ما السر وراء كل هذا السحر الذي تحمله منطقة «وسط البلد» في القاهرة حتى باتت بمثابة مغناطيس يجتذب فعاليات فنية محلية ودولية؟ هل تعود خصوصيتها إلى طابعها المعماري المميز حين قرر الخديو إسماعيل (1830 - 1895) تحويل القاهرة إلى «قطعة من باريس» أم لتعدد مقاهيها ومنتدياتها وأزقتها التي تغازل المبدعين من شتى التخصصات؟
أسئلة عدة تخطر في البال لدى من يتابع انطلاق الدورة الثانية من مهرجان «حي القاهرة الدولي للفنون»، أمس الاثنين، الذي يستمر حتى نهاية أكتوبر (تشرين الثاني) الحالي، حيث يتخذ هذا الحدث من فضاءات وسط العاصمة نقطة انطلاق لفعالياته، وتحديداً في «غاليري الفلكي بمركز التحرير الثقافي»، و«قاعة سينما راديو» بشارع طلعت حرب، و«غاليري أكسس» بشارع النبراوي، و«فوندرز سبيس» بشارع الشيخ ريحان.
تتنوع مكونات الحدث الكبير ما بين الرسم والنحت والفوتوغرافيا وأعمال فن التجهيز في الفراغ، بمشاركة مائة فنان في معارض فردية وجماعية ينتمون لجنسيات من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بينما تتمثل المشاركة العربية في السعودية عبر الأمير الفنان سلطان بن فهد، فضلاً عن مشاركين من الإمارات وتونس والسودان.
ويبدو التنوع سمة أساسية في اللوحات المعروضة، سواء على مستوى أعمار الفنانين التي تضم أجيال الشباب والوسط والمخضرمين، أو على مستوى الموضوعات نفسها. ويقدم الفنان محمد أبو النجا تجربة خاصة قوامها تشكيلات لونية تميل إلى التجريد، تحتفي باللون الأزرق الذي يحمل عنوان «متحف الأزرق»، بينما تعالج الفنانة نورا بركة هموم الأنثى عبر بورتريهات غير تقليدية تتجاوز فكرة الجمال الخارجي المعتاد والمواصفات المتعارف عليها، فتقدم الحالة الإنسانية التي تبدو عليها المرأة وجمالها الداخلي من دون أي اعتبارات أخرى.
من متحف الأزرق للفنان محمد أبو النجا
وتؤكد نادين عبد الغفار، مديرة مؤسسة «أرت دي إيجبت» التي تنظم هذا الحدث، أن «اختيار منطقة وسط البلد يساهم دوماً في نجاح الفعاليات الفنية لا سيما الدولي منها؛ كونها تمثل جسراً حضارياً بين الشرق والغرب»، مشيرة في حديث إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «أهدافاً عدة تقف وراء جمع كل هذه التجارب في مكان واحد؛ أبرزها تسويق الفن المصري والعربي، فضلاً عن إثراء وعي الأجيال الشابة من الفنانين المحليين وإطلاعهم على أحدث الاتجاهات العالمية في هذا السياق».
ومن أبرز الفعاليات التي لفتت الأنظار في «حي القاهرة الدولي للفنون» معرض القطط الذي تم تنظيمه في مسرح «سينما راديو»، حيث قدم الفنانون المشاركون 55 قطعة نحتية تدور حول موضوع واحد هو استلهام القط الذي يشكل رمزاً مهماً في الحضارة المصرية القديمة. وانطلاقاً من أن «القط بمختلف تجلياته كان يرمز إلى الخصوبة والحب والحماية، ما يجعل من تلك الفعالية فرصة لإعادة اكتشاف الحضارات القديمة بعين جديدة»، بحسب نادين عبد الغفار.
ومن جانبها، اعتبرت الفنانة الإسبانية «باولا أنتا» الحاصلة على الدكتوراه في الفنون الجميلة أن «الصراع بين الطبيعة والآثار الجانبية للتقدم الصناعي يعد هاجساً ملحّاً في أعمالها»، مؤكدة في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أنها تستهدف «خلق شبكة اتصال وتبادل خبرات مع الفنانين العرب».
وكانت منطقة وسط البلد شهدت، الأحد الماضي، انطلاق فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان «دي–كاف» في التصوير الفوتوغرافي والمسرح و«الفيديو أرت»، مع التركيز على إقامة عروض عديدة فوق أسطح البنايات، فضلاً عن الرسم على الجداريات.