تُسلم الإعلامية ريا أبي راشد، بطلة «أهلاً سمسم»، «معزوزة»، جائزة على السجادة الحمراء وتُحاورها في إنجازها، كواحدة من مشاهير لامعين صنعوا حياتها. تطلب من المشجعين التصفيق لها، فهذا الإنجاز يصبح من مزايا قلة في زمن تغلب فيه القسوة. إنها «جائزة اللطافة»، تستحقها بعدما أطعمت العصافير الجائعة ومنحتها وقتاً آمناً قبل إكمال رحلتها. يختم برنامج الأطفال «أهلاً سمسم» (إم بي سي 3) موسمه السادس بإهداء مشاهديه الصغار (والكبار) نصيحة في المعاملة الحسنة. تجاه الإنسان أو الحيوان والطبيعة، لا فارق.
تمر طيور مهاجرة بجانب شرفة «معزوزة» فتدعوها لملء بطونها الصغيرة والاستراحة حول وجبة. يا للصدفة، فإذا بمصورة صحافية تلتقط المشهد العابق بالطيبة. تنتشر الصورة ويُذاع الصيت لتصبح الماعز اللطيفة على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار كملهمة للعطف. توجيه الطفولة يتطلب خطاباً سردياً ذكياً، والبرنامج بمواسمه فنانُ هذا السرد. يحاكي الصغار بقوالب مُزينة بلحن وأغنية واحتضان. كل ما فيه يُمرر المعلومة بنكهة الـ«كريما» على حلوى بالفراولة.
تتهيأ «معزوزة» لخوض امتحان لم تواجهها به الحياة من قبل: عليها الاستعداد للأضواء؛ وهي من كل الجهات، يلمع نورها في جميع المنازل بفعل التلفزيونات وأجهزة التكنولوجيا. الناس متشوقون للأخبار السعيدة، خصوصاً أن مَن ستُجري المقابلة مع النجمة المولودة من فعل الخير، هي رفيقة السجادة الحمراء طوال سنوات ريا أبي راشد. لا تأتي بشهرتها فحسب، بل بالأم الطافحة على وجهها. وبالطفلة التي لا تزال تسكنها.
يتسبب التوتر بإرباك «معزوزة» ويكاد يكبلها لولا تدخل الجماعة في إيجاد حل للفرد المحتاج إلى يد. هذه المجموعة تُجمل روح البرنامج وترفع شأنها، فنرى مَن يشجع الآخرين على التجاوز ويُمكن المترددين من الوصول. النتيجة: سكينة نفسية. المُشاهد الصغير أمام أكثر من عبرة وأهم من مجرد وقت للتسلية. يغرف القيم. ويتعلم حُسن التعاطي مع الغير وجدوى المؤازرة في المواقف الصعبة. يتعرف إلى إنسانيته.
ريا أبي راشد بين شخصيات «أهلاً سمسم» على السجادة الحمراء
السؤال الأول من ريا إلى ضيفتها النجمة: «كيف خطر لكِ أن الطيور المهاجرة تشعر بالجوع؟ أحسنتِ، تستحقين الجائزة»، وتنشد التصفيق الحار. كان المحبون تجمعوا على يمين السجادة الحمراء ويسارها، وراء الفاصل الحديد، يشجعون ويرفعون المعنويات. وظفوا خيالهم الخلاق فشكلوا سنداً. ذكروها بالقواعد الثلاث للتحكم بالذات أمام الكاميرا: «التكلم بهدوء، والتنفس من البطن، وضبط الأعصاب». أضاءوا دربها بالنصيحة المفيدة.
تتغزل ريا بفستانها وبـ«ربطة» شعرها، وتمنحها دعماً يمتص الاضطراب. نتابع رحلة الاستعداد لتجاوز عقبات كان الظن أنها بالغة الصعوبة، ولدى تخطيها تتبين سهولتها. تنال «معزوزة» جائزة اللطافة، لتغرس في عقل المُشاهد الصغير نزعة العطاء. كما بطون العصافير تجوع، يعشش بين البشر فقر وقهر وأكوام من الحرمان.
إطلالة ريا أبي راشد رغبة في نشر الرسالة على مساحات عريضة. تأتي من ضمن «وظيفتها» في الحياة، وهي مصادقة الأضواء. تمسك بيد الصغار لتقودهم إلى لحظات الكبار، بلغتهم وموسيقاهم وألوانهم الجميلة. تفرد لهم، والبرنامج، حلاً للمشكلة، فلا يشعرون بأنهم وحدهم في المحنة. الداعم الأول هو العقل، نبع الأفكار وشلال الخيال. ثم التربة الخصبة، حيث منبت البراعم.
يملك البرنامج قدرة على تشارُك الشعور الثقيل، فيهون. يُذكر بأنه طبيعي، والجميع يمرون بحالات مشابهة. لستَ وحدك عزيزي الصغير مَن تكاد تضيق بك أنفاسك لإحساسك بحِمل يفوق الطاقة. المشاعر القوية، طبيعية. هي الغضب والتوتر والانزعاج والتردد والزعل. تفكيكها هو أولاً دورك، وثانياً دور مَن يشكلون دائرة الأصدقاء. أحبة «معزوزة» يجعلون كل شيء يمضي بحُب. يحتضنونها وهي في حاجة إلى الحضن. يدفعونها نحو نجاحها.
تنتهي القصة، لتُكمل الحلقة خطاها التثقيفية. هنا لعبة الأحجام، تجعل الصغير جزءاً منها بطيب خاطره. كُرتان، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، يوظفهما البرنامج في حكاية بسيطة لإيصال الفكرة. يُعلم من دون مسطرة. ويوقظ الوعي من دون صرخة. معلومة على شكل أغنية، ودرس في الرياضيات على هيئة معادلات بالألوان. الصوص أصغر من الدجاجة، لكن الفيل أكبر من الاثنين. الصورة المتحركة تتكلم، والدماغ يتلقى كأنه خزان.
المكافأة ليست دائماً مادية. قد تكون حباً على شكل صحن تبولة، أعدته يد لطيفة لـ«معزوزة» بعد نيلها الجائزة. يردد البرنامج مفردات من نوع «فخور بك» و«هذا أمر طبيعي»، لترْسَخ في الذهن. الفخر بحجم هدية لا تراها عين، لكنها تغمر القلب. وهو بتكريسه جُملاً مُحفزة، يعزز معنويات الصغار ويحرضهم لفعل ما يرفع الرأس. وضعه الجميع في مصافٍ واحد، بقوله إن ما يحصل مع طفل قد يحصل مع آخر، يوجه السلوك نحو المساواة وتلاشي اللغة الفوقية.
اللافت أن اللطف موجه بالتحديد إلى الحيوان كمقدمة للطف أكبر يشمل البشر. ثقافة بعض الصغار حيال هذه الكائنات الأليفة لا تزال تهتز أمام ثوابت كالرفق والصداقة. تنطلق الحلقة من جزء لتصل إلى كل. فالحُسن يُقاس بالعطف على قطة وإطعام كلب والرأفة بعصفور. جائزة «معزوزة» (والبرنامج)، تشجيعٌ للأطفال جميعاً على جعل العالم مكاناً أفضل.