«ثلاثاء أسود» ينتظر الفرنسيين بسبب إضراب عام

بمشاركة قطاعات النقل والكهرباء والهيئات التعليمية والصحة وكبرى الشركات

الرئيس ماكرون يتحدث في معرض سيارات أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون يتحدث في معرض سيارات أمس (رويترز)
TT

«ثلاثاء أسود» ينتظر الفرنسيين بسبب إضراب عام

الرئيس ماكرون يتحدث في معرض سيارات أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون يتحدث في معرض سيارات أمس (رويترز)

مع كل يوم جديد، تستفحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب فرنسا. وبعد أزمة المشتقات النفطية التي انطلقت قبل 3 أسابيع، ولم تجد حتى اليوم الحلول الناجعة لها بسبب استمرار الإضرابات في غالبية مصافي التكرير والمستودعات، جاءت «المسيرة الكبرى» أول من أمس (الأحد) لتبين عمق الأزمة وقوة الحنق الشعبي على السياسات الحكومية.
واليوم (الثلاثاء) ستشهد فرنسا إضراباً عاماً دعت إليه النقابات العمالية في القطاع العام، وخصوصاً النقل بمختلف أشكاله، والوظائف الحكومية والمدارس والجامعات والصحة، ويضاف إليها قطاع الإنتاج والكهرباء، وبعض كبريات الشركات في القطاع الخاص، مثل «داسو» للطيران، وشركة «ستيلانتيس» لصناعة السيارات، و«سافران» للمحركات، فضلاً عن المحطات النووية التي تنتج التيار الكهربائي.
ويبين استطلاع للرأي نشرت نتائجه الصحيفة الأسبوعية «جي دي دي» أن الصعوبات الاقتصادية والحياتية تهيمن على اهتمامات المواطنين؛ التضخم من جهة وغلاء المعيشة من جهة أخرى. وبحسب الاستطلاع المذكور، فإن 92 في المائة من الفرنسيين يؤكدون أن التضخم الذي يعرف مستويات غير مسبوقة في فرنسا منذ 40 عاماً تحول إلى مصدر القلق الأول بالنسبة للفرنسيين، وأن 82 في المائة منهم يعتبرون أن الدولة «لا تفعل ما فيه الكفاية» من أجل محاربته. وبالتوازي، فإن 53 في المائة من الفرنسيين يريدون من الحكومة تعزيز القوة الشرائية للمواطنين الذين يئنون تحت وطأة ارتفاع أسعار الطاقة بمختلف أشكالها (الكهرباء، والغاز، والمشتقات النفطية). الأمر الذي يصيب قطاعات واسعة من الأنشطة الاقتصادية والمواد الغذائية والخدمات... وجاء إضراب عمال مصافي التكرير والمستودعات النفطية ليزيد الطين بلة، ويفاقم الأزمات برغم الإجراءات التي تقوم بها الحكومة من أجل مساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة.
وأمس، عقد ماكرون اجتماعاً طارئاً في قصر الإليزيه بحضور الوزراء المعنيين، لتقويم ما قامت به الحكومة. وقبله دشّن «معرض السيارات»، وقال إنه يريد حلاً «في أسرع وقت ممكن» لموضوع الطاقة. ويبدو أكثر فأكثر أن الحكومة عازمة على استخدام الوسائل القانونية المتاحة لها، من أجل إرغام فئات من العمال للعودة إلى ممارسة أشغالهم، برغم أن الإضراب حق يكفله الدستور.
وأمس، أمرت رئيسة الحكومة، إليزابيث بورن، بمعاودة العمل في مستودعين للوقود تابعين لشركة «توتال أنيرجي» من أجل توفير المشتقات للمحطات التي تعاني 30 في المائة منها من ندرة الوقود. وما يدفع الحكومة إلى ذلك، هو استنادها إلى الاتفاق الذي أبرم يوم الجمعة الماضي بين الإدارة ونقابتين عماليتين لمنح الموظفين علاوة نسبتها 7 في المائة، إلا أن نقابة «الكونفدرالية العامة للشغل» القريبة من الحزب الشيوعي، رفضت الاتفاق. وقال أمينها العام، فيليب مارتينيز، إن العلاوة «غير كافية»، وإن لجوء الحكومة لإجبار العمال على العودة إلى أشغالهم «غير دستوري».
وتطالب النقابة المذكورة بزيادة نسبتها 10 في المائة في قطاع الطاقة، بالنظر إلى الأرباح الاستثنائية التي حققتها شركة «توتال أنيرجي» في النصف الأول من العام الحالي، والتي زادت على 16 مليار يورو. وبسبب مواقف «الكونفدرالية العامة»، فإن 5 مصافٍ تابعة للشركة الفرنسية الكبرى ما زالت معطلة، إضافة إلى مجموعة من المستودعات.
ووصف وزير الاقتصاد برونو لو مير استمرار التعطيل بأنه «غير مقبول وغير شرعي»، وأنه «يتعين تحرير المستودعات واللجوء إلى حق استدعاء الموظفين»، ومنع الأقلية من التحكم بالأكثرية التي وافقت على العودة إلى العمل. وفيما يشبه الانتقاد لرئيس الجهورية والحكومة، أضاف لو مير أن فرنسا «بحاجة لإظهار التشدد والسيطرة» على مسار الأمور.
حقيقة الأمر أن ما تتخوف منه الحكومة هو أن تتداخل وتتراكم المطالب الشعبية، ما سيشكل حركة ضاغطة عليها، فيما تعاني مالية الدولة من تراجع نسبة التنمية، وتراكم الديون الحكومية، وضعف الموارد المالية المتوافرة، وعجزها عن التحكم بما يحصل تحت قبة البرلمان بسبب افتقادها للأكثرية المطلقة. وبرز ذلك بقوة في صعوبة إقرار ميزانية العام 2023، إلى حد أن رئيسة الحكومة تجد نفسها مضطرة للجوء إلى إحدى المواد القانونية (49 - 3) لطرح التصويت على الموازنة، والثقة بالحكومة في آن واحد. وبهذه الطريقة السلطوية، تكون قد قطعت الدرب على استمرار المناقشات الحادة، ومئات التعديلات المطلوبة، وعلى هجمات المعارضة، خصوصاً اليسارية التي تلقى أحياناً صدى لدى اليمين الكلاسيكي، بل في صفوف الأكثرية النسبية.
ينتظر الفرنسيين «يوم 18 أكتوبر أسود»، ستكون صوره ازدحامات خانقة أمام حافلات القطارات في المحطات، وفي دهاليز المترو في العاصمة، ومسيرات في باريس والمدن الكبرى، وصعوبات في الوصول إلى أماكن العمل، وغياب الموظفين في الدوائر العامة، وتناقصهم في غيرها.
وفي خطابه لحشود «المسيرة الكبرى» دعا رئيس حزب «فرنسا المتمردة»، والمرشح الرئاسي السابق، الذي يعد إلى حد بعيد زعيم التيارات اليسارية، جان لوك ميلانشون، إلى الانضمام إلى صفوف المضربين، متوقعاً قيام ائتلاف يشبه «الجبهة الشعبية» إلى رأت النور في أربعينات القرن الماضي، وقامت بإدخال مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية، منها الفرص المدفوعة والحد الأدنى للمعاشات وغيرها.
ويأمل الداعون للإضراب العام أن يتخطوا إضراب 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي شهد توقف نحو مليون شخص عن العمل.
وقالت المسؤولة النقابية، سيلين فيرزيليتي، إنها تأمل «ضعفين أو 3 أضعاف هذا العدد، اليوم (الثلاثاء)، الذي ينطلق تحت شعار المطالبة بزيادات عامة في الرواتب، ومحاربة الغلاء، ورفض خطط الحكومة بتعديل قانون التقاعد، والتشدد في قواعد مساعدة العاطلين عن العمل، وتجميد أسعار مجموعة من السلع الأساسية».


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».