تعزيز الصحة النفسية لعائلة طفل السكري

تعزيز الصحة النفسية لعائلة طفل السكري
TT

تعزيز الصحة النفسية لعائلة طفل السكري

تعزيز الصحة النفسية لعائلة طفل السكري

لا شك في أن مرض السكري من النوع الأول type 1 diabetes يغير حياة الطفل بشكل كامل، ويترك آثاراً عضوية ونفسية دائمة عليه. وبطبيعة الحال يشمل الأثر النفسي جميع أفراد الأسرة؛ خصوصاً الوالدين.
أحدث دراسة تناولت أسر الأطفال المصابين بمرض السكري أشارت إلى احتمالية أن يكون آباء وأقارب هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، بالمقارنة مع آباء الأطفال الآخرين؛ حيث يضع مرض أطفالهم في عمر صغير ضغوطاً نفسية عليهم أكثر من غيرهم.

ضغوط نفسية

كانت الدراسة التي قام بها علماء من معهد كارولنسيكا Karolinska Institute in Solna بالسويد، وتم نشرها في بداية شهر أغسطس (آب) من العام الجاري في مجلة رعاية مرضى السكري the journal Diabetes Care أوضحت أن العامل الوراثي ربما يحمل دوراً مهماً في إصابة الأقارب بالأمراض النفسية، بجانب الضغوط الواقعة عليهم نتيجة لإصابة أحد أفراد العائلة. وشددت على أهمية أن يكون هناك فحص كامل للأمراض النفسية والعقلية للطفل المصاب وذويه أيضاً.
أوضح الباحثون أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن جميع الفحوصات تكون موجهة للطفل فقط، وليس للأسرة كلها. وعلى سبيل المثال فإن إرشادات الجمعية الدولية للأطفال والمراهقين مرضى السكري من النوع الأول، لا تلبي بشكل كافٍ احتياجات أفراد الأسرة النفسية، ولا تبحث عن أعراض القلق والاكتئاب لدى الآباء خاصة، وهم معرضون لخطر الإصابة بمشكلات الصحة العقلية مثل الأبناء.
من المعروف أن معدل انتشار الحالة النفسية السيئة للآباء بعد إصابة أبنائهم بالنوع الأول يتراوح بين 10 في المائة و74 في المائة. وفي المتوسط تبلغ النسبة 33.5 في المائة عند التشخيص، و19 في المائة من الآباء بعد الإصابة بفترة تتراوح بين سنة و4 سنوات. وكانت الحالة النفسية السلبية تتدرج من البسيطة إلى شدة الضيق. وربما يكون ذلك ناتجاً من رؤيتهم للطفل وهو يعاني من الإجهاد والاكتئاب. والأهم أن الضيق النفسي للآباء كان له آثار سلبية على التعامل مع مرض أطفالهم، ومراعاة تنظيم الغذاء، والالتزام بجرعات العلاج نتيجة شعور الآباء بالذنب حيال إصابة الأبناء.
قام الباحثون بمراجعة بيانات وتتبع ما يقرب من 3.5 مليون شخص تمت ولادتهم في السويد بين عامي 1973 و2007، وأيضاً تم فحص بيانات والديهم وإخوتهم الأشقاء والإخوة غير الأشقاء، وكذلك الأقارب مثل أبناء العمومة وقرابة الدرجة الأولى والثانية، ومن هؤلاء الأشخاص كان هناك أكثر من 20 ألف شخص تم تشخيصهم في مرحلة الطفولة بمرض السكري من النوع الأول. وهؤلاء وجد الباحثون أن لديهم ما يقرب من ضعف خطر الإصابة بالاكتئاب، وحوالي 1.6 مرة من مخاطر القلق والاضطرابات المرتبطة بالتوتر من أولئك الذين لا يعانون من المرض.

رعاية شاقة
وجد الباحثون أيضاً من خلال التاريخ المرضي أن آباء الأطفال المصابين وإخوتهم الأشقاء كانوا أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاضطرابات المرتبطة بالتوتر العصبي، بينما كانت نسبة الإصابة بين الإخوة غير الأشقاء وأولاد العمومة أقل من بقية أفراد الأسرة، ولكن لا تزال هناك مخاطر لإصابتهم أعلى قليلاً من الأشخاص العاديين. وقالوا إن النتائج تشير إلى احتمالية أن تكون العوامل الوراثية لها دور في الإصابة؛ لأن الآباء والأطفال والأشقاء يتشاركون في المواد الجينية (بنسبة تبلغ حوالي 50 في المائة) وبذلك تكون النسبة أكثر من غير الأشقاء (حوالي 25 في المائة)، وأيضاً أبناء العمومة (أقل من 12.5 في المائة)، وهذه النتائج يجب وضعها في الحسبان أثناء العلاج حتى يكون العلاج النفسي جماعياً.
يجب على الأطباء الوضع في الاعتبار أن رعاية طفل مصاب بالنوع الأول تعتبر تجربة شاقة ومجهدة على الأسرة، وتتطلب يقظة مستمرة وتغيير روتين الحياة اليومي. ويتعايش الآباء مع القلق المستمر بشأن نقص السكر في الدم hypoglycemia بجانب الشعور بالمسؤولية تجاه صحة الطفل بشكل عام، وكذلك التوتر المستمر من تأثير المرض على التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى أن حالة الآباء تؤثر على التواصل بين أفراد الأسرة بشكل عام، وتزيد من الخلافات الأسرية، وتقلل من ثقة الطفل في نفسه وتوفير الدعم النفسي له.
نصحت الدراسة الآباء بضرورة معرفة معلومات كافية عن مرض الطفل من الأطباء والمواقع الطبية المتخصصة، للتعامل الأمثل مع المرض والسيطرة على المشاعر السلبية المختلفة، مثل الشعور بالذنب خاصة، مع معرفة أن مرض السكري في الأساس مرض مناعي، وبالتالي لا يوجد أي احتياطات خاصة كان يمكن للآباء استخدامها. وأيضاً يجب معرفة أنه من الطبيعي تماماً أن يشعروا بالحزن وقت إصابة أبنائهم؛ لكن لا بد أن يتخلصوا من هذه المشاعر بعد فترة قصيرة.
وأكدت الدراسة على ضرورة أن يقوم الآباء بملاحظة الحالة النفسية لإخوة الطفل المريض؛ لأنهم من الممكن أن يشعروا بمشاعر سلبية نتيجة للاهتمام المتزايد بالطفل المريض، أو الشعور بالاستياء نتيجة للحرمان من بعض المأكولات المعينة الغنية بالسكريات، والتي يمكن أن تكون محببة لهم، بجانب أن هناك بعض الإخوة يشعرون بالقلق من احتمالية أن يصابوا بالمرض مثل الأخ، وأيضاً يمكن أن تسوء حالتهم نتيجة لحزنهم على الأخ المصاب؛ لأنه يخضع لنظام دقيق في الطعام والرياضة والعلاج.

مشكلة أسرية
وفى النهاية، أكدت الدراسة ضرورة التعامل مع مرض السكري على أنه مشكلة أسرية متكاملة من الناحية الصحية والاجتماعية، وعلى الرغم من أن المرض يلازم الطفل بقية حياته، فإن التحكم الجيد في مستويات الغلوكوز عن طريق العلاج يجعل المصاب شخصاً عادياً تماماً مثل بقية الأقران، ولا يتعرض للمضاعفات.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».