جنبلاط يتذكر رحلة «الطائف» من معركة «سوق الغرب»... إلى وثيقة الوفاق الوطني

اعتذر إلى الإبراهيمي عن «قصف» مقره... وكشف رفض دمشق لإعطاء الدروز امتيازاً

وليد جنبلاط (رويترز)
وليد جنبلاط (رويترز)
TT

جنبلاط يتذكر رحلة «الطائف» من معركة «سوق الغرب»... إلى وثيقة الوفاق الوطني

وليد جنبلاط (رويترز)
وليد جنبلاط (رويترز)

سرد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وقائع تاريخية مهدت لتوقيع وثيقة الوفاق الوطني اللبناني عام 1989، بدءاً من معركة «سوق الغرب» الشهيرة ضد قوات الجيش اللبناني الموالية لرئيس الحكومة العسكرية آنذاك ميشال عون، وصولاً إلى توقيع الاتفاق، مروراً برفض النظام السوري لإعطاء دروز لبنان أي امتياز قد ينعكس على دروز جبل العرب في سوريا.
وفي مداخلته في منتدى الطائف الذي نظمته السفارة السعودية في لبنان، في قصر الأونيسكو، بمناسبة الـذكرى الثالثة والثلاثين لإقراره، بدأ جنبلاط مداخلته بالقول: «هذه القاعة تعود بي بالذاكرة 50 عاماً إلى الوراء، حينما كان يوم التوقيع يوافق مرور أربعين يوماً على وفاة كمال جنبلاط، وهنا بدأت بحياتي السياسية».
واستذكر جنبلاط المحطات السياسية والعسكرية التي سبقت الوصول إلى اتفاق الطائف، فأشار إلى أنه «سنة ١٩٨٨، تشكلت اللجنة السداسية العربية وكان هدفها مساعدة لبنان على انتخابِ رئيس، وخرجت بتوصية أن سوريا كانت وراء عرقلة الحل، هذا كان انطباعنا آنذاك، وفي مارس (آذار) ١٩٨٩ أطلق ميشال عون (حرب التحرير) المدمرة التي أوصلت البلاد إلى درجة غير مسبوقة من الدمار والضحايا باستثناء القصف الإسرائيلي على بيروت الغربية سنة ١٩٨٢، فكان القصف والقصف المتبادل قد امتد أشهراً».
ولفت جنبلاط إلى أنه «في تلك الأثناء، شُكلت اللجنة الثلاثية العربية العليا، وحينها كان مقر إقامة اللجنة التي كانت تضم الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح (رحمه الله) والأمير سعود الفيصل (رحمه الله) والسيد الأخضر الإبراهيمي في فندق البستان، وقد تعرض لقصف مدفعي من قبل مدفعية (الحزب التقدمي الاشتراكي)، وهو الأمر الذي أدنته مع الشيخ صباح والأمير سعود، واليوم أدينه أمامكم وأعتذر، وقد شُكلت اللجنة في قمة الدار البيضاء في ٢٦ مايو (أيار) ١٩٨٩ لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية في غضون ستة أشهر، وقد ضمت اللجنة الملك السعودي فهد بن عبد العزيز، والرئيس الشاذلي بن جديد، والملك الحسن الثاني (رحمهم الله). وتم تحميل ميشال عون المسؤولية عن تدهور الوضع، وكان السيد الأخضر الإبراهيمي ممثل الجامعة العربية في هذه اللجنة».
وأضاف جنبلاط: «في صيف ١٩٨٩، قررتُ أنه من الضروري القيام بعملٍ ما لتغيير مسار الأمور للخلاص من هذه المحنة، واستشرت القيادة السورية، بالتحديد العماد حكمت الشهابي (رحمه الله) رئيس أركان الجيش العربي السوري آنذاك، إذ نبهني إلى أن جبهة سوق الغرب محصنة وفيها أفضل ألوية الجيش اللبناني الموالية لعون. لكنني أصررت على المغامرة. وطلبت من المقدم رجا حرب (شفاه الله) قائد جيش التحرير الشعبي (قوات الشهيد كمال جنبلاط) آنذاك خوض المعركة ومحاولة الاستيلاء على سوق الغرب وعلى تلة ٨٨٨ الاستراتيجية، فكانت المعركة في ١٣ أغسطس (آب) ١٩٨٩ التي خاضها الحزب التقدمي الاشتراكي وجيش التحرير الشعبي وحيداً، وفي ذاك النهار المشهور والمشهود، كان نهاراً حافلاً بدوي الراجمات والمدافع والرصاص منذ الخامسة فجراً حتى الرابعة بعد الظهر، موعد وقف إطلاق النار».
وتابع قائلاً: «رغم أنه لم يتحقق الهدف العسكري بالاستيلاء على تلة ٨٨٨ وسوق الغرب، فإنه منذ تلك اللحظة، ساد الهدوء الكامل على كل الجبهات كافة وتوقفت المدافع عن القصف والقصف المضاد على كل المناطق»، معتبراً أن «هذه المعركة برأيي، بشكل أو بآخر، حركت التاريخ، وشهداء جيش التحرير الشعبي فتحوا طريق السلام، طريق الطائف. وفعلاً، بدأت رحلة الطائف. لقد أثمرت المغامرة».
*مجلس الشيوخ
وأشار جنبلاط إلى أنه «في بنود «الطائف» المتعددة التي لم تُطبق، ورد إنشاء مجلس الشيوخ. وشرح جنبلاط من أين أتت هذه الفكرة. وقال: «ورد هذا المطلب من بين مطالب عديدة أخرى في المذكرة التي رفعتها الهيئة العليا للطائفة الدرزية إلى المسؤولين والرئيس أمين الجميل في مايو ١٩٨٣. كانت الهيئة العليا تضم الأمير مجيد أرسلان، وسماحة شيخ عقل الدروز الشيخ محمد أبو شقرا، والعبد الفقير وليد جنبلاط، حيثُ كان الجبلُ محتلاً من قبل إسرائيل ترافقها بعض الميليشيات اليمينية، وقد قررنا آنذاك الوصول إلى حلٍ مقبولٍ، بسحب الميليشيات وإرسال الجيش محل القوات الإسرائيلية».
وأضاف جنبلاط: «اصطدمنا مع النظام السوري الذي رفض بشكل قاطع إنشاء مجلس الشيوخ، وكان سبب الرفض حينها أن النظام السوري لم يكن يريد إعطاء دروز لبنان امتيازاً إضافياً قد ينعكس على دروز جبل العرب... إنها الحساسيات التاريخية أو الهوس التاريخي للنظام السوري من تضحيات جبل العرب بدءاً من ثورة الاستقلال السوري ١٩٢٥ - ١٩٢٧ إلى الأمس القريب».
وقال جنبلاط: «لكن رغم تعاطف العماد حكمت الذي - تاريخياً - لعب دوراً في إنصاف الدروز في سوريا من جبل السماق إلى جبل العرب، وعمل على تصحيح مغالطاتٍ وإساءات بحقهم، فقد أصررنا على مطلب إنشاء مجلس الشيوخ وساعدنا في هذا المجال الشهيد رفيق الحريري والقيادة السعودية، وعليه وُضع مبدأ مجلس الشيوخ لكنه رُبط بالبند القائل: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلسٌ للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية».
وسأل جنبلاط: «لماذا مطلب مجلس الشيوخ برئاسة درزي؟» وأضاف: «في إطار إعادة توزيع الصلاحيات بين الرئاسات، يحق لنا كشريحة عربية إسلامية ومؤسسة في لبنان أن يكون لنا هذا الدور وهذا الموقع. لن نقبل أن نخسر في السلم بمعزل عما ربحنا في الحرب».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

سوريون اعتقلوا في سجون المخابرات العسكرية يصفون «اليأس» من زنزانات الماضي

سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
TT

سوريون اعتقلوا في سجون المخابرات العسكرية يصفون «اليأس» من زنزانات الماضي

سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

بعد أيّام من سقوط بشار الأسد، عاد محمد درويش إلى الزنزانة رقم 9 في «فرع فلسطين» أحد فروع المخابرات العسكرية السورية في دمشق؛ حيث أوقف قيد التحقيق لأكثر من 120 يوماً قبل سنوات، متحدثاً عن «اليأس» الذي راوده خلف القضبان.

في الزنزانة الواقعة تحت الأرض في المبنى الكبير المؤلف من طوابق عدة، تنتشر رائحة العفن ومياه الصرف الصحي الجارية في الأروقة بين الزنزانات.

الصحافي السوري محمد درويش عاد ليزور زنزانته في «فرع فلسطين» (أ.ف.ب)

لا نافذة تُدخل الضوء من الجدران السوداء المليئة بالبق في الغرفة الضيقة التي بالكاد اتسعت لأكثر من 100 شخص.

وهذا الفرع الذي يخشاه السوريون كثيراً، كان يستقبل خصوصاً موقوفين بتهم «الإرهاب»، لكنّ كثراً يدخلونه على قيد التحقيق وتنقطع أخبارهم تماماً عن ذويهم.

ودخل الصحافي محمد درويش (34 عاماً) إلى السجن في فرع فلسطين لمدة 120 يوماً قيد التحقيق في عام 2018 بتهمة «تمويل الإرهاب بالمعلومات، والترويج للإرهاب»، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

سوريون يدمرون لافتة تصور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد في «فرع فلسطين» (أ.ف.ب)

«تهمة الإعلام»

في الزنزانة رقم 9، يتذكّر البقعة الضيقة التي حُجز فيها مع 50 آخرين لإصابتهم بالسلّ. يتذكّر الشاب التركي الذي كان موقوفاً معهم وأصيب بـ«الجنون» على حدّ قوله من كثرة الضرب.

ويروي الشاب: «أنا من أكثر الأشخاص الذين حققوا معهم؛ لأن تهمتي بالنسبة لهم كانت كبيرة جداً، تهمة الإعلام، كانوا يحققون معي مرة في الصباح ومرة في المساء».

ويضيف: «كانوا يقولون لي إن المسلح برصاصة يقتل شخصاً واحداً، بينما أنا بكلمتي أقتل الآلاف»، بينما يقول إنه كان يصور تقارير عن الواقع الخدمي في دمشق. وبعدما نُقل إلى سجن آخر، خرج بعد عام وأكثر من «التوقيف العرفي».

سوريون يتجمعون في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

ويصف الشعور خلف القضبان «بشعور فقدان الأمل واليأس، عندما يغلقون هذا الباب عليك، تفقد الأمل بالغد، هذه البقعة شهدت مآسي، عائلات فقدت مُعيلها، فقدت أبوها، فقدت أخوها».

ويتابع: «يكفي كنتيجة لهذه الثورة كلها، إنهاء الاعتقال القسري والعرفي من دون أي تهمة واضحة».

وفرع «فرع فلسطين» أو الفرع 235 في المخابرات العسكرية، تماماً من كلّ العناصر الأمنية التي كانت موجودة فيه منذ الأحد. لكنّ زواره الآن على غرار محمد، هم موقوفون سابقون جاءوا تحدياً للألم الذي عانوه هنا، أو تحدياً للخوف.

«اليائس يبحث عن أي خيط»

آخرون قرروا زيارة المكان للبحث في الوثائق والأوراق والملفات التي تُركت فيه علّهم يجدون قريباً لهم فُقد في السجون السورية ولم يسمعوا عنه خبراً، كما فعل كثر منذ سقط حكم «حزب البعث» قبل أيام.

سوريون يبحثون في الملفات داخل «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

في غرفة سوداء توزعت فيها آلاف الأوراق والملفات، وقفت امرأة وهي تقلب بين بطاقات هوية بحثاً عن قريب لها. وتقول وهي تغطي وجهها بوشاح رمادي إن «اليائس يبحث عن أي خيط» يوصله إلى ما يريد، مفضلة عدم كشف اسمها.

آلاف فعلوا مثلها منذ الأحد، حين فتحت أبواب السجون والمقرات الأمنية في مناطق مختلفة من سوريا، لا سيما سجن صيدنايا السيئ الصيت.

عند مدخل «فرع فلسطين»، شاحنة عسكرية متوقفة، وفرش مبعثرة، وأوراق خضراء وصفراء صغيرة رُميت على الأرض. تركت بعض البدلات العسكرية والأحذية في مكانها.

«نخرج الموتى من الزنزانات»

عاد أدهم بجبوج (32 عاماً) أيضاً لزيارة زنزانته السابقة، الزنزانة رقم 7.

ويقول الشاب المتحدر من درعا، الذي سُجن في 2019 لانشقاقه عن الجيش مع بداية خروج المظاهرات المناهضة للسلطة في عام 2011: «قيل لنا إن دخولنا هنا إلى (فرع) فلسطين، من الشرطة العسكرية، لن يتعدى السؤال والجواب، لكنني بقيت 35 يوماً، أو 32 يوماً، لم أعد أذكر، في الزنزانة هذه».

سوري يتجول في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

يقاطعه شقيقه الذي كان يقف قربه قائلاً: «دخل وزنه 85 كيلوغراماً، وخرج 50 كيلوغراماً».

كانت وظيفة القابعين في هذه الزنزانة تحديداً هي «السخرة»، وفق أدهم. ويقول: «نخرج من الخامسة صباحاً، نمسح الأرضيات، ننظف مكان التعذيب، نخرج الموتى من الزنزانات، ننظف الحمامات والمكاتب».

ويضيف أدهم النحيل الجسد أنه عاد إلى هنا الآن تحدياً للخوف الذي كان يشعر به من هذه الأروقة. ويروي الرجل: «بعدما خرجت من هنا... بتّ أخاف أن أمرّ من قربه، حتى لو كان على طريقي، أبدّل الطريق وأختار طريقاً أطول لكيلا أمر من أمامه».

ويتذكر اللحظة الأولى التي دخل فيها الفرع قائلاً: «ضربونا ضربتين أو ثلاثاً بالكرباج... يحتاج المرء لعلاج يومين من بعدها من شدّة قوتها».

«مأساة»

في الطابق الأعلى، «غرف التعذيب» كما يصفها المساجين السابقون. غرف معتمة رمادية، على أحد جدرانها نافذة زجاجية كبيرة، لكن «كانوا يعذبوننا في الرواق أيضاً»، وفق قول أحدهم.

في الجناح الآخر من المبنى الضخم، مكاتب وغرف الضباط والمسؤولين التي حُرقت بالكامل. تنبعث رائحة دخان قوية من المكان الذي خُلّعت أبوابه وتحوّل أثاثه إلى رماد.

مكتب مدير «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية يظهر محترقاً بعد اقتحامه (أ.ف.ب)

في غرفة بالكاد فُتح بابها، تظهر رفوف وُزّعت عليها آلاف الأوراق المحروقة التي يعتقد زوار المقر أنها أوراق «مهمة» و«سرية» أحرقها المسؤولون قبل فرارهم.

من بين تلك الأوراق، رسالة من القيادة العامة للجيش إلى «النيابة العامة المختصة بمعالجة قضايا الإرهاب» تحتوي على تفاصيل توقيف مجند في الجيش لملاحقته «بجرم علاقته بالمجموعات الإرهابية المسلحة وبكل جرم يظهر بحقه خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة»، موقعة من رئيس شعبة المخابرات في عام 2022.

يقول وائل صالح (42 عاماً) الذي جاء أيضاً لزيارة زنزانته رقم 9: «جرّموني بالإرهاب، حتى اللحظة أنا مجرم بالإرهاب».

ويضيف الرجل وهو يحدّق بسجنه السابق: «كانت مأساة، حتى هذه اللحظة أتذكر الأيام التي كنا فيها هنا، كنا 103 أشخاص، كنا نقف نحن ونترك الكبار في السن ينامون».