باركنسون... الاضطراب العصبي الأسرع تكاثراً في العالم

يؤدي إلى ضعف الحركة ومشاكل المزاج والإدراك والخلل اللاإرادي

باركنسون... الاضطراب العصبي الأسرع تكاثراً في العالم
TT

باركنسون... الاضطراب العصبي الأسرع تكاثراً في العالم

باركنسون... الاضطراب العصبي الأسرع تكاثراً في العالم

تلتفت الأوساط الطبية اليوم، بشكل أكبر مما مضى، نحو الاهتمام بتقييم الآثار الاقتصادية وحجم الإعاقة للأمراض، ومسارات منحنى انتشارها. وهو نهج واقعي في عالم يُبنى على الأرقام، بغية إعطاء أولوية الاهتمام للأمراض المتسببة بالإعاقات البدنية والنفسية العميقة، إضافة إلى تلك التي تتطلب تكاليف مادية باهظة للمعالجة والعناية الصحية بالمصابين بها.

انتشار مرض باركنسون

وكمثال، سلطت دراسة حديثة لمجموعة من باحثين عالميين، واقع التنامي المتواصل في الإصابات بمرض باركنسون العصبي Parkinson Disease، أو مرض الشلل الرعاش.
ووفق ما نشر ضمن عدد سبتمبر (أيلول) الحالي من مجلة جاما لطب الأعصاب JAMA Neurol، فقد شارك 35 باحثاً في طب الأعصاب من جميع قارات العالم، بالإضافة إلى باحثين من منظمة الصحة العالمية في جنيف، في إعداد تقرير: «ست خطوات عمل لمعالجة التفاوتات العالمية في مرض باركنسون أولوية منظمة الصحة العالمية».
وبين الباحثون أهمية هذا الجانب المرضي عالمياً بقولهم في مقدمة الدراسة: «حددت دراسة العبء العالمي للمرض Global Burden Of Disease Study التي أجريت بين عامي 1990 و2016، وشملت 195 دولة وإقليما في العالم، أن مرض باركنسون هو الاضطراب العصبي الأسرع تكاثراً في العالم، عند قياسه باستخدام التسبب بالموت وبالعجز». وأوضحوا أن مرض باركنسون العصبي هو اضطراب مرضي عصبي يتكون من مجموعة واسعة من المظاهر المرضية في القدرات الحركية وغير الحركية. والتي تؤدي إلى اضطرابات في ضعف الحركة، والنوم، ومشاكل المزاج والإدراك، والخلل اللاإرادي، وانخفاض ملحوظ في راحة وجودة نوعية الحياة.
وتستخدم الأوساط الطبية مؤشر «دالي» DALYs لتقييم مقدار العبء المرضي لأي مرض. وهو يُقدر سنوات الحياة الصحية المفقودة بسبب العجز الذي يتسبب به المرض على حياة الشخص، وعلى مستوى قدراته البدنية والعقلية في ممارسة الحياة اليومية وأداء المهام الوظيفية والمشاركة في الواجبات الأسرية والأنشطة الاجتماعية. وبعبارة أخرى فإنه يقدر السنوات المكافئة من الحياة الصحية التي فُقدت بسبب الإصابة بالمرض. ويشمل الوقت المفقود في إنتاجيته المريض بسبب الوفاة المبكرة وبسبب الوقت الذي انقضى فيه عاجزاً نتيجة المرض، أي مقدار الإعاقة المُعدلة بحسب سنوات العمر المتوقعة Disability - Adjusted Life - Years. ولذا، وفي مزيد من التفصيل قال الباحثون: «تشير التقديرات الحالية إلى أنه في عام 2019 أدى مرض باركنسون العصبي إلى فقد 5.8٥،٨ (خمسة فاصلة ثمانية) مليون DALYs، بزيادة مقدارها 81 في المائة منذ عام 2000، علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن مرض باركنسون العصبي تسبب في حوالي 330 ألف حالة وفاة في عام 2019، بزيادة أكثر من 100 في المائة منذ عام 2000».
وكانت الدراسات الأوروبية القديمة (عام 2010) قد قدرت التكاليف المرتبطة بمرض باركنسون العصبي بما يُعادل 15 مليار دولار سنوياً. ولكن دراسات أميركية أحدث قدرت (عام 2017) أن التكلفة الإجمالية لهذا المرض في الولايات المتحدة وحدها تجاوزت 52 مليار دولار في العام (عدد 9 يوليو (تموز) 2020 من مجلة نيتشر العلمية Nature).
وأضافوا القول: «ولتطوير خطة عمل عالمية مشتركة بشأن الاضطرابات العصبية، عقدت وحدة صحة الدماغ في منظمة الصحة العالمية في أبريل (نيسان) 2021 ورشة عمل استشارية دولية متعددة التخصصات ومتوازنة بين الجنسين، حددت خلالها 6 طرق عملية للعمل في مجالات عبء المرض، والتنبه والمعرفة، والوقاية وتقليل المخاطر، والتشخيص والعلاج والرعاية، ودعم مقدمي الرعاية والبحث العلمي».
وأكد الباحثون في الخلاصة بالقول: «الزيادة الهائلة في حالات مرض باركنسون العصبي في العديد من مناطق العالم، والتكاليف المحتملة للعلاج، سوف تحتاج إلى معالجة لمنع إجهاد الخدمة الصحية المحتمل».

جهود طبية

وفي الجانب الإكلينيكي التطبيقي، تتركز الجهود الطبية الحالية على كل من الاكتشاف المبكر للعلامات الدالة على بدء المعاناة من هذا المرض العصبي، والتثقيف الصحي حول جوانبه. وكذلك استخدام الأدوية والوسائل العلاجية غير الدوائية في معالجة أولئك المرضى، وتتبع نتائج استخدامها. إضافة إلى دعم اتخاذ المريض ومقدمي العناية الصحية به، الوسائل التي تُسهل عيش الحياة اليومية براحة وإنتاجية وجودة أفضل.
وفي جانب البحث العلمي، تتركز الجهود على مزيد من الفهم للآليات المرضية التي تتسبب في الإصابة بمرض باركنسون العصبي، كما تتركز حول البحث عن وسائل علاجية أكثر فائدة، بناء على الفهم الأفضل للمرض وآليات نشوئه.
> الأعراض. ومن نواحي الأعراض، وكما تشير العديد من مصادر طب الأعصاب، فإنها يمكن أن تختلف من شخص لآخر. ولذا قد تكون مؤشرات المرض المبكرة خفيفة لدى البعض، وتستمر دون ملاحظة من المريض أو حتى من الطبيب الذي يتابعه لحالات مرضية أخرى. وغالباً ما تبدأ في الظهور في أحد جانبي جسم المريض وتظل أكثر شدة فيه، حتى بعد أن تظهر الأعراض لاحقاً في الجانب الآخر.
والأعراض المقصودة هنا قد تتنوع، مثل الرعاش أو الارتجاف في اليد أو الأصابع، وخاصة عندما يكون الشخص في حالة ارتخاء. لأن الرعشة التي تبدأ مع القيام بحركة لليد قد تكون أسبابها حالات أخرى. وقد تتباطأ الحركة أثناء أداء المهام البسيطة، كالمشي أو النهوض. ولكن هذا التباطؤ قد يحصل في حالات أخرى، وقد يكون نتيجة الضعف البدني مع التقدم في العمر. وكذلك الحال مع تيبس العضلات وعدم اتخاذ وضعية طبيعية للجلوس أثناء الوقوف أو الجلوس.
ويضيف أطباء الأعصاب في مايوكلينك بالقول: «قد تتقلص قدرتك على أداء الحركات اللاإرادية، بما في ذلك رَمش العين أو الابتسام أو أرجحة ذراعيك عند المشي». وقد يرافق ذلك مشاكل في البلع ومضغ الأكل واضطرابات في النوم، وعدم القدرة على التحكم في البول أو صعوبة التبول والإمساك، وتغيرات في ضغط الدم وضعف حاسة الشم والشعور بالإرهاق وآلام في مناطق من الجسم. ولأن غالبها عبارة عن أعراض قد تحصل في حالات مرضية متعددة، فإنهم يضيفون بالقول: «زر طبيبك إذا كنت تَشعر بأي من الأعراض المصاحبة لمرض باركنسون، ليس فقط لتشخيص حالتك ولكن أيضاً لاستبعاد الأسباب الأخرى لأعراضك».
> الأسباب. ويُرجح كثير من الباحثين الطبيين أن الحالة المرضية سببها فقد الخلايا العصبية التي تنتج الناقل العصبي في الدماغ، المُسمَّى الدوبامين. ويتسبب انخفاض مستويات الدوبامين في اضطراب نشاط الدماغ، والذي يؤدي بدوره إلى حدوث خلل في الحركة، إضافة إلى أعراض مرض باركنسون الأخرى. وتذكر مصادر طب الأعصاب ضعف دور الوراثة في نشوء هذه الحالة المرضية، وعدم وضوح مدى تأثير العوامل البيئية، بقولهم: «التعرُض المستمر لمبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية قد يرفع معدل خطورة إصابتك بمرض باركنسون بنسبة طفيفة». ولكن الفحص المجهري لأنسجة الدماغ يُفيد باحتمالات تسبب تراكم مواد كيميائية معينة فيما بين خلايا الدماغ. وذلك بقولهم: «وجود كُتل لمواد مُحددة في خلايا الدماغ هي علامات مجهرية لوجود مرض باركنسون. وتُسمَى «جُسيمات ليوي»، ويعتقد الباحثون أن هذه الجسيمات تحمل مفتاحاً مهماً للسبب وراء مرض باركنسون». ويضيفون: «رغم وجود العديد من المواد في جُسيمات ليوي، يعتقد العلماء أن أهمها هو البروتين الطبيعي والواسع الانتشار المُسمَّى ألفا سينوكلين. فهو موجود في كل جُسيمات ليوي في هيئة تكتُلات تعجز الخلايا عن تكسيرها. وهذا أحد مجالات التركيز المهمة حالياً بين الباحثين المتخصصين في مرض باركنسون».

مجالات محدودة للوقاية... وآفاق واعدة لمعالجة مرضى باركنسون

> حتى اليوم، يظل جانب الوقاية من مرض باركنسون العصبي غير واضح. ويقول أطباء الأعصاب في مايوكلينك: «نظراً لأن سبب مرض باركنسون غير معروف، فإن الطرق المثبتة للوقاية منه ما زالت أيضاً غامضة. وأظهرت بعض الأبحاث أن ممارسة التمارين الهوائية بانتظام قد تُقلل من خطر الإصابة بمرض باركنسون.
وأظهرت بعض الأبحاث الأخرى أن الأشخاص الذين يستهلكون الكافيين يصابون بمرض باركنسون بمعدل أقل، مقارنة بمن لا يتناولونه. ويرتبط الشاي الأخضر أيضاً بانخفاض خطر الإصابة بمرض باركنسون.
ومع ذلك، لا يزال من غير المعروف ما إذا كان الكافيين يَحمي فعلاً من الإصابة بمرض باركنسون، أم أن هناك ما يربطه بالأمر على نحو آخر. وفي الوقت الحالي، لا تُوجد أدلة كافية لاقتراح تناول المشروبات الغنية بالكافيين بهدف الحماية من مرض باركنسون».
ولأنه لا يمكن علاج مرض باركنسون حتى اليوم، فإن الرعاية الطبية للمصابين ترتكز على جانبين رئيسيين: الجانب الأول، السيطرة على الأعراض، عبر إما تلقي الأدوية التي يمكن أن تساعد بشكل كبير غالباً، أو الوسائل العلاجية الجراحية، والتي منها الاستثارة العميقة للمخ، عبر زراعة الجراح لمسارات كهربائية داخل جزء محدَد من الدماغ.
والجانب الآخر، المساعدة في التكيف مع متطلبات عيش الحياة اليومية وممارسة أكبر قدر ممكن من أنشطتها، مثل ممارسة التمارين الهوائية المستمرة، والعلاج الطبيعي الذي يركز على التوازن وتمارين الإطالة للعضلات، والاستعانة باختصاصي أمراض النطق في تحسين مشاكل النطق، والتعامل مع صعوبات البلع والإخراج واضطرابات النوم.
وبشيء من التوضيح حول الأدوية، التي قد تخفف من مشكلات المشي والحركة والرُعاش، فإن مرضى باركنسون لديهم تركيزات منخفضة من الدوبامين في الدماغ. والإشكالية أن الدوبامين لا يمكن إعطاؤه مباشرة كدواء للعمل في الدماغ، لأنه لا يمكن أن يعبر من الدم إلى الدماغ. وبالتالي يتم استخدام أدوية تعمل على تحفيز إنتاج المزيد من الدوبامين في الدماغ، أو تعمل نفس عمله تقريباً. والإشكالية الأخرى، أن الأعراض الحركية للعضلات قد تتحسن تحسناً واضحاً في بدء تلقي العلاج، ولكن فوائد تلك الأدوية كثيراً ما تتلاشى أو تصبح أقل انتظاماً. ومع ذلك لا يزال بالإمكان السيطرة على الأعراض بشكل معقول.
ومن أشهر الأدوية عقار ليفودوبا، وهو الدواء الأكثر فاعلية لداء باركنسون، وهو مادة كيميائية طبيعية تمر إلى داخل الدماغ، وتتحول فيه إلى دوبامين. ويُضاف إليه عقار كاربيدوبا، الذي يحمي ليفودوبا من التحول المبكر إلى الدوبامين خارج الدماغ. وذلك لتجنب الآثار الجانبية، كالغثيان أو الدوار.
وثمة دواء يجمع بين العقارين، ويتم تلقيه عبر الاستنشاق. وخاصة عندما يضعف تأثير تناولهما عبر الفم. وفي مراحل متقدمة من المرض، يُمكن إعطاء العقارين عبر أنبوب تغذية يُوصل الدواء مباشرة إلى الأمعاء الدقيقة، كي تظل مستويات العقارين في الدم ثابتة. وهناك عقاقير تحاكي تأثيرات الدوبامين في الدماغ. ويتم تلقيها إما عبر الفم أو لصقة جلدية أو بالحقن. وهناك أنواع أخرى من الأدوية التي تعمل بآليات أخرى.
والوسيلة الجراحية، أي الاستثارة العميقة للمخ DBS، يتم فيها زراعة مسارات كهربائية داخل جزء محدد من الدماغ. وتتصل هذه المسارات الكهربائية بمولِد مزروع في الصدر (قرب عظمة التُرْقُوَة)، ويُرسل نبضات كهربائية إلى الدماغ، ما قد يُخفف من أعراض مرض باركنسون. ويضبط الطبيب إعدادات هذا النظام حسبما يلزم لمعالجة حالة المريض. وهو خيار علاجي للمصابين بالمرحلة المتقدمة من مرض باركنسون، الذين تكون استجاباتهم للأدوية غير مستقرة أو غير ذات جدوى. وتحديداً، لتقليل الحركات اللاإرادية أو إيقافها وتقليل الرُعاش وتقليل الصلابة وتحسين بطء الحركة. ويفيد أطباء الأعصاب في مايوكلينك بالقول: «رغم أن الاستثارة العميقة للمخ قد تعالج أعراض باركنسون على نحو مستدام، فإنها لا تمنع مرض باركنسون من التطور».


مقالات ذات صلة

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الناس يشعرون بعدم الثقة جرّاء ضغوط في العمل (أ.ف.ب)

نصائح لتعزيز الثقة بالنفس وزيادة القدرات الذهنية

يُعدّ الشعور بعدم الثقة بالنفس من المشاعر التي يصعب التعامل معها، وقد نشعر بها جرّاء عوامل خارجية، مثل اجتماع سيئ مع المدير في العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك «أوزمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

«أوزمبيك»... «نافورة شباب» تبطئ الشيخوخة

وجد باحثون أن دواء إنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» قد يبطئ الشيخوخة وله «فوائد بعيدة المدى» تتجاوز ما كان متصوراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (رويترز)

منظمة الصحة: تفشي جدري القردة في أفريقيا قد ينتهي خلال 6 أشهر

أعرب رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن اعتقاده أن تفشي فيروس جدري القردة في أفريقيا قد يتوقف في الأشهر الستة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية
إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية
TT

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية
إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين، وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة، لكن الآن، يُسبب لنا ضرراً لأننا، وفق موقع «ذا تلغراف»، نتناول منه نحو 8.4 غرام في اليوم، وهو أكثر من الحد الأقصى المسموح به، الذي يعادل ملعقة صغيرة واحدة (أي نحو 6 غرامات).

يسهم هذا الاستهلاك المرتفع في ارتفاع ضغط الدم، الذي يصيب واحداً من بين كل 3 أشخاص، ويزيد احتمال الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، واكتشف العلماء الآن أنه يعرض سلامتنا للخطر من خلال اضطراب الأمعاء.

تقول الطبيبة، إميلي ليمينغ، عالمة الميكروبيوم (الميكروبات) واختصاصية التغذية، إن استهلاك كمية كبيرة من الملح تحدث خللاً في توازن الميكروبات في الأمعاء.

تشير إحدى الدراسات التي نُشرت في مجلة «نيتشر»، وشملت 12 مشاركاً تناولوا كبسولة يومية تحتوي على 6 غرامات من الملح إلى جانب نظامهم الغذائي المعتاد، ما رفع استهلاكهم اليومي من الملح إلى نحو 14 غراماً، إلى أن الميكروبات المفيدة «اللاكتوباسيلس» كانت قد اختفت.

عبوة ملح على طاولة الطعام (غيتي)

وتوضح إميلي ليمينغ: «هذا يعني أن بكتيريا الأمعاء أصبحت أقل قدرة على صنع جزيئات خاصة تُعرف باسم الأحماض الدهنية ذات السلسلة القصيرة التي تُساعد على خفض الالتهابات، واسترخاء الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم».

وتشير الأبحاث أيضاً، وفقاً لموقع «ذا تلغراف»، إلى أن استهلاك كمية أكبر من الملح يؤدي لاختلال الشهية لأنه يتدخل في إطلاق هرمون «ببتيد شبيه بالغلوكاكون- 1» (GLP-1) وهو هرمون تنتجه الأمعاء بعد تناول الطعام لإطلاق الشعور بالشبع.

وتضيف ليمينغ: «هذه النتائج ترجح أن الأنظمة الغذائية الغنية بالملح قد تجعلنا أكثر جوعاً».

وتابعت: «هناك ارتباط مقلق بالسرطان أيضاً، فنحو 4 حالات من بين كل 10 حالات من سرطان المعدة تسببها العدوى ببكتيريا (الهليكوباكتر بيلوري). واستهلاك كميات زائدة من الملح يمكن أن يتلف طبقة المعدة، ما يجعلها أكثر عرضة لهذه العدوى».

ومع ذلك، هذا لا يعني أنه يجب التخلي تماماً عن الملح في نظامنا الغذائي.

إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

تقول ليمينغ: «الملح مهم لأنه يساعد عضلاتنا على العمل بشكل صحيح، ويتيح للأعصاب إرسال الإشارات، ويحافظ على توازن الماء والمعادن في أجسامنا».

ومع ذلك، تقدر أن الجسم يحتاج فقط إلى ربع ملعقة صغيرة (نحو 1.25 غرام) يومياً، والتي يحصل عليها معظم الأشخاص من نظامهم الغذائي دون وضع عبوة ملح على مائدة الطعام، حتى لو كانوا يتجنبون عموماً الأطعمة المعالجة.

كيفية تقليل استهلاك الملح

تقول إميلي ليمينغ: «أول خطوة هي استخدام كمية أقل من الملح أثناء الطهي، أو على طاولة العشاء وتعويض الطعم بإضافة الأعشاب والتوابل».

وينقل «ذا تلغراف» عن أبحاث، أن استخدام القرفة أو الثوم يساعد في خفض ضغط الدم، في حين يمكن للفلفل الحار والزنجبيل والروزماري أن تساعد في إدارة مستويات السكر في الدم. أو استخدام الملح قليل الصوديوم، الذي يُشبه مذاقه الملح العادي، لكن يحتوي على جزء بسيط من الصوديوم، وهو أحد العناصر الكيميائية التي ترفع ضغط الدم.

استخدام بديل الملح عند الطهي ارتبط بانخفاض خطر الوفاة المبكرة لأي سبب (رويترز)

ويضيف: «مع ذلك، فإن هذه التغييرات ستقلل استهلاكك إلى حد معين فقط؛ إذ يتم تضمين نحو ثلاثة أرباع كمية الملح التي نستهلكها في نظامنا الغذائي مسبقاً في الأطعمة التي نشتريها. فيحتوي الكاتشب على نحو 0.3 غرام لكل جرعة، والبيتزا ما بين 2-4 غرامات، والخبز نحو 0.4 غرام لكل شريحة، والشوربة نحو 2.2 غرام لكل طبق».

وتقترح الطبيبة إميلي ليمينغ «النظر إلى المكتوب على ظهر عبوة المنتج، واختيار المنتجات ذات الكميات الأقل ملحاً». وكذلك توصي بأن يكون «نصف طبق وجبتي الغداء والعشاء من الخضراوات وتناول الفواكه مرتين يومياً على الأقل».

بائع يعرض العنب للبيع (إ.ب.أ)

وتشير إميلي ليمينغ إلى أن «بعض الأبحاث الحديثة سلطت الضوء على أن النسبة بين الصوديوم والبوتاسيوم قد تكون أكثر أهمية للصحة، من قياس مستويات الصوديوم وحدها». والبوتاسيوم، الذي يوجد في الموز والفطر والأفوكادو، يساعد في إزالة الملح من مجرى الدم.

وتختتم: «لذلك، فإن الأطعمة المخمرة لا تزال خياراً صحياً، رغم احتوائها على كميات عالية من الملح، لأنها غنية بالبوتاسيوم والألياف، إضافة إلى مواد نباتية ثانوية مفيدة أخرى».