تزخر المدينة المنورة بكثير من المعالم الإسلامية البارزة، وهي حاضرة الإسلام الأولى التي شهدت فترة الرسالة المحمدية وانطلاق وتوسع الدولة الإسلامية، حيث عاصرت الأحداث المبكرة في صدر الإسلام، فتاريخ تلك الحقبة حاضر بقوة، وخصوصا فيما يتصل بالمساجد.
ويتفق خبراء ومختصون في مجال التراث العمراني على أن المدينة المنورة مقبلة على تنفيذ مجموعة من المشروعات التطويرية المتميزة، منها مشروع «درب السنة»، ومشروع قصر عروة، ومشروع مدينة السيرة في محيط مدينة المعرفة، إضافة إلى عدد من المشروعات التراثية الاستثمارية ذات الصبغة العالمية، تحاكي المضامين التاريخية الزمانية والمكانية وتستثمر في أقدم وأفضل تراث ورثه العالم.
وأوضح الدكتور طلال الردادي، أمين عام هيئة تطوير المدينة المنورة، أن «مشروع مسجد قباء يعد في وقتنا الحالي معلمًا عمرانيًا متميزًا، ويقع في منطقة حيوية وتشهد تطورًا ومشروعات ناهضة وكبيرة؛ منها مشروع درب السنة بين مسجد قباء والحرم (عبر شارع قباء)، وسيكون الربط عبر حي البحر وحي المغاربة.. عرض شارع درب السنة 300 متر»، مبينا أن «المشروع يتناغم مع بقية المشروعات الحيوية الأخرى، وسيغير وجه المدينة المنورة إلى الأجمل لتزداد جمالاً ونقاءً ورواءً وبهاءً».
وعلى طريق قباء المتفرع من طريق الهجرة، وبالقرب من مشروع «درب السنة»، يتربع مسجد قباء، الذي يعد أول مسجد أسس على التقوى، ويقع في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، كان على شكل مربع طول ضلعه 40 مترًا، وفيه قبة يقال إنه كان تحتها مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن آثار المسجد القديم حجر منقوش بالخط الكوفي القديم يبين تاريخ عمارة المسجد، والقسم المسقوف منه على هيئة قباب، وكان به ستة أروقة.
وعن مسجد قباء، يقول المؤرخ والباحث المختص بتاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي: «(قباء) أصله اسم بئر هناك، عرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهي قرية قبلي المدينة، وأصبحت الآن داخل المدينة المنورة، ومسجد قباء هو أول مسجد أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة».
ويقع مسجد قباء في جنوب المسجد النبوي الشريف، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان مربدًا لكلثوم بن الهدم، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبناه مسجدًا، وهو أول مسجد بناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصلّى فيه قبل أن يدخل المدينة بعد قدومه من مكة، وقد شارك أصحابه في بنائه، وبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين؛ الأولى عندما كانت القبلة إلى بيت المقدس، والثانية بعد أن حوّلت القبلة إلى المسجد الحرام.
ويتابع الفايدي أن «لمسجد قباء فضائل كثيرة؛ ومنها أن مسجد قباء أعدل قبلة مثل المسجد النبوي الشريف، حيث إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أسسه وبناه بيده»، مضيفا: «كانت قرية قباء متنزهًا لأهل المدينة، حيث يكون هواؤها باردًا صيفًا، وهي متصلة بالعوالي، وتشكل معها واحة واحدة من النخيل».
وزاد الفايدي: «قباء منطقة معروفة منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى الآن في جنوبي المدينة، يجري فيها وادي رانوناء، وكانت من قبل قرية مستقلة على طريق القوافل القادمة من مكة، ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة، ويروى أنها سميت قباء ببئر كانت بها يقال لها (قبار)، فتطيّر الناس منها فسموها (قباء)، وتتميز قباء بكثرة المياه الجوفية، وقربها، وخصوبة تربتها، لذا تكثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين، وكانت إلى عهد قريب مجموعة من المزارع المتصلة، تنتشر بينها البيوت، أو تتجمع على شكل أحياء صغيرة، خصوصا حول مسجدها التاريخي».
ويبعد مسجد قباء عن المسجد النبوي الشريف بمقدار نصف ساعة بالمشي المعتدل، وقد شارك الرسول «صلى الله عليه وسلم» أصحابه في بنائه، ثم جدده الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وزاد فيه، ولما اعتراه الخراب جدده من بعده الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عندما كان أميرًا على المدينة المنورة، وأقام له المئذنة، كما شهد إعادة التعمير في عهود مختلفة ومتباعدة.
وفي العهد السعودي قامت الحكومة السعودية بإعادة التعمير والتأثيث، وروعي في بنائه الحفاظ على الطراز المعماري الإسلامي الخاص به، حتى كانت توسعته التاريخية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز؛ حيث جرت توسعة المسجد لتصل طاقته الاستيعابية لعشرين ألف مصل، وفي عام 1985 وضع الملك الراحل فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للبدء في التوسعة التاريخية التي استمرت لمدة سنتين ليعاد افتتاحه مجددًا في عام 1987.
والمسجد مستطيل الشكل طولا، وقد روعي في تصميم المسجد أن يكون به فناء داخلي يتوسط المسجد تفتح عليه جميع المداخل، وخصص الجزء الشمالي منه مصلى للنساء بمداخل منفصلة وبعيدة عن مداخل الرجال، وهو من دورين حتى يتسع لعدد من النساء مرتادات المسجد، والمسجد له 4 مآذن، وبه 56 قبة، وملحق به سكن للأئمة والمؤذنين ومكتبة.
وتبلغ مساحة أرض المسجد 13500 متر مربع، ومساحة مباني المسجد 5860 مترا مربعا، ويوجد له 4 منارات مرتفعة ويمكن رؤيتها من بعيد، وسقف المسجد على شكل سلسلة من القباب عددها 62 قبة؛ القبة الرئيسية بارتفاع 25 مترا، ويحيط بها 5 قباب ارتفاع كل واحدة منها 20 مترا، وباقي القباب 12 مترا، وعدد الأبواب 7 مداخل رئيسية، و12 مدخلاً فرعيًا، ويوجد سكن لمنسوبي المسجد، ويشتمل على قسمين كل واحد منهما 172 مترا، مخصصة للأئمة والمؤذنين، وهو من المناظر العمرانية المتميزة في المدينة المنورة.
تطوير طريق «درب السنة» من «قباء».. لمسجد المصطفى
مشروع يغير ملامح المدينة ويربط الماضي بالحاضر
تطوير طريق «درب السنة» من «قباء».. لمسجد المصطفى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة