حقق طرفا النزاع في إثيوبيا خرق كبير، أمس، بتوقيعهما «اتفاق سلام» على أمل إنهاء حرب استمرت عامين في إقليم تيغراي الشمالي، راح ضحيتها الآلاف. لكن ورغم الترحيب والدعم الدوليين، يبقى السؤال، هل يمكن أن يصمد الاتفاق، في مواجهة عقبات اجتماعية وسياسية واقتصادية، تعصف بالبلاد، على رأسها «التنافس العرقي»، مؤسساً «حقبة جديدة»، كما اعتبره الاتحاد الأفريقي، راعي المفاوضات.
ثمة عوامل يتوقف عليها الأمر، عدّدها مراقبون وخبراء إقليميون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، من بينها استمرار الزخم الدولي حول القضية، والذي أسهم بضغطه، وإن جاء متأخراً، في وضع حد للنزاع، وتوافر الإرادة السياسية لتنفيذ كل لبنود الاتفاق، والمتضمنة إعادة إعمار للمناطق المتضررة وإجراء انتخابات ومشاركة سياسية، وليس فقط مجرد هدنة عسكرية - إنسانية.
ويدور الصراع الذي بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 حول النفوذ السياسي في البلاد؛ إذ تتهم الحكومة الإثيوبية «جبهة تيغراي» التي كانت تهيمن على الائتلاف الحاكم حتى وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة في 2018، بمحاولة إعادة تأكيد هيمنة تيغراي على إثيوبيا؛ بينما تتهم «الجبهة» آبي بمركزية السلطة واضطهاد أهل تيغراي.
وعقب محادثات ماراثونية في جنوب أفريقيا، دامت 10 أيام، أعلن الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، وسيط الاتحاد الأفريقي (الأربعاء) توصل ممثلو الحكومة والجبهة إلى اتفاق، يتم بموجبه «وقف الأعمال العدائية ونزع الأسلحة بشكل منهجي ومنظم وسلس ومنسق».
ورغم إعلان الطرفين قبولهما بالاتفاق والاستعداد لتطبيق بنوده، يعول ياسين بعقاي، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، على الدعم الدولي للاتفاق في ظل الرعاية الرسمية للاتحاد الأفريقي ووجود وسطاء دوليين داعمين لتثبيت الاتفاق، على رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتكتلات دولية كبرى، لعبت دوراً حاسماً في الضغط على الطرفين.
وبعقاي هو ناشط حقوقي، ينتمي إلى عرقية تيغراي، ويشير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قوات تيغراي خسرت المعركة عسكرياً؛ لذلك من الطبيعي أن تفضي المفاوضات إلى سلام يدوم فترة كبيرة، بعد أن فقدت السيطرة على مواقع رئيسية، ومن ثم ليس أمام الجميع الآن سوى الالتزام، منوهاً إلى أن الاتفاق منح الحكومة الفيدرالية 5 أيام لنزع الأسلحة الثقيلة في تيغراي، وشهر لباقي الأسلحة في الإقليم، الذي سيصبح تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية حتى إقامة انتخابات داخلية.
وبشأن إريتريا المتورطة بالمشاركة في الحرب والداعمة لحكومة أديس أبابا، يعتقد بعقاي، أن نزع سلاح الجبهة سيعزز السلام بين إريتريا وإثيوبيا، خاصة أن حماية الحدود ستكون مسؤولية القوات الفيدرالية فقط، بينما كانت الجبهة عقبة أمام ترسيم الحدود مع إريتريا.
وأرغمت الحرب أكثر من مليوني شخص على النزوح من ديارهم، وأودت وفق أرقام أميركية، بأرواح ما يصل إلى نصف مليون شخص. وقالت منظمة العفو الدولية في بيان (الأربعاء) عشية الذكرى السنوية الثانية لاندلاع النزاع، إن «جميع الأطراف مسؤولة عن انتهاكات جسيمة تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك الإعدام خارج نطاق القضاء والقتل بإجراءات موجزة لمئات الأشخاص والعنف الجنسي ضد نساء وفتيات».
ويأمل الناشط الإثيوبي أن يسهم الدعم الإنساني الموعود به في تخفيف حالة الغضب الشعبي بين سكان الإقليم، مقللاً من استمرار تأثير النزاع العرقي بين مكونات الشعب الإثيوبي، بعد أن ذاق الجميع مرارة الحرب. ويضيف «الغالبية تجاوز المكون الإثني، ويريد الانتقال إلى المواطنة، فرغم أن التنازع العرقي ما زال موجوداً عند النخب، لكن هناك تيارات شبابية جديدة تهتم بالمكون السياسي وترفض التصنيف العرقي».
ومنذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو، منصبه في أبريل (نيسان) 2018، تعاني جبهة تيغراي، من أزمة سياسية في ظل احتجاج أكبر مجموعتين عرقيتين في إثيوبيا (الأورومو والأمهرة) على إدارتها.
ويشكل أبناء التيغراي نحو ستة في المائة فقط من السكان، وعندما كانت الجبهة على رأس الحكم، أنشأت نظاماً فيدرالياً منحت من خلاله الجماعات العرقية أقاليمها الخاصة بها لتديرها. بينما يرغب آبي أحمد في تقوية السلطة المركزية.
ولذلك؛ يبدي المحلل السياسي خالد أيجيح، خبير شؤون القرن الأفريقي، قلقه من نجاح الاتفاق؛ نظراً لاشتراطه نزع سلاح جبهة تيغراي بشكل كامل وفوري وقبل اتخاذ أي خطوات أخرى. يقول أيجيح، المقيم في صوماليلاند شرق إثيوبيا، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا البند سيكون عقبة كبرى في تنفيذ الاتفاقية، فمن المعروف أن إثيوبيا تتكون من العديد من القوميات والعرقيات المتناحرة والمتحاربة منذ قرون، ومن الصعب نزع سلاح تيغراي بينما قوميتا الأمهارة والعفر ما زالتا مسلحتين، ولديهما ميليشيات شرعية تمثل أقاليمها تحت مظلة الفيدرالية الإثيوبية، مضيفاً «أعتقد أن قادة جبهة تيغراي يعلمون هذا الأمر، لكنهم يحاولون كسب الوقت لاشتداد الضغط عليهم».
بدوره، يؤكد الناشط السياسي المتخصص في الشأن الأفريقي، الدكتور محمد شفاء، أهمية الاتفاق، الذي عدّه أكبر من مجرد هدنة مؤقتة، لكن أيضاً كما أشار إلى «الشرق الأوسط»، «لا يمكن أن يؤسس وحده لاتفاق سلام دائم؛ فالأمر متوقف على استمرار الدعم الدولي وتطبيق بنوده بالكامل، وأهمها إعادة إعمار المناطق المدمرة جراء الحرب وإعانة الضحايا».
وشدد شفاء على أن النزاع يظل «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أي وقت ما لم تكن هناك رؤية واضحة بعيدة المدى لاندماج الإقليم والجبهة في العملية السياسية.
وتأسست جبهة تحرير تيغراي عام 1975 ووصلت إلى الحكم عام 1991، مسيطرة على المشهد السياسي لنحو 27 عاماً، قبل أن تطيحها عام 2018، احتجاجات في إقليمي أوروميا وأمهرة.
تيغراي: هل يؤسس اتفاق السلام لحقبة جديدة في إثيوبيا؟
«التنافس العرقي» عقبة رئيسية في طريق طيّ «صراع العامين»
تيغراي: هل يؤسس اتفاق السلام لحقبة جديدة في إثيوبيا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة