طفرات بـ«جدري القردة» تُسبب انتشاراً سريعاً للفيروس

تتجنب الأدوية واللقاحات

تحديد طفرات تزيد قدرات «جدري القردة» على العدوى (جامعة ميسوري)
تحديد طفرات تزيد قدرات «جدري القردة» على العدوى (جامعة ميسوري)
TT

طفرات بـ«جدري القردة» تُسبب انتشاراً سريعاً للفيروس

تحديد طفرات تزيد قدرات «جدري القردة» على العدوى (جامعة ميسوري)
تحديد طفرات تزيد قدرات «جدري القردة» على العدوى (جامعة ميسوري)

أصاب «جدري القردة» أكثر من 77000 شخص في أكثر من 100 دولة حول العالم، ومكنت الطفرات، على غرار «كوفيد - 19»، الفيروس من النمو بشكل أقوى وأكثر ذكاءً، وتجنب الأدوية واللقاحات المضادة للفيروسات في مهمته لإصابة المزيد من الناس.
والآن، حدّد فريق من الباحثين في جامعة ميسوري الطفرات المحددة في فيروس «جدري القردة» التي تسهم في استمرار العدوى، ويمكن أن تؤدي هذه النتائج المنشورة الجمعة في دورية «المناعة الذاتية»، إلى نسخ معدلة من الأدوية الحالية المستخدمة لعلاج الأشخاص الذين يعانون من «جدري القردة» أو تطوير عقاقير جديدة تستهدف الطفرات الحالية للحد من الأعراض وانتشار الفيروس.
وخلال الدراسة، قاد كاملندرا سينغ، الأستاذ في كلية الطب البيطري، تعاوناً مع فريق بحثي دولي، لتحليل تسلسل الحمض النووي لأكثر من 200 سلالة من «جدري القردة» امتد الفيروس لعقود عديدة، من عام 1965، عندما بدأ الفيروس في الانتشار لأول مرة، إلى تفشي المرض في أوائل القرن الحادي والعشرين ومرة أخرى عام 2022.
ويقول سينغ في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة ميسوري، بالتزامن مع نشر الدراسة: «من خلال إجراء تحليل زمني، تمكنا من رؤية كيف تطور الفيروس بمرور الوقت، وكانت النتيجة الرئيسية أن الفيروس يقوم الآن بتجميع الطفرات على وجه التحديد، حيث من المفترض أن ترتبط الأدوية والأجسام المضادة من اللقاحات، لذلك، أصبح الفيروس أكثر ذكاء، فهو قادر على تجنب استهدافه بالأدوية أو الأجسام المضادة من الاستجابة المناعية لأجسامنا والاستمرار في الانتشار بين المزيد من الناس».
وكان سينغ يدرس علم الفيروسات وتكرار جينوم الحمض النووي لما يقرب من 30 عاماً، وقال إن «التماثل أو التركيب لفيروس (جدري القردة) يشبه إلى حد بعيد فيروس اللقاح، الذي تم استخدامه كلقاح لعلاج الجدري»، ومكّن ذلك سينغ ومعاونيه من إنشاء نموذج حاسوبي دقيق ثلاثي الأبعاد لبروتينات فيروس «جدري القردة» وتحديد مكان الطفرات المحددة وما هي وظائفها في المساهمة في أن يصبح الفيروس معدياً جداً.
ويقول سينغ: «ينصب تركيزنا على البحث في الجينات المحددة المشاركة في نسخ جينوم الفيروس، و(جدري القردة) هو فيروس ضخم فيه قرابة 200 ألف قاعدة حمض نووي في الجينوم، ويتم تحويل جينوم الحمض النووي لجدري القردة إلى ما يقرب من 200 بروتين، وستصنع الفيروسات مليارات النسخ من نفسها ولن ينجو إلا الأصلح منها، تساعدها الطفرات على التكيف والاستمرار في الانتشار».
وقام سينغ وفريقه بفحص خمسة بروتينات محددة أثناء تحليل سلالات فيروس «جدري القردة»، ووجدوا أن الطفرات تحدث في نقاط حرجة تؤثر على ارتباط جينوم الحمض النووي، وكذلك في المكان الذي المفترض أن ترتبط الأدوية والأجسام المضادة التي يسببها اللقاح، وتسهم هذه العوامل بالتأكيد في زيادة العدوى بالفيروس.


مقالات ذات صلة

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الناس يشعرون بعدم الثقة جرّاء ضغوط في العمل (أ.ف.ب)

نصائح لتعزيز الثقة بالنفس وزيادة القدرات الذهنية

يُعدّ الشعور بعدم الثقة بالنفس من المشاعر التي يصعب التعامل معها، وقد نشعر بها جرّاء عوامل خارجية، مثل اجتماع سيئ مع المدير في العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك «أوزمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

«أوزمبيك»... «نافورة شباب» تبطئ الشيخوخة

وجد باحثون أن دواء إنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» قد يبطئ الشيخوخة وله «فوائد بعيدة المدى» تتجاوز ما كان متصوراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (رويترز)

منظمة الصحة: تفشي جدري القردة في أفريقيا قد ينتهي خلال 6 أشهر

أعرب رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن اعتقاده أن تفشي فيروس جدري القردة في أفريقيا قد يتوقف في الأشهر الستة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».