«نوبل» الطب... لسويدي كشف علاقتنا بأسلافنا المنقرضين

تجمع الجائزة لأول مرة بين أب ونجله

سفانتي بابو مع جمجمة إنسان قديم (معهد ماكس بلانك)
سفانتي بابو مع جمجمة إنسان قديم (معهد ماكس بلانك)
TT

«نوبل» الطب... لسويدي كشف علاقتنا بأسلافنا المنقرضين

سفانتي بابو مع جمجمة إنسان قديم (معهد ماكس بلانك)
سفانتي بابو مع جمجمة إنسان قديم (معهد ماكس بلانك)

لم تخلف جائزة نوبل عادتها السنوية، فدائماً ما تأتي خارج إطار التوقعات، وهو ما حدث العام الحالي في فرع الطب، الذي أُعلن صباح أمس (الاثنين).
وبينما كانت أغلب الترشيحات تتجه نحو منحها مطوري لقاحات «الرنا مرسال» التي استخدمت على نطاق واسع في جائحة «كوفيد - 19»، ذهبت الجائزة إلى العالم السويدي سفانتي بابو، لاكتشافاته في التطور البشري، التي قدمت رؤى أساسية لنظام المناعة لدينا، الذي يجعلنا فريدين مقارنة بأبناء عمومتنا المنقرضين «إنسان نياندرتال» و«دينيسوفان».
وتستند التوقعات دائماً إلى وصية مؤسس الجائزة العالم ألفريد نوبل، الذي أوصى بأن تمنح إلى أولئك الذين كانوا يوفرون أكبر فائدة للبشرية، خلال العام السابق، ولكن لجنة الجائزة تفضل دوماً التأكد من صمود الاختراقات العلمية أمام اختبار الزمن؛ ولذلك دائماً ما تأتي الجوائز خارج نطاق التوقعات، كما حدث العام الحالي، مع العالم السويدي سفانتي بابو، الذي سبق لولده العالم سون بيرغستروم، أن حصل على الجائزة عام 1982، ليصبحا أول أب ونجله، يحصلان عليها في فرع الطب.

وتشبع أبحاث الابن بابو، الحاصل على الجائزة، رغبة البشرية في التعرف على أصولها، والإجابة على أسئلة من عينة ما علاقتنا بمن سبقنا؟ وما الذي يجعلنا مختلفين عن أشباه البشر الآخرين الذين سبقونا.
وتقول لجنة جائزة «نوبل» في بيان صدر أمس، إن بابو استطاع من خلال بحثه الرائد، تحقيق شيء يبدو مستحيلاً، وهو إجراء تسلسل جينوم إنسان «نياندرتال»، أحد أقارب البشر المنقرضين، كما اكتشف اكتشافاً مثيراً لإنسان غير معروف سابقاً، وهو «دينيسوفان»، والأهم من ذلك، وجد بابو أيضاً، أن نقل الجينات قد حدث من أشباه البشر المنقرضة الآن إلى الإنسان العاقل بعد الهجرة من أفريقيا منذ نحو 70 ألف عام، وهذا التدفق القديم للجينات إلى البشر المعاصرين له صلة فسيولوجية اليوم، على سبيل المثال التأثير على كيفية تفاعل جهاز المناعة لدينا مع العدوى.
وقدمت الأبحاث التي قادها، دليلاً على أن الإنسان الحديث تشريحياً، «هومو سابينس»، ظهر لأول مرة في أفريقيا منذ نحو 300 ألف عام، في حين أن أقرب أقربائنا المعروفين، إنسان «نياندرتال»، تطور خارج أفريقيا وسكان أوروبا وغرب آسيا من نحو 400 ألف عام حتى 30 ألف عام مضت، وعند هذه النقطة انقرضوا.


العالم السويدي سفانتي بابو (أ.ب)

وأظهرت الأبحاث أيضاً، أنه منذ نحو 70 ألف عام، هاجرت مجموعات من الإنسان العاقل من أفريقيا إلى الشرق الأوسط، ومن هناك انتشروا إلى بقية العالم، وهكذا تعايش الإنسان العاقل «هومو سابينس» و«النياندرتال» في أجزاء كبيرة من أوراسيا لعشرات الآلاف من السنين.

تحديات تقنية
بحلول نهاية التسعينات، كان الجينوم البشري بأكمله تقريباً قد تسلسل، وكان هذا إنجازاً كبيراً؛ مما سمح بإجراء دراسات لاحقة للعلاقة الجينية بين مختلف المجموعات البشرية، ومع ذلك، فإن دراسات العلاقة بين البشر الحاليين و«النياندرتال» المنقرضين تتطلب تسلسل الحمض النووي الجيني المستعاد من العينات القديمة.
وفي بداية حياته المهنية، انبهر سفانتي بابو، بإمكانية استخدام الأساليب الجينية الحديثة لدراسة الحمض النووي لإنسان «نياندرتال»، ومع ذلك، سرعان ما أدرك التحديات التقنية الشديدة؛ لأنه مع مرور الوقت يصبح الحمض النووي معدلاً كيميائياً ويتحلل إلى أجزاء قصيرة.
وبعد آلاف السنين، لم يتبقَ سوى كميات ضئيلة من الحمض النووي، وما تبقى يكون ملوثاً بشكل كبير بالحمض النووي من البكتيريا والبشر المعاصرين، وكطالب ما بعد الدكتوراه مع آلان ويلسون، وهو رائد في مجال علم الأحياء التطوري، بدأ بابو في تطوير طرق لدراسة الحمض النووي من إنسان «نياندرتال»، وهو مسعى استمر عقوداً عدة.


لجنة نوبل أثناء إعلان فوز العالم السويدي سفانتي بابو (أ.ب)

وفي عام 1990، عُيّن بابو في جامعة ميونيخ، حيث واصل عمله أستاذاً، وعُيّن حديثاً في مجال الحمض النووي القديم، وقرر تحليل الحمض النووي المأخوذ من «ميتوكوندريا» إنسان «نياندرتال»، وهي عضيات في الخلايا التي تحتوي على الحمض النووي الخاص بها.
وجينوم «الميتوكوندريا» صغير ولا يحتوي إلا على جزء بسيط من المعلومات الجينية في الخلية، ولكنه موجود بآلاف النسخ؛ مما يزيد من فرصة النجاح، وبفضل أساليبه المبتكرة، تمكن بابو من ترتيب منطقة من الحمض النووي لـ«الميتوكوندريا» من قطعة عظم عمرها 40 ألف عام، وهكذا، لأول مرة، تمكنا من الوصول إلى تسلسل من قريب منقرض، وأظهرت المقارنات مع البشر المعاصرين والشمبانزي أن إنسان «نياندرتال» كان متميزاً وراثياً.
ونظراً لأن تحليلات جينوم «الميتوكوندريا» الصغير أعطت معلومات محدودة فقط، فقد اتخذ بابو الآن التحدي الهائل المتمثل في تحديد تسلسل الجينوم النووي لإنسان «نياندرتال».
وفي ذلك الوقت، عُرضت عليه فرصة إنشاء معهد «ماكس بلانك» في لايبزيغ بألمانيا، وفي المعهد الجديد، حسّن وفريقه بشكل مطرد طرق عزل الحمض النووي وتحليله من بقايا العظام القديمة.

المهمة المستحيلة
ووفق بيان لجنة جائزة «نوبل»، فقد استغل فريق البحث التطورات التقنية الجديدة، التي جعلت تسلسل الحمض النووي عالي الكفاءة، وأشرك بابو أيضاً العديد من المتعاونين المهمين من ذوي الخبرة في علم الوراثة السكانية وتحليل التسلسل المتقدم، وكانت جهوده ناجحة؛ إذ أنجز ما يبدو مستحيلاً ونشر أول تسلسل جينوم لإنسان «نياندرتال» في عام 2010، وأظهرت التحليلات المقارنة أن أحدث سلف مشترك لإنسان «نياندرتال» والإنسان العاقل عاش منذ نحو 800 ألف عام.
وأصبح بإمكان بابو وزملائه الآن التحقيق في العلاقة بين إنسان «نياندرتال» وبشر العصر الحديث، من أجزاء مختلفة من العالم، وأظهرت التحليلات المقارنة أن تسلسلات الحمض النووي من «نياندرتال» كانت أكثر تشابهاً مع تسلسلات من البشر المعاصرين الذين نشأوا من أوروبا أو آسيا أكثر من البشر المعاصرين القادمين من أفريقيا.
وهذا يعني أن «النياندرتال» والإنسان العاقل تزاوجوا خلال آلاف السنين من التعايش، في البشر المعاصرين من أصل أوروبي أو آسيوي.
وفي عام 2008، اكتُشف جزء من عظم إصبع عمره 40 ألف عام في كهف دينيسوفا في الجزء الجنوبي من سيبيريا، واحتوى العظم على حمض نووي محفوظ جيداً بشكل استثنائي، والذي رتّب فريق بابو تسلسله.
وتسببت النتائج في إثارة ضجة كبيرة؛ إذ كان تسلسل الحمض النووي فريداً عند مقارنته بجميع التسلسلات المعروفة من إنسان «نياندرتال» والإنسان الحالي، واكتشف بابو أحد أشباه البشر غير المعروف سابقاً، الذي أطلق عليه اسم «دينيسوفان».
وأظهرت المقارنات مع متواليات من البشر المعاصرين من أجزاء مختلفة من العالم، أن تدفق الجينات قد حدث أيضاً بين «دينيسوفان» والإنسان العاقل، وشوهدت هذه العلاقة لأول مرة في السكان في ميلانيزيا وأجزاء أخرى من جنوب شرقي آسيا، حيث يحمل الأفراد ما يصل إلى 6 في المائة من الحمض النووي لإنسان «دينيسوفان».
وبفضل اكتشافات بابو، أصبحنا نفهم الآن أن التسلسلات الجينية القديمة من أقاربنا المنقرضين، تؤثر على فسيولوجيا البشر في الوقت الحاضر، وأحد الأمثلة على ذلك هو نسخة «دينيسوفان» من الجين (EPAS1)، التي تمنح ميزة للبقاء على ارتفاعات عالية وهي شائعة بين التبتيين في الوقت الحاضر، ومن الأمثلة الأخرى جينات الإنسان البدائي التي تؤثر على استجابتنا المناعية لأنواع مختلفة من العدوى.


مقالات ذات صلة

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت

موقع غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت فجر اليوم (ا.ب)
موقع غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت فجر اليوم (ا.ب)
TT

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت

موقع غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت فجر اليوم (ا.ب)
موقع غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت فجر اليوم (ا.ب)

استهدفت ضربة جوية إسرائيلية، فجر اليوم (السبت)، مبنى سكنياً في قلب بيروت بـ«خمسة صواريخ» ودمرته بالكامل وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية، في حين تدخل الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله شهرها الثالث.

وأوردت الوكالة الرسمية، أن العاصمة اللبنانية «استفاقت على مجزرة مروّعة، حيث دمّر طيران العدوّ الإسرائيلي بالكامل مبنى سكنياً مؤلفاً من ثماني طبقات بخمسة صواريخ في شارع المأمون بمنطقة البسطة».

عمال إنقاذ وسكان يبحثون عن ضحايا في موقع غارة إسرائيلية في بيروت (ا.ب)

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانة إن «فرق الإنقاذ تعمل على رفع الأنقاض في شارع المأمون في البسطة، حيث استهدف طيران العدو مبنى سكنياً، مما أدى الى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى».

ولم يتضح على الفور عدد الجرحى أو القتلى، لكن سيارات الإسعاف هرعت إلى مكان الحادث. ولم يصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرا للسكان بالإخلاء قبل شن الغارة كما لم يصدر على الفور بياناً بشأنها.

وجاءت الغارات، التي وقعت في حوالي الساعة الرابعة صباحا بالتوقيت المحلي، بعد يوم من القصف العنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت ومدينة صور الساحلية الجنوبية. وكان الجيش الإسرائيلي قد أصدر إخطارات إخلاء قبل تلك الغارات.