الذات حين تستنجد عبثاً بالشعر للخلاص من أوهامها والعالم

مصطفى عبادة في ديوانه «بخطى مثالية كالفضيحة»

الذات حين تستنجد عبثاً بالشعر للخلاص من أوهامها والعالم
TT

الذات حين تستنجد عبثاً بالشعر للخلاص من أوهامها والعالم

الذات حين تستنجد عبثاً بالشعر للخلاص من أوهامها والعالم

تهيمن فكرة صناعة الضحية على أجواء ديوان «بخطى مثالية كالفضيحة» للشاعر مصطفى عبادة، الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. فالذات الشاعرة ضحية لكل شيء حولها، ضحية للزمن وما يتسلل من ثقوب الماضي، ضحية للعواطف والأحلام والأصدقاء ولمحيطها العائلي والاجتماعي الفاتر، ضحية للأنثى ومحاولة مراودتها على مسرح الحب والشعر والجنس، وحين لا يتسنى لها ذلك، يتحول الفعل الشعري إلى التلويح بالانتقام والسخرية والكراهية أيضاً.
فماذا تفعل إذن الممثلة الأميركية «درو باريمور» في الديوان، هل تبحث عن دور جديد، أم هي محض تعبير نيئ عن مراهقة القصيدة والشاعر معاً، في عالم يدعي أنه لا يعرف جماليات الفضيحة، رغم أنه يصنعها كل يوم، ويتفنن في التستر خلفها كقناع. لكن كيف نصدق إذن، وفي هذا العالم المرتبك أن يتحول الشاعر إلى ضحية لكل هؤلاء، ولماذا لا يكون ضحية لنفسه، لقناعه الخاص المضطرب المبعثر، بين طرطشة الإيروتيكا وفوضى الجسد ونزوات الأحلام؟
في النص الأول من الديوان يتحول قناع الممثلة الأميركية إلى شرك، تتعرى الذات الشاعرة تحته، كاشفة - فيما يشبه المفارقة الضمنية - عن مأزقها الخاص، بخاصة في العلاقة العاطفية مع الزوجة والواقع المعيش، لكن الولع بالممثلة البطلة وقناعها الإيروتيكي الفاتن، يظل محض فجوة في الحلم، لا تملك الذات إزاءها سوى أن تعري نفسها وتتمسح كضحية بالجغرافيا والتاريخ، وعبر بعض الرموز والدلالات الشاردة (11 سبتمبر (أيلول)، مأساة مانهاتن - وأسماء لبعض المتهمين فيها، محمد عطا، والحازمي). وعبثاً تستنجد بالشعر في محاولة للخلاص من أوهامها والعالم. في المقابل كان من الممكن سدُّ هذه الفجوة القابعة في الحلم، أو حتى توسيعها، بشكل أكثر حيوية شعرياً وفنياً، لو تحول قناع الممثلة إلى فضاء للحوار، تتأمل الذات من خلاله أدوارها المتنوعة سينمائياً، وطبيعة علاقتها بعشاقها في هذه الأفلام، بل مشكلاتها الصحية، وشكواها من مطاردة الشمس لبشرتها، وغيرها من العلائق التي تجعل المشهد الشعري مفتوحاً على براح الصورة، وفي الوقت نفسه، على مراهقة الحواس والمنظر. بدلاً من الوقوع في نبرة التبرير والاعتذار والرجاء المخاتل، وغيرها من الدلالات الموحية بالرثاء التي تطالعنا في نهاية النص، على هذا النحو:
«أنا أريدك خارج الجغرافيا
بعيداً عن خطط المحافظين
ستذكرين بالتأكيد
آخرَ مكان كنا فيه
وسأنسى تاريخكِ الدمويَّ
أنا صنوك المعقَّدُ
لم أرَ بطن ركبة امرأة
إلا ذكرتك.
الجغرافيا لا تتبدَّلُ كثيراً
أقول: هذا صدرها
لا... هذا يشبه صدرها
وتنقصني الرائحة
لأن الروائح لا تعبر الأوطان
امنحيني رائحتك
ودعي القصيدة تمضي على ضمير المخاطب
لأنني تحللت تحت ضمائر الغياب».
من ثم، نحن في حاجة لإعادة النظر في مفهوم الضحية ليس فقط في الشعر، بل ربما في شتى مناحي الإبداع. فبرأيي أن الضحية ليست مفهوماً طبقياً خالصاً، وعلى غرار ما تعودناه من ثنائيات عقيمة، منها على سبيل المثال الغنى والفقر، هناك من هو ضحية للثراء، وأيضاً هناك من هو ضحية للفقر. لكن أصعب هذه الأدوار أن تكون ضحية لنفسك... ربما لذلك، تهرب الذات الشاعرة إلى تخوم أخرى، تتحايل عليها أحياناً بوشائج من التناص مع شخصيات متنوعة، بينهم كتاب وشعراء وفلاسفة ومناضلون، منهم (نيتشة، وابن حزم، والمعري، وحلمي سالم، وسيمون دي بوفوار وسارتر، أنانييس نن وهنري ميللر)، تستقوي بهم وتتحصن بظلالهم من مغبة الوقوع في شرك الضحية، وهو ما نراه في نص بعنوان «عمر»، فثمة وشيجة من التناص، تومض في تساؤلات خاطفة متخيَّلة ما بين الذات الشاعرة والبطل الليبي عمر مختار، أحد أشهر أبطال المقاومة للاحتلال الإيطالي لبلاده الذين تركوا علامات مضيئة في مسارات التاريخ، تساؤلات عن معنى الرجولة والتضحية والمجد والنضال والخوف من الفناء والمجهول. ولا تملك الذات المتسائلة المتشككة سوى أن ترثي نفسها في مرآة البطل الرمز قائلة:
«يا عمر
المجد كالمال ليس دائماً
ولا طاقة للمحروم
بخفاء التعري
على العشب
في المقابر أحياناً
أو في الأسرة الفاخرة
يا عمر
النضال ليس دائماً
والعدو دائم».
هذه النصيحة المتأرجحة بظلالها الشائكة التي ينتهي بها هذا النص، يقابلها إحساسٌ لاعج بالأسى والمرارة في النص الذي وسم عنوان الديوان «بخطى مثالية كالفضيحة»، حيث تجنح الدلالة إلى المواراة والمواءمة ما بين المحبة والغضب للتخفف من وطأة تواطؤ وخيانة الأصدقاء والرفاق، ونلمح محاولة حثيثة للبحث عن مبررات أخرى للوجود، بعيداً عما ترشح به الوجوه من مشاعر مبتذلة وكاذبة، وأقنعة، تتصنع الصرامة والسخرية.
في مواجهة كل هذا العبث، تنصِّب الذات الشاعرة نفسها قاضياً، يملك مفاتيح الثواب والعقاب، يحذر ويتوعد بالانتقام، لكنها في حقيقة الأمر تحاول أن تواجه نفسها، تستقوي بهشاشتها وضعفها بحثاً عن بقعة ضوء حقيقي في ركام هذا الغبار:
«أريد أن أقدم نفسي للعالم
بقلب متسخ
وحذاء نظيف
وتلالٍ من الكسل الممض
عناية للروح من حمى الحنين
وزحمة الأفخاذ.
سيأتي اليوم الذي أحجب فيه
والساعة التي تندمون
أعرفكم واحداً واحداً
خطاكم وخطاياكم تملأ كوبي
أنتم أيها الأصدقاء القتلة
لا تدركون اتساعي
ولحظة غضبي
أحبكم نعم
وأحنو
لكن عذابي شديد».
بيد أن هذه الصورة الغاضبة تتغير ملامحها ونبرتها في نص «بقوة الغريزة»، فالذات الشاعرة لا تكتفي بالإنصات للطرف الآخر (الأنثى)، إنما تتأمله كمرثية لها، تحفزها على الحيوية والالتصاق جسداً وروحاً بكينونتها الأنقى الهاربة تحت وطأة السذاجة والطيبة ومصادقة العالم. يستحضر النص: عبد القدير خان، الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني، ونيتشة، وابن حزم، يتكئ عليهم كقوة للمعرفة والصمود، لتصبح الصورة أكثر اتزاناً في فراغ المشهد، مشرَّبة بظلال من الحكمة، وفي الوقت نفسه، تشكل مصفاة لما يعلق بالنص من شوائب ومآزق تخلفها العلاقات الإنسانية والعاطفية الخطرة... يقول في هذا النص (ص 48. 49):
«أنتَ سيئ وقاسٍ
صموت
لألمح في عينيك
نظرة إشفاق عليَّ
حتى وأنا نائمة
ولا تحنُّ إلى
تلك أشياءُ
لا تسعفها
قوة الغريزة
إنها الساق التي بها نصعد الجسد
وتخوننا لحظة الحسم
وهم هناك ينتظرون نتيجة الاختبار
الذي عرضوه علينا
ومنحوننا حرية الاختيار
وديمقراطية الشجن»
يصعد هذا الملمح المغاير على نحو لافت وأكثر درامية في نص بعنوان «زجاج» يختتم الديوان، حيث يمارس الشاعر نوعاً من الانزياح الأسلوبي، فيأخذ اللغة بعيداً عن علاقتها التواصلية المباشرة والمألوفة التي طغت على معظم النصوص، وقبعت تارة تحت قناع البطل، وتارة أخرى تحت قناع الضحية. كما يكشف النص عن ملمح جمالي قادر على مساءلة الأشياء ومواجهتها، وخلق نوافذ إدراك جديدة لها، من خلال جدل النفي والإثبات.
ومن ثم تتسع رمزية الزجاج، وتشف عما يتكسَّر ويتخفَّي في النص والواقع معاً، وتصبح مداراً لرؤية تتحاور من خلالها الذات مع العالم، بأقصى درجات الشغف والمحبة، والكراهية أيضاً، وكما يقول في النص:
أيها الزجاج:
«أنا أكرهك
ليس لأن يدي تنزلق عليكَ
فهي تنزلق على أشياء أخرى
أكثر سخونة منك
وأشدُّ إثارة
وليس لأنك شفافٌ وسطحيٌّ
وبلا عمق
وليس لأن ظهركَ حين يعتم
يفضح الوجوهَ في المرايا
وليس لأن المرايا كاذبة أو صادقة
فأنا لا أستعملها
وليس لأن القاتل دائماً له عينان زجاجيتان
كذلك اللصّ والكذاب وبعض الداعرات
أيها الزجاج:
ليس لأن الجيد منك بلجيكي أو أميركي
ملونٌ أو سادة
محبب أو أملس
وليس لأنك رملٌ
وأنا أرهب الصحراء».
وهكذا... تتواشج العناصر في هذا النص، بإيقاع حي وفي فضاء أوسع، يجر الدلالة إلى ما وراء المعنى المباشر للرمز، بينما تتعدد وظيفته الأسلوبية والجمالية بالقدرة على إثارة الدهشة والأسئلة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

نال الفيلمان العربيان «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، استحساناً جيداً من جمهور غفير في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة)، وكلاهما في المسابقة الرسمية.

يُؤلّف «اللي باقي منك» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني، وتمتد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022.

«نجوم الأمل والألم» مؤلَّف أيضاً من 3 محطات زمنية، ونجد فيه حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

فيلم الافتتاح، «عملاق»، يتولّى الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، ويختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
TT

جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)

عزز الممثل الأميركي جورج كلوني من صورته فيما يتعلق بالبيئة عن طريق السفر بالقطار، سواء كان ذلك أسفل القنال الإنجليزي إلى لندن أو بين باريس وقصره جنوب فرنسا.

وقال النجم السينمائي (64 عاماً) لنسخة نهاية الأسبوع من صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» الألمانية: «غالباً ما أستقل القطار بين لندن وباريس، وأسافر بالقطار قطعاً بين إكس-أون- بروفانس وباريس كل أسبوعين».

وأوضح كلوني، الذي أبدى من قبل انحيازه لحماية البيئة: «أسافر دائماً بالقطار».

ويعيش كلوني، الحاصل على جائزتي أوسكار والعديد من الجوائز الأخرى، مع زوجته المحامية الحقوقية أمل كلوني، وابناهما التوأمان إيلا وألكسندر في مزرعة في بروفانس.

وصدر فيلمه «جاي كيلي» على منصة «نتفليكس» الجمعة. ومن بين أشهر أفلامه «أوشنز إليفن» و«سيريانا».


رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
TT

رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)

استخلص باحثون في جامعة ماريلاند الأميركية بمقاطعة بالتيمور (UMBC) العناصر الأساسية لإيماءات اليد الدقيقة التي يستخدمها الراقصون في رقصة «بهاراتاناتيام» الهندية الكلاسيكية، ووجدوا «أبجدية» للحركة أغنى وأكثر ثراء مقارنةً بمسكات اليد الطبيعية.

ووفق دراستهم المنشورة في مجلة «ساينتفيك ريبورتس» (Scientific Reports)، يمكن لهذا العمل أن يُحسّن كيفية تعليم الروبوتات حركات اليد المعقدة، وأن يُوفر للبشر أدوات أفضل للعلاج الطبيعي.

ركّز رامانا فينجاموري، الأستاذ في جامعة ماريلاند بمقاطعة بالتيمور والباحث الرئيسي في هذا العمل، مختبره على فهم كيفية تحكم الدماغ في حركات اليد المعقدة.

ابتكر فينجاموري نهجاً جديداً لاستخلاص العناصر الأساسية من مجموعة واسعة من إيماءات اليد الدقيقة، المسماة «مودرا»، المستخدمة في الرقص الكلاسيكي الهندي لتعزيز عنصر سرد القصص في هذا الإطار الفني.

ويُطور الفريق البحثي حالياً تقنيات «لتعليم» الأيدي الروبوتية أبجديات الحركات وكيفية دمجها لإنشاء إيماءات يد جديدة، وهو ما يُمثل انحرافاً عن الأساليب التقليدية لتعليم الروبوتات تقليد إيماءات اليد، ويتجه نحو أسلوب جديد لكيفية عمل جسم الإنسان ودماغه معاً.

ويختبر الباحثون هذه التقنيات على يد روبوتية مستقلة وروبوت بشري، يعمل كل منهما بطريقة مختلفة ويتطلَّب نهجاً فريداً لترجمة التمثيلات الرياضية للتآزر إلى حركات جسدية.

يقول فينجاموري: «الأبجدية المُشتقة من مودرا أفضل بالتأكيد من أبجدية الفهم الطبيعي لأنها تُظهر قدراً أعلى من البراعة والمرونة».

وأضاف في بيان نُشر الخميس: «عندما بدأنا هذا النوع من الأبحاث قبل أكثر من 15 عاماً، تساءلنا: هل يُمكننا إيجاد أبجدية ذهبية يُمكن استخدامها لإعادة بناء أي شيء؟».

ووفق نتائج الدراسة يمكن استخدام هذا المفهوم لتفكيك تنوع مذهل من الحركات إلى عدد محدود من الوحدات الأساسية.

بحث الفريق عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها (ساينتفيك ريبورتس)

وقبل أكثر من عقد من الزمان، بحث فينجاموري وشركاؤه عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها، بالاعتماد على مفهوم يُسمى التآزر الحركي، إذ يُنسّق الدماغ حركات مفاصل متعددة باليد في آنٍ واحد لتبسيط الحركات المعقدة.

بدأ فينجاموري وطلابه بتحليل مجموعة بيانات تضم 30 مسكة يد طبيعية، تُستخدم لالتقاط أشياء تتراوح أحجامها بين زجاجات المياه الكبيرة وحبات الخرز الصغير.

اختبر الفريق بعد ذلك مدى قدرة التآزرات المستمدة من الإمساك الطبيعي على الجمع لإنشاء حركات يد غير مرتبطة مقارنةً بالتآزرات المستمدة من المودرا. وقد تفوقت التآزرات المستمدة من المودرا بشكل ملحوظ على تآزرات الإمساك الطبيعي باليد، وفق نتائج الدراسة.

يقول بارثان أوليكال، العضو المخضرم في مختبر فينجاموري الذي يسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب: «عندما تعرَّفت على مفهوم التآزر، أصبح لدي فضول كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدامه لجعل اليد الروبوتية تستجيب وتعمل بطريقة اليد البشرية نفسها».

ويضيف: «لقد كان من دواعي سروري أن أُضيف عملي الخاص إلى جهود البحث، وأن أرى النتائج».

يستخدم الفريق كاميرا بسيطة ونظاماً برمجياً للتعرُّف على الحركات وتسجيلها وتحليلها، وهو ما يُسهم بشكل كبير في تطوير تقنيات فعالة من حيث التكلفة يمكن للناس استخدامها في منازلهم.

في نهاية المطاف، يتصوَّر فينجاموري ابتكار مكتبات من الأبجديات المُخصصة لمهام روبوتية مُحددة، يُمكن استخدامها حسب الاحتياجات، سواءَ كان ذلك إنجاز الأعمال المنزلية اليومية من بينها الطهي أو طيّ الملابس، أو أي شيء أكثر تعقيداً ودقة، مثل العزف على آلة موسيقية.