ليبيون يطالبون المحكمة العليا بحماية «المسار الدستوري»

رئيس المحكمة العليا في ليبيا المستشار محمد الحافي (يسار) يسلم محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي درع المحكمة في لقاء سابق
رئيس المحكمة العليا في ليبيا المستشار محمد الحافي (يسار) يسلم محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي درع المحكمة في لقاء سابق
TT

ليبيون يطالبون المحكمة العليا بحماية «المسار الدستوري»

رئيس المحكمة العليا في ليبيا المستشار محمد الحافي (يسار) يسلم محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي درع المحكمة في لقاء سابق
رئيس المحكمة العليا في ليبيا المستشار محمد الحافي (يسار) يسلم محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي درع المحكمة في لقاء سابق

وسط تباين في وجهات النظر، طالب سياسيون ليبيون، المحكمة العليا بالبلاد، بالدخول على خط الأزمة السياسية لحماية «المسار الدستوري» من «أي خروقات تكون قد طالته خلال الفترة الماضية»، بالإضافة إلى تفعيل مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
وكانت الجمعية العمومية للمحكمة العليا في ليبيا قررت أمس، إعادة تفعيل الدائرة الدستورية للنظر في الطعون والفصل فيها، وذلك بعد تعطيلها نحو سبع سنوات، وسط انقسام بين مؤيد ومعارض.
وأمام التخوف من أن يمثل قرار الجمعية العمومية اتساعاً لحيز الصراع على السلطة في ليبيا، اعتبر المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا، في بيان اليوم، أن تفعيل الدائرة الدستورية «يُبعد البلاد عن شبح الحرب وفوهات البنادق، وذلك من خلال التوجه إلى المحكمة الدستورية في حل الخلافات السياسية كافة، وقبول ما يصدر عنها من قرارات لحقن الدماء».
ورأى المجلس الأعلى للحكماء أن هذا القرار «يحد من التنافس المحموم على السلطة بعدما شهدت البلاد تحشيداً عسكرياً وإعلامياً في غياب التوافق على قاعدة دستورية، وقانون انتخاب يضمن حقوق الجميع وواجباته». وأبدى المبروك الخطابي عضو مجلس النواب، توجسه من أن يكون استئناف عمل الدائرة الدستورية «بداية فصل جديد من الأزمة؛ ومحاولة لإدخال القضاء من جديد كطرف رئيسي في الصراع على غرار ما حدث عام 2014».
وفيما يتعلق بـ«المسار الدستوري»، اعتبرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أن قرار الجمعية العمومية من شأنه «التصدي لكل الخروقات التي طالت المسار الدستوري»، وعدّت هذا القرار «تكريساً لمفاهيم دولة القانون والدستور». والهيئة التأسيسية لمشروع الدستور، تم انتخابها في فبراير (شباط) 2014، وتتكون من 60 شخصاً، يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي. وانتهت في 2017 من إقرار «مسوّدة الدستور» بأغلبية الأصوات، ورفعتها في حينها إلى البرلمان في طبرق (شرق) لإقرارها. وكانت الهيئة التأسيسية استبقت دعوة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، لتشكيل لجنة لصياغة دستور توافقي، بعيداً عن المسوّدة التي أقرتها، وقالت إن هذه الخطوة «ستجرّ البلاد لمزيد من التأزم».
ودعت الهيئة التأسيسية، المحكمة العليا، أمس، إلى ضرورة «حماية المسار الدستوري من أي تصرفات مخالفة لأحكام الإعلان الدستوري والتشريعات النافذة». واعتبر بعض السياسيين أن إقدام مجلس النواب على تعديل القانون الخاص بالمحكمة العليا، منتصف الأسبوع الماضي، فتح جبهة للصراع بين المؤسستين، معتقدين أن هذه الأجواء ستسهم في إقدام الأخيرة على إعادة النظر في قوانين الانتخاب الصادرة عن البرلمان.
غير أن الجمعية العمومية للمحكمة العليا، تعهدت خلال اجتماعها بالعاصمة طرابلس، أمس، برئاسة المستشار محمد الحافي، بأن المحكمة «لن تنحاز إلى أي طرف من الأطراف وستعلي شأن الوطن والمبادئ والقواعد الدستورية المقررة». ورأى سعد بن شرادة عضو المجلس الأعلى للدولة، أن تفعيل الدائرة الدستورية يعد بمثابة «القشة التي ستقصم ظهر البعير»، وأرجع ذلك «لعدم دستورية الأجسام السياسية الموجودة راهناً بداية من مجلس النواب وصولاً إلى الأجسام التنفيذية». وأضاف بن شرادة، في تصريح لوسائل إعلام محلية: «إذا استقبلت الدائرة الدستورية طعوناً في الأجسام الموجودة، فإنها ستزيحها من المشهد جميعاً».
وسبق للمستشارة الأممية السابقة في ليبيا ستيفاني ويليامز، القول إن فترة صلاحية مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» انتهت منذ فترة طويلة.
وفيما تحدث الحبيب الأمين وزير الثقافة الليبي الأسبق، عن وجود «سلطات جديدة تدخل حيز الصراع»، قال إن «الاستعجال في كيل المديح للحافي، والجمعية العمومية، بشأن فتح الدائرة الدستورية، سيفقد (الحراك الشعبي) والنخبوي ورقة الضغط على كل (الأجسام اللاشرعية) للتنحي من أمام خيار الانتخابات». واستكمل الحبيب في تغريدات له عبر حسابه على «تويتر»: «التقدير لخطوة فتح الدائرة ينبغي أن يتحول للضغط أيضاً، لما ستقدم عليه من فتح لملفات وقضايا وطعون لنعرف أثر التسيس وبصمة التحالفات وحقيقة الحياد وطهرانية الضمائر ومهنية ونزاهة التقاضي».
وانتهى الحبيب إلى أن «المشهد التقليدي راكم كثيراً من الخيبات بسبب مخاتلات السماسرة ومخادعات متعددي الولاءات ومفاجآت لا تحكمها معايير الوطنية ولا النزاهة ولا الموضوعية».
وأعرب حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا، عن أمله في «تسهم هذه خطوة تفعيل الدائرة الدستورية المهمة في صون المسار السياسي، للوصول إلى عقد انتخابات حرة نزيهة وشفافة مبنية على أسس قانونية صحيحة».
وقال الحزب، في بيان له، اليوم، إنه «على ثقة في أن الدائرة الدستورية سوف تركز في عملها على الأولويات في جملة القضايا والطعون التي ستصل إليها؛ انطلاقاً من حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد واحتياجاتها».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
TT

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

أعاد نفي مصري لتقارير إسرائيلية عن استعداد القاهرة شن هجمات عسكرية ضد جماعة «الحوثي» في اليمن، تساؤلات بشأن أسباب إحجام مصر عن التدخل عسكرياً في اليمن، رغم ما تعانيه من تداعيات اقتصادية جراء هجمات «الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لا تفضل أن تقوم بأعمال عسكرية خارج حدودها»، وأشاروا إلى أن القاهرة «تدرك أن توترات البحر الأحمر سببُها استمرارُ الحرب في غزة»، ومن هنا فهي تُفضل «الطُرق الدبلوماسية لوقف الحرب».

ونفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، ما تناولته تقارير إعلامية إسرائيلية عن «قيام مصر باستعدادات بهدف التدخل العسكري في اليمن».

وذكر المصدر المصري المسؤول، في تصريحات أوردتها قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن مثل هذه التقارير، وما تتضمنه من معلومات «مُضللة»، ليس لها أساس من الصحة.

وادعت تقارير إسرائيلية أن «مصر تستعد لضرب الحوثيين بعد تكبدها خسائر اقتصادية كبرى جراء تصاعد التهديدات ضد هيئة قناة السويس التي تعد شرياناً حيوياً للتجارة العالمية».

كما زعمت التقارير أيضاً أن مصر «أبدت رغبة متزايدة في لعب دور فعال في الصراع اليمني، مع تجهيز طائرات لتنفيذ عمليات جوية تستهدف الحوثيين، الذين أثاروا مخاوف متزايدة حول سلامة الملاحة عبر البحر الأحمر».

نيران اشتعلت في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر خلال وقت سابق (رويترز)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما دفع شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر.

وعدَّ الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، التقارير الإسرائيلية، «محاولة للضغط على مصر ودفعها للعب دور في اليمن». وقال إن «مصر لن تشارك في أي عمل عسكري في اليمن»، مشيراً إلى أن القاهرة «تدرك أن السبب وراء التوترات في البحر الأحمر ليس في الحوثي أو في اليمن؛ بل في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة». وأضاف فرج: «لو توقفت الحرب الإسرائيلية في غزة سوف تتوقف الهجمات على السفن بالبحر الأحمر».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، وقال إن «المشكلة ليست في (الحوثي)، فما يحدث جزءٌ من حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، و(الحوثي) مجرد أداة، والقاهرة لن تتعامل مع الأدوات ولن تتورط في هذا الصراع».

وأضاف أن «القاهرة تؤمن بالحلول الدبلوماسية لأزمات المنطقة، ولن ترسل قواتها خارج الحدود، لا سيما مع إدراكها حجم التوترات على جميع حدودها، سواء في غزة أو ليبيا أو السودان».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 شكّلت الولايات المتحدة الأميركية، تحالف «حارس الازدهار» للرد على هجمات «الحوثي»، لكن مصر لم تعلن انضمامها له، وهو ما فسره خبراء آنذاك بأن القاهرة «تفضل المسار الدبلوماسي لحل الأزمة».

سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد يوسف أحمد، فإن رفض مصر التدخل عسكرياً ضد «الحوثي» في اليمن «دليل على موضوعية السياسة المصرية». وقال إن «مصر هي الخاسر الأكبر من هجمات الحوثي، لكنها على مدار أكثر من عام لم تدنها، واقتصرت التصريحات الرسمية على التأكيد على ضرورة تأمين الملاحة في البحر الأحمر».

وأرجع أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن «مشاركة مصر في أي تحالف حالياً ضد الحوثي قد ينظر له البعض على أنه دعم لتل أبيب في حربها على قطاع غزة».

وسبق وأشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي الذي يبدأ من يوليو (تموز) 2022 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2023، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي 2023 - 2024، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية الشهر الماضي، إن «إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023، مما يعني أن مصر خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024».

وذكرت مجلة «إسرائيل ديفنس»، الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، في تقرير نشرته في أكتوبر الماضي، أنه «رغم ما تعانيه مصر من خسائر بسبب توترات البحر الأحمر، فإنها ترفض القيام بعمل عسكري ضد جماعة الحوثي»، وأشارت حينها إلى أن «القاهرة تضع الاعتبارات الاستراتيجية والخوف من التصعيد الإقليمي والعلاقات السياسية مع العالم العربي فوق أي اعتبار».