصل دائم في هذا الإطار». وأوضحت أن هذا كان الغرض من الاجتماع الذي عُقد أخيراً في تركيا، بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونظيره الروسي، مؤكدة أن الاجتماع تطرّق إلى التنسيق لمواجهة المخاطر، من دون أن يبحث ملف تسوية الصراع في أوكرانيا.
من جهة أخرى، تجنب الكرملين، الاثنين، التعليق على نداء وجّهته منظمة نسائية روسية تحمل اسم «أمهات الجنود»، طالبت فيه بوقف الحرب وإعادة الجنود الذين تم إرسالهم إلى ساحات القتال. وقال الناطق الرئاسي الروسي رداً على أسئلة الصحافيين، إنّ «الكرملين لم يرَ عريضة تطالب بإنهاء العملية الخاصة، لذلك لا يمكنني التعليق على الأمر».
وكانت مجموعة مشتركة تضم عدداً من أمهات المجندين، وحركة المقاومة النسائية المناهضة للحرب، قد نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عريضة تطالب، بـ«سحب القوات من أراضي أوكرانيا، وعودة جميع الجنود إلى منازلهم».
واللافت في توقيت إصدار العريضة أنها جاءت مباشرة بعد لقاء نظمه الكرملين للرئيس الروسي، الجمعة، مع عدد من أمهات الجنود، سعى خلاله إلى تقليص مخاوفهن، وتأكيد أهمية مواجهة «حملات الخداع والتضليل» التي تثيرها دوائر غربية عن مجريات الحرب في أوكرانيا، وعن حجم خسائر القوات الروسية هناك.
بوتين يسعى لاستعادة «الحليف» الكازاخستاني وتوجيه التجارة نحو «أسواق جديدة»
روسيا تؤكد عدم نيتها الانسحاب من زابوريجيا
بوتين يسعى لاستعادة «الحليف» الكازاخستاني وتوجيه التجارة نحو «أسواق جديدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة